وجهات نظر
عامر سلمان العكيدي
تمر على العراق في الأشهر القليلة المقبلة أحداث جسام تفوق في خطورتها أحداث سنوات الإحتلال الماضية، ولكي نفهم هذه الأحداث وإلى أي شيء ترمي وما هي أسبابها؟ يتوجب علينا أن نفكك المشهد وأحداثه ثم نعود لتجميعه بشكله الصحيح الواضح الصريح.
والمشهد العراقي الحالي كما يلي:
من ناحية التوقيت: فإن الأحداث الجارية في العراق بدأت تتصاعد مع بداية تقدم المعارضة الشعبية المسلحة في سوريا ضد قوات الأسد ومن معها من الحرس الثوري وحزب الله وميليشيات الأحزاب الطائفية في العراق، وأيضا مع قرب الانتخابات البرلمانية في العراق واحتمال خسارة المالكي وحزبه لهذه الانتخابات.
أما من ناحية نوعيتها: فتنقسم إلى قسمين:
الأول: أحداث سياسية: وتتمثل في بقاء سيطرة المالكي على مجلس الوزراء وخصوصا الأمن والدفاع والمخابرات والمالية، يرافق ذلك إسراع من قبل الحكومة لحل المشاكل العالقة مع الأكراد في الشمال لتأمين عدم تدخلهم في نزاع المالكي مع خصومه، واتفاقات مع الكويت من الجنوب، ولو على حساب سيادة العراق، لتأمين عدم تدخل الكويت لصالح خصوم حكومة المالكي، وكذلك ترسيخ التعاون الأمني والعسكري مع الولايات المتحدة وإيران.
الثاني: أحداث عسكرية وأمنية: وأبرزها الهجوم العسكري الطائفي من قبل قوات المالكي على أهل السنة في محيط بغداد، وكذلك التهجير الطائفي الذي يستهدفهم في البصرة والناصرية وباقي محافظات الجنوب، ومثلها ديالى، مع حصار لأحياء ذات غالبية سنية داخل بغداد، وتفجيرات تستهدف المساجد ومصلي الجمعة في أغلب مناطق العراق، وحملة اغتيالات لرجالات أهل السنة من ناشطين سياسيين وعلماء وشيوخ عشائر وكفاءات علمية.
كل هذا يدور في الساحة العراقية لكن سببه يتعلق بالخارج وبالذات بإيران ومشروعها الطائفي في المنطقة، فالذي يحصل في العراق الآن هو تحصين للجبهة الجديدة التي ستنتقل إليها ايران بعد خسارتها المتوقعة لجبهة سوريا وحزب الله في لبنان، وهذا التحصين هو كالآتي:
إذا نظرنا إلى العراق نجد أنّ المحافظات الكردية الثلاث شبه مستقلة ولها تحالف غير معلن مع إيران وخصوصا حزب جلال طالباني، ولذلك فإن إدراجها من قبل إيران في حسابات المواجهة القادمة غير وارد.
ثم المحافظات ذات الغالبية السنية الخمس (نينوى والتأميم وصلاح الدين وديالى والأنبار)، وهي جبهة المواجهة التي تتوقعها إيران وأحزابها الطائفية الحاكمة.
وأما الجنوب فليس فيه إلا خطر واحد على أصحاب هذا المشروع، وهو أهل السنة في البصرة وبعض المحافظات الاخرى، ولذلك وجب تخويفهم وقتلهم لإضعافهم أو دفعهم للخروج إلى المناطق (السنية) الأخرى.
ولم يبق من المشهد العراقي إلا بغداد، وهي في حسابات إيران وأحزابها الحاكمة الحجابات التي سيقاتلون على أسوارها في العراق ولذا وجب عليهم أنْ يحصنوا محيطها بقتل وتهجير العشائر (السنية) والتي تسكن محيط العاصمة، مع حصار امتداداتهم في داخل بغداد تمهيدا للانقضاض في الوقت المناسب، وكل ذلك يجري بيد الحكومة والأحزاب الطائفية الحاكمة وبإشراف وتنسيق ومعاونة كاملة من المالكي شخصيا.
وإذا أردنا أنْ نجمع هذه الأحداث تحت عنوان مناسب نقول: إن إيران وأحزابها في العراق تستعد للحرب للمحافظة على آخر وأهم مناطق نفوذها الطائفي، ويجب أنْ نعلم وبكل بوضوح وصراحة أنّ ثقل هذا النفوذ الإيراني هو جنوب العراق، لأن إيران وأحزابها استغلت التماثل المذهبي بينهم وبين غالبية أهل الجنوب للتمركز هناك، مع سكوت واضح ورضى من قبل غالبية أهل الجنوب، بل واندفاع كبير من قبل أبنائهم للتطوع في الشرطة والجيش لحماية الدولة الطائفية المنتظرة رغم كل السوء الذي جاءت به هذه الحكومة لكل العراقيين.
إذن الواقع على الأرض يقرأ انقساما واضحا للعراق، وإذا كان هذا الانقسام الآن في الأذهان وعلى الورق، فإنه في الأيام القادمة سيكون على الأرض إذا لم يتحرك المخلصون للدفاع عن الوطن وبفعل وفكر صحيح.
ويتمثل الفعل بما يلي:
1- إنهاء المظاهرات في المحافظات المنتفضة لأنها في الحقيقة لم تحقق أي مطلب من مطالبها بل صارت متنفسا للمظلومين ومنابر للحزبيين للدعاية والإعلان، وهي في نفس الوقت تشكل عبئا ماديا ومضيعة لجهد كبير يحتاجه (أهل السنة) في هذا الوقت كي يستعدوا به للمرحلة الكارثية القادمة.
2- على فصائل المقاومة والتي قاتلت المحتل الأمريكي أنْ تعيد تنظيمها وتنسيقها وتنبذ ما بينها من خلافات لأن الوقت القادم لا يقل خطرا عن عام 2003 عام الإحتلال الأمريكي للعراق، بل يزيده خطرا بعشرات المرات.
3- التحرك السياسي الواسع على المحيط العربي والإقليمي لإيضاح الواقع العراقي وبصورة حقيقة بعيدا عن التكسب أو التحزب أو العشائرية أو الطموح السياسي الشخصي ولو على حساب العراق وأهله.
4- قيام علماء الدين في العراق بدورهم الحقيقي في حث الناس للدفاع عن أرض الإسلام ومقدساته في العراق وأخذهم دور الطليعة في توجيه الناس إلى ما فيه مصلحة الأمة والبلد.
أما من الناحية الفكرية، فيتمثل ذلك في حقيقة واحدة وهي أننا نتعرض لخطر الإبادة من قبل إيران، وأيضا من قبل فئة طائفية من أبناء الشعب العراقي ساندوا من قبلُ الإحتلال الأمريكي وهم الآن يساندون الغزو الإيراني الطائفي، بل هم أهم أدواته في تدمير العراق ومحاولة تقسيمه.
إن المسؤولية اليوم هي مسؤوليتنا في الحفاظ على العراق وعلى الإسلام فيه وعلى كل مكوناته الدينية والعرقية والطائفية لأننا الوحيدون الذين يحملون العراق في مشروعهم، ويحملون الإرادة الحقيقة للمحافظة عليه سالماً معافى.
ما يحدث في العراق هو مرحلة استعداد كبيرة من قبل إيران لخوض معركة المصير على أرض العراق، والواجب هو أن يستعد أبناء العراق للدفاع عنه وتحريره من أكبر خطر يواجهه منذ خمسة قرون، قال تعالى (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) صدق الله العظيم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق