وجهات نظر
علي الكاش
الإرهاب كلمة واحدة غير قابلة للتجزئة، أي عمل إجرامي يستهدف مجموعة من الإبرياء بعض النظر عن هويتهم القومية والدينية والعشائرية والمذهبية والإقليمية، وبغض النظر عن آلة القتل المستخدمة، حزام ناسف او سيارة مفخخة أو الإعدام بالسيف أو بكاتم الصوت او الصواريخ وغيرها. لأن النتيجة واحدة وهي القتل. ربما هناك إختلاف في الجهة التي تمارس الإرهاب!
ففي العراق الجديد عراق أتباع (آل البيت) يوجد إرهاب رسمي تمارسه الحكومة بشكل مباشر من خلال إجهزتها الأمنية والجيش والشرطة علاوة على الأجهزة المرتبطة برئيس الوزراء فقط كقوات سوات وقيادة قوات دجلة. ورسمي غير مباشر يتم من خلال تحريض الحكومة للميليشيات أو العصائب والكتائب المرتبطة بها. وإرهاب غير رسمي تمارسه تنظيمات مسلحة كتنظيم القاعدة وميليشيات حزب الله وعصائب أهل الحق وجيش المهدي وهي تمارس الإرهاب بشكل خاص لحساب جهات خارجية ولكن تحت غطاء الحكومة أو رضاها على أقل تقدير، وهذا يفسر عدم تعرض زعمائها وعناصرها إلى المسائلة القانونية كقيس الخزعلي وواثق البطاط وغيرهم.
قبل أيام إستمعنا للمالكي وهو يتحدث في كلمته الدعائية الممهدة لولايته الثالثة عن تضامنه مع مطالب المحافظات الجنوبية أو بالأحرى التي تقتصر على إلغاء إمتيازات البرلمان والرئاسات الثلاثة، كأن المتظاهرين ليست عندهم مظلومية سوى هذه الإمتيازات المليارية لأفسد مؤسسة حكومية في العالم حيث ان "البرلمان العراقي أفسد مؤسسة في التاريخ، إذ أن البرلمانيين العراقيين يحصلون على أكثر من ألف دولار للعمل لمدة عشرين دقيقة فقط من دون أن يضعوا قانوناً واحداً يهم البلد إضافة إلى حصولهم على رسوما تقدر بـ 90,000 ألف دولار وراتب قدره 22،500 ألف دولار شهريا ما يعني تقاضيهم راتبا أكبر من عضو الكونغرس الأمريكي".
المحافظات الجنوبية لا تشكو مثلا من سرقة ثروات البلادالتي قدرتها صحيفة (وول ستريت جورنال الأميركية) بحوالي 15.9 تريليون دولار مصنفة العراق في المرتبة التاسعة بين الدول الاكثر امتلاكاً للموارد الطبيعية في العالم! ولم يصعقها تيار الفساد المالي الذي وصفه السيناتور بايرون دروغان بالقول "إن مدى الفساد في الحكومة العراقية صاعق". ولا الرشاوي والتزوير، لايهمهم الإفتقار للماء الصالح لشرب البشر، أو فراق الكهرباء، ولا نقص الخدمات الطبية وإنتشار الأمية، أوسرقة مواد البطاقة التموينة والعجز الأمني والتفجيرات اليومية والجوع والمرض والبطالة والتلوث البيئي الذي يفتك بأكفالهم الجدد وغيرها من الآفات. مظلومية آتباع آل البيت تتلخص في رواتب وإمتيازات البرلمان والرئاسة فقط! فيا بخت العراق بهم ويا بخت البرلمان والحكومة بهذا الشعب المتسامح في الكبائر والمتعصب على الصغائر! ويا فرحة الإمام الحسين بأتباعه الذين يرفعون شعار "هيهات منا الذلة"! إن كان هذا مطلبهم فقط! فهذا يعني إنهم أسعد شعوب العالم قاطبة لأن هذه الإمتيازات موجودة في كل دول العالم بنسب متفاوتة، رغم إنها خرافية في العراق الجديد.
متى يفهم أتباع (آل البيت) بأن الثورات والإنتفاضات الجماهيرة غير قابلة للقسمة؟ إنها كالرقم واحد إذا قسمته على نفسه أو ضربته في نفسه كانت النتيجة واحدة. وطلبات الجماهير الواعية هي حزمة واحدة لا تتجزأ، لأن في تجزأتها ضياعها وهدر الفرص. اليوم تظاهرة ضد الإمتيازات، وبعدها تظاهرة على الكهرباء، وتليها على البطالة، وأخرى على شحة الماء وأخرى على عسرة الماء... وهكذا كإننا في دولة طوائف! وليس هناك حكومة وبرلمان واحد في البلاد هما المسؤولان عن جميع هذه المشاكل والكوارث.
أنا لا أفهم المراد فعلا من التظاهرات؟ فإن كان ما يؤرقهم حقا المزايا والرواتب المهولة، لنتساءل: هل تظاهراتهم سيكون لها مردودا حقيقيا عند الحكام من أتباع آل البيت الذين يجمعهم البيت الشيعي الواحد؟ بمعنى هل ستؤدي الغرض منها؟ بحيث ترضخ الحكومة أو البرلمان لطلبات المتظاهرين؟ هاكم الدليل في تظاهرات المحافظات ذات الأغلبية السنية ما الذي حققته على أرض الواقع. حتى شعلة الحماس الذي لاقته في البداية هفت تدريجيا واصبحت تحت رماد الرأي العام العربي والعالمي الذي إنشغل عنها بأمور أخرى.
نقولها جهارا وبكل صراحة: لو بقي المتظاهرون 100 عام في ظل الحكومة والبرلمان الحاليين لما ظفروا بعشر مطالبهم. وهاكم مثلا، لقد أطلق سراح بعض السجناء من (أهل السنة) إستجابة لطلبات المتظاهرين وشكلت اللجان ونوقش الموضوع على كل جميع المستويات، وبدأت حملة تبييض السجون. وماذا جرى بعد ذلك؟
هذه عمليات ما يسمى بحزام بغداد أعادت ملء السجون بأهل السنة أضعاف ما كانت عليه وسودتها ثانية! وكما يقول المثل المصري كإنك يا أبو زيد ما غزيت. بل القول الفصل إن الخسائر في جانب المتظاهرين كانت أكثر من الأرباح التي جنوها. فقد إستشهد المئات منهم وجرح أضعاف العدد، وأعتقل الآلاف منهم. وما زال المجرمون الذي إرتكبوا الجرائم بحقهم أحرارا بلا محاسبة. مازال وزراء الدفاع والداخلية وكالة وقائد قوات سوات ودجلة وكبار القادة المجرمين في مناصبهم. بل إن المراوحة في المكان الواحد بلا تقدم أتعبت المتظاهرين من جهة، وأتاحت الفرصة للحكومة لكي تبث الفتنة والإنشقاق بين صفوفهم من جهة ثانية.
الحكومة المستبدة وإن صح إنها تتضايق من التظاهرات، لكنها على دراية كاملة بأنها سيما ذات الطلبات المحدودة لا تهدد وجودها مهما طالت وإشتدت. وإنه من خلال وسائل الترغيب والترهيب يمكن سحب البساط من تحت المتظاهرين وجعلهم يترنحون ويتساقطون. الحكومة تخشى فقط من الذي يضربها بقوة على أيديها. أنظروا لردة فعل حكومة المنطقة الخضراء إتجاه العملية الجريئة التي قام بها تنظيم القاعدة الإرهابي في سجن أبو غريب، مقارنة برود فعلها إتجاه التظاهرات السلمية لتعرفوا من الذي يهدد الحكومة حقا وممن ترتعب؟ لقد أستبدلت كافة الباجات الخاصة بدخول المنطقة الخضراء، واستبدلت الحراس ممن هم ليسوا من مناطقتية رئيس الوزراء، وتم نصب العشرات من الكاميرات الإضافية للمراقبة، وأغلقت معظم البوابات الخارجية وحددت الداخلية منها. وعززت الحراسات بقوات سوات القذرة، وقام النواب والوزراء والأعيان بتهريب عوائلهم إلى شمال العراق أو خارج العراق. وأرسلت الوفود للولايات المتحدة الأمريكية للمساعدة اللوجستية الفورية، وقُدمت طلبات للحصول على أسلحة ومعدات جديدة لكشف وملاحقة الإرهابيين حسب تعبير الحكومة ومنها الطائرات بدون طيار.
وأرسل الأكراد قوات من البيشمركة لحماية المنطقة الخضراء في الوقت الذي كانت تشكو فيه من تواجد قوات دجلة في المناطق المتنازع عليها! وبدأت الخارجية العراقية بحملة دبلوماسية مكثفة لطلب العون من الدول الأجنبية. وأرسل الولي الكريه في إيران قوات من الحرس الثوري ورجال المخابرات لحماية أوغاده في البرلمان والحكومة. وقام المسؤولون بتهريب المليارات من الدولارات لخارج العراق خشية من سوء الخاتمة. وقطعت معظم الجسور المؤدية إلى المنطقة الخضراء، وأضيفت الآلاف من الترسانات الخراسانية حولها. إنظروا كيف تصرفوا كالفئران المفزوعة رغم الفلاع الحصينة الني تحيط بهم، وأمنوا لأنفسهم الحماية الكافية، ولذويهم الفرار، وتركوا الشعب مكشوفا بل عاريا أمام هجمات الإرهابيين.
أعلنت بعثة الامم المتحدة في العراق) يونامي( بأن حصيلة أعمال العنف في العراق لشهر آب الماضي بلغت 804 قتيلا و2030 جريحا في بغداد وبقية المحافظات. والعراقيون يعرفون بأن هذه البيانات الرسمية لا تعكس مطلقا العدد الحقيقي من الضحايا، لأن الحكومة تحاول أن تعكس صورة كاذبة عن الأوضاع الأمنية. لكن ما عدد القتلى والجرحى من أعضاء البرلمان والحكومة؟ صفرا! وأن حصلت ضحايا البارحة أو ستحصل غدا فإنها بسبب التصفيات السياسية فيما بينهم ليس إلا.
هذا هو الفرق بين التظاهرة السلمية والعمل المسلح! الأول يقدم تضحيات بلا مبرر ولا فائدة منها والثاني يقدم تضحيات بمبرر وفائدة. الأول له صدى محدود سرعان ما يتلاشى، والثاني له صداه العالي على الصعيدين المحلي والدولي. الأول ليس له نتائج ملموسة لنقول على المدى القريب في أحسن أحواله، والثاني له نتائجه السريعة. الأول كلام وخطب حماسية والثاني عمل وفعل. الأول عفوي وهامشي، والثاني تصميم وإرادة.
ولتفترض جدلا وهذا اضعف الإيمان بأن حكومة العار وافقت على تخفيص وليس بالطبع إلغاء الإمتيازات أو إلتفت عليها بشكل أو آخر، علما إن نواب المجلس الإسلامي الأعلى والنواب الصدريين هم أول من إقترح تقليل الإمتيازات قبل أن يخرج المتظاهرون ويطالبون بها. فلا فخر للمتظاهرين فبها إن تحققت.
ثم ماذا بعد؟ هل سيستفيد الشعب من هذه الأموال التي لا تشكل 1% من واردات العراق سنويا؟ أليس من المهازل أن يتظاهر الشعب على 1% من ثرواته المنهوبة دون أن يدير رأسه ناحية 99% الباقية منها؟ رواتب النواب حاليا أكثر من (32) مليون دولار سنويا، وإذا أضفنا لها مخصصات نقل وسكن وحج وملابس بنفس المبلغ (32) مليون دولار، ونفقات حماياتهم (32) مليون دولار، وأمور أخرها لا نعرف عنها شيئا(32) مليون دولارا. ولو إفترضنا إن النواب والرئاسات الثلاثة تصرف سنويا(مليار) دولار، فأين بقية (120) مليار دولار من واردات النفط فقط؟ هل بنوا جامعات أو مدارس أو مجمعات سكنية أو مصانع أو مستشفيات أو أصلحوا شيئا بإستثناء شأنهم وتركوا الشعب دائحا كما عبر النائب الهمام مطشر السامرائي؟ هل يعقل أن نحاسبهم على مليار ونتغاضى عن (119) مليارا؟
من العجيب إن أحد أبواق الإحتلال (فائق دعبول) يتساءل متعجبا عن سبب عدم تظاهر المحافظات ذات الغالبية السنية مع محافظة بغداد؟ ويبدو أن هذا البوق لا يعرف بأن أهل مدينة بغداد ليسوا من الشيعة فقط بل هي تضم كل شرائح الشعب، وان المتظاهرين ليسوا من الشيعة فقط. كما إن تظاهرات هذه المحافظات مستمرة ولم تتوقف لحد الآن. ولو أخذنا جدلا بوجهة نظره فأين كان الشيعة منذ ستة اشهر؟ وهل تضامنوا مع أهل السنة في تظاهراتهم أم رفضوها رفضا قاطعا وخرجوا بتظاهرات مؤيدة للحكومة وهم يرفعون شعار مختار العصر؟ ألم يحرض زعمائهم على عدم المشاركة بها؟ ثم أليس هناك فرق بين التظاهرة العامة والتظاهرة الجزئية؟
والأنكى منه أن يقدم شكره إلى "القوى الأمنيّة والشرطة التي وقفت إلى جانب المتظاهرين وحمتهم ورعتهم وسهلّت لهم مظاهراتهم، ولم تستجب، أو تمتثل للأوامر التي صدرت إليهم طالبةً منهم قمعها وتفريقها".
يبدو ان البوق الحكومي لا يعرف المضايقات والإعتداءات التي تعرض لها المتظاهرون ولا أصحابه الإعلاميون الذين ضُربوا وأهينوا وكسرت كاميراتهم من قبل القوى التي يمتدحها، ولم يطلع على بيان (جمعية الدفاع عن حرية الصحافة) التي إستنكرت سلوكهم العدواني؟ وقد جاء في البيان "أعتدت الاجهزة الامنية بالضرب المبرح على المصور الصحفي محمد عباس ومراسل قناة الفيحاء وكرار المياحي، كما قامت باحتجاز مصور صحيفة المدى محمد رؤوف لاكثر من ساعتين وهددته باخفائه نهائيا اذا لم يترك مكان التظاهر. وفي محافظة ذي قارتعرض كادر قناة البغدادية الى الاعتداء بالضرب ومحاولة تدمير جهاز الـ(SNG) من قبل قوات التدخل السريع سوات أثناء تغطيتهم للتظاهرات في مدينة الناصرية. وأكدت وكالة نافذة ذي قار بأن مراسلها عبد المناف الوائلي تعرض الى اعتداء بالضرب وكسر كاميرته من قبل قوات سوات. كما منعت السلطات الامنية وسائل الاعلام من تغطية المظاهرات ومنالوصول الى ساحات التظاهر في محافظات بابل وكربلاء والبصرة والديوانية وميسان والمثنى". وإنتهى البيان بالقول إن جمعية الدفاع عن حرية الصحافة تحمل رئيس الوزراء نوري المالكي بصفته القائدالعام للقوات المسلحة المسؤولية الكاملة، وتؤكد انها تحتفظ بحق مقاضاته في الوقت المناسب الذي تختاره لاسيما وان مثل هذه الحقوق لاتسقط بالتقادم كما تحتفظ الجمعية بحق مقاضاة الوكيل الاقدم لوزارة الداخلية عدنان الاسدي ووزير الدفاع بالوكالة (سعدون الدليمي) وقائد قوات سوات لانتهاكهم الصريح للدستور بمنعهم حق وسائل الاعلام في التغطية ولاعطائهم اوامر صريحة بالاعتداء على وسائل الاعلام وتدمير ممتلكات خاصة". ناهيك عن إعتقال عدد كبير من قادة الإنتفاضة ومنهم أسيل الجواري وعلي هاشم وجلال تركي وغيرهم. ولا نعرف كيف سيفسر (دعبول) تعليق رئيس مجلس النواب الذين إستنكر الاجراءات التعسفية والتجاوزات التي قامت بها الاجهزة الامنية على جموع المتظاهرين في بغداد وبقية المحافظات؟ بقوله "ندين وبأشد عبارات الشجب والاستنكار ما قامت به الاجهزة الامنية من اجراءات وتجاوزات تعسفية ظالمة ضد المتظاهرين فيبغداد والمحافظات". فهل نصدق بوق الحكومة أم رئيس البرلمان؟
إتقوا الله في دعواكم، وكفاكم تزلفا وتملقا وكذبا لحكومة فاشلة، قامت على كذبة!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق