وجهات نظر
يحيى العراقي
الحل في الفرجة وثمن التذكرة لهذه الفرجة الرفع التام للعقوبات وإطلاق يد إيران.
تمنياتي لكم بيوم سعيد Have a nice Day.
هذا كل ما حظي به مستر بريزيدنت باراك أوباما من (كوكب الشرق) حسن روحاني في نهاية المكالمة الهاتفية التي تسنى له إجراءها، عالماشي، بعد أيام من مطاردة محمومة له ولوفده لم يفلح خلالها فيما يبدو من تحقيق الوصل المباشر مع حبيب الروح روحاني والفوز بلقطة المصافحة التاريخية معه وهما في البيت الأبيض.
أوباما وبن رودس |
لقد ظهرت فكرة اللقاء إلى العلن أول مرة ليس من طرف إيران التي تجيد فنون الغنج مع الكبار بل عبر إشارة في تصريح أدلى به بن رودس (Benjamin J. Rhodes) مساعد الرئيس وكاتب خطاباته للشؤون الخارجية ونائب مستشارة الأمن القومي الأمريكي سوزان رايس (Susan Rice) للإتصالات الإستراتيجية في يوم الإثنين 23 أيلول/ سبتمبر 2013 حين قال أن اللقاء بين الرئيسين غير مدرج على جدول الأعمال لكنه لا يستبعد ذلك!
بن رودس هذا ليس من المصابين بعاهة الإسهال الكلامي من الذين تسيل الكلمات من فمهم جزافاً وهو ليس من هواة (الخريط) إلا إن كان لهدف مقصود فهو خير من يعرف قيمة الكلمة ووظيفتها. هو من مواليد عام 1977 في مانهاتن بولاية نيويورك (مدينة الحادي عشر من سبتمبر) حيث تربى هناك وتعلم في المدرسة الجامعة (Collegiate School) الخاصة فيها وبعد أن تخرج منها عام 1996، دخل جامعة رايس (Rice University) في مدينة هيوستن بولاية تكساس وتخرج منها في العام 2000 في إختصاص العلوم السياسية واللغة الإنكليزية.
في العطل الصيفية كان رودس يعود إلى مدينته نيويورك ليحصل على بعض الوظائف المؤقتة فيها حيث عمل في صيف عام 1997 كمتطوع في حملة عمدة المدينة رودي جولياني (Rudy Giuliani). وبعد أن أكمل الدراسة الجامعية الأولية في رايس في هيوستن عاد رودس إلى نيويورك ليلتحق بجامعتها ويستكمل دراسته العليا حيث حصل في العام 2002 على شهادة الماجستير في الكتابة الإبداعية. بعد تخرجه قدمه الكاتب السياسي والصحفي المعروف وكاتب الخطابات السياسية لعدد من الساسة وكبار المسؤولين جيمس غيبني (James Gibney) إلى النائب الديمقراطي المخضرم السابق لي هاملتون (Lee Herbert Hamilton) الذي كان يرأس في حينه المركز الحكومي الفيدرالي المسمى مركز ودرو ويلسون العالمي للباحثين (Woodrow Wilson International Center for Scholars).
هاملتون ورودس |
لي هاملتون هذا رئيس مزمن أو مشارك في رئاسة أخطر اللجان سواء في الكونغرس أو على المستوى القومي والوطني الأمريكي وفي مختلف المراحل وكان بمعيته في غالب الأوقات بن رودس مساهماً رئيسياً في صياغة تقارير تلك اللجان وتوصياتها. عام 1987 رأس لجنة الكونغرس للتحقيق في فضيحة إيران كونترا (Iran-Contra) ثم رأس لاحقاً في العام 1992 فريق عمل مجلس النواب المكلف بالتحقيق بما سمي مفاجأة أكتوبر (House October Surprise Task Force) والذي تولى التحقيق في الشكوك والشبهات التي أحاطت بحملة رونالد ريغان الرئاسية عام 1980 وإتصالها السري مع حكومة الولي الفقيه في طهران في حينه لتوظيف ملف الرهائن الأمريكان المحجوزين لدى إيران في الحملة الإنتخابية والحصول من خلال ذلك على نتائج إيجابية. في العام 2002 كان نائب الرئيس في اللجنة الوطنية الخاصة بالتحقيق في أحداث 11/9 وفي العام 2006 تولى وبالمشاركة مع الوزير السابق جيمس بيكر رئاسة اللجنة المستقلة التي عينها المجرم جورج بوش الإبن لمراجعة الإستراتيجية في العراق في حينه والتي جاء في وصاياها ضرورة فتح قنوات إتصال مباشر رفيعة مع إيران.
أفخم |
مرضية أفخم، الدبلوماسية المخضرمة في وزارة الخارجية الإيرانية والمعيَّنة حديثاً ناطقاً بإسمها ردت في اليوم التالي الثلاثاء (وهو يوم وصول الرئيس روحاني إلى الولايات المتحدة) على بالون إختبار بن رودس وشهوة إدارته للقاءات (الصدفة) كما جاء في عبارته التي مرَّت عابرةً على لسانه في اليوم السابق قائلة: إن لقاء كهذا ليس على جدول الاعمال، مؤكدة ان الفرصة للقاءات مماثلة لم تسنح بعد. ثم اوضحت: لا نريد إجراء لقاء للمبدأ فحسب. للتوصل الى اهدافنا لدينا اطار ودبلوماسية ناشطة، قالت أفخم.
في نيويورك وبعد وصول روحاني إليها لحضور إجتماعات الجمعية للأمم المتحدة برز وفي أكثر من مناسبة وموقف حجم التمنع والدلال والغنج الإيراني المفتعل والمحسوب تجاه الإدارة الأمريكية وتجاه الرئيس على وجه الخصوص، وهو دلال وغنج ذكي يستند إلى إدراك إيران لمكانتها لدى السيد الأمريكي وقوة موقفها التفاوضي وحمله لرسائل سياسية معبرة وقوية لأكثر من طرف. ففي الوقت الذي إلتقى فيه روحاني بالرئيس الفرنسي فرانسوا اولاند إمتنع ليس فقط عن أي لقاء عابر أو مصافحة مجاملة مع أوباما يمكن أن تحدث في أروقة الأمم المتحدة بل امتنع حتى عن حضور المناسبة البروتوكولية الهامة في الأمم المتحدة وهي مأدبة الغداء التي تقام على شرف الوفود الرئاسية الحاضرة، تلافياً لإمكانية اللقاء هناك وتجنباً لما يمكن أن يحصل من إحراجات قد تحدث عند الحضور والإضطرار إلى إعلان رفض صريح للقاء. انظر هنا.
أروقة الأمم المتحدة سجَّلت لقاءات لوفد إيران برئاسة وزير الخارجية محمد جواد ظريف ووفود مجموعة (5 + 1) برئاسة وزراء خارجية دول هذه المجموعة، كما تم عقد لقاء مغلق بين وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ونظيره الإيراني في غرفة المداولات الدولية الملحقة بقاعة الإجتماع الرسمي لمجلس الأمن في مقر الأمم المتحدة وهي الغرفة ذاتها التي شهدت مداولات أعضاء مجلس الأمن قبل سنين عند إتخاذهم قرارات العقوبات ضد إيران.
تصريحات المسؤولين الأمريكان ومنهم وزير الخارجية جون كيري أثناء وعقب إنتهاء هذه اللقاء وحتى بعد أيام منها تشير إلى تغيير جوهري ليس في النبرة ولغة الخطاب وسقف الآمال المرافق لها، كما قد يظن البعض، بل في جوانب مفصلية هامة من المضمون وآليات عمل وأسلوب طرح العلاقة الإستراتيجية بين إيران والولايات المتحدة على مستوى المنطقة والعالم وعلى أكثر من صعيد، وهو تغيير يأتي في سياق أجواء وظروف تشي بعمقه بعدما جرى من تطورات في الملف السوري وما ظهر من تفاهمات روسية أمريكية فيها.
الأزمة النووية بين إيران والمجتمع الدولي ممثلاً بالوكالة الدولية للطاقة النووية ومجلس الأمن الذي إتخذ سلسلة من القرارات عقب لجوء الوكالة إليه في صيف عام 2006 حيث صدر القرار 1696 وهو أول قرار في هذه الأزمة ثم ما تلاه القرار الثاني رقم 1737 في نهاية العام وما دار من محادثات متتابعة بين المجموعة الدولية المعروفة بـــ(5 + 1) أو كما يعرف بــ(P5 + 1)، هذه الأزمة كانت قد تعثرت عند نقاط مفصلية هامة تمثلت:
- إصرار المجتمع الدولي على مشروع نووي إيراني خالي من أية قدرات للتخصيب بحسب نصوص قرارات مجلس الأمن أو بقدرات تخصيب منخفضة لا تتجاوز نسبة الـ(5%) بحسب طروحات جانبية في محادثات (5 + 1).
- التوقف عن إنتاج أجهزة طرد مركزي
- التوقف عن عمليات إستخلاص البلوتونيوم من وقود مفاعلات اليورانيوم.
- تحويل كافة شحنات اليورانيوم المخصب بدرجة 20% فما فوق إلى الخارج وإستبدالها بيورانيوم منخفض التخصيب.
- التصديق على البروتوكول الإضافي الخاص بمعاهدة منع إنتشار الأسلحة النووية والذي وقعته إيران في عام 2003 ولم تصدق عليه في البرلمان وهو برتوكول يلزم الدولة الموقعة بالقبول بالتفتيش المفاجئ لمنشآتها.
هذه النقاط المفصلية لا يجري الحديث عنها كثيراً الآن بل يكتفى فقط بالحديث عن برنامج نووي تكون نسبة التخصيب فيه مقبولة وسقف التخصيب الذي يطلب من إيران طوعاً تخفيضه لا يتم الحديث فيه عن حدود واضحة وأرقام محددة. الكلام فقط يدور عن المراقبة والشفافية التامة وهو خالٍ تماماً من أية إتهامات أو تهديدات. مقابل هذه (الشفافية) سيتم رفع العقوبات كلياً أو جزئياً. وللتأكد من ذلك يكفينا أن ننظر إلى كلمات آخر تصريح أطلقه الوزير جون كيري خلال لقاء له مع قناة (CBS) في برنامج 60 دقيقة (60 Minutes) يوم الأحد 29 أيلول 2013. حيث يقول كيري في جزء هام من المقابلة التي أدارها الصحفي والمذيع التلفزيوني سكوت بيلي (Scott Pelley) الآتي:
جون كيري: إيران بحاجة لإتخاذ خطوات سريعة واضحة ومقنعة لترقى إلى متطلبات المجتمع الدولي بشأن برامجها النووية، برامجها النووية السلمية.
سكوت بيلي: أعطني مثالاً، خطوة ملموسة واحدة والشيء الوحيد الذي يمكنهم القيام به ليؤكدوا للعالم أنهم تخلوا عن طموحاتهم.
جون كيري: يستطيعوا أن يفتحوا فوراً منشأة فوردو (Fordow) للتفتيش وهي منشأة سرية تحت الأرض في الجبال. يستطيعوا أن يوقعوا فوراً البروتوكول، البروتوكول الإضافي الخاص بالمجتمع الدولي والمتعلق بالتفتيش. يستطيعوا أن يعرضوا وقفاً طوعياً عن مستوى تخصيب فوق مستوى محدد، حيث لا حاجة هناك إلى مستويات عالية للأغراض السلمية.
هذا ما أدلى به الوزير كيري الذي إلتقى الإيرانيين وجهاً لوجه، ويظهر جلياً عدم تشدده في قضية وقف التخصيب وعدم تحديد زمن ملزم لطرحها الطوعي المطلوب، وهو على خلاف الاسلوب الذي تم به الحديث عن النقطتين الأخريتين اللتين وردتا وفي كلامه. التخصيب الذي يشكل محور المشكلة والمعضلة الكبرى فيها والذي تمتلك اليوم إيران ناصيته المعرفية وقاعدته المادية المحصنة، وذلك بعد كل هذه الفسحة الطويلة من الوقت التي منحت لهم على خلاف ما جرى في البرنامجين النوويين العراقي والسوري اللذين ضربا وهما في المهد بالرغم أن أحدهما، وهو المشروع السوري، في أيادي نظام يبدي كثير من المرونة والود أو العقلانية بحسب وصف مناصريه له ويرتبط بعلاقة متميزة مع (كوكب الشرق) الحبيب الإيراني.
لاشك أن المشاريع التقنية العربية المتقدمة هي خط أحمر حقيقي ومعرضة للضرب والتدمير وهي في مهدها بإعتبارها تحت يد طرف ينازعونه أرضه وما فيها من خيرات وما تتمتع به من موقع، وهم جراء هذا النزاع لا يطمئنون إليه ولا يأمنون جانبه إلا وهو ميت أو في حال كالميت، وهذا غير وضع العلاقة مع الأطراف غير العربية في المنطقة وفي المقدمة منهم إيران بإعتبارها صاحبة مشروع قديم متجدد معادي للأمة وذو قدرة على إختراق صفوفها وشلها.
من هنا بتنا نرى أن الأزمة النووية الإيرانية باتت على أبواب الحل وما يدور من أحاديث يرسم صورة لنهايتها التي ترضي جميع أطرافها لإنتفاء حالة إستحكام الخلاف بينهم وقابلية التوفيق بين رغباتهم مع الإستعداد الأمريكي الواضح والمعلن لسقف الشروط والإكتفاء بالمراقبة والفرجة على المشروع النووي في مقابل تمتع إيران بما حازته من قدرات، أو هي على وشك حيازته، مع الإطمئنان لتوظيفه ضد العرب العدو المشترك للجانبين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق