عمران الكبيسي
بدءاً يعلم الجميع أن ثورة الربيع العربي في مصر وغيرها حراك شعبي عفوي ضد الاستبداد والفساد، ركبت موجته الأحزاب واختطفته، وهذا ينفي نظرية المؤامرة عن الربع العربي وشبهة التخابر مع الخارج التي يتبناها ظلما بعضهم، فالشعوب لا تتآمر على نفسها، وثانيا لم تكن الثورة من اجل الخبز وإنما طلبا للحرية والكرامة، وعلى هذا الأساس نحتكم، فماذا أعطت الثورة لمصر وماذا قدم لها المعارضون، فمصر أكبر دولة عربية تعقد عليها الآمال العربية، وتواجه اليوم خطرا داهما يستدعي الوقوف أمامه بحزم وطنيا وعربيا.
الثورة خلصت مصر من الطغمة الحاكمة وزمر النصب والفساد، وسيطرة العسكر وسطوتهم، وأعطت للمصريين الكرامة، ومنحتهم سقف حرية لم تتمتع به شعوب دول العالم الثالث، هيأت لهم انتخابات نزيهة لمجلس النواب والشورى، واستفتاء منح الشعب حق إقرار الدستور أو رفضه، واختيار رئيس البلاد على دورتين بانتخابات لم يشكك بنزاهتها. وليس من بين المصريين من ينكر اليوم أنه يتمتع بحرية لم تكن متاحة له، حق التظاهر والاعتصام مكفول، وحرية التعبير بالكلمة المكتوبة والمسموعة والصورة مباحة، وصار المواطن يتهم الرئيس وينتقده ويسخر منه ويطالبه بالحقوق ناهيك عن مهاجمة الحكومة ووزرائها والحزب الذي يقف وراءها إلى حد الانفلات والفوضى، بذريعة أن الشعب لم يألف أجواء الحرية والانضباط بعد كبت طال نصف قرن، لقد أسرف المعلقون في الفضائيات على أنفسهم، وشط الصحفيين بالبنط العريض مستغلين أجواء الحرية. ولم يسجن احد أو يعتقل بجريرة أفكاره ومعتقداته، وعادت للمصري ثقته بنفسه، وصلته بأمته، وأصبح لمصر على الصعيد القومي والدولي شأن ودور يشار إليهما. كل ذلك خلال ستة أشهر من انتخاب الرئيس فماذا قدمت المعارضة وقادتها لمصر؟
الواقع لا نعتقد بوجود معارضة في مصر، وإنما هناك شخصيات معارضة من ذوي التاريخ الأسود المشبوه بارتباطه الخارجي، كانوا جزءا من النظام السابق لم يعرفوا المعارضة، ولا الكفاح والنضال والسجون والمعتقلات، فشلت بانتخابات الرئاسة، وشط بهم الحقد وبدلا من الإشاحة بأنفسهم عن المسرح السياسي كما هو مألوف في كل انتخابات ديمقراطية لفسح المجال للرئيس وحزبه للعمل والبناء وفق البرنامج الذي انتخب بموجبه، صاروا يطالبون بالمشاركة وبحصتهم والقسمة خلافا للأعراف، ويمنون النفس بإخفاق الرئيس وانتخابات مبكرة لمعاودة الكرة، لا يجمعهم مبدأ ولا مذهب ولا توحدهم رؤية، طامحون طامعون كل يبكي على ليلاه، وحّدَهم كرهُ النظام وحب الكراسي.
كنا نتمنى وجود معارضة وطنية منظمة تسد الفراغ فإذا هم فلول النظام السابق ولاسيما في حقلي الإعلام والقضاء، بقايا فقدت امتيازاتها وتعاونت مع الشياطين الجدد ممن تجاوزهم قطار الانتخابات وصاروا يستغلون المناسبات يدعم بعضهم بعضا دفاعا عن مواقعهم ومراكزهم، ولا يرضيهم التغيير ويطالبون بالإصلاح كذبا، همهم وضع العوائق أمام كل خطوة يخطوها رئيس الدولة والحكومة إلى الأمام، وسخروا القضاء والإعلام لمآربهم، حلوا مجلس الشعب المنتخب بالتعاون مع المؤسسة القضائية التي مهدت للنظام السابق الاستبداد والفساد، وأرادوا عزل مجلس الشورى، وتأخير الدستور، بالاعتصام والتظاهر والإضراب، يدافعون عن مواقعهم في النظام السابق، وصار شعار أخونة الدولة صدقا وكذبا سُلّما لتدمير كل شيء يعظمون الأمور، ، ويلصقون كل خطأ أو حادث عفوا كان أم فرديا بالجماعة.
في مصر اليوم لا توجد معارضة وطنية منظمة، هناك شباب ثائر يحب مصر، شغفته الحياة الغربية من خلال الأفلام والفضائيات، كسر حاجز الخوف، لهم مطالب محقة، ولكنها لن تتحقق بعام ولا بخمسة أعوام فالتركة الماضية ثقيلة، يتظاهرون فيستثمرهم دهاقنة السياسة الملوثين ممن لم تعد تعنيهم مصر ولا مستقبلها، وصاروا خيمة للفلول والمتطفلين والبلاطجة والخارجين عن النظام والمرتبطين بالخارج يمهدون لهم لضعاف النفوس تربة العمالة والخيانة شعروا أم لم يشعروا، ومعارضتهم من أجل المعارضة.
ما حدث في مصر بدءا من تكتل القضاة إلى إحراق مراكز الشرطة والمؤسسات ومقرات الأحزاب، وحوادث السير، وكارثة ملعب بورسعيد وما تلاها من فتن، وإثارة الأقباط طائفيا، وترويج الإشاعات المغرضة وكل يوم مسيرة وتظاهر ويرفضون الحوار ويملون خياراتهم، هدفهم دفع الحكومة الفتية إلى الانحراف عن خط سيرها الديمقراطي والإضرار بمصالح الناس وإشاعة الفوضى وتدمير الاقتصاد، وتأخير الانتخابات البرلمانية، هذا الحراك لم تألفة مصر هو ليس من فعل معارضة وطنية منظمة وإنما من فعل أيادي مندسة وأصابع خارجية خبيثة؟ الخوف على مصر اليوم ليس من الأغلبية التي فازت بالصندوق، وإنما من الأقلية العابثة، وقد اجتمعت على تحطيم أماني الآمة وأحلامها وتطلعاتها، ولكن الله لن يخذل جنده، وقد وعدهم بالنصر }الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ{آل عمران173.
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
هناك تعليق واحد:
مع كامل احترامي لراي الكاتب وتقديري اجد نفسي مندفعا لكتابة بعض الملاحظات حول ما يدور في مصر الان
اولا ان ما يسمى بالربيع العربي هو ما تم تصنيعه في مطابخ المخابرات الغربية والصهيونية منذ سنوات طويلة وقد كانت الظروف التي مرت على المنطقة العربية مثالية جدا لتحريك الشارع العربي بعد ان استنفذت الدول العظمى كل اوراقها القديمة مع الانظمة البالية المتعفنة فعملت على تطابق اهداف الامة العربية كشعوب مع اهدافها الخبيثة للظهور بمظهر الداعم لهذه الحقوق والا كيف نفسر دعم انظمة خليجية للتغيير القسري والعسكري لانظمة ما زالت تدعمها امريكا والغرب ؟
وكيف تسمح امريكا التي تحتل الخليج عسكريا وامنيا ان يقوم حمد الموزة بالتنظير لهذا التغيير وقيادته له وهوعلى مرمى حجر من اكبر قاعدتين امريكيتين في العالم ؟
ثانيا ان ما لم يخفى على كل مضطلع وقارىء ان المشروع الامريكي الصهيوني الغربي قد نشر مرارار وصرح به من افواه مخططيه عشرات المرات الا وهو في احد فصوله الرئيسة نظرية الفوضى الخلاقة وصاحبتها كونداليزا رايس وفي تفسير لها ان الاسلاميين حينما يتم ايصالهم للحكم سوف لن يحصل من بقية القوى السياسية والاجتماعية على منهجهم فتبدا الفوضى والاضطراب يدب في المجتمعات وبعدها لن يتفق على اي من القوى حتى لو جمعت كل السحرة لفك هذا الطلسم
وما نراه في مصر هو بداية الطريق الطويل للتفسخ ولا حول ولا قوة الا بالله
ثالثا ان ما هو مؤكد ان استخدام هذه النظرية الفوضى الخلاقة تم اللجوء اليها بعد ان وجدت امريكاالغازية للعراق وافغانستان انها لن تستطيع الاستمرار بالقوة للحفاظ على مصالحها في المنطقة اخرجت الى العلن بديلها وهي تعميم الفوضى والهاء القوى المترصة بها الهائها بنفسها وترك امريكل لتستعيد صورتها الانسانية على اشلاء الضحايا في العراق وافغانستان وكذلك لا لتقاط انفاسها بعد ان دمر معظم جيشها وكشفت سياستها الاجرامية في المنطقة
واخيرا الشعوب العربية كانت في حاجة ماسة للثار ممن اهان كرامتها من انظمة عميلة ومرتبطة فكانت تريد ان تتحرر من هذه الانظمة المتسلطة ولكنها للاسف خرجت من الباب الذي فتحته لها امريكا ودولة الكيان الصهيوني
واتمنى اخيرا ان لا نضيع في متاهات ودهاليز المخططات المعادية للامة
ولكم تحياتي
إرسال تعليق