وجهات نظر
سمير صالحة
من يريد التعرف إلى آخر المستجدات في مسألة ميدان «تقسيم» يحاول أن يرصد ما يقوله يوميا رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، لكن التفاصيل المثيرة التي تستحق التحليل والنقاش حول خلفيات الأحداث والأصابع التي تحاول تحريك الدمى يتحدث عنها رئيس بلدية أنقرة مليح غوكتشاك.
رئيس بلدية أنقرة يتحرك على طريقته منذ بداية الأزمة مزودا بالأرقام والصور والأدلة الكثيرة التي يقدمها حول الجهة الفاعلة وأهدافها.
الأزمة كما يبدو أبعد من أن تكون مسألة متنزه وأشجاره، وأعمق من أن تكون قضية التحجج باستهداف المكون العلماني في شريحة المجتمع التركي أو «انكسار شيء ما بين أردوغان والأتراك» و«قمع «أردوغان لشعبه في (غيزي بارك)»، أو تعطيل الحريات في ارتياد النوادي الليلية وتحذير أردوغان من أن الجيش سيتحرك، وأنه هو الذي يتحمل مسؤولية دفع الشعب التركي للانقسام، وأن مصير «العدالة» لن يختلف عن مصير «الرفاه»، كما نقرأ في تحليلات الكثير من الصحف العربية والغربية.
غوكتشاك |
غوكتشاك، السياسي المخضرم الذي يترأس بلديه العاصمة التركية للمرة الثالثة على التوالي، جيَّش على ما يبدو فريق عمل كبيرا، وبخبرات متنوعة، يعمل على مدار الساعة لمتابعة كل شاردة وواردة تتعلق بالأحداث وتفاصيلها داخل تركيا وخارجها.
غوكتشاك حمل المسؤولية للبارونات وأصحاب رؤوس الأموال الذين اتهمهم بالجلوس والتنسيق من مركز عالمي واحد للتحريض والاستفزاز وإدارة اللعبة في تركيا. هي خطة لها علاقة مثلا بقطع الطريق على تركيا في تحركها لأخذ مكانها بين أهم مرشحي تنظيم أولمبياد عام 2020 أم محاولة ضغط وابتزاز للضغط على أردوغان وحكومته من أجل تقاسم موازنة ومشاريع هذا الإنجاز التي تقدر بعشرات مليارات الدولار من قبل الشركات العالمية؟
المحاولة الأولى التي جرى قطع الطريق عليها، كانت ارتكاب مجزرة في الأول من مايو (أيار) الماضي، وفي ميدان «تقسيم» نفسه، خلال احتفالات عيد العمال، لكن السلطات الأمنية والحكومة أفشلتها بغلق أبواب الميدان ومنع الدخول إليه. ثم أعد سيناريو الأول من يونيو (حزيران) الحالي الذي يقوم على مهاجمة منزل ومكتب أردوغان في إسطنبول واحتلالهما بالقوة، في محاولة لإعلان سقوط السلطة السياسية، لكن أجهزة الأمن اكتشفت المخطط وأحبطته قبل ساعات من تنفيذه.
ومع ذلك، فإن غوكتشاك طالب الجميع بأن يستعدوا لكل المفاجآت والاحتمالات، فمن يريدون استهداف تركيا وأمنها واستقرارها أقوياء أيضا ولا يجوز الاستخفاف بما يملكونه من طاقات وقدرات. هو يرى أنهم لن يترددوا في اللجوء إلى عمليات التفجير والاغتيالات السياسية وإشعال الفتن الطائفية والمذهبية والعرقية في البلاد كما فعلوا أكثر من مرة. غوكتشاك يصر على أن المواجهة ستكون شاقة وطويلة، وأن الصيف قد يكون لاهبا في المدن التركية، فالهدف هو «العدالة والتنمية» ورجب طيب أردوغان وتركيا في الوقت نفسه.
أردوغان أزعج البارونات العالمية وأغضبها عندما تجاوز الحدود المرسومة له وبدأ يلعب في ساحات كبار الشركات متعددة الجنسيات وأصحاب رؤوس الأموال والمصارف ومراكز القرار في البورصات العالمية، هو بالغ في الانفتاح على العالمين العربي والإسلامي على حساب الغرب وأوروبا ومصالحهما هناك.
أردوغان الذي يقاوم على طريقته يحاول القفز إلى الأمام لقطع الطريق على المؤامرة:
هو تحرك سريعا باتجاه الشارع كما فعل الطرف الآخر أيضا، وقصد ميادين المدن الكبرى وانطلق يخاطب جماهيره وقواعده ويقاسمها الكثير مما يعرف، 5 مهرجانات حاشدة خلال أسبوع، قال إنها بداية مبكرة للحملة الانتخابية التي قد يقرب موعدها عند الضرورة.
هو أمر بالإسراع في تحقيق إنجازات حقيقية في مسار الملف الكردي، ودعا هيئة الحكماء لتقديم تقاريرها المفصلة والشاملة بأسرع ما يمكن لتضع الحكومة خطة التحرك وخارطة الطريق التي يطالبها بها قيادات حزب «السلام والديمقراطية» الكردي وعبدالله أوجلان.
وهو فاجأ الكثيرين بإنزال ملف العلويين في تركيا الذي ينتظر منذ عقود فوق الرفوف وأصدر أوامره بإنجاز مشروع سياسي اجتماعي يحقق للملايين من علويي تركيا الاعتراف بهويتهم الدينية والفكرية والاجتماعية. الهدف هذه المرة، هو حل مشاكلهم تحت سقف مؤسسة الشؤون الدينية التركية عبر منح المئات من رجال الدين العلويين الصفة الرسمية ورواتب وموازنات لإنفاقها على دور عبادتهم التي توصف بالمراكز الثقافية حتى اليوم.
أردوغان يردد دون لف ودوران أن ما يجري في تركيا له علاقة مباشرة بشق «العدالة والتنمية» وإضعافه وإخراجه من ساحة اللعب كما حدث مع حزب «الطريق الصحيح» وتانسو تشيللر، ثم مع «الحزب الديمقراطي اليساري» وأجويد، وأخيرا مع «الوطن الأم» ومسعود يلمز. كل هذه المشاريع استهدفت تحييد تركيا وإبقاءها خارج ساحة اللعب.
أردوغان يقول إنه لم يعد بمقدورهم الرهان على انقلاب عسكري كما فعلوا أكثر من مرة، وأن الصناديق هي الحكم، وأنه لن ينسحب حتى ولو كان الثمن لا يقل قيمة عن ما دفعه تورغوت أوزال عام 1993 أو ما لحق ببولنت أجويد عام 2001. آخر ما استوقف رئيس الحكومة التركية كان الصدفة التي جمعت تركيا والبرازيل اللتين سددتا ديون البنك الدولي ونجحتا في تجربة التحرر التجاري والاقتصادي والمالي، والصدفة الأخرى التي فجرت الأحداث في هذين البلدين في الوقت نفسه، قد يكون السبب هو رفضهما الانصياع ومغادرة بيت الطاعة.
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق