أنابيب الطرد المركزي الإيرانية لتخصيب اليورانيوم |
وجهات نظر
وجدي أنور مردان
هنالك فرق بين دولة نووية وبين دولة نووية حائزة على السلاح النووي.
خلال مفاوضات إعداد معاهدة حظر الانتشار النووي عام 1968، اقترحت الهند الفصل بين مفهوم (دولة نووية حائزة على السلاح النووي) ومفهوم (دولة نووية غير حائزة على السلاح النووي).
اعتمدت المعاهدة المصطلحان. والسبب الذي دفع وفد الهند إلى طرح هذا المقترح هو لأنها كانت دولة نووية ولكنها كانت غير حائزة على السلاح النووي بعد. كان الهدف هو ان لا تمنع المعاهدة الدول من حق استخدام التكنولوجيا النووية للاغراض السلمية.
أقرَّت المعاهدة في ديباجتها:
(وإذ تؤكد المبدأ القاضي بأن تتاح للأغراض السلمية, لجميع الدول الأطراف في المعاهدة, سواء منها الدولة الحائزة للأسلحة النووية أو الدولة غير الحائزة للأسلحة النووية, فوائد التطبيقات السلمية للتقنية النووية...), وأعادت التأكيد على ذلك في مادتها الرابعة التي نصت على:
1) يحظر تفسير أي حكم من أحكام هذه المعاهدة بما يفيد إخلاله بالحقوق غير القابلة للتصرف التي تملكها جميع الدول الأطراف في المعاهدة في إنماء بحث وإنتاج واستخدام الطاقة النووية لأغراض السلمية دون أي تمييز ووفقاً للمادتين الأولى والثانية من هذه المعاهدة.
2) تعهد جميع الدول الأطراف في هذه المعاهدة بتيسير أتم تبادل ممكن للمعدات والمواد والمعلومات العلمية والتقنية لاستخدام الطاقة النووية في الأغراض السلمية, ويكون لها الحق في الاشتراك في ذلك التبادل, وتراعي كذلك الدول الأطراف في المعاهدة والقادرة على ذلك, التعاون في الاسهام, منفردة أو بالاشتراك مع دول أخرى أو منظمات دولية في زيادة تطوير تطبيقات الطاقة النووية للأغراض السلمية....).
وبهذا أقرت المعاهدة للدول ان تمتلك التكنولوجية النووية للاغراض السلمية، وأقرَّت تيسير تبادل المعدات والمعلومات العلمية والتقنية لاستخدام الطاقة النووية في الاغراض السلمية.
هناك عدد كبير من الدول تستخدم الطاقة النووية وتكنولوجيتها للاغراض السلمية مثل اليابان وكوريا الجنوبية وكندا وألمانيا وإيطاليا وجمهورية جنوب افريقيا (تخلت جنوب افريقيا طواعية عن انتاج السلاح النووي بعد تحررها من نظام الفصل العنصري- الابارتهايد) واستراليا والبرازيل والارجنتين وغيرها، هذه الدول دول نووية ولكنها غير حائزة للسلاح النووي.. واما الدول النووية الحائزة على السلاح النووي بالاضافة إلى الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن (أميركا وبريطانيا وروسيا وفرنسا والصين) هي الهند والباكستان والكيان الصهيوني وكوريا الشمالية.
الإيرانيون دبلوماسيون وسياسيون بارعون وصبورون، صبر حائك السجاد، ولهم قدرة هائلة على خلق الازمات وإدارتها.
أدارت إيران ازمتها النووية بحنكة ودراية لأكثر من 10 سنوات ولم تتوقف لحظة في تطوير برامجها النووية. ولكن يبدوا انها أدركت بأن إستمرار الازمة قد يؤثر على جهود إدارتها، خاصة بعد التحولات الكبيرة الجارية، والمقبلة، في منطقة الشرق الاوسط، لذا بادرت بالهجوم الدبلوماسي الحاذق على أميركا والقوى الغربية الذي يقوده الرئيس حسن روحاني بعد ان مهَّد له المرشد الاعلى علي خامنئي الطريق.
أطلق خامنئي عدة تصريحات مهمة لطمأنة امريكا والغرب: منها طلبه من الحرس الثوري عدم التدخل في السياسة وإعادة تأكيده على الفتوى السابقة بأن الاسلام يمنع امتلاك السلاح النووي وأخيرا قوله بـ (المرونة البطولية)!
الرئيس حسن روحاني ترجم (المرونة البطولية) إلى عمل، بقيامه:
أولاً: بتهنئة اليهود بمناسبة عيدهم وتأكيد ذلك من قبل وزير خارجيته السيد جواد ظريف في مدونته.
وثانياً: إدانته للمحرقة النازية لليهود (الهولوكوست) باعتبارها جريمة ضد الانسانية.
وثالثاً: مخاطبة الكيان الصهيوني بـ (دولة اسرائيل) لأول مرة منذ عام 1979.
كانت هذه التصريحات التي أطلقها الرئيس روحاني، بوجهه البشوش، جواز مرور الى القلب السياسي الامريكي والاوروبي. ولكن جبل عدم الثقة بين ايران وبين امريكا والغرب لا يتهدَّم بهذه السرعة، الا اذا كانت أميركا مستعجلة تريد ان تحسم أموراً كثيرة في المنطقة! والا فما هو الداعي لكي يتوسَّل الرئيس باراك أوباما للتحدث مع الرئيس روحاني، وقبله أن يرسل له الرسائل؟
هل هناك جائزة أكبر من جائزة تسليم العراق لإيران على طبق من ذهب؟!! فهل هذه المرة جاء دور البحرين العربية؟ أم أن أميركا وافقت، أو ستوافق، على تسليم العرب الى (الاسلام) الايراني؟!!
المشكلة النووية الايرانية مشكلة ثانوية وليست المشكلة الحقيقية. فأحيانا تثار مشكلة ثانوية لحل مشكلة حقيقية أو جوهرية.. في رأينا ان ايران الآن دولة نووية ولكنها تهدف من هذا الانفتاح ان تتوصل مع أميركا والغرب إلى صفقة شاملة، وربما قدَّرت القيادة الايرانية إن اللحظة المناسبة قد حانت لكي تحقق ما تصبو اليه.
مجمع نطنز لتخصيب اليورانيوم في إيران |
تريد إيران أن تحقق ما يلي:
1. ان تضمن اعتراف أمريكا والقوى الغربية بحقها غير قابل للتصرف في تطوير التكنولوجيا النووية للاغراض السلمية وامتلاكها وفق معاهدة حظر الانتشار النووي لعام 1968، والعمل على فتح الاسواق العالمية أمامها لإستيراد التكنولوجيا النووية المتعلقة بتطوير قدراتها.
2. الحصول على اعتراف دولي موثَّق بكونها قوة إقليمية.
3. ضمان عدم قيام أميركا بأي عمل عسكري لتدمير منشآتها النووية المخصصة للاغراض السلمية، كما تدَّعي.
4. عدم المساس بالنظام الإيراني القائم.
إذا نجحت إيران في بناء الثقة مع أميركا والغرب فإنها ستحقق ما تهدف اليه، وأعتقد بأنها قادرة على ذلك في الظروف الدولية الراهنة.
أصبحت إيران دولة نووية بانتظار الاعتراف الدولي بذلك، ولكنَّها لم تحز الى الآن على السلاح النووي وربما تتمكن من ذلك اذا ما اتخذت القيادة الايرانية القرار السياسي المطلوب وتوصَّلت الى تكنولوجية إجراء التجربة النووية مختبريا!
بدأت الصهيونية في تحشيد مؤيديها في أميركا بموازاة الخطاب الذي ألقاه نتنياهو أمام الجمعية العامة للامم المتحدة يوم الثلاثاء الماضي، 1 تشرين اول/ أكتوبر 2013، الذي أكد فيه على أن تل أبيب لن تسمح لإيران بامتلاك السلاح النووي وهي مستعدة للتحرك بمفردها للحيلولة دون حصول هذا الأمر، وأضاف ان ايران لم تتجاوز بعد الخط الاحمر لكنها مستعدة لتسريع وتيرة أنشطتها حين تشاء. ولكن أخطر ما قاله نتنياهو هو: العمل على تفكيك كامل (للبرنامج النووي الايراني) وفي شكل يمكن التحقّق منه!
وفي اليوم ذاته نشرت صحيفة الواشنطن بوست مقالاً كتبه عضوا الكونغرس الامريكي، روبرت مينيندز وليندسي غراهام، أكدا فيه على انه يجب على الولايات المتحدة إتخاذ الإجراء اللازم للحيلولة دون أن تصبح إيران دولة نووية! بمعنى ان على أميركا اتخاذ الإجراء اللازم ليس للحيلولة دون إمتلاك إيران للسلاح النووي بل منع إيران من ان تكون دولة نووية حتى للاستخدامات السلمية.
أميركا والكيان الصهيوني والغرب يعلمون علم اليقين ماذا تعني امتلاك أية دولة ناصية التكنولوجية النووية!
أما بالنسبة للعرب وموقعهم من كل هذه التحولات، فخير من عبَّر عنه مسؤول امريكي (أورده الدكتور محمد عياش الكبيسي في مدونته) عندما سأله أحد الدبلوماسيين العرب: لماذا تتحالفون مع إيران وتنسون اصدقائكم العرب؟ قال (لا فضَّ فوه):
إيران صداقتها تنفع وعداوتها تضر... والعرب صداقتهم لاتنفع وعداوتهم لاتضر!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق