عبد الكاظم العبودي
في كل مرة عندما يقال مثل هذا المثل يسأل البعض: ومن هي براقش؟
وهذه المرة سيسأل البعض نوري المالكي: ومن هو "سانت ليغو".
براقش : كلبة سمعتْ وقْعَ حوافر دوابّ ، فنَبَحَتْ ، فاستدلوا بنباحها على القبيلة، فاستباحوهم، وهكذا صارت براقش رمز شؤم على أهلها وقبيلتها.
ومن رواية أخرى يقال عن براقش انه اسم لامرأة لقمان بن عاد، استخلفها زوجها، وكان لهم موضع ، إذا فزعوا؛ دخَّنوا فيه، فيجتمع الجند. وحدث إن جواريها عبِثْن ليلة، فدخَّن المكان فاجتمع الجند، فقيل لها : إن رددتيهم ولم تستعمليهم في شيء، لم يأتِك أحدٌ مرةً أخرى . فأمَرَتْهم ، فبَنَوْا بناء ، فلما جاء سأل عن البناء، فأخْبِروه، " على أهلها تجني براقش" .
ويضرب المثل لمن يعمل عملا يرجع ضرره عليه. ويكرر النكد مع بن براقش مرة أخرى قيل كان قومهم لا يأكلون الإبل، فأصاب لقمان من براقش غلامًا ، فنزَل مع لقمان في بني أبيها، فراحَ ابنُ براقش إلى أبيه بعِرْقٍ من جزور، فأكل لقمان ، فقال : ما هذا ؟ فما تعرقتُ طيِّبا مثله ؟ فقال : جزور نحَرها أخوالي . فقالت : جَمِّلُوا، واجْتمِلْ . ـ أي أطعِمْنا الجمل ، واطْعمْ أنت منه ـ . وكانت براقش أكثر قومها بعيرا، فأقبل لقمان على إبلها فأسرع فيها، وفعل ذلك بنو أبيه، لما أكلوا لحم الجزور. وهكذا قيل مرة اخرى : " على أهلها تجني براقش " [من القاموس المحيط].
يقولون إن براقش كانت كلبة ولكن كيف جنت على نفسها؟ وما قصتها؟ تقول كتب الأمثال: إن براقش كانت كلبة لقوم في بلاد المغرب العربي وكانت تقوم بحراسة المنازل و الحقل خير قيام... كانت تصيح و تنبح و تطارد المارة من الغرباء...و تكاد تفترس اللصوص و الأشقياء. لم يكن أحد يجرؤ على الاقتراب منها أو المرور في طريقها!و كان صاحبها قد علمها أن تسمع و تطيع أوامره، إن أشار إليها بالسبابة سمحت لضيوفه ومعارفه. و إن أشار إليها بالوسطى انطلقت بسرعة فلا تعود إلا و الفريسة بين يديها ممزقة الأشلاء
أطفال الحي يحبونها ... و هي تحبهم و تحرسهم. تخرج معهم و تلاطفهم ... تسبقهم تارة و تتأخر عنهم تارة . تستكشف الطريق , وتشم رائحة العدو من بعيد ... وكأنها جهاز إنذار أو طائرة استكشاف. وأحيانا تتوسطهم و هم يلتفون حولها فتقوم بعرض ألوان من الألعاب البهلوانية ،والحركات اللطيفة فيضحكون ويمرحون ويعودون من رحلتهم سعداء مسرورون. فإذا ما أقبل الليل ناموا وهم آمنون ، لأن براقش تحميهم وتسهر طول الليل تحرسهم .
وفي ليلة ظلماء ... هجم الأعداء على بيوت أصحابها ومنازلهم.فصاحت براقش ونبحت نباحا متواصلا .. فاستيقظ قومها وفروا إلى مغارة بالجبل القريب من قريتهم .. وجرت براقش معهم ... وبحث الأعداء عنهم فلم يجدوهم .. فأرادوا العودة من حيث أتوا واطمأن أصحابها، وأيقنوا أنهم قد أمنوا شر الأعداء بفضل براقش، لكن براقش راحت تنبح .. فأشار إليها أصحابها بالسكوت لكنها لم تفهم الإشارة، وراحت تنبح نباحا متواصلا، وعاد الأعداء وعرفوا مكانهم وقضوا عليهم، وكانت براقش هدفا لضربة قاتلة مزقتها شر تمزق و كانت سببا في القضاء على قومها .لقد كانت كمن يضئ الأنوار في وقت الغارة وهكذا على نفسها جنت براقش .
وبراقش حضرت في السياسة عندما تمثلت في المالكي تارة وفي تخريجات وتصريحات وتفسيرات مدحت المحمود رئيس مجلس قضاء المالكي. في كل مرة يجد كل منهما التفسير الذي يناسبه في تفصيل الاحداث والنتائج السياسية وخاصة الانتخابات ويضعون على هواهم طريقة حسابها لكي تفسر العملية ونصوصها الدستورية كما تنبح بها براقش لتسعدهم وتحميهم، لا احد يرد على براقش لأنها إستكلبت وزاد عوائها في الليل والنهار، وفي كل نباح لها كانت تهزم الاعداء والخصوم وحتى الأصدقاء، ونباحها يعني بدء التعبئة والمواجهة والتصفية ولو على طريقة حساب " سانت ليكو".
" سانت ليغو" نظام حساب انتخابي قدمه الامريكيون لكي يربح عن طريقه المالكي بتوفير الاغلبية التي كان يفسرها ويجدها مدحت المحمود حسب مزاج ومطالب المالكي ليصبح الاخير حاكما على العراق. لكن حساب" سانت ليغو" كنباح الكلبة براقش اصبح علامة شؤم على المالكي نفسه، فقد وظفه حلفاؤه ضده، ليستحوذوا على سلطات الحكومات المحلية وينصبوا على المحافظات منهم المحافظين ورؤساء المجالس وموظفي الادارات المحلية. وصار أزلام حزب الدعوة يطردون من ولايات الجنوب تباعا، وحتى العاصمة بغداد امام تحالفات جماعة عمار الحكيم ومقتدى الصدر.
وعندما انقلب فعل الساحر على المالكي صار يستغيث بالتخلص من نظام "سانت ليغو" نفسه، تماما كما ارادت الاعراب التخلص من براقش ومصائبها وشؤمها على اهلها. وهكذا هاجم الائتلاف الحكومي الذي يقوده نوري المالكي، الإثنين 10 حزيران 2013، نظام "سانت ليغو" الانتخابي فجأة؛ لأنه لم يعد مفعلا لصالحهم حسب تفسيرات والأعيب وتخريجات مدحت المحمود الدستورية، وصار نفس النظام الذي أوصل المالكي للحكم سبباً في تعطيل تشكيل الحكومات المحلية في البلاد بقيادة ائتلاف دولة القانون".فعلى الرغم من تصدر ائتلاف دولة القانون في الانتخابات المحلية الأخيرة، الا ان الاتفاقات الجانبية التي ابرمتها كتل منافسة قلبت المعادلة على المالكي وهي التي كانت الى حد الامس حليفة معه في التحالف الوطني.
كان المالكي مستبشرا بعواء براقش واشتعال مواقدها الانتخابية لذا اطمئن الى نظام " سانت ليغو" وعلى هذا الاساس وأجريت الانتخابات التي جرت في نيسان الماضي وفق هذا النظام ، الذي لا يشترط على الكتلة السياسة أن تحصل على عتبة انتخابية.
وفي الوقت الذي تتلاطم الصفعات على وجه المالكي من الشمال والوسط جاءت صفعات الجنوب من اصحابه لهذا يتباكى اللطام المخلص في كل نوائب المالكي النائب المعتوه في دولة القانون عباس البياتي في حديث للصحافة: إن "سبب تعطيل تشكيل الحكومات المحلية الى هذا الوقت يرجع الى تطبيق مبدأ نظام سانت ليغو في انتخابات مجالس المحافظات".ولكن "سانت ليغو" أتم فعلته وبفضله تشكلت الحكومات المحلية في كل من صلاح الدين وميسان ومحافظات اخرى الا ان الكثير من المحافظات لم تحسم فيها اتفاقات تقاسم السلطة لصالح المالكي بعد.
وهكذا صار نظام "سانت ليغو" حسب تصريحات غربان المالكي انه: "النظام المجحف وغير العادل وهو الذي ادى الى تفتيت القوائم وجعل المحافظات غير متماسكة على عدد محدد من القوائم التي تستطيع ان تتفاهم".
وهكذا تعلم زبانية المالكي واتباعه بالأمس انه يمكن للقائمة التي تشكل ائتلافا وتضم تحت لوائه القوائم الفائزة ان تشكل الحكومة شريطة حصولها على الاكثرية. لكن الخلافات ستظل على المناصب وغالبا ما يجري شرائها بالصفقات والأموال العمومية المختلسة.
وهكذا اخلى المالكي براقش تنبح في البيت الشيعي ويعلن في الوقت نفسه الى ان "ستراتيجية دولة القانون في التحالفات تقوم على اساس ترك كل محافظة بعقد تحالفاتها وفق التفاهمات وحاجة المحافظة" ولكن الزمن تغير وفعل "سانت ليغو فعلتها" لا كما كان يريدها المالكي بالأمس ضد قائمة اياد علاوي وغيره لتصير براءة اختراع للتدليس السياسي يستخدمها خصومه.
ما أشبه اليوم بالبارحة ولكن في الاتجاه المعاكس وتلك صورة مصائر النصابين المحتومة تكمن في افتضاح صنائعهم وخبائثهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق