وجهات نظر
سمير صالحة
في الوقت الذي كان فيه الرئيس التركي عبدالله غُل يشيد برسائل الانفتاح والواقعية، التي أطلقتها القيادة الإيرانية الجديدة، وباستعدادها للحوار وتوسيع رقعة الحريات، ويدعو لعدم التوقف مطولا عند العباءات والتفاصيل الأخرى، كانت الأصوات الواردة من طهران تطالب أنقرة بمراجعة سياساتها الإقليمية المتراجعة والخاطئة في علاقاتها معها ومع كل من دمشق والقاهرة وبغداد، وتذكّر حكومة أردوغان بأساليبها الخاطئة في التعامل مع مطالب المحتجين في ميدان "تقسيم" و"غيزي بارك".
طهران ترفض سياسة تركيا الداعمة للجماعات الإرهابية في سوريا، التي قادت إلى إطالة عمر الأزمة هناك، لكنها وهي تلوح بغصن الزيتون تتجاهل التقارير والمعلومات اليومية التي تتحدث عن تورط عسكري إيراني مباشر، أو عبر مقاتلي حزب الله في المعارك الدائرة على الجبهات السورية.
طهران تندد بسياسة نشر الصواريخ التركية على حدودها، وتصر على المشروع التآمري التركي - الإسرائيلي على دول المنطقة، لكنها ستجد صعوبة في إخفاء حقيقة أن موسكو هي التي تقود اليوم عملية تجميل صورتها في الغرب، وتحاول أن تبني لها جسور العلاقات مع تل أبيب، وهي أيضا التي أقنعت واشنطن بمنحها فرصة الضغط على الرافضين، وإقناع المترددين بفوائد «جنيف 2»، وحسم الأزمة السورية حبيا، ودون توريط الغرب في أي عمل عسكري مكلف يزيد الأمور تعقيدا.
الرئيس الإيراني الجديد يتحدث عن سقوط الأحادية، وضرورة التكاتف من أجل دعم الحل في سوريا، ومعالجة أوجه الظلم بالحوار بين الدول، لكنه يعرف جيدا أنه قرض دولي يقدم له باسم وعوده بالتغيير والإصلاح والانفتاح، وأنه دين ينبغي تسديده في جميع الأحوال.
«المرونة» التي يجري الحديث عنها في أسلوب الرئيس الإيراني الجديد ستصطدم بواقع ضرورة تقديم المزيد من التنازلات، وطمأنة الجميع بأن الهدايا ستوزع عليهم جميعا، فما الذي ستفعله طهران عندما يذكّرها الكبار بأن ثمن إعادة «انخراطها» سيكون باهظا، وأن ما تساوم عليه اليوم على حساب الآخرين لن يطول، وتبدأ مطالب فتح الأبواب أمامهم في الداخل الإيراني وتسهيل حرية الحركة في مناطق النفوذ والمصالح الإيرانية الإقليمية؟
إيران وبتشجيع من الروس تريد فك عزلتها السياسية والاقتصادية؛ فما العرض المغري الذي ستقدمه غير السلاح الكيماوي السوري الذي نجحت في إقناع الرئيس السوري بالتفريط فيه؟
الأبواب تُفتح على وسعها أمام القيادة الإيرانية الجديدة في أروقة الأمم المتحدة، وتحت سقف الجمعية العامة، بعد الرسائل الإيجابية والمشجعة للغرب، الذي ضيق الخناق عليها لثلاثة عقود كاملة؛ فما الذي دفع بطهران اليوم لتبني هذه النبرة الإيجابية وإطلاق سياسة مد اليد إلى «الشيطان الأكبر» و«دول الاستكبار العالمي» والتخلي عن شعار «الموت لإسرائيل»؟
من الذي سينجح في إقناعنا؛ روحاني المقبل من السياسة والاستخبارات والدبلوماسية، أم أجواء المرشد الروحي والقوى الإيرانية المحافظة والحرس الثوري التي تتحدث عن ليونة دبلوماسية لا أكثر؟
علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى الإيراني يقول إن استراتيجيات إيران ثابتة، التكتيكات فقط هي التي تتغير، وفقا للظروف والمعطيات؛ فهل يستطيع روحاني تجاوز خطوط قم الحمراء المعروفة جيدا؟
المساومة، أو الاتفاق، يبدو أنها تقوم على أن يلعب الغرب ورقة إيران في سوريا، وتلعب هي ورقة الغرب في التعامل مع دول المنطقة في المرحلة المقبلة.
في نيويورك، قد نتعرف أكثر إلى موقع ودور إيران في الصفقة الأميركية - الروسية، لكن القراءات الأولية كلها تلتقي عند طبخة دور روحاني الأساسي فيها هو زيادة الضغوط على الدول والقوى الداعمة للمعارضة السورية لإجبارها على الليونة وتسهيل الطريق أمام «جنيف 2».
تركيز طهران على توجيه النصائح أحيانا والانتقادات أحيانا أخرى لأنقرة، بسبب «دعمها ووقوفها إلى جانب الجماعات الإرهابية»، التي تريد إسقاط النظام السوري، يوحي وكأن المهمة الأولى التي كُلفت إيران بها هي إضعاف الموقف التركي في سوريا، وإخراج أنقرة من المعادلات هناك، طالما أن موسكو وواشنطن لأكثر من سبب لا يمكنهما أن يقوما مباشرة بهذا العمل.
روحاني، ضيف الشرف في نيويورك، يريد أن يخرج إيران من دائرة الخطر، لكنه لن ينسى وهو يتنقل أمام العدسات، وسط هذا الزخم الإيراني، وخلال التقاط الصور التذكارية مع الرئيس الأميركي أوباما، أن أوروبا وكثيرا من الدول الإقليمية تريد أن تعرف بأسرع ما يكون مصير سياسة التسلح والترسانة الحربية الإيرانية، وفرص الشفافية الحقيقية في برنامج إيران النووي واستراتيجيات محاولة محاصرة جيرانها في الخليج، ولعب دور الشرطي الجديد في العراق، والتلويح بورقة حزب الله، كلما أرادت تمرير موقف أو مشروع في لبنان أو على الحدود مع إسرائيل.
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق