وجهات نظر
صلاح المختار
الحلقة الخامسة هنا
إيّاك تجني سكرًا من حنظل فالشيء يرجع بالمذاق لأصله
الامام الشافعي
العشرة المبشرة: اغتيال 9 من أجل أحدهم!
يعرف المسلم المستوعب لتاريخ الاسلام من هم (العشرة المبشرة بالجنة) ولماذا بشروا بالجنة؟ وهذه النخبة من الصحابة هم من كان لهم شرف الايمان الطليعي وترسيخ الايمان ، ولذلك لا يمكن لاحد من المسلمين التشكيك بهم الا اذاكان مصابا بفايروس فارسي قاتل اسمه (عبدالله بن سبأ) الذي زرع (فتنة الشيعة والسنة) القائمة على اعلاء صحابي واحد وذريته لدرجة التأليه طبقا للمفهوم الوثني والمعروف باسم (العائلة المقدسة)، وانزل مرتبة البقية ليصبحوا هدفا للعن والطعن، وفي افضل الاحوال للإهمال!
هل تحاول حكومة المؤتمر القومي (اغتيال) تسعة من الصحابة العشرة المبشرين بدخول الجنة وتعترف بواحد منهم مع (ذريته) فقط وتجعلهم العائلة المقدسة تماهيا مع نهج المتطرفين الفرس؟ الجواب نعم، واضح جدا ان هذه الحكومة تروج لهذه النظرية الاشد خطورة على هويتنا القومية وامننا القومي العربي.
نص قرار المؤتمر بخصوص فلسطين (يؤكّد المؤتمر ما يلي "أولاً إن قضية فلسطين، كانت ولا زالت وستبقى القضية المركزية للأمّة، التي لا يمكن نهوضها وتقدمها في ظلّ وجود الكيان الصهيوني المدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية والذي شكّل خطراً داهماً على الأمن القومي العربي ومستقبل الأمّة بأسرها).
هل في هذا القرار خطأ ؟ كلا ونعم بنفس الوقت ، كلا لا يوجد فيه خطأ لان الموقف الحقيقي والوحيد الصحيح قوميا هو التمسك بتحرير فلسطين والرفض المطلق لاي مساومة بخصوص ذلك وعدم التخلي عنه تحت اي واجهة مهما كانت . ولكي لا يورط جاهل بالتاريخ او من كان فهمه للواقع اسير امراض نفسية منها نزعات الثأر السياسي المعروفة ، بالاعتراض على ما سنقوله في قسم (نعم ) علينا ان نذكر ونردع بذلك التذكير كل من يريد ركوب موجة القومية العربية وهو ليس سوى من الغرباء عنها سلوكا وواقعا . هذا الذي قلناه في الفقرات السابقة اصل موقفنا القومي ليس نظريا فقط بل عمليا فنحن ابناء العراق من اختار بوعي المواجهة مع امريكا وجيوشها وجحوشها ورفض الانحناء لها ورفض الاستسلام لمشاريعها وفي مقدمتها الاعتراف باسرائيل وقبول الحل الاستسلامي رغم كل الاغراءات المعروفة ورغم كل النتائج الكارثية التي لحقت بالعراق نظاما ودولة وشعبا وبعثا مناضلا بسبب هذا الموقف القومي الاستثنائي في الوطن العربي على مستوى القوى الفاعلة وليس النخب المترفة او المناضلة .
واهم شاهد هو ما حصل للعراق منذ عام 1991 وحتى الان حيث تجاوزت كارثة العراق كارثة فلسطين بعدد ضحاياها ونوعية عذابات العراقيين فقد خسرنا حتى الان اكثر من 4 ملايين عراقي ماتوا منذ عام 1991 بينما لم يصل عدد شهداء فلسطين منذ بدأ الغزو الصهيوني وحتى الان الى عشر شهداء العراق ، وبعدد مهجريه الذي وصل الى اكثر من 7 ملايين عراقي بينما كان عدد المهجرين من ابناء شعبنا الفلسطيني عندما بدات كارثة فلسطين اقل من مليون مهجر وهو الان حوالي 4 ملايين مهجر ، وغير ذلك من مميزات كارثة العراق التي اصبحت الكارثة العربية الاكثر مأساوية وخطورة .
وربما من المستحيل اهمال حقيقة بالغة الايحاء وهي ان العراق يجر جرا بخيول امريكية – صهيونية – ايرانية ليصبح فلسطين الثانية ، كما ان جر سوريا لتصبح فلسطين الثالثة بدأ واصبح واضحا وهي تجر بنفس الخيول المذكورة سابقا : امريكا وايران واسرائيل ، وتلك ليست صدفة ابدا ، وتجر مصر واليمن وليبيا وتونس والبحرين وبنفس الخيول لتصبح كلها فلسطينات اخرى تؤبد كوارثنا وترمي ببقايا جثث ملايين العرب في محرقة الابادة الحاسمة التي تزيل كل اثر لنا ! فاذا كنا خسرنا فلسطين بسبب تقصير او خيانات الانظمة فليس مقبولا بعد الان ولا مبررا ابدا ان نخسر العراق وسوريا ومصر وغيرها عبر شرذمتها اولا ثم تقسيمها وتقاسمها لاي سبب كان .
واخطر تكتيك حاليا هو التستر ب (مركزية قضية فلسطين ) لردع ومنع من يقوم بحماية الاقطار العربية المهددة بالتقسيم والاحتلال وجعلها فلسطينات اخرى ، فيقول لنا هؤلاء بانه لا يجوز ذلك الان لان كل صراع مع غير الصهيونية انحراف يشتت الطاقات وعلينا التركيز على العدو الصهيوني فقط ، وبناء عليه فكل صراع اخر ثانوي وملحق بضرورات الصراع مع الصهيونية ! وهذا ما تطرحه ايران واداوتها ، وهذا مانراه واضحا في ممارسات حكومة المؤتمر القومي وما تمرره من قرارات شعوبية صرفة كما سنرى .
واخيرا فان تاريخنا يشهد اننا نحن ابناء بابل ، بابل تلك البقعة الجغرافية التي صارت الرمز الاكبر للعالم القديم باسراره الكونية واحداثه الغريبة تضم ما قبلها ، سومر ، ومابعدها ، اشور والعباسيين والامويين والتي اصبح الثأر منها احد اهم اصلين لصراعنا الحالي في الوطن العربي ، الاصل الثاني للصراع هو ثروات العرب خصوصا النفط وغيره وموقعهم الستراتيجي ، فالصراع القديم مازال متواصلا مع بابل التي اسرت اليهود ، ولم تسبهم كما يروج خطأ لتوقي شرورهم ، وجلبتهم الى بابل وفيها وضع عبدة العجل الذهبي التوراة المعروفة والمزورة التي نسبت الى موسى عليه السلام ، ثم دمرت بابل بتأمر يهودي فارسي معروف ، وما جرى اثناء وبعد غزو العراق يؤكد هذا الامر بأدلة قاطعة ومن يريد تجاهل ذلك كمن يخفي راسه في الرمال حتى يأتي عليه الذئب ويلتهم رأسه .
وانا شخصيا اعترف بانني كنت اهتم اولا وقبل كل شيء بسبب غزو فلسطين الحديث ولا اتطرق لتحرير البابليين لفلسطين واسبابه الظاهرية والاخرى الباطنية الا كتاريخ مضى، اما الان فمن الغباء عدم الانتباه الى ان العدو الاكبر يتصرف وفقا لنبؤات كتبه ويخطط للوصول اليها بلا كلل او يأس ابتداء من الحفريات تحت المسجد الاقصى الى الحفريات في بابل واور بعد غزو العراق ونهب قطع اثار خاصة جدا لها قيمة توراتية كبيرة من المتحف العراقي ثم دفع غوغاء لسرقة وتدمير الاثار الباقية وسرقتها بطريقة خطط لها الموساد بالتعاون مع المخابرات الامريكية قبل الغزو بمدة طويلة : بحثا عن ماذا؟
من هنا فاننا نحن ، وقبل اي طرف اخر مهما كان بما في ذلك ابناء شعبنا الفلسطيني ، نعد تحرير فلسطين واجبا وطنيا عراقيا قبل ان يكون واجبا قوميا عربيا لاسباب عراقية صرفة اصلا ونعد اي مساومة او اعتراف باسرائيل خيانة لقضيتنا الوطنية العراقية ونسف لارثنا التاريخي المجيد قبل ان نعده خيانة لقضيتنا القومية الاولى فلسطين . ونذكّر من نسى اننا نحن ولسنا غيرنا من حرر فلسطين مرتين ( هل هي صدفة ؟ ) في زمن نبوخذ نصر وزمن صلاح الدين ، ونحن وليس غيرنا من اسقط نظرية الامن الاسرائيلي بقصف عاصمة الكيان ب 43 صاروخا ستراتيجيا وليس بصواريخ كاتيوشا . وهذه الميزة الفريدة هي ما يميز العراق عن بقية الاقطار العربية في الموضوع الفلسطيني جوهرها ومحورها الدور الرسالي للعراق .
العراق اول من بنى حضارة في العالم ونشر النور فيه انطلاقا من ارض سومر ، ولم تكن صدفة ان الله وصف اهل العراق بانهم قوم ذو ( بأس شديد ) لانهم وليس غيرهم من تقدم استجابة لنداء فلسطين قبل اكثر من الفي عام ، كما انه ليس صدفة اننا ابناء بابل العظمى التي تبعث الان من جديد نتعرض للابادة بلا رحمة ونقاوم بلا اي ومضة استسلام ، فالصراع بيننا وبين عبدة نصوص التوراة والكابالا صراع وجود كامل وهو سجال ولن يتوقف الا بانتصار احدنا على اخر والنصر باذن الله لنا وبقوة شعبنا العراقي العظيم شعب نبوخذ نصر وصلاح الدين وصدام حسين ، وهؤلاء هم القادة العرب الوحيدون الذين ترتعد فرائص عبدة العجل الذهبي عند سماع اسماءهم الكريمة رغم رحيل اجسادهم . مرة اخرى انصح كل من لا يستوعب هذه الحقائق ان يعيد قراءة التاريخ بعيدا عن تفسيرات المستشرقين الذين زوروا تاريخنا خصوصا في العراق وفلسطين سيجدون كلماتي هذه صحيحة بكل حرف منها .
اما الان فان العراق العظيم– بابل الحديثة التي نهضت في زمن البعث بقوة هائلة- هو من بقي وحيدا في رفضه الاعتراف باسرائيل الحديثة منذ العهد الملكي وحتى العهد الوطني، ونحن ابناء بابل من نتحمل الان نتائج رفضنا هذا، وبناء عليه ، وليس لاننا نريد ارضاء جهة ما ايا كانت لاننا اصلا الحراس التاريخيين لبيت المقدس وكل فلسطين، فاننا ابناء شعب العراق العظيم من جيلنا او الاجيال القادمة من سنحرر فلسطين في نهاية ام المعارك الجارية بلا توقف منذ عام 1991 والتي لن تتوقف الا بتطهير ارض فلسطين كل ارض فلسطين من النهر الى البحر ، وهذا هو ( وعد الله) لذوي البأس الشديد في قرأنه الكريم، والذي بني عليه (وعد البعث) الثاني . وهانحن اليوم نعيش زمن (اقتربت الساعة وانشق القمر) ، ويعرف معنى ذلك فقط من يفهم الغاز واسرار صراعنا مع عبدة العجل الذهبي .
ولمن لا يعرف بعد ما جرى للعراق واسبابه العميقة ، وبعضها قديم جدا ، وغير المعلنة ان يعرف ان تعبير ام المعاركبحذ ذاته هو المقابل الطبيعي لمصطلح (الارميجادون) – معركة الحسم والنهاية بين الشر والخير - الذي تبشر بوقوعه الصهيونية وغيرها . في ضوء هذه الحقيقة التاريخية فان قضية فلسطين ليست طارئ وقع لنا منذ عام 1948 بل هي قضية وجود العراق البشري والكياني بذاته في المقام الاول منذ نبوخذنصر ، انها قضية تاريخية وصراعات غامضة وواضحة اجتاحت وتجتاح الامة كلها والكثيرون يجهلون ملابستها ودروبها .
اذن نحن البعثيون القوة الشعبية الجماهيرية العربية الوحيدة التي ترجمت مبادءها وطبقتها على الارض برفض التنازل عن فلسطين كشرط لرفع الحصار عن العراق وشعبه ومقدمة لدعم العراق بالتكنولوجيا وغيرها ، ونحن من نواجه الابادة الشاملة بسبب تمسكنا بفلسطين قدس اقداسنا وكان بامكاننا ان نساوم لنسلم ولكن الطبيعة التاريخية للدور العراقي والتشكيل النفسي للفرد العراقي وعمق تمسكه بقوميته العربية كان عاملا حاسما لا ينافسه اي عامل اخر ، فاقدمنا على خوض ام المعارك معركة البشرية كلها ضد شرور الصهيونية وكل القوى السرية الداعمة لها في العالم . ولحسن حظ العراقيين وطليعتهم ابناء البعث فان الشهود على رفض العراق كل مساومة على فلسطين بعضهم مازال حيا ومن مات منهم كشف عما عرض على العراق في ظل الحكم الوطني كي يساوم على فلسطين فرفض .
ولان ما قاله بيان المؤتمر في هذه الفقرة يستبطن معنى خطيرا علينا ان نوضح باختصار هذه المسألة . لم يعد سرا الان ان حزب الله وقبل ان يتحول الى اداة غزو داخلية أهّلته مخابرات ايران ، وبمساعدة من الموساد والمخابرات الغربية كلها ، ليكون مقبولا شعبيا عربيا ولبنانيا ولم تكن هناك وسيلة افضل من استغلال اسم فلسطين ومقاومة اسرائيل ، فخاض معارك مع اسرائيل في جنوب لبنان ليكتسب سمعة طيبة تجعله محاطا بدعم عربي واسع ، ثم يجيرها لخدمة وظيفته الباطنية الحقيقية والتي نراها في يومنا هذا وهو غزو حزب الله وايران لسوريا في لحظة حاسمة اعد لها منذ تأسيسه وهي انقاد المخطط السوبرستراتيجي لايران من السقوط الكامل اقليميا عن طريق المحافظة على اهم مراكزه وهو المركز السوري لنشر الدعوة الصفوية .
فبعد ان تمكنت المقاومة السورية من محاصرة النظام الصفوي والاعداد لاسقاطه واصبح النظام عاجزا عن استخدام الطائرات الحربية لقصف الشعب وتعطلت فاعلية دروعه بالكامل واصبحت دمشق في قبضة الانتفاضة حصل امران خطيران جدا لهما دلالات ستراتيجية بعيدة المدى، الحدث الاول هو ادخال الاف المسلحين الى سوريا تحت اسم ( القاعدة ) ، وهؤلاء غيروا طبيعة الانتفاضة الشعبية الوطنية ودفعوها الى منزلقات الطائفية المضادة ، لانها تدعي (انها الرد على طائفية النظام وانها تحمي اهل السنة )، وهذا غير صحيح لان الحماية المطلوبة هي لكل الشعب السوري وبلا اي استثناء . ودخول هذه الالاف تم بقرار من المخابرات الغربية ( الامريكية والبريطانية والفرنسية ) . اما الحدث الاخر المكمل عضويا فهو تدخل حزب الله وايران عسكريا في سوريا لانقاذ نظام بشار الصفوي ، وبشعارات طائفية تكمل شعارات من ادخل باسم القاعدة ، فلا نجاح للطائفية الا بوجود طرفين طائفيين يكمل احدما الاخر .
وهذا تكرار لما حصل في العراق بضرب المقاومة العراقية (الاسلامية والوطنية والقومية ) بتيار متطرف باسم القاعدة ، التي قامت بقتل عشرات الكوادر العسكرية للمقاومة العراقية تحت غطاء ( مبايعة دولة العراق الاسلامية ) ! فمقابل الطائفية المتطرفة للميليشيات الموالية لايران ( حزب الدعوة وغيره ) وجدنا في العراق القاعدة تساهم في تصعيد فتنة طائفية عمياء وكانت احد اسباب اضعاف المقاومة العراقية . الان نجد طائفية حزب الله تقابلها طائفية القاعدة في سوريا تجران سوريا جرا الى التقسيم وتحويل الانتفاضة من عملية انقاذ وطني لسوريا من الديكتاتورية والفساد الى ساحة لحرب لن تنتهي الا بتقسيم وتقاسم سوريا ما لم ينتبه احرار سوريا . اترون الان كيف ان خيول امريكا وايران هي قاطرات تجر الاقطار العربية الى التقسيم ؟ وهل يفهم من لم يفهم سابقا كيف ان لامريكا واسرائيل مصلحة ستراتيجية بوجود وقوة حزب الله ؟
وهكذا تجرد حزب الله من كل لباس مزيف للمظهر وبان على حقيقته اداة ايرانية بل فارسية صرفة لا صلة لها لا بلبنان ولا بفلسطين . هذا هو التطبيق الدقيق لمفهوم التأهيل المسبق في الصراعات الستراتيجية ، وكان السادات التأهيل الاول حيث خاض حرب تشرين / اكتوبر عام 1973 لاكتساب قوة مشروعية للاعتراف باسرائيل فكانت تلك الحرب غطاء لما هو خيانة قومية ، وهنا ترون التناقض الفاضح بين الوسيلة الشريفة وهي تحرير ارض وبين الهدف وهو الاعتراف باسرائيل في حالة السادات ، وحماية غزوات الفرس في حالة حزب الله .
الان حكومة المؤتمر القومي تروج لتقبل نفس تكتيك السادات فتحت اسم ( القضية المركزية ) لا يجوز ان تكون هناك قضية اخرى تشغل العرب عن قضية فلسطين او تسمح بنشوب صراع مع طرف نحتاجه لدعم فلسطين كايران ، بل على كل عربي ان يتحمل احتلال ايران وجرائمها ، التي فاقت جرائم اسرائيل في العراق وسوريا ، من اجل فلسطين وان التحمل هذا يقصد به عدم التصعيد مع ايران اي تركها تحتل وتفرس ، لانها حسب بيانات المؤتمر القومي (العمق الستراتيجي للامة العربية ) في معركتها مع الصهيونية العدو الاوحد للامة !!!
هل صحيح ان على جميع العرب مواصلة جعل القضية المركزية الاصلية ، وهي قضية فلسطين ، البوصلة الوحيدة لتأشير الطريق الصحيح حتى لو وقعت وقائع اخرى ادت الى ولادة اكثر من فلسطين في الوطن العربي؟ حكومة المؤتمر تقول لنا بالقلم العريض مهما تفننت في الصياغات : عليكم ايها العرب عدم فتح معارك مع من يحتلكم الان كما في العراق وسوريا اللتان تتعرضان للتفريس الكامل عبر التطهير الطائفي والعرقي لملايين العراقيين العرب سنة وشيعة وللشعب السوري ايضا، او يحتلكم منذ عقود كما في حالة احتلال الاحواز والجزر العربية ، او يعتدي عليكم او يشهر قراره باحتلال اقطار منكم، مثل البحرين والكويت وكافة دول الخليج العربي، عليكم التحمل وعدم خسارة العمق الستراتيجي للامة: ايران. هذه فكرة جوهرية علينا وضعها امام نواظرنا عندما نقرأ الغاز المؤتمر القومي المكتوبةبلغة ملغومة.
اما الامر الاخر الخطير في هذه الفقرة فهو ان التشديد على مركزية قضية فلسطين ليس هدفه كما يبدو ظاهريا خدمة فلسطين ، بل هو لشيطنتها في الواقع فحينما تقول للعربي في العراق وغيره لا تحارب ايران من اجل فلسطين فانه سيضطر للتفكير كالتالي : هل صحيح انني يجب ان اقبل بغزو ايران لارضي وتدميرها لشعبي من اجل فلسطين ؟ عندما يطرح هذا السؤال بتدأ عملية شيطنة فلسطين كلها وليس قضيتها فقط ، فالانسان المعذب لا يستطيع تحمل عذابه الى مالا نهاية من اجل طرف اخر مهما كان عزيزا عليه ، خصوصا حينما يتعلق الامر بشعب كامل وليس بفرد ، وتكون نتيجة هذا الحوار الداخلي هو بدء عزلة القضية الفلسطينية وهجرها او معاداتها تحت غطاء تناقضها مع المصالح القطرية بطريقة لا تترك مجالا لاي اختيار سوى اختيار القطرية والتخلي عن الالتزامات القومية .
ليس هناك مجنون واحد يقبل باحتلال ايران للعراق والبحرين وغيرها والسكوت على ذلك لمجرد (ان ايران تدعم القضية المركزية) ! ولذلك فان جنونية هذه الفكرة تريد حكومة المؤتمر ان (تعقلنها) بالقول : كيف تحاربون من يدعم القضية المركزية ويمد حماس وحزب الله بالسلاح والمال ؟الاولوية الان لفلسطين ولا مكان لغيرها ! هكذا تزرع بذور شيطنة فلسطين وقضيتها وهذا اهم اهداف الصهيونية منذ بدأت باحتلال فلسطين . هل ترون لم ساعدت اسرائيل وامريكا على نشوء ونمو حزب الله ولم تضربه وهو في المهد ؟
ومن اغرب (اسرار ) حكومة المؤتمر القومي انها الان وبعد تمزق قناع المقاومة عن وجه حزب الله بعد غزو سوريا واعتراف حسن نصرالله بان حزبه دخل عسكريا بعد ان تيقن ان النظام السوري سيسقط وانه انقذه من السقوط الحتمي، وظهور دوره الحقيقي كوسيلة غزو ايراني ، الان وبعد ان تخلت حماس عن صلتها بحزب الله ورفضت دوره في سوريا ، الان وبعد سقوط قناع المقاومة يتبنى المؤتمر فقرات تدعم حزب الله ! هل ترون الى اين وصل المؤتمر ؟ عندما قال المؤتمر تلك الاكذوبة الخطيرة قبل غزو حزب الله لسوريا كان هناك من يتقبل ذلك اما الان فان من يعده حزب مقاومة وممانعة يضع نفسه امام الف سؤال تشكيك بسلامة عقله ، او تشكيك بامر اخر اخطر واهم ربما سنضطر للتطرق اليه مستقبلا .
اذا حصل تناقض بين العربي في فلسطين والعربي في قطر اخر ، وهو ما تصنعه الفقرة الواردة في بيان المؤتمر فان الخطر الاكبر المترتب عليه هو ان كتل جماهيرية شعبية وليس حكومات ستقف ضد التوجه الذي يحرمها من حق القتال والتحرير ، وقضية فلسطين ستكون خاسرة بالتاكيد لان الطوق حول عنقها سوف يكتمل ، فهناك انظمة تعادي فلسطين ، وما تريده سياسة ( القضية المركزية ) التي تفسر على انها القضية الوحيدة وليس الرئيسة هدفه استعداء الجماهير العربية على فلسطين ايضا ، هو هذا بالضبط هو المطلوب صهيونيا وامريكيا لاجل اكمال خنق الشعب الفلسطيني وقضيتنا القومية الاولى فلسطين .
واذا حصل ذلك واخذت تظهر فلسطينات اخرى فسوف يناضل شعب كل قطر بمفرده وربما بوجود صراع مع العربي الاخر ، وهذا احد اهم شروط احتواء الانتفاضات التحررية ومنع تحولها الى ثورات جذرية ، فيكون القتل لكافة قضايا العرب وتصفيتها جزء بعد اخر دون وجود توحد او تنسيق بين العرب بل تشرذم قاتل حتى في صفوف الوطنيين العرب .
بفصل فلسطين عن الفلسطينات الاخرى ، خصوصا فلسطين العراق وفلسطين سوريا وفلسطين البحرين ، فان اسرائيل لن تكون وحدها المستفيد بل ايران واطراف اخرى ايضا ستحقق فوائد كثيرة ، فما ان تعزل قضية العراق حتى تصبح لقمة سائغة امام ايران لتأكلها براحة ودون ضغط او دعم عربي لاهل العراق . ففي النهاية ايران واسرائيل وامريكا هي المستفيدة من تفسير القضية المركزية على انها تعني القضية الوحيدة . هل ترون كيف ان قرارات حكومة المؤتمر تتم صياغتها بلغة الكابالا الغامضة ؟ بدلا من قيام من يسمون انفسهم ( عقل الامة ) و(ضميرها ) و( مرجعيتها الشعبية ) بتقديم تفسير صحيح لطبيعة المرحلة كي تفهم الجماهير ما يجري فانهم يقومون بزيادة التشويش وارباك الجماهير التي تعرف ان فلسطين هي قضيتها المركزية ولكنها تعرف بحكم المعايشة ان هناك الان اكثر من فلسطين وبعضها مأساته اكبر من مأساة فلسطين كمأساة العراق وسوريا ، لذلك فان الموقف الصحيح هو ليس قتل تسعة صحابة من اصل عشرة لاجل بقاء الواحد متمتعا بلقب الصحابي بل الاعتراف بوجود صحابة واحترامهم كلهم والعمل معهم ومن اجلهم كلهم بفهم ميداني لطبيعة معارك المصير .
بيان المؤتمر يطالب علنا بقتل العراق الذي تحكمه ايران مباشرة ، وقتل سوريا التي تحتلها ايران ، وقتل الاحواز التي يعدم كل شهر منها عشرة او اقل او اكثر ، وقتل البحرين التي تعد امريكا العدة لتسليمها الى ايران تحت غطاء حق تقرير المصير ، وقتل اليمن التي يتغول فيها الحوثيون عملاء ايران ويعزلون شماله بقوة السلاح الايراني مكملين التحرك الجنوبي الانفصالي الذي تدعمه ايران ايضا (بطلة تحرير فلسطين )، قتل كافة الاقطار العربية التي تواجه كارثة التشرذم الطائفي الذي زرعته ايران وسقته امريكا بمياه عذبة في مصر بالذات ، ونرى الان كيف اصبح المصري يقتل المصري على اسس طائفية وهو امر كان قبل 3 اعوام كابوسا لا يأتي حتى في اسوأ الاحلام ، والفضل كل الفضل لايران في نشر الاوبئة بكافة انواعها في كل الاقطار العربية . كم صحابي – وكل قطر عربي صحابي جليل - تريد حكومة المؤتمر القومي اغتياله لاجل بقاء صحابي واحد فقط امامنا وينفرد بامتلاك حق دخول جنة حكومة المؤتمر ؟
(عقول ) حكومة المؤتمر القومي لا تكتفي هي بممارسة صمت الموتى تجاه قضية العراق وسوريا والبحرين والاحواز بل تريد اكثر من ذلك ، ان نخون نحن القضية القومية عبر ممارسة صمت الموتى تجاه غزوات ايران وتوسعها العنصري سكانيا وعسكريا تحت غطاء مهلهل هو ان القضية المركزية لا تسمح بفتح جبهات اخرى رغم انها تعلم علم اليقين ان من يفتح الجبهات ليس العرب بل ايران بالذات ! في ضوء ما تقدم ثمة سؤال يفرض نفسه فرضا وهو هل تحول المؤتمر ابتداءا من حرق ورقة حزب الله مؤخرا الى المسوق الاكبر فكريا وثقافيا وسياسيا لغزوات ايران تعويضا عن الدور التسويقي الذي كان يقوم به حزب الله قبل عزله ؟
يتبع ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق