تلقت وجهات نظر الرسالة
التالية من الدكتور مزهر الدوري سفير العهد الوطني لجمهورية العراق في موسكو بين
العامين 2000 و 2002، تضمَّنت شهادته بشأن ما طرحه السفير الروسي فلاديمير
تيتورينكو، آخر سفير لروسيا في بغداد قبل الاحتلال الأميركي، في حوار مع قناة روسيا
اليوم، جرى مؤخراً.
المحرر
.........
وجهات نظر
مزهر الدوري
إشارة إلى ما نشرته وجهات نظر
الغراء من تعقيب للأخ السفير قيس النوري على ما قاله السفير الروسي الاسبق في
العراق فلاديمير تيتورينكو، المنشور هنا. وبقدر تعلق الأمر بحديث السفير الروسي عن
وجود خطة روسية لنزع فتيل الحرب التي تصاعدت توقعاتها بعد انسحاب المفتشين
الدوليين من العراق، أود أن أبيّن مايأتي:
حمل وزير خارجية روسيا ايغور إيفانوف، في 15 تشرين ثان عام ٢٠٠٠،
رسالة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى الرئيس الراحل صدام حسين، يرحمه الله،
تضمنت افكاراً لعودة المفتشين الدوليين إلى العراق وفق الأساسين التاليين، مؤكداً
ان روسيا ستعمل لتقديمها الى مجلس الامن الدولي:
1.
تعليق العقوبات الاقتصادية المفروضة على العراق في نفس الوقت
الذي تعود فيه لجان التفتيش الدولية للعمل في العراق.
2.
تنجز لجان التفتيش واجباتها المتبقية في العراق خلال ستة اشهر
واذا ثبت خلو العراق من اسلحة الدمار الشامل بموجب التقرير الذي ترفعه لمجلس الامن،
يصدر الأخير قراراً برفع العقوبات الاقتصادية، وبعدها بسنة واحدة اذا ثبت التزام
العراق، واكدت لجان التفتيش التزامه، يرفع الحصار الكامل عنه.
وأبلغ الوزير الرئيس الراحل انه سيتشاور مع دول الخليج العربي
وتحديداً (السعودية والامارات) ومصر وسوريا وايران للعمل على إيجاد اطار
تعاون اقليمي في المنطقة.
وقد حضر اللقاء مع الرئيس صدام حسين يرحمه الله، من الجانب
العراقي كل من السيدين طارق عزيز ومحمد سعيد الصحاف، ومن الجانب الروسي نائب وزير
الخارجية لشؤون الشرق الاوسط ألكسندر سلطانوف، كما حضرتُ اللقاء
بحكم كوني سفيرا للعراق آنذاك.
بحكم كوني سفيرا للعراق آنذاك.
وبعد اطّلاع الرئيس على الرسالة أعرب عن شكره وشكر العراق للرئيس
بوتين على اهتمامه بقضية الحصار الجائر المفروض على شعبنا، وعلى مبادرته التي ينوي
طرحها، ولكنه سأل وزير خارجية روسيا: هل تشاورتم بهذه الافكار مع الاطراف الاخرى،
وبالتحديد واشنطن ولندن، أو لمستم قبولاً بها من جانبهم؟
قال الوزير الروسي انهم سيفاتحون تلك الدول ويجرون اتصالات معهم.
وعن زيارته للدول التي أشرت لها آنفاً، أجاب بما يظهر انهم يريدون ان يعززوا
افكارهم بمشاورة مسؤولي بلدان المنطقة.
افكارهم بمشاورة مسؤولي بلدان المنطقة.
وقد أشاد الرئيس صدام حسين بتلك الافكار وقال انها تبدو ايجابية
فعلاً ولصالح رفع الحصار. ولكنها في الواقع مجرد أماني وافكار لا يمكن أن تقبلها
واشنطن وحلفاءها، الا إذا كانت في وضع صعب لا تستطيع الفرار منه فتقبل مثل هذه الافكار.
وأعرب الرئيس صدام حسين عن يأسه من امكان "ان تخجل أميركا
أو تحرج تجاه ما يتعرض له العراق جراء استمرار نظام العقوبات المفروضة عليه منذ
عام 1990". وأضاف "نقاتل أميركا منذ أحد عشر عاماً وعرفنا أنها لا تستحي
من الكذب، وعندما نتحدث عن الوسائل التي تحرجها علينا ان نتذكر انها لا تخجل من
السوء الذي تقوم به ولا تخجل من الرأي العام العالمي ومن القول إنها خالفت وتخالف
القانون الدولي".
وفي هذا الصدد أورد الرئيس صدام حسين مثالين هما: مسألة الحصار
الذي تفرضه على كوبا وموقفها من قضية فلسطين، وقال "إن دليلنا على ذلك حصارها
لكوبا الذي لم يبق من يؤيده إلا اسرائيل ودولة صغيرة اخرى وموقفها من قضية الشعب
الفلسطيني الذي يذبح يومياً على مرأى ومسمع من العالم كله".
وأضاف "ان أميركا ما زالت تسعى للاعتراض على أي قرار يمس (إسرائيل)
على رغم ان العالم يدين ما يحصل حالياً في فلسطين".
وذكَّر الرئيس صدام حسين، يرحمه الله، الوزير إيفانوف بعدم
احترام أميركا وبريطانيا القانون الدولي وقرارات مجلس الامن الدولي بايجادهما
مناطق حظر الطيران في شمال العراق وجنوبه، وقال "إن ذلك يتم على رغم ان
قرارات مجلس الامن الدولي تجاه العراق تشير الى احترام السيادة العراقية".
وتابع قوله "إن اهداف أميركا ليست أهدافكم ولا أهداف مجلس
الامن. فقد اختطَّت أميركا لنفسها طريقاً لتوهم ان بإمكانها السيطرة على العالم وإجراء
تغييرات واسعة فيه". وقال "لم يبق امامها سوى السيطرة على النفط لتحقق اهدافها
في السيطرة على العالم"، مشيراً إلى أن العراق يعرقل السياسة الأميركية
الهادفة الى السيطرة على نفط العالم، مؤكداً ان واشنطن ضربت العراق وفرضت الحصار
عليه "لأنه اعاق سياستها هذه".
وقد اكد الرئيس صدام حسين رغبة العراق في إقامة أوثق العلاقات
مع موسكو بما يخدم مصالح الشعبين الصديقين، كما ابدى استعداده للتشاور والتنسيق مع
روسيا في الأمور التي تخص العراق والقضايا الاقليمية والدولية.
وقد اتضح فيما بعد صواب تحليل الرئيس صدام حسين بشان دوافع سياسة
أميركا ضد العراق، عندما وافق العراق على عودة المفتشين في لقاء جرى بين وزير
الخارجية العراقي الدكتور ناجي صبري والامين العام للأمم المتحدة السابق كوفي عنان في نيويورك
في مطلع نيسان 2002 وقبله في جنيف.
لقد كان السيد تيتورينكو آنذاك مسؤولاً عن العلاقات مع العراق في الخارجية الروسية
وهو على اطلاع كامل بحقيقة ماجرى، لأنه حضر معنا في المباحثات الثنائية بين السيدين
طارق عزيز وإيفانوف، التي تم فيها الحديث عن مباركة العراق للجهد الروسي وترحيبه بزجّ
الدول العربية في هذه الخطوة على أمل تطور الفعل الروسي، كما انه يتذكر حتماً، كيف
ان السيد طارق عزيز حذَّر من ان تتقدم روسيا بمبادرة تُحوَّل لغير صالح العراق كما
حدث في مبادرتها أواخر عام 1998 إبان العدوان الذي شنته امريكا وبريطانيا على
العراق، حيث ألقي اللوم على العراق ولم يدن العدوان، وظهر ضعف الموقف الروسي في
الدفاع عن مبادرته.
وأكد السيد طارق عزيز بوضوح على ذلك في محاولتهم الجديدة.
وخلافاً لما أعلنه السفير تيتورينكو، من ان العراق لم يبلغ
الجانب الروسي موافقته على المبادرة الروسية، في حال تقديمها، فقد جرى إبلاغ
الجانب الروسي رسمياً بموافقة العراق على اي جهد لرفع الحصار في ضوء موقف العراق
الذي شرحه الرئيس صدام حسين وتأكيده على أهمية العمل المشترك على مختلف الصعد،
وذلك خلال زيارة السيد عزيز إلى موسكو في كانون ثاني 2001 .
وأود أن أشير إلى ان السيد طارق عزيز لم يتمكن من الحصول على
فرصة للقاء الرئيس الروسي في زيارتين قام بهما لموسكو رغم انه كان يحمل رسالة
للرئيس بوتين من الرئيس صدام حسين.
وقد أكد لي السفير تيتورينكو وخلال اجتماعاتي معه في وزارة
الخارجية الروسية، ان اي تقدم في الأفكار التي طرحها الجانب الروسي لم يحصل، سوى انهم طرحوا تلك الأفكار، بشكل عام، في
الاجتماعات الدورية التي عقدت في لندن وواشنطن والتي كان يحضرها تيتورينكو نفسه
ممثلاً عن الخارجية الروسية، وبقيت هذه الأفكار مجرد أفكار لم يجر التعامل معها أو تداولها
رسمياً ولم تطرح كمبادرة كاملة على مجلس الأمن، باعتباره صاحب الشأن في القرار ولا
على اعضائه.
وأذكر انني قلت لتيتورينكو، عندما سألني عن موقف العراق من تلك
الأفكار، قلت له: هنالك حكاية معروفة في العراق تقول ان شاباً من عامة الناس سئل
متى تتزوج؟ قال: عما قريب. قيل له: من هي عروستك؟ قال: ابنة السلطان. قيل له: ويلك
كيف؟ هل وافق السلطان وابنته؟ قال: نعم نصف القضية انتهى، فقد وافقت انا وأبي وبقي
السلطان وابنته.
وأضفت له: نحن وافقنا على الافكار، فهل هنالك ضمان بموافقة
واشنطن وحلفائها؟
ولم يرد السيد تيتورينكو الجواب حتى هذه اللحظة!
كما أرغب القول ان السيد تيتورينكو، اخر سفراء موسكو ببغداد،
سبق له العمل كما قال هو كشخص ثان في سفارة روسيا في العراق، وحضر النشاطات التي
تابع فيها اعمال لجان التفتيش سيئة الصيت، وكان متحمساً لجانب العراق، وقد التقيته
بهذه الروحية في احدى احتفالات السفارة الروسية ببغداد، ولا زلت اذكر انه عندما
استقبلني كسفير
معتمد للعراق، وجدته يضع في مكتبه علماً وخارطة للعراق وغطاء رأس عسكري أسود اللون لجندي عراقي (بيريه)، وقال لي انه يفخر بأن يكون جندياً عراقياً لأنه قاتل مع الفنيين والدبلوماسيين العراقيين ضد لجان التفتيش، لكن ما أضافه وادَّعاه في بعض القضايا، يبدو انه أراد من خلاله ان يرضي به جهات ما، اوانه أراد ان يعطي لنفسه مكانة في الاطلاع
اكثر من استحقاقه، غير انني مع ذلك أشير الى انه تحدَّث في جوانب كثيرة بإنصاف، ولاسيما عندما يتحدث كمحلل وليس كسفير كما تقتضي الامانة، بصرف النظر عما حاول معد البرنامج جرَّه اليه.
معتمد للعراق، وجدته يضع في مكتبه علماً وخارطة للعراق وغطاء رأس عسكري أسود اللون لجندي عراقي (بيريه)، وقال لي انه يفخر بأن يكون جندياً عراقياً لأنه قاتل مع الفنيين والدبلوماسيين العراقيين ضد لجان التفتيش، لكن ما أضافه وادَّعاه في بعض القضايا، يبدو انه أراد من خلاله ان يرضي به جهات ما، اوانه أراد ان يعطي لنفسه مكانة في الاطلاع
اكثر من استحقاقه، غير انني مع ذلك أشير الى انه تحدَّث في جوانب كثيرة بإنصاف، ولاسيما عندما يتحدث كمحلل وليس كسفير كما تقتضي الامانة، بصرف النظر عما حاول معد البرنامج جرَّه اليه.
أما ما قاله أخي الفاضل السفير قيس النوري بعدم علمه بوجود خطة
من الجانب الروسي في ملفات الخارجية العراقية فهو كلام دقيق وصحيح، فالأفكار جاءت
في رسالة خطية كما قلت من الرئيس الروسي بوتين الى الرئيس الراحل صدام حسين وحفظت
في ملفات رئاسة الجمهورية ولم تحل الى وزارة الخارجية باعتبارها من مراسلات رئيس
الجمهورية.
هناك تعليقان (2):
اللهم فك اسره يا الله ..قسما بالله لا يوجد سياسي اليوم يصل لذره من بلاغه ونباهةوسياسة السيد طارق عزيز
وبالنهاية اعترف تيتورينكو بأن موقف روسيا كان ضعيفا ولم تستطع منع الغزو لضعفها اقتصاديا وليست كما هي الأن عندما منعت ضرب سوريا وقال ان الزمن مختلف الأن وان روسيا قوية الأن هذه هي كل المسألة مصالح وليست مواقف وصداقة تاريخية للأسف
إرسال تعليق