وجهات نظر
فلاح ميرزا
عاد الينا موضوع الربيع العربي، رغم كونه لايشبه بمناخه والوانه وافعاله وهوائه ونهاره وليله واوراده الربيع الذى عرفناه وعشنا ايامه وتغنينا به وتسامرنا بلياليه والابتسامة تعلو الوجوه في السنوات الماضية، عاد بكل ماتعنيه الاوصاف الحزينة والمؤلمة يالقتل والدمار والحرق وهتك الحرمات والمقدسات، وتلك هي الصورة التي رسمها اعداء الله ورسالاته السماوية وشرائعه الدنيوية مع الاسف علي ايدي الطغاة.
اصرار الرئيس بوتين على موقف روسيا من الصراع الدولي بشان النظام السوري الذي يتزعمه بشارالاسد منذ عقود من الزمن لاينطلق من فراغ او من عواطف معينة خصوصا انها تصدر من رئيس اقوى دولة في مجال السلاح النووي وهو بالتاكيد يدرك خطورة التلاعب بالالفاظ عندما يصف الادارة الامريكية بالكذب في اتهاماتها بشان السلاح الكمياوي الذي استخدم في المعارك الاخيرة ، وبالمقابل فان الرئيس الامريكي باراك اوباما يرى بخلاف ذلك فان اصراره ايضا على ادانة النظام السوري وتحميله مسؤولية استخدام سلاح محرم دوليا في اي ظرف كان وبين هذا وذاك تباينت المواقف الدولية والتحليلات الاعلامية ولعل ماتركته الولايات المتحدة في غزوهاالعراق عام 2003وقبلها افغانستان قد وضع اجوبة لكل التساؤلات المطروحة للقضية وهي بالتاكيد سنكون ليس في جانبها او حلفائها واكيد فان رؤى العالم بشان مايشهده العالم حاليا من احداث قد تغيرت كثيرا مابين 2003 و 2013 بسبب تطور وسائل الاعلام وانتشار القنوات الفضائية واستخدام الهواتف المحمولة والانترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي التي توصل الخبر بسرعة البرق الى الملايين المتابعين لها لذلك لم يعد بمقدور امريكا ان تستمر بالكذب وخداع البشركما كانت في السابق عندما الصقت بنظام صدام نفس التهم.
وحاليا اخذت الازمة السورية حيزا كبيرا في اللقاءات والموتمرات الاقتصادية والسياسية الدولية وتناولتها وسائل الاعلام وبمختلف اتجاهاتها بالتحليل العام والخاص سواء في حوانبها العسكرية والسياسية دون ان تعير للجانب الاقتصادي الاهمية المطلوبة كونه يشكل المحور الاساسي الذي وضعت فيه القوى الدولية كل ثقلها للخروج منه بنتيجة تريد بها حلا للازمة المالية التي هي على وشك ان تطفو على السطح، وقد يتبادر للكثيرون بأن وقوف روسيا وحلفاءها هذا الموقف المتشدد مع سوريا تجاه الولايات المتحدة وحلفائها جاء بسبب طبيعة العلاقة التي تربطها مع سوريا وان كان ذلك هو مايدور حوله الرأي الدولي الا ان واقع الحال يشير الى ابعد من ذلك ؟ فقد يكون ذلك وهما او ضربا من الخيال لسبب بسيط وهو ان احداث دولية مرت على القطبين وكانت اكثر خطورة ولكنها لم تصل الى الدرجة التي نحن بصددها الان وبالفعل فان مايثير الدهشة والعجب هو كون البعض مستمرا في تصديق التلفيق والنفاق السياسي والمخابراتي والاعلامي المستمر منذ التسعينيات في شن الحروب هنا وهناك بحجج واهية وخدّاعة مثل حماية حقوق الانسان.. .. فرض الديمقراطية.. !، الدوافع الحقيقية في تاريخ وقوع الحروب ولكن الاخطر في هذه الحقبة التاريخية ليس الانهيار المالي بل خطر اندلاع حرب شاملة بدأ بسوريا تتورط فيها دول اقليمية مما سيجر اليها روسيا وحلفائها في مواجهة ان المعاييرالتي وضعتها السياسية الامريكية والتي ترافقت مع مجيئ باراك اوباما رغم انها تتسم بالشفافية كما روج لها الا انها وفي حقيقنها تتسم بالخداع وللااخلاقية نتيحة تسارع عوامل الازمة المالية التي لم نستطيع التغلب عليها منذ تسعنيات القرن الماضي وتطفت على السطح عام 2009.
الدوافع الحقيقية في تاريخ وقوع الحروب الكبرى في التاريخ تعود اسبابها بالدرجة الاولى الى تلك الحالة التي تسمى بنقطة اللاعودة "في انهيار النظم المالية لطبقة النخبة المالية.. التي تسيطر على النظم السياسية والايديولوجية والاعلامية دوليا .. حينها تبدأ شرارة الحرب عادة بحادث نوعي ارهابي مصطنع او تلفيق مفبرك من الدرجة الاولى "سياسياً او عسكرياً" لخلق الصدمة النفسية .... في الوقت الذي تكون فيه ماكنة الاخطبوط السياسي والاعلامي وادواتها في الحرب النفسية تعمل دون كلل.... وتهيئة الارضية الخصبة في تعبئة وشحن الانفس وغسل الادمغة والترهيب النفسي للشعوب وحكوماتها.. وصولا الى حالة العمى المنطقي والتجرد من الطبع الانساني والسير مع التيار السائد. كل ذلك تناولته الادارة الامريكية في حملتها لتغيير النظام في سوريا.. ونحن امام مفاجئات ومتغيرات على مختلف المحاور، ومفترق طرق لان مايلفت النظر هو تلك الحقيقة التي تغطيها ستارات مصطنعة. من مفارقات القدر هو ما جرى في العقود الخمس الاخيرة من تكبّيل النظام السياسي والاعلامي الغربي بقيود تناقض ادبياتها وقيمها ودساتيرها والسيطرة على تلك الامم من قبل قلة قليلة "طبقة النخبة المالية العالمية"!، وبذا اصبح الغرب الذي هو على وشك الانهيار . .ان الخداع المستخدم حاليا في خلق الازمات الاستتراتجية هو استغلال مواطن الضعف في الثقافات والاديان وجعلها قنابل موقوتة ومن ثم فرض الحلول التي تخدم أجندتهم للامد الطويل.. وتلك هي ما اسماه البريطاني ونستون تشرشل السياسة التي يجب ان تسود في منطقة الشرق الاوسط بعد انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية ، واعتبروا ان انهيار الشيوعية حلما وهبة من الله قد ساعدهم في خلق الازمات التي اطلقوا عليها بالخلاقة .
ان الاحداث والتطورات في سوريا منذ عام 2011 تعبر عن نفسها لكل متفحص وحيادي وباحث، لأنها كشفت الكثير من المستور المخابراتي والاستراتيجي والازدواجية السياسية والاعلامية وسقوط الاقنعة حيال القاعدة والاخوان المسلمين ودور قطر والسعودية وما يدعيه الغرب بمحاربة الارهاب!
وقد اشار الى خطورتها ثعلب السياسة الامريكية ووزير خارجيتها السابق هنري كيسنجر في تصريح له لإحدى الصحف وذكر ان سوريا ستسحب العالم الى حرب لايعرف مداها.. قد يتساءل البعض عن السبب الحقيقي للموقف الصلب لروسيا والصين في دعمهما لسوريا واستخدام الفيتو في اروقة مجلس الامن لأكثر من مرة لأي تدخل عسكري... قبل سنتين اصدر الاقتصادي الفيزيائي "ليندون لاروش" تحذيرا فحواه ان الهدف الحقيقي مما يجري من عملية "بلقنة" الشرق الاوسط هو آسيا" وبالذات روسيا والصين كذريعة لاطلاق شرارة الحرب.. هذا ما صرحت به روسيا حول الهدف من نصب منظومة صواريخ "باتريوت" في تركيا والاردن بإعتباره مكملا لتلك المنظومة المثيرة للجدل في شرق اوربا "نظام الدرع الصاروخي الاوربي "وهدفه ليس دفاعي كما يدعي الغرب بل لتحويط اسيا وشل قدرتها في الرد مما يعتبر اخلال لمبدأ التوازن الاستراتيجي في حال اندلاع اي صراع نووي هربا من الازمات والمستحقات الداخلية كما هو الحال مع الرئيس باراك اوباما الذي يواجه ضمن ما يواجهه مسؤولية إعطائه الاوامر للقوات الامريكية في مهاجمة نظام القذافي وحاليا يحاول لأن يكرر وبنفس الطريقة ضرب سوريا رغم ان جميع الدلائل التي توفرت لدى الامم المتحدة لحد الان لا تشير بتحمل النظام السوري استخدامه للسلاح الكمياوي وايضا للتحذيرات الصادرة عن المؤسسات العسكرية والامنية الغربية ومنها الاسرائيلية ايضا لأي مغامرة في التدخل المباشر والمتمثلة برئيس هيئة الاركان الامريكية الجنرال "مارتن ديمبسي" الذي لولاه، لكان اوباما قد ورّط امريكا في تدخل عسكري مباشر عقب الانتهاء من تدمير ليبيا. ولكن معارضة العسكر لها حدود، لأنه بمجرد إطلاق الشرارة لن يكون امام العسكري المحترف الا القيام بواجبه الوظيفي ورغم ان الازمة العسكرية المفتعلة لم تاتي أُكلها الا ان الجانب الاهم من الازمة وهو صلب موضوعها.
الانهيارات المتوقعة لسوق السندات التجارية وفقدان السيطرة عليها والذي تسبب في عام 2008 بخلق الازمة المالية مهددا المصارف الكبرى بالافلاس لولا تدخل البنوك المركزية بضخ السيولة بصورة غير مسبوقة... العامل الوحيد الذي ابقى المصارف مفتوحة هو الضخ الحكومي للسيولة واستخدام اموال دافعي الضرائب التكفل الحكومي للمصارف في الاعوام الخمس الاخيرة للحد الذي ادى بدول الى الاعلان عن العجز في ايفاء ديونها مثلما الحال مع اليونان، البرتغال، اسبانيا... الخ، والمثير للانتباه التحذير الذي أطلقه رئيس بنك الاحتياط الامريكي برينكي في كانون الثاني للكونغرس بأن الولايات المتحدة ستعجز عن ايفاء دفع ديونها ما لم يتم رقع سقف الدين العام "ضخ" المزيد من السيولة، ولكن حقيقة الامر هي ان الاستمرار بضخ السيولة النقدية يعني لا محال من حصول التضخم النقدي الشديد وفقدان العملة لقيمتها.. وان تم وقف الضخ حينها ستنهار المصارف .
وفي محاضرة اقامها نادي الخرجين العراقيين في كندا اشير فيها الى التحذيرات التي اطلقتها مؤسسة لاروش العالمية عام 1994 حول حتمية انهيار العولمة الاقتصادية وبدت تلك التحذيرات غريبة ومبالغ فيها! ولكنها بدأت تتوضح تدريجيا، وضمن دول الاتحاد الاوربي دليل على منحى خطير يمسُّ من ليس له علاقة بما جرى وسيشمل قريبا كافة الدول الغربية في حال فشل اي مصرف. القانون اعلاه يسمى في الولايات المتحدة بـ "دود فرانك بل" الذي صادق عليه اوباما في عام 2010، وتم تمريره بشبه سرية وخديعة في كندا ضمن ميزانية الدولة للعام الماضي وفي نيوزلندا وبريطانيا وهم بصدد ذلك في استراليا و بتاريخ 25 تموز 2009، حذر ليندون لاروش الحكومات الغربية بأن نظام "كلاس – ستيكل" لا بديل عنه في الوضع الحالي، وبأن كل الاجراءات المتخذة حينها من قبل تلك الحكومات من سياسة ضخ السيولة والتقشف الصارمة والتلاعب بالارقام لن تنقذ النظام المالي المفلس ، والدليل هو ما جرى بعد اربع أعوام من ذلك التحذير! وما هم بصدده اليوم لن ينقذ هذا النظام بصيغته الحالية حتى وإن تم سرقة الفلس الاخير من ودائع الناس.... هل يعقل أن يتم إنقاذ نظام مالي يئنّ تحت وطأة ديون من المضاربات "سوق المشتقات" تتجاوز 1400 ترليون من الدولارات! بينما مجموع الناتج الاقتصادي العالمي لا يتجاوز ال 60 ترليون دولار، الاغبياء فقط سيصدقون ذلك وهناك حمله ويقودها بعض الاعضاء من كلا الحزبين في الكونغرس الامريكي نحو تحييد اوباما او الدفع نحو محاكمته بتهمة خرق الدستور وتجاوز صلاحياته، ... هذا التحرك لم يأت إعتباطا، بل نتيجة جهود حثيثة لبعض المؤسسات الامريكية من الذين يتعاونون مع مؤسسة لاروش في امريكا ولإدراكهم للخطورة التي تمثلها شخصية أوباما وكما جاء بتحذير لاروش في عام 2009 بأننا أمام شخصية "نرجسية" ويجب تحييده أو لمنع استخدامه من قبل الاصوات التي تهلل للحرب.
ان اقحام الولايات المتحدة نفسها وبهذه الطريقة الاستفزازية لدول المنطقة تحت مسميات عصرية (الديمقراطيية والحرية وحقوق الانسان) لايمثل في حقيقة الامر سوى قناع تخفي خلفه الازمة المالية التي ستعصف بالاقتصاد الامريكي الذي سيكون اشبه بحرب كارثية ، لذلك وجدت نفسها مضطرة لأن تضع انفها في موضوع سوريا حاليا ومصر وقبلها ليبيا والله يستر من النهاية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق