وجهات نظر
كاظم فنجان الحمامي
هل ميثاق الشرف ورقة خس نتناولها متى نشاء؟ أم ورقة توت نضعها فوق الأماكن الحساسة لنستر بها عوراتنا كلما دعت الحاجة لذلك؟ وهل الشرف (أو العفة) كلمة مقتصرة على النساء دون الرجال؟ وهل الشرف يرتبط ارتباطا مباشراً بجسد الإنسان ومظهره الخارجي؟ أم هو مرآة صادقة تعكس جوهره الأخلاقي؟ وهل الشرف كلمة منمقة يكتبها القادة على الورق، وعبارات رنانة يتشدقون بها في خطاباتهم؟ وهل لكلمة الشرف قيمة نسبية أم مطلقة؟ وهل هي قيمة ثابتة، أم قيمة بندولية متأرجحة تخضع لاعتبارات الزمان والمكان؟
وهل يمكن تمثيل الشرف بمجموعة من القوانين واللوائح والأعراف والقواعد والمعادلات الحسابية لضبط سلوك الساسة ومراقبة تصرفاتهم؟ وهل يمكن استنتاج وحدات معيارية، كوحدات قياس الوزن والمسافة والسرعة والحرارة، نقيس بها مصداقية المزاعم السياسية؟ فنقول أن وطنية السياسي الفلاني تساوي عشر درجات شرفية بمقياس القبائل العربية، أو أن مروءته تساوي خمس درجات شرفية بمقياس قبائل الموهيكانز، وهل في السياسة قيم مثالية ثابتة بالمعنى المطلق نسبر بها أغوار الكيانات السياسية؟ وهل في العالم العربي الآن رجل يضع مصلحة بلاده ومصلحة شعبه فوق مصالحه الشخصية، ويؤثر شعبه على قبيلته وعشيرته وحزبه وأهله ونفسه، ويفضله على البلد الأجنبي الذي يرعاه ويدين إليه بالطاعة والولاء؟ وهل الشرف الحقيقي بحاجة إلى ميثاق انتقائي نصممه على مزاجنا ولمرحلة زمنية طارئة، أو نضعه فوق الرف لنلجأ إليه في الأزمات؟
الشرف يا جماعة الخير لن نجده في المهاترات السياسية، ولن نعثر عليه في الخطابات الانفعالية، ولا في الرتب والنياشين والألقاب، ولا في المظاهر والإكسسوارات الخارجية، ولا في ستر المواضع المثيرة من الجسد.
الشرف كلمة شاملة جامعة لكل الصفات الحميدة، والشرف شرفان: شرف المهنة وشرف النسب، فشرف المهنة منزلتها وقيمتها وحظوتها، والعمل الصالح هو الشرف بعينه، وهو الأساس الذي قامت عليه الحضارة والمدنية، وشرف النسب: أصالته ورفعته وكرامته، وشرف المؤمن التزامه بتعاليم دينه وعقيدته، وابتعاده عن الرذائل، وسعيه الحثيث نحو خير الناس ومنفعتهم، وشرف الكاتب: صدق يراعه، وشرف المهندس: دقته في البناء والتعمير، وشرف الفلاح: أرضه الطاهرة، وشرف الإنسان: حريته وكرامته وشموخه وعفته وطيبته.
ما الوصف في شرف الإنسان قلت لهم
كالوصف في الحسن لم ينقص ولم يزد
هذا جمال نفوس الناس تدركه
وهماً وهذا جمال الوجه والجسد
أما شرف السياسي، فهو كما يقول المثل المصري الدارج: زي عود الكبريت، مش زي الولاعة، ولا زي ورقة الخس، فالشرف قيمة مقدسة لا يعلوها شيء، ولا تضاهيها قيمة أخرى، وبالتالي فإن الشرف فوق الجميع، ولا احترام لمن لا قيمة له. ولا قيمة لمن لا مروءة له، ولا مروءة لمن لا شرف له، وصدق الزعيم السياسي الكبير أبو الطيب المتنبي عندما قال:
إذا غامَرْتَ في شَرَفٍ مَرُومٍ
فَلا تَقنَعْ بما دونَ النجومِ
فطَعْمُ المَوْتِ في أمرٍ حقيرٍ
كطَعْمِ المَوْتِ في أمرٍ عِظيمِ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق