موقعنا الجديد، مع التقدير

موقعنا الجديد، مع التقدير
نأسف لإزعاجكم، انتقلنا إلى هنا رجاءً، يرجى الضغط على الصورة للانتقال إلى موقعنا الجديد

الثلاثاء، 25 يونيو 2013

نحن ودول الجوار

وجهات نظر
نواف شاذل طاقة
شهدت جارتان كبيرتان للعراق، تركيا وإيران، أحداثا هامة خلال الاسابيع القليلة الماضية، حيث اجتاحت عددا من المدن التركية مظاهرات صاخبة ذات توجهات مطلبية، حملت في طياتها طابعا معارضا لسياسات رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، فيما خاضت إيران انتخابات رئاسية تمخضت عن فوز رئيس جديد لها. وفي الوقت الذي كان يفترض بنا كعراقيين أن نستخلص الدروس من تجارب الآخرين، فقد انصبت العديد من التعليقات والآراء التي حملتها مقالات صحف محلية، وتلك التي حفلت بها مواقع التواصل الاجتماعي، على جوانب غابت عنها الرؤية الموضوعية.


فمع خروج المظاهرات المناهضة لسياسات الحكومة التركية المدينية والعمرانية، وقف المنحازون طائفيا لتجربة الحكم التركية موقفا متعصبا يدعو إلى نصرة حكومة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، ظالما كان أو مظلوما، فراحوا يتبارون في الدفاع عن النموذج التركي، بل ذهبوا إلى حد الدفاع عن البطش الذي مارسته قوى الأمن التركية في تفريق المظاهرات وتبريره. وفي الوقت الذي أعلن فيه الرجل نفسه، أردوغان، عن اعتذاره للاستخدام المفرط للعنف من قبل رجال الأمن في بلاده، كان هناك من العراقيين من أصر على الدفاع عن هذا العنف حتى بات المرء ليشعر بأن العنف الذي يتعرض له العراقيون منذ 10 سنوات جعلهم مدمنين عليه لدرجة أنهم باتوا يبررون استخدامه ضد الشعوب الأخرى.
في المقابل، انطلقت أصوات مدفوعة بمشاعر طائفية معادية للأتراك لتصب جام غضبها على تركيا وحكومتها وتجربتها الاقتصادية، التي لا بد من القول، إنصافا، أنها تجربة مثيرة للاعجاب. وباتت صور رجال الدرك الأتراك وهم يفرقون المظاهرات بعنف موضوعا للتشفي بنجاحات الاتراك وبتجربتهم الوطنية، بل حتى بالدولة العثمانية، وسببا لكيل شتى الاتهامات والشتائم الطائفية ضد تركيا، حتى طاولت الاتهامات دولا عربية أخرى متهمة بتعاطفها مع تركيا.
وفي إيران التي شهدت انتخابات رئاسية ناجحة خاض غمارها ستة مرشحين ينتمون إلى مؤسسة الحكم الاسلاموي، نظر بعض العراقيين إلى هذه التجربة من زاوية طائفية ضيقة بين مؤيد لها وجد فيها نموذجا ديمقراطيا يخلب الألباب، وبين معارض لها رافضا كل حرف فيها. وتناسى المنبهرون بالانتخابات الإيرانية أن المتنافسين الستة على منصب الرئيس لم يصلوا إلى مناصبهم إلاّ بعد أن حظوا بمباركة المرشد الأعلى الإيراني الذي يعتقد أنه يتمتع بسلطة إلهية، وهو أمر ليس لنا كعراقيين أن نتدخل به فالإيرانيون أدرى بمصلحتهم، إلاّ أنه بطبيعة الحال لا يمكن أن يكون نموذجا ديمقراطيا نحتذي به.
إن ما يجري في كل من إيران وتركيا يجب بكل تأكيد أن يحظى باهتمام العراقيين، إلاّ أن هذه الاهتمام ينبغي ألاّ يكون على حساب عراقيتنا، خاصة إذا ما أخذ في عين الاعتبار إن التاريخ المشترك الذي عاشه العراق مع هاتين الجارتين الكبيرتين لم يكن في كثير من الأحيان ورديا.
إن سبر أغوار التاريخ واستخلاص العبر منه يجب أن يكون أحد الركائز التي تستند إليها رؤية العراقيين لعلاقتهم مع دول الجوار الأجنبية، ولا سيما غير العربي منها، ليس بقصد نبش التاريخ أو احياء أحقاد وثارات كانت قد اندملت، بل على العكس من ذلك.
إن استحضار التاريخ بكل جوانبه يجب أن يوظف في سبيل تجنيب الأمم الأخطاء التي وقعت بها الشعوب في تجاربها السابقة لضمان مستقبل آمن للأمة ولأجيالها اللاحقة.
في هذا السياق، سيكون من السذاجة بمكان أن ينسى أو يتناسى العراقيون تجربتهم المريرة مع هاتين الجارتين اللتين تداخلت العلاقة معهما منذ أن احتل كورش الاخميني بابل وجعلها عاصمة له سنة 539 ق.م، والغزوات التي تعرضت لها الحضارات العراقية السالفة من جانب أقوام جاءت من شرق البلاد وشماله. ويكفي لأن نستذكر في هذا االصدد أن الفترة التي تعاقب فيها الأتراك والفرس على حكم العراق منذ العصر العباسي الثاني، ومن بعده سقوط بغداد العباسية سنة 1258 للميلاد، حتى مطلع القرن العشرين، كانت غالبا ما توصف في كتب التاريخ بأنها فترات انحطاط أو عصور مظلمة.
وهكذا، إذا ما تسنى للعراقيين أن يستفيدوا من قراءة التاريخ في استشراف مشاريعهم المستقبلية، عليهم أن يدركوا مسبقا أن علاقة تبعية ذليلة بإيران أو بتركيا، أو بأية دولة على وجه البسيطة، لن يكون مصيرها أفضل من مصير علاقات مماثلة دامت مئات، بل آلاف السنين، مع هاتين الجارتين. كل شواهد التاريخ تؤكد أن الحضارات العريقة التي شيدها العراقيون، ومنذ أول لَبِنة وضعها السومريون على أرض العراق المعطاء قبل أكثر من ستة آلاف سنة، لم تنهض وتسمو إلاّ بعد أن امتلكت زمام أمورها وصاغت لنفسها مشروعا حضاريا.
لم نسمع أو نقرأ في تاريخ العراق، بل في تاريخ البشرية، أن عبيدا أذلاء جاءت بهم قوة محتلة ونصَّبتهم على رقاب شعوبهم استطاعوا في يوم من الأيام أن ينهضوا ببلادهم وأن يبنوا تجربة تستحق الاحترام.   


ليست هناك تعليقات:

تنويه من المحرر

تنويه من المحرر
وجهات نظر موقع شخصي تماماً لا يمثل أي جهة أو حزب أو منظمة، ولا ينتمي إلا للعراق وأمته العربية والإسلامية، وهو محمي بالقانون وبميثاق الشرف الصحفي ولايسمح بإعادة النشر إلا بشرط ذكر المصدر.. الكتاب يتحملون مسؤولية مقالاتهم، والناشر غير مسؤول عنها..