عبد الكاظم العبودي
تدق طبول الحرب الطائفية في كل درب وشارع في المشرق العربي، ويزداد صخبها في سعير متصاعد ومحموم يسمعه القاصي والداني، حيث تتواجد هنا وهناك أدوات التمثيل السياسي للمذهبيات الاسلامية التي تقسم الاسلام والعرب خاصة، بلافتات وشعارات باتت مشبوهة ومقرفة، وحيث يقف خلفها ما يسمى بأحزاب الاسلام الشيعي او الاسلام السني.
ولكل طبل في عالمنا العربي ،خصوصا، صداه ويقف أمامه بشكل لا يحتاج الى فطنة السياسة وتحليلات المنطق أكثر من مايسترو يقود بحماسة أجواق المنادب والصراخ والتذكير بالثارات والمظلوميات الممتدة عبر تاريخ الطوائف والفتن، وتجد لها في تخوم صراعات الجغرافية الاسلامية انصارا وفرقا وفيالقا مسلحة. الكل ينعق بمزماره وينذر بالتهديد والوعيد بالويل والثبور وارتكاب عظائم الامور بحق المذهب الآخر لإلهاب مشاعر المرتدين الجدد ومعهم السذج والغوغاء والجهلة والمتطرفين وكلها تشكل فرق الفتنة ضد توجهات اسلام الثورة وإسلام المقاومة والتحرر والإنعتاق من سطوة الإحتلالات والغزوات الاجنبية.
للوهلة الأولى يرى البعض ان العراق، بحكم موقعه الجغرافي والتاريخي، قد تم إختياره بدقة ليكون ساحة الصدام والتجريب في إشعال الفتن الطائفية المرتقبة؛ لما للعراق من تاريخ قاسي، عرفت فيه الكثير من الصراعات على السلطة والوصول الى تسييرالامارة الاسلامية او الحكم في حواضرها من الكوفة والبصرة ومنها الى دمشق وبغداد كما دارت في خوالي الأيام بين أطراف الاسلام السياسي المتحزب منذ اربعة عشر قرنا في تشعبات انشقاقات قريش العلوية والاموية والعباسية، وخلال تلك العصور والإحترابات لا يخفى الدور الفارسي بتحالفاته وتخندقه بين أطراف الصراعات العربية ــ العربية الطامعة للسطوة والنفوذ في بيت الامارة الاسلامية بمسميات وطوائف ومذاهب عدة.
ورغم ان اشتعال الحرب العراقية الايرانية في ثمانينيات القرن الماضي، التي يعالجها البعض من المحللين، انها مجرد صراع دار بين دولتين جارتين ناجما عن اختلافات في توجهات القادة الجدد في كل من طهران وبغداد ونتيجة لارتباطاتهما الدولية والاقليمية، خصوصا بعد ان وصلت قوى الاسلام السياسي الشيعي الى السلطة والحكم في ايران بقيادة الخميني، يواجهها على الطرف الآخر نظام سياسي عربي يحمل شعارات التوجه القومي العربي في المنطقة، متجاوزا في تعبئته السياسية مظاهر المذهبية الدينية وصراعاتها، مع خصومه في طهران، فوجد العراق نفسه أمام صراع دموي محتوم لا يخفي مشعلوه توجهاتهم الفارسية المحتمية بالتمذهب الشيعي بشكله الصفوي من جهة وبتوجسات عرب العراق والمنطقة من الذين وجدوا نفسهم مكلفون، وبدفع عربي وجواري ودولي، الى مواجهة النظام الايراني الجديد بوجهه الطائفي والمذهبي والقومي ايضا واندفاعه في قضية تصدير الثورة التي كان يظن فيها انها باتت المخلص القادم للجميع من كل طواغيت الارض.
الكل يعرف ما انتهت اليها الحرب بين العراق وإيران من نتائج كارثية على كل الاصعدة في المنطقة وهي التي مهدت الطريق بعدها الى صراعات محلية وإقليمية اخرى، باتت اكثر دموية وعنف وهي تخفي تحت رمادها جمرات متقدة مرشحة لإشعال الانتقام الطائفي المستقبلي في مجامر مستعرة وكامنة من الحقد والتعبئة الطائفية التي تتجاوز صراع العراقيين والإيرانيين لتمتد الى مواقع وبلدان اسلامية أخرى، تمتد من الباكستان وافغانستان شرقا الى سوريا ولبنان غربا.
وفي غمرة انشغال العرب في كل أقطارهم بظروف الاستثناء وتسلط الانظمة القمعية، كان العمل المذهبي والطائفي الصفوي يتم تنظيمه وتعبئته وفق استراتيجية جديدة وذكية وبعيدة المدى وبأدوات وقيادة ايرانية تمكنت من تجنيد العديد من القوى في واجهاتها وضمت اسماء وأحزابا وتحالفات وشخصيات عربية في هذا البلد او ذاك ووظفتها تحت شعارات العدو لاسرائيل ومواجهة الطاغوت الامريكي وغيرها من شعارات التعبئة التي جندتها القيادة الايرانية في أكثر من ثلاثة عقود.
ولم يكن هذا التململ والاصطفاف في احوال العرب وايران والمحيط الجيو سياسي يتم بمعزل عن رصد ودراسات مراكز الاسترايجيات الامريكية والصهيونية التي وجدت في خلاصات استنتاجاتها ان مستقبل الصراع الطائفي في المنطقة سيكون منفذا ومنهجا لتكريس وتنفيذ المرحلة الجديدة في تقسيم الشرق الاوسط الجديد وفق منظور جديد، يجعل من الكيان الاسرائيلي هو الدولة الدينية اليهودية الاقوى والأكبر بطائفتها السياسية المؤدلجة بالصهيونية، تقابلها مجموعة من الكيانات العربية المتشرذمة والمقسمة إثنيا وطائفيا ومذهبيا. تلك الكيانات التي هي في طور التكوين والولادة العسيرة بعد احتلال العراق وجدت في إيران وعدد من دول النظام العربي النفطية ومن ستمولهم من واجهات الاسلام السياسي والدعوي الممول والضاغط والموجه، لكسب الولاءات الزائفة لها حتى وان تمت تحت رايات تقسيم الاسلام والعرب في المنطقة.
ولا شك ان دخول العراق الكويت ومن ثم حصاره وضياعه في أتون الغزو ومن ثم الاحتلال الامريكي قد نفس عن ايران ورفع عنها الكثير من الضغوط الاستراتيجية لتنتقل وهي أكثر قدرة الى تنفيذ مخططاتها في المنطقة وبوضع مواطئ أقدام لها في كل من لبنان وغزة وسوريا واليمن والبحرين وصولا الى احتواء العراق كله ضمن تواطؤ امريكي ملموس، تم تنفيذه بحكم تصاعد الخسائر الامريكية في العراق وظهور مقاومة عراقية عربية صاعدة ضد الاحتلال فوجد فيها الامريكيون خطرا لا يقل قدرة عن النظام السياسي العراقي السابق على مصالحها في العراق، فكان لا بد من العمل على سحقها قبل ان يشتد عودها فتزحف الى بغداد مكررة صورة هزيمة الأمريكيين المشهورة في سايغون والفيتنام.
لقد سلم الامريكيون بغداد المحتلة الى قوى الاسلام الطائفي الشيعي، ومن خلفه ايران، وتقف الى جانبه ضمن عملية سياسية مشبوهة، اطراف من الاسلام السياسي السني، التحق قبل وبعد الاحتلال بقوات الغزو واكتفى بالحصول على فتات من المناصب الهامشية في سلطة حكم العراق ما بعد الاحتلال بقبوله تمرير الدستور المشبوه والتخلي عن خيار مقاومة المحتل، لكنه ظل مكابرا على أخطائه حتى بعدما اكتشف تقاسم العملاء على طرفي العمالة السنية والشيعية ان ايران وإسرائيل باتت الرابح الاول والأخير من تدمير وغزو واحتلال العراق امريكيا، وان كل ذلك لم يتم لولا الدعم الايراني الذي لم يعد خافيا على العراقيين والعالم.
وللأسف لم يدرك النظام العربي الرسمي بكل طوائفه جسامة خسارة العراق وتدميره وتفتيته بهدف الغاء مقاومته الصاعدة، بحكم الضغوط الامريكية عليه فبدأوا بالاعتراف بالسلطة والادارة التي أقامها ونصبها الامريكيون على العراق، والتي لم تخف توجهاتها الطائفية والرجعية في العراق وتوطد تحالفاتها الاقليمية في السر والعلن مع النظام الايراني وفرقه وأعوانه فكان لا بد عليها الاجهاز على الحاضنة الشعبية العراقية للمقاومة العراقية في بعض المحافظات وفي بغداد من خلال اشعال حرب طائفية كانت معدة مسبقة اشتعلت شرارتها بعد حادث مفتعل لتفجير مرقد الامامين العسكريين في سامراء وبعدها جرى تشكيل ما سمي بالصحوات ومجالس الاسناد لحكومة المالكي وتقاسم امتيازات المحاصصة الطائفية والإثنية على حساب حقوق ومطالب الشعب العراقي وتطلعاته.
ولا شك لم يكن التفجير الاجرامي للمرقدين وتوقيته ومكان تنفيذه الا بداية لاشعال الشرارة الاولى لتجريب ادوات جديدة في المنطقة في الاحتراب الطائفي ولاضعاف الخصوم السياسيين لصالح مليشيات النظام الايراني التي كانت منظمة ومعدة ومدربة مسبقا لأخذ زمام المبادرة في الهجوم الطائفي وبشعارات لم تكن ابدا وطنية او سياسية .
لقد شكل الهجوم على الاحياء السنية في العراق عموما ، وفي بغداد خصوصا، وازدياد التحيز في انتقاء تشكيلة وتنظيم الجيش والشرطة وقوى الامن العراقية الجديدة بداية للردة الطائفية وبها تم التجاوز على التوحيد الوطني والقومي والديني، الذي كان يجمع عرب العراق، خاصة، فكانت الكارثة الاكبر في تاريخ العراق قتلا ودموية وذبحا وتهجيرا وتقسيما والتي لازالت ظلال كوابيسها المرعبة تخيم على النفوس والمشاعر، وقد نالت المأساة الوطنية في العراق من اجيال عراقية جديدة اخرى، لم تعرف يوما ما هي الاحقاد الطائفية او الصراعات المذهبية وإنها لم تسمع عنها في وسطها الاجتماعي والعائلي العراقي، الذي كانت لحمته ونسيجه الاجتماعي مثالا للتسامح والمودة والتعايش حتى خلال الحرب العراقية الإيرانية، رغم محاولات النظام الايراني تصوير الحرب الدموية التي تسبب في اشعالها، بلون طائفي ومذهبي مزعوم، كان يطرح قضية الدفاع عن شيعة العراق والانتقام من النظام السياسي القومي الحاكم في العراق آنذاك في أول مبرراته لإشعال الحرب واستمرارها والإصرار على وقفها بشرط اسقاط النظام الوطني القائم في العراق.
وكانت تداعيات ما سمي بالربيع العربي وانتفاضة جماهير المدن العربية في كثير من الأقطار ضد سلطات القمع والتسلط والاستبداد والفساد في كثير من الانظمة العربية الفرصة التي حفزت النظام الايراني لتحريك خلاياه الطائفية النائمة ليدفع بها بركوب موجة التمرد في بعض البلدان العربية، املا في كسب الوقت ولقطع الطريق على الخصم الطائفي المتمترس الآخر والمستفيد اعلاميا وماليا من دعم الانظمة الخليجية بشكل انتقائي وواضح ، لذا توجهت ايران بدورها نحو تحريك ساحتين عربيتين في اطار تحركات الربيع العربي بأمل تحريكها وبلمسات طائفية واضحة لم تخف توجهاتها المذهبية، فاختارت بعض الساحات، خاصة ، دعم مطالب شيعة البحرين والحوثيين في اليمن وحاولت تحريك مناطق الاحساء والقطيف شرق السعودية؛ في حين ظلت متمسكة في دعم النظام العراقي الفاسد الجديد الذي نصبته ودعمته قوى الاحتلال الامريكي وبذلك لم تتجاهل إيران وحلفائها في المنطقة مطالب عرب العراق من السنة والأكراد فحسب، بل دفعت بخبراتها ووسائل تدخلها التعبوية والسياسية والمالية وحتى المسلحة الى تقوية سلطة المالكي والدفاع عنها عند أي ظهور ملامح لانتفاضة وطنية عراقية تشكل خطرا عليها.
وهكذا انساقت ايران ودول الخليج العربي، كل في مجال حقله ونفوذه وماله وإعلامه الى لعب الأدوار الخطرة التي فتحت وتفتح الطريق الى اشعال الحرب الطائفية في المنطقة ، وبذلك يكون الطرفان العربي الرسمي والايراني قد استفادا من تخمر ظروف الربيع العربي وسعى كل منهما الى تحويل الامور المشتعلة في الساحات الى وجهة تبقي النظام الايراني من جهة فاعلا، ومن بقية دول النظام الرسمي العربي في حالة الامان وشبه الاستقرار أمام إحتمال هبوب رياح التغيير المرتقبة.
لقد اجهضت الدول الخليجية العربية، من خلال سياسات الانتقاء المغلوط والدعم الفئوي، العديد من الانتفاضات والثورات العربية في المنطقة وهي المسؤولة عن تمكين ما يسمى" الاسلام السياسي السني" من الوصول الى السلطة في كل من تونس ومصر والمغرب مكتفية، بإحداث تغييرات سطحية وهامشية في سياسات الحكام الجدد، التي اعتمدت خطوات خجولة شبه إصلاحية وانغمست في تهالكها على الاستحواذ على امتيازات السلطات العربية الجديدة، وبدورها راهنت ايران على امتلاك وقيادة او تحييد الشارع الشيعي وإبقائه رهينة طائفية لتوظيفه لمصالح سياساتها ونفوذها في قطاع غزة وفي بيروت وبغداد وبعدها دخلت على الخط المباشر الى دمشق، وهي المحطة الدموية والطائفية الأخيرة التي وجدت سوريا نفسها رهينة لاحتراب طائفي بدلا ان يكون سياسيا بعد تفجر الاوضاع في بلاد الشام حيث أجبرت الظروف النظام القائم ان يلوذ بحماية مظلة النظام الايراني وتدخلات ونجدة حلفائه في المنطقة.
تجارب بواكير الحرب الطائفية الشرق اوسطية التي وجدتها الادوات المحلية الايرانية الحاكمة في المنطقة الخضراء ببغداد كانت حاضرة وكانت متدربة وجاهزة لادارة الصراعات المحتملة في المنطقة؛ فما ان انفجرت الاحداث في درعا بسوريا وامتدت التظاهرات السلمية الى ضواحي دمشق وحلب وحمص وحماه كانت اشكال ظهور عصابات ما سمي بالشبيحة وممارساتهم تشي بشئ من خبرة سابقة مارستها المليشيات الشيعية ببغداد وبقية المحافظات العربية في العراق، وهي إذ تنفذ التعليمات الايرانية بوضوح لسحق خصومها بقسوة متناهية متجاوزة الارتباط القومي بين عرب العراق ومجتمعاتهم ولتصبح التقسيمات المذهبية والطائفية واقعا تفصله تدريجيا جدر الانفصال الطائفي بين الاحياء في المدينة الواحدة وتتسع من خلال الممارسات الدموية والقسوة المتناعية هوة الارتباط بالسلاح وبالتدريب وبالتعبئة التي قدمتها خبرات فيلق القدس الايراني وضباط الارتباط الايرانيين ومعهم مجاميع من رجال الدين المنخرطين بكيانات وواجهات العمل السياسي في منظمات جيش المهدي ومنظمة فيلق بدر وبعدها عصائب اهل الحق ليتطور التنسيق، وبقرارات ايرانية تصدر من مركز قيادة ولاية الفقيه ولينظم حزب الله اللبناني في اطوار متدرجة ومتسارعة الى الاصطفاف الطائفي والسياسي في المنطقة للدفاع تارة عن شيعة البحرين وتارة عن الحوثيين وجرى تجاهل وجود المقاومة العراقية ضد القوات الامريكية لسنوات طوال، وحتى الانتفاضة العراقية تم تجاهلها ووصفها بنعوت طائفية رغم طابعها السلمي والمطلبي، ليترجم حزب الله اللبناني بعدها في مواقفه الاخيرة في نكوص مرتقب دفعته اليها ظروفه اللبنانية وتحالفاته الاقليمية متخليا عن شعاراته التي كانت داعية الى معاداة الامبريالية والصهيونية والرجعية العربية ومناهضة التطبيع مع العدو الصهيوني ومحاربة اسرائيل إن تجرأت على ضرب سوريا... الخ. لقد عكس هذا التحول حتى الى قبول التعايش والتنسيق والدعم لحكومة المالكي ومليشياتها الاجرامية التي كانت احدى حلقات الخضوع والتنسيق للإرادة الامريكية وأداة في تنفيذ عمليات قذرة في ضرب المقاومة العراقية، ونعتها بالإرهاب وجرت التعبئة الطائفية ضدها، وبهذا خطى حزب الله اللبناني الخطوة الاكثر انزلاقا في مساره التاريخي، كحركة مقاومة وطنية وقومية وسار عكس مسار التيار التاريخي للأمة في ابتعاده عن جماهيره العربية في كافة اقطار الوطن العربي، تلك الجماهير التي قابلته بوفاء واحترام منقطع النظير وتعاملت معه قوميا، كحركة مقاومة عربية ضد الاحتلال الصهيوني، و قدم له احرار العرب وثوارهم وبسطائهم، وحتى الانظمة العربية الرسمية، الكثير من الدعم والمال والتعبئة الإعلامية في كل المواجهات مع العدو الصهيوني، طالما كانت الشعوب العربية ترى فيه حركة مقاومة عربية مكرسة ضد الاحتلال الصهيوني.
لا يمكن ابدا تفهم الدوافع التي يسوقها قادة حزب الله الذين وجدوا في بعض العواصم المحسوبة طائفيا على ايران انها الساحات الاقرب لهم من جماهير عربية عريضة لا زالت تكتوي بجمر وقمع الانظمة المستبدة القائمة حاليا سواء ببغداد أو دمشق، ولم تكن لنا الحالة الأخيرة مفاجئة ونحن نرى أبناء فقرائنا من العمارة والبصرة ومدينة الثورة والشعلة في صورة جثامين من القتلى العائدين من معارك حدثت في مدن القصير وحي السيدة زينب ومن ضواحي دمشق وهم عائدين الى اقطارهم قتلى منهم كانوا ملفوفين بعلم حزب الله اللبناني او برايات منظمة فيلق بدر وجيش المهدي وهي عائدة من دمشق لتدفن وسط احتفالات ومظاهر لم تخف أجوائها مظاهر التشفي الطائفي والدعوة الى الثأر والإنتقام.
لقد اكتشف العراقيون واللبنانيون ان بعض "الشبيحة" في سوريا هم من ابنائهم وانهم كانوا يحاربون دفاعا عن نظام دكتاتوري لا زال يصف خصومه والمعارضين له بانهم من المرتزقة ومن الذين دفع بهم المال القطري او السعودي ليكونوا وقودا لحرب باتت تنذر بشكلها الطائفي، وانها مرشحة، بعد معركة مدينة القصير السورية للامتداد من تخوم سوريا الى العراق ولبنان اضافة الى كل مدن سوريا المحترقة اليوم.
عندما تفجرت الانتفاضة العراقية حاول الطائفيون، من كل جانب، وسمها بالطائفية، ولعب النظام الايراني وحلفائه وإعلامه في المنطقة دورا في توصيفها بأقذع الوصف وتعامل الاعلام الطائفي التي تديره ايران مع انتفاضة ابناء العشائر في بعض مناطق غرب ووسط وشمال العراق المنتفضة بمسميات مثل المتمردين السنة، والمتحركين بأوامر وتعليمات لاجندات أجنبية، تركية أو خليجية، وكما كانت الادارة الامريكية للغزو في العراق تسمي المناطق المشتعلة بالمقاومة الوطنية ضدها بمناطق سميت بـ "المثلث السني" و" مناطق جمهورية العراق الاسلامية" و " القاعدة" و "بقايا البعث الصدامي" وتواصل ايران وحلفائها اطلاق نفس المسميات وذات النعوت على كل حركة مقاومة او انتفاضة عراقية، كما تجند ايران اليوم وبالتنسيق مع حكومة المالكي نفس الاوصاف والنعوت عبر عشرات من الفضائيات والبرامج التلفزية والاعلامية الموجهة طائفيا لتحديد المناطق المنتفضة ضد دكتاتورية وسلطة المالكي، ووسمها بمسميات طائفية لأجل عزل اي تحرك شعبي في محافظات الجنوب العراقي من الالتحاق بالانتفاضة العراقية القائمة، وهي سياسة خبيثة وحالة خطرة تُنبأ بتطورات دراماتيكية مقلقة تسعى الى اشعال الحرب الطائفية المطلوب تفجيرها في أية لحظة، تلبية لرغبات وطموحات اسرائيلية وأمريكية وحتى ايرانية، إذا اقتضى حال السياسة الايرانية قيامها عند اللزوم كما هو الحال في المشهد السوري اليوم.
وبغض النظر عما ستؤول اليه الاوضاع في سوريا فان المخاطر المرتقبة في العراق تشير الى تكرار بشاعة مجزرة العامرية والحويجة في مناطق اخرى من العراق، وربما سيحتفل المحتفلون اليوم في الضاحية الجنوبية ببيروت وبطهران ومناطق انتشار مليشيات بدر في العراق بمناسبة دخول قوات حزب الله وحلفائه وقوات بشار الاسد الى مدينة القصير السورية فان المؤشرات المرتقبة انهم يتطلعون الى تكرار احتفالاتهم بشكل طائفي بمناسبة امانيهم في دخول قوات المالكي الى الفلوجة أو الانبار او سامراء او نينوى وغيرها من المدن المنتفضة في العراق.
تداعيات نشوة الانتصار الوهمي، هنا وهناك عند احتفالات المليشيات الطائفية، ايا كان انتمائها ولونها ستشكل مؤشر خطير، وظاهرة مدمرة، يجب العمل على ايقافها قبل ان يحرق التعصب الطائفي ويعصف بالأخضر واليابس في كل أطراف الشارع العربي من المحيط الى الخليج، وسواء كان ذلك الامر المشين يجري اليوم ببغداد او دمشق او بيروت او حتى غزة فان عواصم ومدن عربية أخرى سوف لن تسلم من الكارثة الطائفية وتعصبها الاعمى.
ان الشعوب العربية المتطلعة للتحرر والإنعتاق والتخلص من الاستبداد جدير بها ان لا تستنزف طاقاتها الا من اجل الوحدة والحرية والتحرر والتطلع بروح ثورية الى مستقبل معاركها القومية المنتظرة مع عدو لا زال جاثما على الكثير من مواقع ارضنا العربية في فلسطين والجولان وسائر المناطق العربية الاخرى المحتلة بصيغ ووسائل واتفاقيات، ولا زال العدو يحتفظ بالكثير من قواعده العسكرية العدوانية في العراق وبلدان الخليج العربي.
ان ظلال الردة عن الإسلام من خلال تسعير الصراع الطائفي يجب ان تنقشع وتفضح وتواجه بجهد فكري وتعبوي واستراتيجي ومن دون كلل ومواجهة كل من يسعى الى إبقائها سيفا ارهابيا على رقاب الجماهير العربية المبتزة يوميا بالفقر والتخلف والامية والتطرف الاعمى وتوقف التنمية وهي جماهير كما تعكس انتفاضاتها تتطلع الى غد خال من الحروب الاهلية ومن الصراع الطائفي ورفض الاحتراب لابقاء بعض المتسلطين متمترسين في خنادق تعكس انها مجرد واجهات دموية يديرها الاغراب عن المنطقة لتكريس الانقسام والتشتت والفرقة القومية والوطنية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق