وجهات نظر
فوزية رشيد
يبدو أن إيران المستعجلة جداً في تحقيق طموحاتها التوسعية، لم ولن تترك شأناً عربياً، إلا وتعمل على اختراقه والتمدد فيه، حتى «المؤتمر القومي العربي» الذي من المفترض انه يعبّر عن التوجهات القومية العربية، المضادة لأي مشروع أجنبي أو خارجي إقليمي، يعمل على الهيمنة على المنطقة العربية، استطاعت ايران، عبر عناصرها «العربية» مثل عناصر حزب الله والأخرى الموالية لإيران، ان تجيّر الرؤية القومية «المفترضة» لصالح رؤيتها الزائفة في الحديث عن المقاومة والممانعة باعتبارهما مشروعا يتبناه القوميون والمثقفون العرب رغم سقوط الأقنعة.
والأدهى من ذلك ان المنظور للأحداث المستجدة في المنطقة بعد ما سُمّي بالربيع العربي، لمن يكن في (الدورة 24) للمؤتمر القومي العربي، الذي انعقد ما بين 1-2 يونيو 2013، الا (منظورا ايرانيا)، يتنافى تماما مع ما يهدد الامن القومي العربي، من حيث تحديد جهات هذا التهديد، المتمثل اليوم ليس فقط في «الخطر الصهيوني» وصياغة القوميين له في الاطار الانشائي المعهود، الذي لا يقدم ولا يؤخر، وانما في (الخطر الايراني) المتمثل في مشروعها «الصفوي التوسعي»، والذي ابتلع حتى اللحظة الأحواز كلها منذ 1925، وابتلع الجزر الاماراتية الثلاث، واخترق وهيمن بشكل قاتل على لبنان والعراق ويضع كل ثقله اليوم في سوريا، في اطار حرب طائفية معلنة، يتم التنكر اللفظي لها، فيما ما يدور على ارض الواقع يثبت حجم الشراسة الطائفية هناك، أما عن اختراق العديد من دول الخليج العربي واليمن، بالخلايا والشبكات والميليشيات المؤتمرة بالامر الايراني، فحدث ولا حرج.
كل ذلك وغيره من انفضاح الأطماع الايرانية في المنطقة العربية، وتهديداتها المباشرة، لم يجد فيه «القوميون العرب» ما يستدعي حتى الاشارة إليها! بل ورغم انفضاح دور «حزب الله» باعتباره مجرد ميليشيا ايرانية خاضعة لأوامر الولي الفقيه الايراني، خاصة بعد دخوله «الطائفي» المقيت على خط الثورة السورية، لم يجد من يسمّون أنفسهم (القوميون) في المؤتمر القومي العربي، ما يستدعي أيضا حتى الاشارة إلى ذلك التحول في هدف المقاومة.
الذي استدعى ليس فقط الاشارة وانما التأكيد على الأهمية، هو نصرة المقاومة والممانعة، وكأن بشاراً يقتل يوميا في الطرف الاسرائيلي وليس في شعبه، وكأن «نصرالله» وحزبه يقاوم في الجولان ضد اسرائيل وقد دخل سوريا، وليس يقتل في الشعب العربي السوري على الهوية، ويرتكب فيه المذابح هناك! بل وحين تطرق «البيان» إلى البحرين تحدث وبكل صفاقة عن «إطلاق المعتقلين» كشرط لنجاح الحوار الوطني، وكأن هؤلاء القوميين، الذين أعطوا لانفسهم حق إصدار بيان حول الأوضاع العربية، لم يكلفوا أنفسهم حتى بقراءة حقيقة ما يحدث في كل بلد عربي، وحقيقة الدور الايراني الاخطبوطي في التدخل في أغلب البلدان العربية، حتى في «مصر» مصدر انعقاد المؤتمر واطلاق البيان، وكأنهم في سبات عميق عما يحدث في البحرين من ارهاب وعنف، وان أولئك المعتقلين الذين يطالبون باطلاق سراحهم، ليسوا قادة لخلايا إرهابية، بما يوضح ان العناصر الايرانية «العربية» المهيمنة على المؤتمر القومي العربي وادارته، هي مَن كتبت ديباجة «البيان الفضيحة» ليكون عنوان المؤتمر الأقرب إلى الصحة هو: «المؤتمر القومي الايراني» بامتياز، وببصمات أسماء عربية رأت في الضفة الايرانية، مكانا آمنا لترسو فيه بسفنها، ولتتحدث بعد ذلك وبطلاقة سريالية عن «القومية العربية» وما يهدد الدول العربية.
لن نتحدث عن الذين شاركوا من البحرين في هذا المؤتمر، وبصموا مع الباصمين، ثم أنكروا ما بصموا عليه، بعد ردة الفعل الشعبية في البحرين على هذا المؤتمر «المخزي» بكل معنى الكلمة، فهؤلاء يتحملون وحدهم ما يسقطه التاريخ على أسمائهم، مما يعرفه جيدا كل صاحب ضمير وطني وقومي حقيقي، فإن لم يدركوا ذلك بعد، ورغم كل الأحداث والمتغيرات والدور الايراني في الخليج وفي البحرين تحديدا وفي المنطقة العربية، فلا حياة لمن تنادي! وما دامت هناك في البحرين جمعيات سياسية تدعي القومية وهي طائفية فلا عجب.
الغريب ان السيد «عبدالملك المخلافي» من اليمن، ورئيس الأمانة العامة للمؤتمر، وهو الذي حضر في العام الماضي مؤتمر (الاتحاد الخليجي مطلب شعبي) في البحرين، ورغم الدور الايراني في خلخلة الأوضاع في بلاده، وهو الذي حذر في البحرين عن التدخل الايراني والخارجي في الشئون الخليجية والعربية، لم يتحرك وعيه تجاه تلك المخاطر الايرانية في بلده (اليمن) سواء بتسليح الحوثيين وتمويلهم وتشجيع الانفصال في اليمن، وبذلك لم تتم الاشارة إلى شيء من ذلك، فكيف إذاً كان بامكانه ان يتحدث عن تلك المخاطر في بلدان عربية اخرى؟! انه التخلف في الوعي الوطني والقومي بامتياز.
هكذا يتضح ليس فقط تقاعس المثقفين وخاصة «القوميين» العرب اليوم عن القيام بدورهم في اطار الوعي القومي، بما يهدد أمن البلاد العربية كلها، وانما هم اليوم (شركاء تنظيريّون) للرؤية الايرانية حول مفاهيم ومعتركات القومية العربية او المؤتمر القومي العربي! وبهذا يتحمل كل من بصم على ذلك «البيان العار» أو من لم يحتجّ عليه في حينه وفي داخل المؤتمر نفسه، يتحمّل كونه اليوم جزءا من «المشروع الايراني للقومية العربية»، فهل أكثر من هذا سريالية في المشهد العربي الراهن؟!
ملاحظة
نشر المقال هنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق