موقعنا الجديد، مع التقدير

موقعنا الجديد، مع التقدير
نأسف لإزعاجكم، انتقلنا إلى هنا رجاءً، يرجى الضغط على الصورة للانتقال إلى موقعنا الجديد

الأربعاء، 23 مايو 2012

دروس فرنسية في الديمقراطية

أصرَّ الصديق الأستاذ نواف شاذل طاقة على نكء الجروح في مقالته هذه التي بعث لنا بها، مقارناً فيها بين ديمقراطيتين، فرنسية وعراقية، مستعرضاً بعض ماجرى يوم تنصيب الرئيس الفرنسي الجديد فرانسوا هولاند.





دروس فرنسية في الديمقراطية


نواف شاذل طاقة

شهدت فرنسا خلال الأشهر الأربعة الماضية حملة انتخابية شرسة بين 10 خصوم سياسيين كبار تنافسوا خلالها على منصب رئيس الجمهورية الفرنسية. وبعد جولة من التصفيات الانتخابية، انتهت الجولة الأخيرة من الحملة هذه إلى مواجهة وصفتها الصحف الفرنسية بالمبارزة بين اثنين من أولئك المتنافسين، وهما مرشح اليمين الفرنسي، الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، أو كما يطلق عليه الإشتراكيون، "مرشح الأغنياء"، وخصمه العتيد، الزعيم الاشتراكي فرانسوا هولاند، الذي طرح نفسه منذ بدء حملة الانتخابات بوصفه الرئيس "الطبيعي"، القريب من المواطن العادي، والمبتعد عن العنصرية ومعاداة الأجانب.
وشهدت الحملة الانتخابية التي قادها الخصمان مشادات كلامية وصلت في بعض الأحيان إلى حد التجريح. ففي المناظرة التلفزيونية الوحيدة التي أجراها المتنافسان اتهم نيكولا ساركوزي خصمه بالكذب فيما رد فرانسوا هولاند عليه بعبارات لا تقل شدة، حتى قالت وسائل الاعلام الفرنسية أن هذه الحملة الانتخابية شهدت تجاذبا وحوارا قاسيا لم تشهده أيا من الحملات الانتخابية للرئاسة من قبل.
ولكن بعد أقل من ثلاثين دقيقة من صدور النتائج الأولية للانتخابات التي أظهرت فوز المرشح الاشتراكي هولاند، سارع نيكولا ساركوزي إلى الإعلان على شاشات التلفزيون وأمام أنصاره بأنه خسر الانتخابات وأنه يتحمل مسؤولية تلك الخسارة، ثم قدم التهاني لخصمه هولاند، بل وطالب أنصاره باظهار الاحترام للرئيس المنتخب.
وكان الرئيس ساركوزي قد حصل على 48.4 % من أصوات الناخبين الفرنسيين مقابل 51.6 % لصالح خصمه الاشتراكي هولاند، وهي نتيجة ليست متباعدة مما حدى بالرئيس الفائز هولاند لأن يعترف في خطاب النصر أمام الجماهير المحتشدة بأن النتائج لم تكن متباعدة وأنه يكن الاحترام لوجهات نظر العدد الكبير من الناخبين الذين صوتوا ضده.
وفي الخامس عشر من مايس/مايو، موعد حفل تسلم الرئيس الجديد هولاند لمقاليد السلطة، تابعت كاميرات التلفزيون الرئيسين، المنتهية ولايته والمنتخب، وهما يخرجان من مسكنيهما، حيث تعود هولاند خلال الاسابيع الماضية على الخروج صباح كل يوم إلى المواطنين الذين ينتظرون رؤيته عند بوابة داره لمصافحتهم وتبادل أطراف الحديث معهم دون أي رقيب أو تقييدات أمنية. ونقلت الكاميرات مشهد موكب الرئيس المنتخب وهو يتوجه إلى قصر الاليزيه، الذي دُشن في القرن الثامن عشر على عهد الملك لويس الخامس عشر، لحضور حفل تسليم مقاليد السلطة، إذ شوهدت سيارة الرئيس هولاند وهي تجتاز وسط المدينة وتقف عند كل إشارة ضوئية حمراء في الشارع احتراما لقوانين المرور.

ولاحظ الصحفيون أيضا أن موكب الرئيس هولاند حرص على ألاّ تتجاوز سرعة سيارة الرئيس ومرافقيه 50 كليومترا بالساعة وهي السرعة المحددة داخل المدينة. كما حرص الرئيس الجديد أيضا على أن يأمر مرافقيه وحمايته بعدم استخدام صفارات التنبيه التي تستخدمها عادة عجلات الأمن عند مرافقة كبار المسؤولين في شوارع المدينة أثناء مرورها كي لا تزعج المواطنين وتعرقل سيرهم.
وفي طريقه إلى الاليزيه، حيث رافق موكبه عدد محدود من الدراجات البخارية التابعة للأمن الرئاسي الفرنسي، تعقب الموكب عدد كبير من الدراجات البخارية وعلى متنها صحفيون ومصورون زاحموا دراجات الأمن واجبروها في بعض الأحيان على التنحي جانبا كي يقتربوا من سيارة الرئيس لإلتقاط الصور. ولم يكن بوسع رجال الأمن منع هؤلاء الصحفيين والمصورين من الاقتراب من سيارة الرئيس، إذ لا ينص القانون الفرنسي على ما يمنع الصحفيين أو المواطنين، على حد سواء، من الاقتراب من رئيس الجمهورية.
ولدى وصول موكب الرئيس هولاند القصر الرئاسي مُنعت الدراجات البخارية الخاصة بالصحفيين من الوصول إلى بوابه القصر الرئاسي وهو الأمر الذي لم تلتزم به تلك الدراجات فتجاوزت الشرطة لكن أحدا لم يطلق عليها الرصاص كما يحصل في العراق بل وقف بعض من رجال الشرطة في منتصف الشارع معترضين الدراجات البخارية ومعرِّضين اجسادهم لخطر الدهس كي يمنعوها من الاقتراب من بوابة القصر.

من جانبه، استقبل الرئيس المنتهية ولايته، نيكولا ساركوزي، الرئيس المنتخب عند مدخل القصر الرئاسي أمام عدسات التلفزيون واجريا مراسم تسليم وتسلم المهام في قصر الاليزيه، ثم قام هولاند بعد ذلك بمرافقة ساركوزي مودعا له حتى عتبة بوابة القصر، ثم توجه الرئيس السابق  إلى سيارته حيث استقلها برفقة زوجته، وخرجا من القصر دون أية حماية فيما وقفت جموع المؤيدين لهما في باب القصر تهتف في وداعهما.
وفي الكلمة التي ألقاها الرئيس هولاند في حفل التنصيب أكد أنه سيكون رئيسا لكل الفرنسيين دون أي تمييز بين كبير وصغير، وبين فقير وغني، وأنه سيرعى الجميع على اختلاف معتقداتهم وأعراقهم وتوجهاتهم السياسية، مؤكدا على احترام البرلمان، وعلى ضمانة أن يواصل القضاء استقلاليته، وعلى صيانة كرامة المواطن واحترام القانون.
ولكي يؤكد الرئيس المنتخب هولاند عزمه على نهج مسار طبيعي مختلف عن سلفه، قرر ألاّ يدعو أولاده إلى حفل تنصيب الرئاسة في إشارة رمزية إلى ضرورة الفصل بين الحياة الخاصة والحياة العامة لرئيس الجمهورية. وبعد أن أنتهى الرئيس المنتخب من القاء كلمته تلك، توجه على الفور لحضور تكريم ذكرى شخصيتين فرنسيتين ساهمتا في بناء فرنسا المعاصرة وهما السياسي جول فيري، مُشرّع قانون إلزامية التعليم ومجانيته في فرنسا سنة 1881، وعالمة الفيزياء الشهيرة ماري كوري التي حصلت على جائزة نوبل للعلوم لمرتين متتاليتين سنة 1903 و 1911، وذلك في إشارة رمزية إلى الأهمية التي توليها الحكومة للتعليم المجاني والعلم والعلماء.
وبقي أن يٌقال أنه من بين أول المراسيم التي وقعها الرئيس الجديد هو قرار يقضي بخفض راتبه الشخصي، أي راتب رئيس الجمهورية، بنحو 30 % تعبيرا عن تضامنه مع الشعب في وجه الصعوبات الاقتصادية التي تعيشها البلاد.
أما القرار الثاني فقد قضى بتعيين مبعوث رئاسي خاص لمتابعة جهود الإفراج عن صحفي فرنسي معتقل في إحدى دول أمريكا الجنوبية، ليؤكد للمواطنين الفرنسيين أن حكومتهم الجديدة تحرص على الدفاع عن حريات الشعب في أقصى بقاء العالم.
ما القرا

لقد تابع العديد من العراقيين والعرب المقيمين في فرنسا، وربما في دول أخرى في المهجر، حفل تسليم مقاليد السلطة للرئيس الفرنسي المنتخب بإعجاب كبير بهذا التقليد الديمقراطي الحضاري العريق، ولكنهم من المؤكد شعروا بمرارة وحسرة عميقتين عندما التفتوا ليروا ما يجري في بلادهم المنكوبة.
واحسب أنه لم يكن بمقدور أي عراقي اطلع على هذا المشهد التاريخي سوى أن يتذكر المآسي التي حلت بالعراق على أيدي الحكام الذين جاءوا على ظهر الدبابات الأجنبية ليحكموا العراق باسم ديمقراطية مزورة كره العراقيون اليوم حتى السماع باسمها. ومن المؤكد أن يقارن العراقيون هذه التجربة بما يشاهدونه في بلادهم يوميا من جدران كونكريتية عازلة، وتجاوزات حمايات المسؤولين، الصغار منهم والكبار، ونقاط التفتيش الاستفزازية في كل شارع وحي، واغلاق المدن وحبس أهاليها داخل ديارهم عند كل صغيرة وكبيرة، والاعتقالات العشوائية، وفساد المسؤولين وتجاوزات أبنائهم، وغيرها الكثير الكثير من أوجه الفساد التي بات من العبث تعدادها.
وفي حين تدافع فيه الحكومات الرصينة في العالم عن رعاياها أينما كانوا وتحرص على رعاية العلم والعلماء، تمعن حكومة بغداد بالانتقام من شعبها من جهة، وتغض الطرف عن الجرائم التي ترتكب ضد العلماء وتشجع على تهجيرهم، من جهة أخرى، فيما تزج بخيرة أبنائها وقواها الوطنية وعلمائها في غياهب السجون بتهم ملفقة وباطلة.
أخيرا وليس آخرا، لابد لكل من استمع إلى كلمة الرئيس الفرنسي المنتخب فرانسوا هولاند أن لاحظ بأن الرئيس الفرنسي لم يزعم قط أنه، أو أي من نوابه، يمثلون هذه الفئة أو تلك، بل حرص كل الحرص أن يؤكد للشعب بأنه رئيس الجميع، في وقت يتشدَّق فيه قادة العراق المستوردين، يوميا، بانتمائهم الطائفي أو العرقي، فترى الزعماء يتبارون في الدفاع عن حقوق طوائفهم وقومياتهم حتى دفعوا بالعراقيين إلى الاصطفاف خلف تلك العناوين المتخلفة تاركين وراءهم هويتهم العراقية الكبيرة التي جمعتهم وحمتهم لأكثر من 90 سنة. 


هناك تعليق واحد:

ابو ذر العربي يقول...

يكفي القول ان عملاء الاحتلال في العراق هم من يقود البلد كواجهات للمحتلين
فهل العملاء سيكونون يوما اسياد ؟ لا والف لا
فالاناء ينضح بما فيه
وفاقد السيادة لا يعطيها لغيرة وكذلك الكرامة والحرية وهي صفات مرتبطة بهؤلاء العملاء
ولكم تحياتي

تنويه من المحرر

تنويه من المحرر
وجهات نظر موقع شخصي تماماً لا يمثل أي جهة أو حزب أو منظمة، ولا ينتمي إلا للعراق وأمته العربية والإسلامية، وهو محمي بالقانون وبميثاق الشرف الصحفي ولايسمح بإعادة النشر إلا بشرط ذكر المصدر.. الكتاب يتحملون مسؤولية مقالاتهم، والناشر غير مسؤول عنها..