مثنى عبدالله
نعم تبت يدا طاغية العراق وتب. فلقد اتسعت غرائز القتل والدمار والاغتصاب حتى باتت فاغرة أفواهها كي تلتهم كل شريف وبريء في هذا الوطن. وهاهي تغرز أنيابها وتنشب أظفارها للمرة المليون في الابرياء مـن أبناء الفلوجة الباسلة، على خطى الساديين القتلة مـن جيش الاحتلال الامريكي، الذي لازالت أاثار جريمته باقية في ملامح مواليدها الجدد.
فلقد اثبتت الوقائع والشواهد وصور المأساة أن طغاة العراق كانوا شر خلف لشر سلف، وأنهم مازالوا مصرين على العمل بذلك الارث السيء الذي تركه لهم أسيادهم الغزاة، فليس لديهم مايدارون به سوءاتهم سوى القوة التي يوجهونها لصدور الشباب العزل المنتخين لحرائر العراق ومستقبل الاجيال في أنتفاضة الكرامة، والذين أسقطوا كل الشعارات الزائفة التي تشدق بها الكل، وتوسل بها الجميع على مدى السنوات العشرة الماضية. لقد أرتعدت فرائضهم وهم يواجهون هذه التعرية التي قادها ابناء العراق البررة لديمقراطيتهم الزائفة، وللبوس الدين الذي حاولوا أن يغطوا به عوراتهم، وللطوائف التي حاولوا أن يجعلوا منها بديلا عن الوطن. فلم يجدوا غير الموتورين والعملاء والخونة والانتهازيين، واجهوا بهم المتظاهرين كي يسحبوا منهم ولاء الوطن بوعود معسولة وعهود زائفة، وعندما فشلوا في ذلك لم يعد أمامهم غير استخدام القوة العارية في مواجهة الصدور العامرة بالايمان والنخوة والاباء، وهاهو الطاغية الاول يبرر قتل شباب الانتفاضة بما يسميها المؤامرات التي تقف وراءها مخابرات اقليمية وتنظيم القاعدة، ثم يدعو العقلاء من أهالي الانبار للتحرك لاطفاء نار الفتنة، متجاهلا بأنه هو من أوقدها وهو من يلقي فيها الابرياء يوما بعد يوم منذ توليه السلطة قبل سنوات، وكان واضحا كل الوضوح حينما قال بكامل وعيه 'إن لم ينته المتظاهرون فسوف ينهوا'، ثم يطلب الاذن منه وكيله في وزارة الدفاع بمشهد مسرحي في عيد تأسيس الجيش العراقي أمام عدسات التلفاز، طالبا أن يسمح له بسحق التظاهرات بالقوة العسكرية، دون أن ينبس ببنت شفه على ذلك الطلب.
وفي مشهد اخر يبين ضحالة تفكير من يحكمون العراق يقوم أتباعه في حزب الدعوة بإخراج التظاهرات المؤيدة له في شوارع بغداد والمحافظات في عملية تجييش طائفي لعين، الهدف منها إحباط الحقوق التي خرجت من أجلها المظاهرات، وحصرها في زاوية ضيقة تمثل منطقة سكانية محددة، بهدف تشويهها وتصويرها على أنها إستهداف للاخرين، ومحاولة منهم لانتزاع حقوق تحققت لجزء من الشعب، بينما الجميع يعلم بأن العراقيين باتوا سواسية في الحقوق المهدورة على يد هذه الطغمة الفاسدة، ولم يعد بينهم من هو مستفيد الا زمر الاحزاب والنواب والاتباع.
وفي مقابل كل ذلك لازال الدستور سيفه الخشبي الذي يحاول أن يقاتل به الكل ويستخدمه كل يوم في التفرد والقصاص الباطل من أبناء شعبه، بينما لم تسلم أية فقرة فيه من الانتهاك على يديه هو وأعوانه.
كما لازال يكرر وبشكل سمج ممجوج عبارات الديمقراطية التي يرعاها في العراق، بينما يعلم جيدا بأن أبسط مبادئ الديمقراطية الحقة لو كانت موجودة في العراق لما وصل الى قمة هرم السلطة يوما، لأن الديمقراطية لاتستقيم مع الفكر الطائفي الذي يتبناه ويؤمن به، كما لايمكن أن يفلت من عقابها وهو المسؤول الاول عن كل الجرائم التي أرتكبت بحق الابرياء.
إن وصف الحقوق بأنها نتنة ووصف المطالبين بها بأنهم فقاعة، وتبرير قتل المتظاهرين الابرياء بأنها مؤامرة مخابراتية خارجية، كلها أفعال تدين القائل بها وتنزع عنه صفة المسؤولية والمركز الذي يتشبث به، ويصبح من الواجب على الجميع إدانته وتقديمه الى العدالة التي بات يهدد بها الجميع. وهي مسؤولية وطنية وعربية ودولية ايضا. فلقد حصل الغزو والاحتلال بحجة رفع المظالم وإحقاق الحقوق، وشارك فيه النظام الرسمي العربي وبعض الدول التي تدعي الانسانية وحقوق الشعوب، وبات لزاما على هؤلاء قبل غيرهم رفع الغطاء السياسي عن النظام الفاسد في العراق، ومساعدة الشعب العراقي للتخلص منه، وليترك الجميع الحديث عن الصندوق الانتخابي المزيف والمفصل على مقاسات طائفية وإثنية مزقت الوطن وقتلت شعبه، فسوف لن يأتينا هذا الصندوق الا بألف مالكي اخر يقتل ويقصي ويجتث ويتفرد، ولن يكون مطلوبا منا الا تقديم المزيد من القرابين وحرق العشرات من السنين من عمر اجيالنا القادمة دون بارقة أمل، بينما تمضي الشعوب الاخرى في طريق التطور والمشاركة الفعالة في المسيرة الدولية.
أن الدماء البريئة التي سالت في الفلوجة وتظاهرات الحق التي انطلقت منذ أكثر من شهر في العديد من محافظات العراق، هي فعل مشرف للعراقيين الوطنيين جميعا ولكل منهم فيه نصيب وليست حكرا على طائفة كما يحاول السراق والفاسدون من أوغاد السلطة وصفها، وأن شرف اطلاق شرارتها الاولى الذي تحمله أبناء الانبار يقتضي أن يكون شعارنا اليوم، هو: تبت ايدي كل المتزلفين وتبت ايدي الذين خرست ألسنتهم عن الوقوف مع الحق، وعميت أبصارهم وبصائرهم عن رؤية جادة الصواب، وصمتت اذانهم عن سماع استغاثات المستغيثات والمستغيثين، فأنشغلوا بحرق المباخر للمالكي كي يهدئوا من روعه، ثم قبلوا أن يكونوا أدوات له في ما تسمى لجنة الحكماء كي يحسنوا من صورة الظالم في نظر المظلومين بالرغم من عمائم الدين التي يرتدون واللحى التي يطيلون.
تبت ايدي كل الانتهازيين وتبت ايدي الذين يراقبون الى اين ستميل الكفة كي يلحقوا بالفائز فيها، فراحوا يقدمون قدما في التظاهرات ويرجعون الاخرى في حظيرة السلطة، فيعلقون تواجدهم في الوزارة تارة وفي البرلمان تارة أخرى، ويرتجفون خوفا من خسارة الامتيازات والحصانات ويحاولون إطالة عمر الانتفاع، دون أن يتعظوا بعبدالله الصغير آخر ملوك الاندلس الذي باع كرامته الى الغزاة كي يطيل عمره ليوم أو اكثر، ثم فقد الكرامة والعمر والتاريخ دفعة واحدة.
تبت ايدي كل المتخفين الصامتين في ذروة المأساة، الذين انشغلوا من قبل بالصداقة مع الامريكان ثم بتبجيل الحكام أيتام الغزاة، ثم اختفوا اليوم عن المشهد على الرغم من أنهم يجلسون في قمة هرم جهة دينية تسمى الوقف السني الذي يفترض أن يكون له كلمة فيما يجري.
تبت ايدي كل الطائفيين وتبت ايدي الذين داروا ظهورهم لابناء شعبهم وخرجوا في تظاهرات مدفوعة الثمن، ورفعوا شعارات تمجد القاتل المغتصب وقبلوا أن يكونوا مجرد اداة رعب بيد السلطة تخوّف بها العراقيين.
لقد آن أوان الموقف فمن لم يتخذ بعد موقفا مشرفا لما يجري، ومن لم ينتخ للدماء التي سالت على أرض العراق في الفلوجة، فلن يقبل المنتفضون رجوعه بعد اليوم، وستبقى الدماء البريئة في عنقه حتى قيام الساعة.
كما أنه آوان العرب الذين كانت لهم بصمة في الغزو والاحتلال كي يكفروا عن خطيئتهم وينتفضوا لاشقائهم، فسحب الدبلوماسيين واغلاق القنصليات واتخاذ موقف واضح وصريح مما يجري في العراق بات مطلوبا في الوقت الراهن، وهم الذين قامــــوا بذلك تضامنا مع أشقاء في أقطار عربية أخرى.
لتقر أعين شهداء الفلوجة، بارق وعمر وحامد وماهر وحسام وشعيب ومثنى وعبدالرزاق، فهم أشقاء وأبناء الذين هزموا الامريكان في معارك الفلوجة، والمدد قادم من كل محافظات العراق ومدنها وقراها، انها انتفاضة المظلوم ضد الظالم والاصيل ضد الدخيل شاء من شاء وأبى من أبى.
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق