علي الكاش
نشرت وسائل إعلامإيرانية صورة حديثة للمهدي المنتظر، مع عدد كبير من النسوة ربما هنٌ زوجاته أو من الجواري أو زوجات متعة، ولم توضح حكومة المهدي موقع النسوة من المهدي أو وجه القرابة.
وسبق هذه صورة أخرى نشرتها كالة الأنباء الإيرانية (فارس) في الشهر الماضي للمهدي المنتظر مع قائد الحرس الثوري الإيراني. وبشر اللواء محمد حسن نامي العالم الإسلامي "اليوم ومع تطور التقنية التي تتفوق على الألياف الضوئية، يمكن استخدام طبقات الغلاف الجوي لنقل المعلومات الصوتية والتصويرية، وسيتم إرسال صوت وصورة سيدنا الإمام المهدي للعالم أجمع عبر هذه الطبقات الجديدة".
كما سبق للرئيس نجادي أن إدعى بأن حكومته قد شُكلت بأمر من المهدي المنتظر. وإنه كان بصحبته خلال إلقائه كلمته في إجتماعات الأمم المتحدة. ربما كان المهدي رئيسا للوفد الإيراني؟ لا نعرف لماذا يسمى بالمنتظر إذن، وماذا ينتظرون بعد؟ طالما هناك إتصالات ومشاورات وتشكيلات مجلس الوزراء وتوقيعات للكتب الرسمية وإتصالات بالموبايل معه.
المنتظر الإيراني فارع الطول أشبه بفزاعات الطيور التي تنصب في المزارع، وضعيف البنية، ربما بسبب العيش على المعلبات من الأطعمة حيث لا تتوفر أغذية طازجة وخضار في السرداب. وظهر حافيا رغم إن النعال عُرف قبل إختفائه الميمون، وكان يفترض على الحكومة الإيرانية أن توفر له ما يحتاجه من الصنادل والأحذية الأيطالية التي تليق بمقامه الرفيع. ولم يتسن لأتباع آل البيت رؤية وجهه فقد ظهر بنقاب! ولا نفهم السبب؟ فالنقاب عادة من لباس النساء وليس الرجال. والأنكى منه إن المهدي الإيراني المزعوم يبدو كأبيه عقيم! وإلا كيف نفسر تلك الجمهرة من النساء دون أن يكون له أولاد منهنٌ؟ أمر مؤسف جدا أن نعيش في الألفية الثالثة، وبيننا من لهم عقول لم تفارق العقود الأولى من الألفية الأولى. من الطبيعي أن توقيت ظهور المهدي في هذه الفترة بالتزامن مع قرب الإنتخابات الإيرانية والحظر الأوربي على نظام الملالي، والتطورات على الساحة السورية والحاجة لرفع راية الجهاد فلا جهاد إلا مع المهدي، كما تشير العقيدة الإثنى عشرية، كل هذا لا يمكن إدخاله في مجال الصدف.
فمن أين أستقى الفرس إسطورة المهدي؟ وماهو سرً إختفائه بعد إن إنتهى حكم العباسيين الذين يخشاهم أشد الخشية ويرتعب منهم؟ لماذا فضل أن يتشبه بالجرذ ليعيش في حفرة في باطن الأرض بدلا من أن يكون أسدا هصورا يختال على الأرض كجده الحسين عليه السلام؟ لماذا لم يخرج من سردابه خلال حكم أعوانه من البويهيين والعبيديين والصفويين الذين يقدسونه أكثر من جده النبي محمد صلى الله عليه وسلم. ولماذا يستمر في سردابه المظلم رغم شدة خوفه من الظلام والعتمة كما تتحدث الإساطير؟ ماهو الإرهاب؟ ومن يصنف كإرهابي وفق المنظور الإسلامي والتعاريف الحديثة للإرهاب؟ وهل أفعال المهدي تنطبق عليها معايير الإرهاب أم لا؟ وهل تنطبق عليه شروط الإمامة في الفقه الشيعي؟ أعربي هو أم فارسي؟ لماذا لا يظهر أو يتحدث مع الرؤساء العرب ومراجع الدين العرب وينفرد بالفرس فقط دون غيرهم من المسلمين؟ ألا يعني هذا إنه في قمة العنصرية؟ والدليل هو في اختياره وكلاءه من العنصر الفارسي فقط؟ إذا كان المهدي من أساسيات المذهب الإمامي فلماذا كل هذه الشبهات حوله منذ ولادته حتى ظهوره المزعوم؟ ولماذا لم يؤمن به منذ ولادته ولحد الآن (313) فرد من أتباع المذهب ليخرج من الحفرة التي لا تليق به كمنقذ للبشرية؟ هل إصلاح الأمم بعد خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم بحاجة لإنتظار نبي جديد؟ أم إلى قوانين وأنظمة ومباديء إنسانية تستند على القيم السماوية العليا كالمساواة والعدالة الإجتماعية وتعزيز الحريات الأساسية وحقوق الإنسان وتحقيق الرفاهية وخدمة مصالح الشعوب؟ ماهي حقيقة ملفاته في البنتاغون وعلاقته بغزو العراق؟ كيف وظَّف الرئيس نجاد الإمام المهدي في حكومته؟ هذا ما سنحاول أن نلقي الضوء عليه بعدة مقالات بالاعتماد على مصادر الإمامية فقط، لكي لا نكون موضع إنتقاد الآخرين. ولا نحتاج من القراء الافاضل سوى عقول متفتحة تعيش عصر التقنية العالية وثورة المعلومات والحاسوب.
من البديهيات المعروفة في الميثولوجيا القديمة فكرة (المنقذ) وهي موجودة في معظم الاساطير التي كانت سائدة في التاريخ القديم مثل اسطورتا (إيليا) عند السومريين و (دوموسين) في العهدين الآشوري والبابلي. وفي أوروبا خلال العصور الوسطى سادت اسطورة (بوخس). وكذلك الأمر في الأساطير التي سادت في تاريخ وادي النيل والعهود الهندية والصينية والأغريقية والرومانية والفارسية القديمة. وتتكرر أساطير أخرى مماثلة حتى لدى الأقوام التي اعتنقت الأديان السماوية والوضعية وكذلك في الزرادشتية والكونفوشيوسية والبوذية والمزدكية والسيخ والمجوسية وغيرها.
والقاسم المشترك بين في هذه الشخصيات يتلخص في إنتشار الشر في الأرض- بالطبع كل مذهب يتحدث عن واقعه الجغرافي والمحدد بدولة أو شعب ما- وإن هذا الشر يتفاقم ويستشري في جميع أوصال المجتمع الانساني كالسرطان بحيث يصعب إستئصاله من قبل البشر الطبيعيين، ولا بد من ظهور قوة سماوية تقوم بتلك المهمة الجسيمة، متمثلة بالمنقذ الذي يمتلك القوة الخارقة لوضع العصا في عجلة الشر وإيقافها. وفسح الطريق أمام عجلة الخير لتأخذ مسيرها الصحيح.
لكن والحق يقال، إن الفرس هم أول وأفضل من طور إسطورة المهدي ووظفوها سياسيا لخدمة أهدافهم ومطامعهم التوسعية وتمسكوا بها حتى الوقت الحاضر. فقد جاء في كتاب(تثبيت دلائل النبوة) بأن المجوس أدعوا بأن موعودهم المنتظر (الميت الحي) هو (ابشاوثن إبن بشاسف) ويقيم في حصن يقع ما بين خراسان والصين. كما جاء أيضا في السفر المجوسي (بونداهش وكذلك باهمان ياشت) بأن" آخر رسل المستقبل سيتجدد في زمانه ويصلح الكون ويقيم القيامة". ومن الكتب القديمة أيضا التي تناولت فكرة المنقذ ما ذكره الهمداني بأن "المجوس يدعون لهم منتظرا حيا باقيا من ولد بشتاس يدعى بشاوثن وإنه في حصن عظيم بين خراسان والصين". وجاء في مقتضب الاثر لإبن عياش وبحار الأنوار للمجلسي "لما جلى الفرس عن القادسية وبلغ يزدجر بن شهريار ماكان من رستم وادالة العرب عليه وظن ان رستم قد هلك والفرس جميعا وجاء مبادر وأخبره بيوم القادسية وانجلالها عن خمسيين الف قتل ، خرج يزدجر هاربا في اهل بيته ووقف بباب الايوان وقال: السلام عليك ايها الايوان ها انا منصرف لكني راجع اليك أنا أو رجل من ولدي لم يدن زمانه ولا آن اوانه. قال سليمان الديلمي فدخلت على أبي عبد الله فسألته عن ذلك وقلت له: ماقوله أو رجل من ولدي فقال: ذلك صاحبكم القائم بأمر الله عز وجل فهو ولده". وهذا كلام صريح بأن القائم من سلالة يزدجر وليس من سلالة النبي صلى الله عليه وسلم.
ويُرجع عدد من المستشرقين مثل (ولد تسيهر)أصول فكرة الغائب لليهودية، على أساس إن اليهود يؤمنون بأن إيليا رفع إلى السماء وسيرجع في آخر الزمان، لذلك فإن إيليا يمثل أول نموذج لأمام الشيعة المختفي. ويشاطره في هذ الرأي المستشرق (فان فلوتن) فقد استرعت إهتمامهم عقيدة المهدي المنتظر و يراها فكرة ترتبط "بشكل وثيق بالإسرائيليات وإن أصولها يهودية ونصرانية، لأنها تتنبأ بوجود أشخاص وأحداث محددة، وهي لم تكن معروفة عند العرب في بادي الأمر، وإنما وصلت إليهم عن طريق اليهود والمسيحيين الذين اعتنقوا الإسلام". نفس الفكرة أشار اليها الشاعر كثير عزة: هو المهدي خبرناه كعب أخو الأحبار في الحقب الخوالي.
ويدعم هذا الرأي إن القرآن الكريم كمصدر أساسي لتوجيهات الله جل جلاله لم يشر ولو إشارة بسيطة إلى فكرة المهدي! وهذا أمر يثير العجب في حين هناك إشارات عديدة إلى مواضيع اقل أهمية من فكرة المهدي وهو ما سنناقشه لاحقا. كما تجنب مسلم والبخاري إدخال أحاديث المهدي في الصحاح. أما ماورد في بقية الصحاح والسنن والمساند بشأن موضوع المهدي فأنها أحاديث قلقة. وليس من المنطق أن يتحدث الرسول الكريم عن نبي قادم في آخر الزمان وهو كما أكد "لا نبي بعدي"! إن وجود منقذ سماوي آخر بمواصفات اكثر من الأنبياء يملأ الدنيا عدلا بعد أن ملئت جورا، إنما يعني فشلهم في أتمام رسالتهم السماوية (معاذ الله) وهو نفس الطرح الذي شدد عليه قائد الثورة الإيرانية الخميني في كتابه (كشف الاسرار) بزعمه "من الواضح إن النبي (بلا ص) لو كان قد بلغ بأمر الامامة طبقا لما أمر به الله وبذل المساعي في هذا المجال لما نشبت في البلدان الاسلاميه كل هذه الاختلافات والمشاحنات والمعارك ولما ظهر ثمة خلافات في اصول الدين وفروعه". فهو ينتقد ويقصر عمل النبي صلى الله عليه وسلم، بل أن الخميني يصرح بفشل المهام الربانية الي أوكلها الله لرسله جميعا ومنهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم فقد جاء في كتابه (نهج خميني) "لقد جاء الأنبياء جميعا من أجل إرساء قواعد العدالة في العالم لكنهم لم ينجحوا حتى النبي محمد خاتم الانبياء الذي جاء لاصلاح البشرية وتنفيذ العدالة لم ينجح في ذلك"! موكلا نجاح المهمة للمهدي المنتظر فقط، الذي سيملأ الأرض عدلا بد أن فشل الأنبياء والرسل في تلك المهمة السماوية. وقد حضر بعد الغيبة الطويلة وسنرى فعله، والماء تكذب الغطاس.
يلاحظ أن فكرة المنقذ وردت في الكتب الحديثة أيضاً فقد تحدث عنه الفيلسوف الالماني فريدريك نيتشة في كتابه الشهير (زرادشت) الذي سيتمكن من أن يعيد مياه العدالة والحق الى منابعها الأصلية بعد ان تكسرت السدود الأخلاقية وتسربت محملة بالشوائب في عدة إتجاهات. وكذلك الكاتب بيكيت في مسرحيته المشهورة( في إنتظار غودو) الذي خلف وعده ولم يأت! وكتاب (رجال من السماء) لجون واطسون والكثير من الروايات.
لا يفوتنا بهذا الصدد الإشارة بأن المدونين الذين نقلوا لنا الأحاديث النبوية الشريفة والوقائع التأريخية مهما كانت منزلتهم كبيرة فإنه لا يمكن الركون لما كتبوه بشكل مطلق لأنهم بشر ويتعرضون لمؤثرات داخلية وخارجية وكذلك تأثير العوامل النفسية. فالفكر الإسلامي عموما يزخر بالشوائب وهو يحتاج إلى إعادة تقييم وغربلة لتنقيته مما علق به من أساطير وخرافات ودجل وشعوذة وإنحراف عن القيم والمعايير الأسلامية العليا. إن العقل الحر المستقل والمنطق السليم هما أفضل معيار للتمييز ما بين الفكرالإسلامي الصحيح والفكرالإسلام المنحرف. ويبقى القرآن هو الفيصل الحاكم لذلك جاء في سورة الأعراف/4 ((اتبعوا ما أنزل الله إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء)). فأحاديث الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام كما هو معروف تعرضت إلى تشويه كبير ولا سيما من الأعاجم. فقد جمعت في العصر الأموي وتحديدا في خلافة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أي بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بزمن طويل. فقد نهى الرسول عليه الصلاة والسلام عن تدوين أحاديثه نهيا باتا وسمح بتدوين القرآن الكريم فقط. وهذا النهي جاء بروايات الكثير من الصحابة رضي الله عنهم منهم أبي هريرة وعبد الله بن عمر وزيد بن ثابت وأبي سعيد الخدري وعبد الله ابن مسعود والإمام الزهري وغيرهم. في رواية ذكر عبد الله بن عمر "خرج علينا رسول الله يوما كالمودع قال: إذا ذهب بيً فعليكم بكتاب الله أحلوا حلاله وحرموا حرامه". ( مسند ابن حنبل). وفي رواية أخرى "بلغ رسول الله أن أناسا قد كتبوا أحاديثه فصعد المنبر وقال: ما هذه الكتب التي بلغني أنكم قد كتبتم, إنما أنا بشر، فمن كان عنده شيء فليأت بها، فجمعنا ما كتبناه وأحرقناه بالنار. وفي رواية لأبي سعيد الخدري رضي الله عنه "استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اكتب حديثه فأبى أن يأذن ليً". وروى زيد إبن ثابت رضي الله عنه "إن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا أن نكتب حديثه". وعن إبن مسعود رضي الله عنه كما ورد في سنن الدارمي"جاء علقمة بكتاب فيه أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلنا على عبد الله بن مسعود ودفعنا إليه الصحيفة فأمر بها فأحرقت ثم قال "أكر الله رجلا يعلمها عن أحد إلا أعلمني بها, بهذا أهلك أهل الكتاب قبلكم حتى نبذوا كتاب الله وراء ظهرهم" بل في صحيح مسلم جاء الحديث النبوي "لا تكبوا عني غير القرآن ومن كتب عني فليمحه" وذكر الإمام الزهري "كنا نكره كتابة السنة حتى أكرهنا عليها هؤلاء الأمراء" وبالطبع إن لهؤلاء الأمراء مآرب ومع هذا فأن الصحابة لم يطيعوا الرسول الكريم في نهيه عن كتابة أحاديثه وأطاعوا الأمراء فصار ما صار من تشويه ولاسيما على يد الفرس. لذلك تعرضت الأحاديث النبوية إلى تشويه كبير ومتعمد. من أشهر وضاع الحديث في العهد الأموي وما بعده (ابن أبي يحي ومقاتل بن سليمان ومحمد بن سعيد وعبدالكريم ابن أبي العوجاء) الأخير إعترف لما أمر محمد بن سليمان بقتله في أوائل العصر العباسي سنة 153هـ بأنه وضع (4000)حديث. حلل فيه الحرام وحرم فيه الحلال.
الحديث طويل وليس مرادنا من هذا المقال، ولكن القصد من عرضنا المبسط القول بأن الأحاديث النبوية المتعلقة بالإمام المنتظر موضع شك سواء وردت في المصادر السنية أو الشيعية. طالما لا يوجد نص قرآني يؤيد ما جاء فيها. والحقيقة ان الكثر من العلماء شككوا في الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر، وذكر عبدالرحمن محمد عثمان في تعليقة على (تحفة الأحوذي) "يرى الكثيرون من العلماء إن كل ما ورد من أحاديث عن المهدي، إنما هي موضع شك ولا تصح عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، بل إنها من وضع الشيعة". وهو نفس رأي المحقق المعروف محي الدين عبدالحميد في تعليقه على كتاب السيوطي (الحاوي للفتاوي) بقوله "يرى بعض الباحثين إن ما ورد عن المهدي والدجال هو من الإسرائيليات".
ليس من المنطق أن يأتي في آخر الزمان مصلح مرسل من الله جل جلاله ينجز ما فشل فيه الأنبياء فينشر العدل ويوقف الفساد دون أن يتحدث عنه القرآن ويفصل مهمته الربانية في سورة أو آية واحدة فقط! في حين وردت آيات عن الكفر والوأد والسرقة والزنا والسحت والظلم وهي من الكبائر التي يحاربها المهدي بعد ظهوره كما يفترض. بل هناك سور وآيات تسمت أو تضمنت أسماء الأنعام والفيل والنحل والنمل والعنكبوت والبعوض والجراد والقمل والضفادع والحمير والبغال والكلاب والبقر. ولا توجد آية واحدة أو سورة واحدة تشير إلى المهدي المنتظر رغم أهميته ومهمته الجسيمة في إصلاح البشرية كما يزعم!
أما موضوع تأويل آيات القرأن الكريم وتفسيرها كيفما شاء لدعم فكرة المهدي فهذا أمر لا يعول عليه مطلقا،. فقد أولت بعض الآيات لتمرير القضية بطريقة ساذجة يمكن ان تستغل وتوظف بنفس الطريقة من قبل أي طائفة حتى وأن لم تكن إسلامية منها على سبيل المثال الآية الكريمة من سورة الأنبياء/105 ((ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الأرض يرثها عبادي الصالحون)). فذكروا بأن المقصود هو المهدي! وكذلك الآية الكريمة في سورة النور/23 ((وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي أرتضى لهم)) وذكروا إن المقصود بالآية هو المهدي مع إن سياق الآيات السابقة يسير في منعطف آخر. فهذه الآيات لا تشر الى فكرة المهدي بصريح العبارة لا من حيث التسمية ولا المهمة، وفي الوقت الذي يدعى فقهاء الإمامية بأن لديهم أكثر من (3000) حديث يتعلق بالمهدي، يظهر التساؤل التالي: ان كان الأمر بهذه الأهمية فكيف يُبرر عدم وجود أشارة واضحة وصريحة للمهدي في القرآن الكريم ؟
شخصية المهدي شخصية قلقة جدا تضم تشكيلة غريبة من المتناقضات وإشكالية في كل الأمور المتعلقة به منذ ولادته وحتى أختفائه المزعومين. حتى أن كبير علماء الإمامية إبن بابويه القمي ذكر في كتابه كمال الدين "رجعت إلى نيسابور وأقمت فيها فوجدت أكثر المختلفين عليّ من الشيعة، قد حيرتهم الغيبة ودخلت عليهم في أمر القائم الشبهة". ويشاطره الرأي العلامة الطوسي بقوله "تأملت مولد قائمنا وغيبته، وإبطائه، وبلوى المؤمنين من بعده في ذلك الزمان، وتولد الشكوك في قلوب الشيعة من طول غيبته، وارتداد أكثرهم عن دينه". حتى ان كبير علماء الأمامية أبو سهل النوبختي الذي عرف بمناظراته مع بقية الفرق الإسلامية كان يحرج في موضوع المهدي فلم يجد مندوحة من القول بأنه "مات الإمام الحادي عشر، ولكنه ترك ولدا هو خليفته، وبعده تواصل نسل الأئمة دون إنقطاع، إلى أن يرسل الله ذات يوم النسل المختفي الأخير إلى الأرض" (الفهرست/176). عجبا يتناسلون بالخفاء وليس على الأرض! صدق من قال حدث العاقل بما لا يعقل فإن صدق فلا عقل له. الطريف ان النوبختي في روايات شيعية أخرى إلتقى بصاحب النسب المختفي كما يروي الطوسي. (الغيبة/175).
الإشكالية الأخرى مع أسمائه العديدة فلم نشهد لنبي اسماء مثله فقد أوصلها النوري الطبرسي(99) إسما كأسماء الله الحسنى ومنها( المهدي، محمد، المنتظر،القائم، الغائب، الصاحب، الحجة، الخائف، الخلف، أبو صالح، الناحية، الطاغية) وقد وقعوا في إشكال حول إسمه ففي حديث نسبه الترمذي للرسول صلى الله عليه وسلم "لو لم يبقَ من الدنيا إلا يوم لطوَّل الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي" والنبي إسمه (محمد بن عبدالله)، والمهدي إسمه (محمد بن الحسن) وهذا يعني إنه ليس المهدي إذا افترضنا جدلا صحة الحديث، وإنما رجل آخر يحمل إسم (محمد بن عبدالله). ولحل هذه الورطة، إتبع الطوسي نفس طريقة الطبرسي بإعتماد الكنية بدلا من الإسم. وحتى الإسم فيه إشكال فقد ورد في الأنوار النعمانية حديثا للأمام الصادق جاء فيه "صاحب الأمر(أي المهدي) رجل لا يسميه بإسمه إلا كافر". كما أورد الكليني حديث عن الإمام أبو الحسن "إنكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكر إسمه، وقولوا الحجة من آل محمد عليه السلام". وحديث آخر لأبي الحسن أيضا" لا يرى جسمه ولا يسمى إسمه". ولكن في نفس الكتاب نجد حديث آخر عن أبيه العسكري يقول فيه لأمه المجهولة" ستحملين ذكرا إسمه محمد وهو القائم بعدي" فهل الإمام العسكري يعد كافرا لأنه دعاه بإسمه؟ أم يحق له كأب أو كإمام أن يسميه بإسمه وهذا الأمر لم يناقشه الإئمة أو من رووا عنهم. ومع كل هذه الأحاديث ظهر أخيرا في إيران وشاهدناه شخصه!
فبالنسبة لولادته تقول طائفة بأنه لم يولد أصلا فقد كان أبوه عقيما ورغم كثرة أزواجه وجواريه لكن لم تحمل أي منهن مما يؤكد هذا العقم. وقد ذكر الشيخ المفيد في كتابه الإرشاد "لم يظهر له ولد في حياته ولا عرفه الجمهور بعد وفاته". وهذا ما أكده أقرب الناس إليه وهو عمه جعفر الذي أكد بأن اخاه العسكري لم يخلف ولدا فرفضت روايته. في حين قبلت رواية أحد مواليه (عثمان بن سعيد) المستفيد من الخمس بأن له ولدا أختفى وعمره (4) سنوات وإنه أي عثمان وكيله بإستلام الخمس والولاية، والغريب ان كليهما (جعفر وعثمان) غير معصومين لكن جعفر من آل البيت! فلماذا قبلت رواية الغريب ورفضت رواية الأخ؟ كما إن رواية عثمان بن سعيد مستقاة من حكاية يتيمة إنفردت بذكرها حكيمة (عمة الحسن العسكري وهي غير معصومة أيضا) بقولها إن العسكري أخبرها "فإذا غيب الله شخصي وتوفاني ورأيتي شيعتي قد اختلفوا فأخبري الثقات منهم، يعني عنده الخبر اليقين فإن ولي الله يغيبه الله عن خلفه، ويحجبه عن عباده فلا يراه أحد، حتى يقدم جبرائيل فرسه ليقضى الله أمرا كان مفعولا". ويلاحظ أن المسعودي اول من مهد لإختفاء المهدي حيث زعم ان أبيه العسكري كان يحتجب عن الناس بستار فلا يروه اتباعه وزوراه. ولم يكن بوسع الناس رؤيته الا حين ذهابه للخليفة. والغرض من هذا الكلام هو التمهيد لإختفاء الأئمة والتعود على عدم رؤيتهم.( إثبات الوصية للمسعودي/256).
في غيبة الطوسي يذكر بأن حكيمة رأته وفقدته" بعد 7 أيام من ولادته". وفي رواية اخرى أن حكيمة بعد(40) يوما من ولادته ورأته يمشي في دار أبيه وفقدته بعد ذلك. وفي رواية أخرى إنها كانت تزوره كل(40) يوما وآخر زيارة كانت بأيام قلائل قبل وفاة أبيه العسكري وكان عمر المهدي آنذاك (5) سنوات. وفي رواية أغرب من روايات الخيال العلمي إنها رأته رجلا ناضجا في حياة أبيه هذه المرة وليس أبن أربعين يوما! فقد جاء في كتاب إكمال الدين عنها "رأيته رجلا فلم أعرفه. فقلت لإبن أخي من هذا الذي تأمرني بالجلوس بين يديه؟ فأجاب: هو إبن نرجس خليفتي ومن بعدي". والطريف إن مصادر الشيعة الرئيسة كإرشاد الشيخ المفيد واعلام الورى للطبرسي وكشف الغمة للأربلي ومنتهى الآمال لعباس القمي وجلاء العيون للمجلسي وغيرهم. تؤكد عقم العسكري "فلما دفن العسكري طلب ولده فلم يجدوا له ولدا ثم تبين بطلان حمل جاريته، عندها وزع ميراثه بين أمه وأخيه جعفر وثبت ذلك عند القاضي (قاضي سامراء إبن أبي الشوارب)".
للحديث بقية إن شاء الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق