وجهات نظر
طارق الشناوي
اعتذرت مؤخرا الراقصة نجوى فؤاد عن السفر إلى إسبانيا لتكريمها في أحد مهرجانات الرقص الشرقي بعد أن علمت أن هناك نية لوجود راقصات من تركيا، وذلك تماشياً مع التوجه المصري الذي تبنته النقابات الفنية بمقاطعة كل ما هو تركي من مسلسلات وأفلام وموسيقي ورقص وأكل، حتى المشروب المصري المفضل وهو القهوة التركي يفكر البعض في إلزام المقاهي بالامتناع عن تقديمه، كما أن عددا من الجمعيات النسائية طالبت ربات البيوت بعدم الاقتراب من المأكولات ذات الأصول التركية مثل الكبيبة والشركسية والشكشوكة وبابا غنوج!!
سلاح المقاطعة بات يستخدم هذه الأيام بإسراف شديد، بل وصارت تلاحق الكثيرين نظرات واتهامات وتلميحات لكل من لا يشهر هذا السلاح وكأنه يرتكب خيانة وطنية، سبق مثلا أن أعلنت المطربة شيرين مؤخرا أنها لا يمكن أن تشارك في أي حفل غنائي يقام في الدوحة، رغم أنها تعلم بأن لها جمهورا ينتظرها ويحبها هناك، وذلك احتجاجا على سياسة قطر تجاه ثورة 30 يونيو (حزيران) الماضي، وأيضا ردا على موقف قناة «الجزيرة» القطرية.
مصر مختلفة سياسيا مع دولة قطر، كما أن هناك غضبا موجها ضد قناة «الجزيرة»، ورغم ذلك فإن الشعوب ينبغي أن تظل بعيدة تماما عن تلك الصراعات التي بطبعها ليست ثابتة، كان يكفي شيرين أن تقاطع الظهور في قناة «الجزيرة» ولكنها لا تخاصم شعبا.
فريد الأطرش عندما قدم أوبريت «بساط الريح» عام 1950 في فيلم «آخر كدبة» وكان يشدو للوحدة العربية فغنى «بساط الريح يا ابو الجناحين مراكش فين وتونس فين»، ولا أدري كيف لم يمر البساط على الجزائر، ولهذا لم يغفروها له هناك ولم يتم الصلح إلا حين قدم بعد 15 عاما أنشودة «المارد العربي»، وغني فيها مقطعا لبلد المليون ونصف مليون شهيد.
هل نسينا ما حدث قبل نحو ثلاث سنوات وتلك المعركة المفتعلة بسبب مباراة الكرة بين مصر والجزائر التي أقيمت في أم درمان وما تلاها مع الأسف من تداعيات، مثل أن يصدر قرار في مصر بمنع أغاني وردة على اعتبار أنها جزائرية الأصل، وأن يلغى تكريم المخرج الجزائري أحمد راشدي في مهرجان القاهرة السينمائي، وأن يعيد بعض النجوم المصريين الجوائز التي حصلوا عليها من الجزائر إلى السفارة احتجاجا على خناقة كروية.
المقاطعة الثقافية والاقتصادية والسياسية هي فقط مع عدونا الاستراتيجي إسرائيل، نعم، لا يمكن أن يشارك فنان عربي في مهرجان إسرائيلي ولا يتم دعوة فنان إسرائيلي إلى أي تظاهرة عربية، حدث مثلا قبل سبع سنوات أن حاولت إسرائيل اختراق مهرجاني «القاهرة» و«أبوظبي» بفيلم اسمه «زيارة الفرقة»، ولكن جاء الرفض من المهرجانين مباشرا وقاطعا وبلا لبس، لا للتطبيع مع إسرائيل.
هذا هو المبدأ لأننا نتعامل مع عدو دائم اغتصب أراضينا، ولكن تركيا ليست عدوا استراتيجيا لمصر ولا للدول العربية لنرفع في وجهه سلاح المقاطعة ويمنع المسلسل التركي من الوجود عبر كل الشاشات المصرية حكومية وخاصة.
في عهد مبارك كانت العلاقات الرسمية سيئة بين مصر وقطر، وكانت أيضا «الجزيرة» متهمة بأنها تحاول زعزعة الاستقرار في البلد، ورغم ذلك لم تصدر النقابات الفنية قرارا يحظر مشاركة الفنان المصري في أي حفلات أو أنشطة ثقافية تقام في الدوحة، وكثيرا ما سافر عادل إمام إلى هناك رغم أنه كان محسوبا بقوة على نظام مبارك.
ما علاقة الغضب من تركيا وقطر بأن لا تصافح نجوى فؤاد راقصة تركية أو أن تتوقف شيرين عن الغناء في الدوحة أو أن تمتنع السيدات المصريات عن التطبيع مع «بابا غنوج»؟!
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق