عمران الكبيسي
هل يترك العرب سوريا لإيران تتفاوض عليها مع أميركا كما تركوا لها العراق تفاوضت وقايضت عليه أميركا، حتى صرنا نأكل زعافا مما حصدت أيدينا، هذا ما يبدو والله اعلم وعندها يزحف الجراد ويتفجر البركان ليقذف من حوله بشواظ من نار لا تبقي ولا تذر!
الأميركان منذ ولاية هاري ترومان الذي اعترف بدولة إسرائيل حتى أوباما اعتادوا المراوغة، يظهرون ما لا يضمرون، وليس لأي منهم ما يمنعه من الالتفاف والتنكر للوعود والعهود في سبيل مصالحهم، وسواء أفاز رئيس ديمقراطي أو جمهوري يدار ويسير من منظمات مدنية ليبرالية إلحادية، وأخرى دينية أو عنصرية متطرفة، وعسكريين مرتشين متعاونين مع الصهيونية العالمية ينظرون إلى المسلمين والعرب أعداء تقليدين، وموقفهم ثابت كموقف الصفويين المجوس الذين ناصبوا العرب العداء على مر التاريخ، ويرون عزتهم في ذل العرب.
لقد نشأ هؤلاء وتربوا على المشاعر العدوانية، بل أصبحوا اشد عداوة للعرب من الصهاينة ومن نصارى أوروبا رغم ما بين المسلمين وأوروبا من تاريخ الحروب الصليبية الأسود التي استمرت قرونا، لكن شعوب أوروبا بدت اليوم تصحو ويبدو برلمانها أكثر تحضرا ومدنية من رؤسائها ورؤساء أميركا، ولهم ضمير يشعر بالوخز الإنساني عما مضى من جرائم ارتكبت بحق العرب المسلمين، وهو ما يتميزون به عن الأميركان، ولعل تماس الأوربيين بالعرب في الحروب الصليبية وبالمسلمين العثمانيين جعل مفكريهم يفهمون قيمنا وحضارتنا أكثر من الأميركان، وتسمو بهم قيمنا خلقا ودينا والتزاما، وقد قالها الله تعالى: “ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ(82) وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ(83) المائدة ،لذلك لا غرابة ولا عجب إذا تآمر علينا الأميركان والفرس المجوس والروس (الملحدون والمتدينون) ففي قلوبهم حقد مكين، ولولا أميركا ورؤساؤها لسهل علينا التعامل مع اليهود، ولكن الأميركان هم من يدفع بإسرائيل إلى العدوان علينا ويدافعون عنها، وهو الصحيح وليس العكس، والقول إن الصهاينة يتحكمون بأميركا غير سليم هم يتحكمون بالصهاينة، فعدد اليهود في أميركا ستة ملايين أو أقل، وتأثيرهم ضئيل إذا ما قورنوا بنفوس أميركا البالغ تعداد سكانها 320 مليون نسمة، أما نسبة تصويت اليهود في الانتخابات الأميركية أقل من 2 % وهي نسبة ضئيلة التأثير مهما امتلكوا رأس المال والنفوذ، لكن عزوف الأميركيين عن المشاركة في التصويت، وإقبال اليهود عليه بكثافة، تمنح الرؤساء ذريعة محاباتهم وابتزاز العرب، بينما يبلغ تعداد المسلمين في أميركا نحو عشرة ملايين، فهم أكثر عددا من اليهود بنسبة 40 % ولا يحسب لهم حساب؟
كان الساسة يقولون إن أوروبا متعاطفة مع ثورة الربيع السوري والأميركان ينتظرون معركة الانتخابات الأميركية وبعدها سيكون الحسم الدولي للقضية السورية ووضع حد لتدخل إيران، واليوم فاز أوباما وكان قد تحمس لوضع حد لاستهتار الرئيس السوري وزمرته بدماء الناس، ومرت الأيام والأشهر وانهار الدم تجري وضحايا المدنيين تتساقط بالمئات يوميا، ولم نر من يحرك ساكنا لمأساة فاقت التصور، كأني بأوباما تعمد بتصريحاته توريط الثوار وزجهم في حرب دموية ونسى الوعود، فلا تدخل حازم، ولا حظر جوي، ولا منطقة آمنة، ولا تزويد المقاتلين بالسلاح، ولا مساعدات غذائية للمهجرين، فما الذي جري وكيف؟ ولماذا هذا السكوت المرعب؟ وهل ما يجري في الصومال ومالي أكثر دموية مما يجري في سوريا ليتدخلوا هناك ويتخلوا هنا؟
لاشك في رأس الأميركيين تدبير ماكر، يريدون سوريا أكبر دولة عربية مجاورة لإسرائيل بآسيا تبقى هزيلة ضعيفة تدفن رأسها في التراب أمام طموحات إسرائيل بالتوسع والهيمنة، وينتظرون تحطيمها بفارغ الصبر، ولا يعنيهم من يموت أو يشرد بقدر ما تعنيهم منعة إسرائيل. وليت الأمر يقتصر على ذلك بل كل مواقفهم الإعلامية ضد نظام الأسد هي من قبيل ذر الرماد في العيون، وهم ينتظرون أن يتعب الجانبان المعارضة والموالاة، ليكشف أطراف التآمر عوراتهم، فيجلس الأميركان وروسيا وإيران على مائدة التفاوض يتقاسمون المصالح، ولا يخفى أن إيران تعد معركتها في سوريا حياة أو موتا فتساوم وتناور ولن تتخلى عن سوريا، كذلك روسيا لا تريد فقدان أخر قواعدها في المنطقة، فما الذي يمنع أميركا وروسيا أن تهبا لإيران مالا تملكان خدمة لمصالحهما؟ كما منحت بريطانيا بالخدعة الأهواز للشاه، ترى ماذا سيفعل العرب عندها؟ ستتكشف خيوط المؤامرة ويصدق الحدس، وأوشك محيط الدائرة يكتمل، إيران العراق لبنان اليمن، فمن سيدافع ويدفع البلاء القادم يا ترى؟ وعن من؟ وماذا بعد السكوت والهوان؟
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق