وجهات نظر
علي بن طلال الجهني
توقفت الحكومة الفيدرالية الأميركية عن تقديم كثير من الخدمات «غير الأساسية» في الأول من تشرين الأول (أكتوبر) الحالي. وهذا التوقف لا يعني تسريح العسكريين من منسوبي القوات المسلحة، ولا تسريح كل منسوبي إدارات المباحث والاستخبارات، ولا يعني إيقاف السفر من وإلى الولايات المتحدة بتسريح جميع منسوبي جمارك وأمن المطارات والحدود البرية والبحرية. وإنما يعني إعطاء إجازة «إجبارية» لما يزيد على 800 ألف شخص من موظفي الحكومة الفيدرالية كأكثرية المدنيين العاملين في وزارة الدفاع ونسبة كبيرة من منسوبي الأمن الداخلي والخارجي بما في ذلك الكثيرين من منسوبي «إف بي آي» و«سي آي إي» وغالبية العاملين في المتنزهات الوطنية الكبرى ومن يتولون إعانة الفقراء والمعوزين، ومن العاملين في مختبرات الطب الوقائي وممن يعملون في مراقبة سلامة الغذاء، وهلمّ جرا...
ولماذا؟
يقضي القانون الأميركي بأن تصدر موازنة الحكومة الفيدرالية في أول تشرين الاول من كل عام. وعندما تعذر صدور الموازنة اضطرت الحكومة الفيدرالية إلى إعطاء إجازة إجبارية لا يتقاضى أجراً من أجبروا على أخذها لمئات الآلاف من موظفيها، ولا خيار لها في ذلك.
فالموازنة الأميركية لا تصدر إلا بعد اعتمادها من الكونغرس بمجلسيه: الشيوخ والنواب.
وبما إن للديموقراطيين الغالبية في مجلس الشيوخ، فقد أتى إغلاق الحكومة الفيدرالية فعلياً عن طريق مجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون، وبخاصة أقلية فاعلة ممن يسمّون بأعضاء «حزب الشاي»، مع أنهم جميعاً أتوا باسم الحزب الجمهوري.
وفي العادة عندما يختلف مجلس الشيوخ ومجلس النواب في شيء مهم، فقادة المجلسين - كل على حدة - يختارون لجاناً مشتركة من أعضاء مجلس الشيوخ وأعضاء من مجلس النواب لإيجاد حل وسط يقبله الطرفان. أما هذه المرة، وقد سبق أن حدث ذلك خلال إدارة الرئيس كلينتون في عام 1995، فتعذر الوصول إلى حل وسط، بسب رفض أقصى اليمين الأميركي لرئيس ولد والده في كينيا، على رغم فوزه مرتين في انتخابات الرئاسة.
ولماذا لم يتفق الطرفان على المستوى الأدنى الذي يسمح باستمرار الخدمات التي تقدمها الحكومة الفيدرالية؟
يدّعي اليمينيون الجمهوريون أن سبب الخلاف الأساسي، هو ما صدر من الكونغرس وأيدت دستوريته «المحكمة العليا» كما تسمّى في أميركا من نظام التأمين الصحي، الذي يضمن لكل مواطن شراء التأمين بصرف النظر عن تاريخه الصحي وقدرته المالية. فضعيف الحال تدفع الدولة جزءاً أكبر من تكاليف تأمينه، ومن يختار عدم شراء التأمين كالشباب الأصحاء يُلزم بدفع ضريبة لإعانة غيره، وضرورة علاجه لو تعرض لعارض صحي بما في ذلك الحوادث.
ويزعم الجمهوريون أن نظام التأمين الصحي الذي ارتبط باسم أوباما، يرهق أرباب العمل الملزمين بشراء التأمين لمنسوبيهم، وبذلك يسبب البطالة وتدني نسبة النمو الاقتصادي.
غير أن المحللين الاقتصاديين المحايدين ومديري المستشفيات الكبيرة يقولون ان لا بد من وجود نظام تأمين صحي شامل كما هي الحال في جميع الدول المتقدمة، بدلاً من ازدحام غرف الطوارئ في جميع المستشفيات الخاصة والعامة التي يلجأ إليها غير المؤمّن عليهم فيدفع تكاليفها المجتمع ككل.
واللجوء إلى إغلاق الحكومة لتعطيل سريان قانون التأمين الصحي الجديد ليس من قبيل الابتزاز فحسب، وإنما أيضاً سيؤدي إذا استمر لأكثر من أسبوع إلى زيادة نسبة البطالة وخفض نسبة النمو الضعيف أصلاً بسبب كارثة 2008 المالية قبيل تولي أوباما للرئاسة الأميركية في مستهل 2009.
ويأمل أوباما والديموقراطيون عموماً أن يدفع الجمهوريون ثمن ابتزازهم سياسياً في انتخابات الكونغرس المقبلة في 2014، لأن استطلاعات الرأي توحي بأن أكثر من ثلثي الشعب الأميركي غير راضٍ عن إغلاق الحكومة، ويعرفون أن مجلس النواب ذا الغالبية الجمهورية هو الذي أجبر الحكومة الفيدرالية على التوقف عن تقديم الكثير من الخدمات التي اعتادت على تقديمها، أو كما يقال «إغلاق الحكومة».
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق