جاسم الشمري
الشعوب الحرة هي التي لا تصبر على الظلم والطغيان، الذي ربما تمارسه ثلة من الأشرار الذين يُدعون في عالم السياسة حكامًا.
هؤلاء الحكام ينسون أحيانًا، أو يتناسون أنهم بشر، وأن "القوة" التي يمتلكونها -مهما كانت- لا يمكنها أن تجابه الاصرار العام، أو الثورات الشعبية، أو بعبارة بسيطة: لا يمكن لقائد، مهما ملك من قوة عسكرية، أن يقف أمام إرادة الشعب.
ما يجري في العراق لم يكن مفاجئًا للمتابعين للشؤون الغامضة في بلاد الرافدين؛ لأن الحكومات التي تعاقبت على حكم المنطقة الخضراء، ولا أقول على حكم العراق؛ لأنها فعلاً لا تستطع أن تحكم في غالب فتراتها إلا هذه المنطقة الضيقة من بغداد، أقول هذه الحكومات، وخصوصًا الحكومة الحالية، حكومة نوري المالكي، لم تكن منصفة مع عموم العراقيين، ومع أبناء محافظات الموصل والأنبار وديالى وصلاح الدين على وجه التحديد، لماذا؟
لأنها حكومة طائفية، ولا تمتلك أجندات وطنية، وهي مسيرة من خارج الحدود، وهذا هو الجواب ببساطة.
ومع هذا الإصرار الحكومي على الاعتقالات العشوائية الظالمة، والاستخفاف بعقول العراقيين، لم يجد الشرفاء من أبناء الوطن بدًا من النهوض، والتضحية والاعتصام السلمي.
الحكومة، من جانبها، بدأت تهدد وتتوعد المتظاهرين بأقسى العبارات، حتى إن المالكي خاطبهم قائلاً: انتهوا قبل أن تنهوا!
وعلى الرغم من كل هذه التهديدات؛ نجد أن المظاهرات قد ازدادت وبشكل أشد من الأول، وهذا يؤكد جدية المتظاهرين في الصمود حتى تحقيق أهدافهم المشروعة.
ومنذ الأيام الأولى للمظاهرات السلمية الشعبية العراقية يجد المتابع لها بأنها واضحة الأهداف والغايات. بعض أبرز هذه الأهداف سأذكرها مشفوعة بنصوص من الدستور العراقي الحالي، حتى نثبت للعالم زيف وخداع العملية السياسية الديمقراطية الجارية في العراق الآن.
من أبرز المطالب الجماهيرية العراقية:
المطلب الأول: إيقاف تنفيذ أحكام الإعدام استجابة للدعوات الدولية بهذا الشأن.
المطلب الثاني: تعليق العمل بالمادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب، بجميع مواده فضلاً عن تعليق القضايا المتعلقة بهذا القانون لحين إلغائه من قبل مجلس النواب.
والمادة (4) إرهاب، هي إحدى فقرات ما يسمى قانون مكافحة الإرهاب رقم (13) لعام 2005، تنص على: (العمل بالعنف والتهديد على إثارة فتنة طائفية، أو حرب أهلية، أو اقتتال طائفي، وذلك بتسليح المواطنين، أو حملهم على تسليح بعضهم لبعض وبالتحريض، أو التمويل).
ومقابل هذه الانتهاكات تعالوا لنقرأ ماذا يقول الدستور العراقي الحالي: حيث ذكرت المادة (2):
(اولاً:ـالإسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدرٌ اساس للتشريع:
أ ـ لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام.
ب ـ لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع مبادئ الديمقراطية.
ج ـ لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور.)
فهل قانون (4) إرهاب، الذي بني على أساس كيدي ومليء بالظلم والجور، هل هذا القانون يتفق مع أحكام الإسلام، أو أي دين من الأديان السماوية غير المحرفة؟!
وهذه المادة تشمل كل من وقف ضد الاحتلال الأمريكي، أو يرفض الواقع الحالي، وهي بالتأكيد تشمل المثقفين والإعلاميين والصحفيين وغيرهم من أصحاب الرأي!
المطلب الثالث: إيقاف العمل بقانون المساءلة والعدالة سيء الصيت لحين إلغائه من قبل مجلس النواب.
وهذا القانون هو من القوانين المجحفة بحق مئات الالاف من العراقيين، وهو يشمل جميع العاملين مع الدولة العراقية التي سبقت الاحتلال، وهذا تدمير للبلاد، ولطاقات أبنائها وحقوقهم في العيش الكريم.
فيما تنص المادة (15) من الدستور على أنه: (لكل فردٍ الحق في الحياة والأمن والحرية، ولا يجوز الحرمان من هذه الحقوق، أو تقييدها إلا وفقاً للقانون، وبناءً على قرارٍ صادرٍ من جهةٍ قضائيةٍ مختصة)!
فأين هذه الحقوق في الحياة والأمن والحرية؟!
المطلب الرابع: تحقيق التوازن في جميع مؤسسات الدولة لاسيما العسكرية والأمنية والقضاء والمباشرة بالإجراءات التنفيذية اللازمة لضمان العيش الكريم لكل العراقيين.
المطلب الخامس: إلغاء قيادات العمليات في جميع محافظات العراق، والأجهزة الأمنية غير الدستورية، وسحب الجيش من المدن والأحياء السكنية في بغداد والمحافظات ورفع الحواجز الكونكريتية، كونها تمثل تمييزًا عنصريًا، والعمل الجاد لضمان أمن المواطنين في العراق الجديد، وإناطة حفظ الأمن للشرطة المحلية من أهل المحافظات.
فيما تقول المادة (14) من الدستور: (العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييزٍ بسبب الجنس، أو العرق، أو القومية، أو الأصل، أو اللون، أو الدين، أو المذهب، أو المعتقد، أو الرأي، أو الوضع الاقتصادي، أو الاجتماعي.)
فأين هذا الكلام من الواقع؟!
المطلب السادس: إعادة التحقيق في القضايا التي تخص الرموز الدينية والوطنية في داخل العراق وخارجه، أمام جهات قضائية محايدة بعيدة عن التأثير السياسي، ومنع استخدام العبارات والشعارات الطائفية في مؤسسات الدولة لاسيما الأمنية وفي جميع وسائل الإعلام.
المطلب السابع: إلغاء قانون المخبر السري وعدم السماع له؛ لأن معظم الاتهامات عن هذا الطريق كانت من جراء العداوة الشخصية، أو الطائفية.
المطلب الثامن: الإسراع بتشكيل المحكمة الاتحادية العليا من القضاة النزهاء المهنيين الذين لا ينتمون إلى كتلة سياسية، أو حزب مشارك في الحكم ليكون للقضاء استقلاليته وضمان عدم تسيسه.
ومقابل هذا المطلب تذكر المادة (19) من الدستور:
( أولاً: القضاء مستقل لا سلطان عليه لغير القانون.
ثانيًا: لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، ولا عقوبة إلا على الفعل الذي يعده القانون وقت اقترافه جريمة، ولا يجوز تطبيق عقوبة أشد من العقوبة النافذة وقت ارتكاب الجريمة.
ثالثًا: التقاضي حقٌ مصونٌ ومكفولٌ للجميع.
رابعًا: حق الدفاع مقدسٌ ومكفولٌ في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة.
خامسًا: المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمةٍ قانونيةٍ عادلةٍ، ولا يحاكم المتهم عن التهمة ذاتها مرةً أخرى بعد الإفراج عنه، إلا إذا ظهرت أدلةٌ جديدة.
سادسًا: لكل فردٍ الحق في أن يعامل معاملةً عادلةً في الإجراءات القضائية والإدارية.)
المطلب التاسع: تجنب المداهمات الليلة العشوائية واتباع الأساليب القانونية في اعتقال المتهمين.
ومقابل هذا الظلم تذكر المادة (37):
(أولاً:
أ ـ حرية الإنسان وكرامته مصونةٌ.
ب ـ لا يجوز توقيف أحد، أو التحقيق معه إلا بموجب قرارٍ قضائي.
ج ـ يحرم جميع أنواع التعذيب النفسي والجسدي والمعاملة غير الإنسانية، ولا عبرة بأي اعتراف انتزع بالإكراه، أو التهديد، أو التعذيب، وللمتضرر المطالبة بالتعويض عن الضرر المادي والمعنوي الذي أصابه وفقًا للقانون.)
وما يحصل في المعتقلات السرية والعلنية لا يوجد له مثيل في كل بقاع الكون!
هذه أهم المطالب العامة للمتظاهرين، وهي كما رأينا مطالب مدعومة من الدستور الذي كتبه الساسة الذين جاء بهم الاحتلال الأمريكي، فكيف يمكن تفهم هذه المعادلة؟! هل يخدعون أنفسهم، أم يخدعون الملايين من العراقيين؟!
وهكذا يتأكد لنا أن مطالب الجماهير العراقية هي مطالب شرعية وقانونية ولا تتعارض مع أحكام الدستور!
وهكذا، سيستمر العراقيون بحراكهم الشعبي حتى تحقيق مطالبهم، ولا أظن أن الحكومة ستفلح هذه المرة في تهديد، أو تخويف المتظاهرين، وهذا ما سنراه في قابل الأيام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق