موقعنا الجديد، مع التقدير

موقعنا الجديد، مع التقدير
نأسف لإزعاجكم، انتقلنا إلى هنا رجاءً، يرجى الضغط على الصورة للانتقال إلى موقعنا الجديد

الأربعاء، 25 ديسمبر 2013

أنواع الدول، دراسة في الفكر السياسي

وجهات نظر
سامي عباس*
مقدمة
كثر الحديث في السنتين الأخيرتين وخاصة بعد أحداث ما يسمى ب (الربيع العربي)، عن أشكال الدول ونوعها، وقد تركزت جل ّ هذه الأحاديث على (الفيدرالية)، وكأنها العلاج الشافي لكل مشاكل الشعب العربي أينما يكون !
وجدير ذكره أن الكثير غير مطلع على نماذج الدول الموجودة في العالم، حيث هناك (الدولة البسيطة المركزية)، وهناك (الدولة المركّبة – الفيدرالية)، وغيرها من النماذج التي ينبغي توضيحها ، وخاصة لغير الاختصاصيين "السياسيين الجدد" ، وسنتحدث في موضوعنا هذا وبشكل مركز عن شكل الدولة من الناحية الدستورية، وليس عن نهجها كأن تكون (دولة دينية) أو (دولة دكتاتورية)،
أو (دولة ديمقراطية) ، أو (دولة مدنية) ، أو (دولة عسكرية)، وغيرها.

هناك مفاهيم متداخلة قد تضع السياسي أو حتى الإنسان المثقف في وضع لا يفرق فيه بينها، فالتداخل بين المفاهيم بين (النظام السياسي والحكومة والدولة) قد يجعل البعض يستخدم مصطلح بدل الآخر، فكيف نشأت الدولة؟، وما هو مفهوم الدولة؟ ، وغيرها من الأسئلة التي تتعلق بهذه المفاهيم، هذا ما سنحاول الإجابة عليه، وبشكل مختصر.
نشأة الدولة
نحاول من خلال الإطلاع على عدد من النظريات التي أسست لنشأة الدولة حتى نتمكن فيما بعد إعطاء (تعريف لهذا المفهوم، أي الدولة).

النظريات المفسرة لأصل نشأة الدولة :
النظريات غير القانونية:
أولا: النظريات  الدينية (الثيوقراطية)
تُرجع هذه النظرية أصل نشأة الدولة إلى إرادة الإله وهي نظرية واحدة وتطورت عبر العصور وقد أخذت ثلاث أشكال:
أ. الطبيعة الإلهية للحكام:
الدولة من صنع الإله الذي هو نفسه الحاكم على الأرض وقد سادت هذه النظرية عند الفراعنة والرومان في بعض المراحل التاريخية ، واليابان إلى غاية 1948 .
ب. الحق الإلهي المباشر:
بموجب هذه النظرية، الدولة هي حق من حقوق الإله الذي أوجدها هو، وهو الذي يختار حسبما يريد من يحكمها بطريقة مباشرة، ولذا فإن الحكام يستمدون سلطتهم من الإله وليس من الشعب الذين لا يسألون أمامه.
ج. الاختيار الإلهي غير المباشر:   
حسب هذه النظرية، الدولة من صنع الإله وهو مصدر السلطة فيها، غير أن البشر هم الذين يختارون الحكام بتفويض وعناية من الإله الذي يوجه تصرفات واختيارات الشعب نحو الحكام، وبالتالي يتم اختيار الحاكم بطريقة غير مباشرة.
موقف الإسلام من هذه النظريات
الإسلام يرفض هذه النظريات، بل حاربها بقوة إذ نجد القرآن الكريم يبين لنا في الكثير من الآيات أن الله سبحانه وتعالى أرسل الرسل لمحاربة الملوك والحكام الذين ادعوا الإلوهية مثل الفراعنة (1) .
ثانيا: النظريات الطبيعية:   
ترى هذه النظريات أن الدولة هي ظاهرة طبيعية مثلها مثل جميع الظواهر الطبيعية الأخرى، أي أنها نتاج ميل الناس الطبيعي إلى التجمع والعيش في ظل مجتمع منظم سياسيا، وهذه النظريات هي الآتي:
أ. نظرية الأبوّة:  
يرى أرسطو (2) ،  أن الدولة كانت في البداية أسرة تطورت إلى عشيرة ثم إلى قبيلة ثم إلى مدينة، أما الحاكم في الدولة فهو بمثابة الأب في الأسرة يمارس السلطة على الشعب كالأب على أفراد أسرته،  الشيء الذي يستوجب طاعته والرضوخ إليه من طرف الرعية والقبول بسلطته المطلقة عليهم،إن هذه النظرية تنظر للدولة كخلية اجتماعية أو كحاجة أساسية من حاجات الإنسان الطبيعية،
اًنتقدت هذه النظرية كونها بررت الاستبداد المطلق للحكام ، كما أن البعض يقرّ بأن الدولة سبقت الأسرة ولا يمكن التوفيق بين السلطتين الأبوية والأسرية التي تعتمد على أسس مختلفة .
 2.نظرية الوراثة:
نشأت في ضل الإقطاعية  ، وهي ترى أن حق ملكية الأرض وهو حق طبيعي، يعطي لمالك الأرض حق الملكية وحتى الناس الذين يعيشون عليها و من هنا ظهرت فكرة الدولة ، أي بخضوع السكان للإقطاعيين.
3. النظرية العضوية:
ظهرت في القرن التاسع عشر ميلادي، تنادي بضرورة تطبيق القوانين الطبيعية على الظواهر الاجتماعية، حيث تشبّه الدولة بجسم الإنسان المكون من عدة أعضاء،  إذ أن لكل عضو وظيفة يقوم بها وهو الشيء نفسه بالنسبة لأفراد المجتمع.
4. النظرية النفسية :
ترى هذه النظرية أن الأفراد لا يخلقون متساوون، هناك فئة تحب الزعامة والسيطرة وفئة تخضع لها ومن هنا ظهرت الدولة أي خضوع الضعيف للقوي.
ثالثا: النظريات الاجتماعية:
هي التي تعتمد على الواقع الاجتماعي ، وحسبها أن الدولة تنشأ نتيجة الصراع البشري في مرحلة من مراحل التاريخ وتنتهي بسيطرة فئة على فئة أخرى، وهذه النظريات هي الآتي :
أ.  نظرية القوة والغلبة:
نادى بها العديد من الفلاسفة حيث يقول الفيلسوف اليوناني "بلولتاك"  أن الدولة خلقت من العدوان ويقول أيضا "ميكيافيلي في كتابه  الأمير" (3) ، أن الصراع الجمعي ينجم عنه فئة مسيطرة وفئة حاكمة ، ومن هنا يمكن القول أن السلطة في الدولة تعتمد على القوة والغلبة، غير أن ميكيافيلي أضاف فكرة "الحنكة والدهاء عند الحكام"، ونجد أن القوة والغلبة وجدت طريقها في نشوء بعض الدول مثل ظاهرة الاستعمار الأوربي للقارات حيث نتج عنها دول مثل ليبيريا والكونغو والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.
ب.  نظرية ابن خلدون )4 (  :
لقد اعتمد ابن خلدون في نظريته على العنف الذي يعتبر أحد ميزات الإنسان التي يمكنه من خلالها البقاء والعيش، وترتكز نظريته على أن الإنسان دوما بحاجة إلى غيره للمعاونة معه لتوفير الغذاء والدفاع، وفي بعض الأحيان ونظرا للطباع الحيوانية يحتدم الصراع بين الطبقات ، ومن هنا لابد أن يكون هناك حاكم يتولى إدارة وتنظيم هذه الجماعة،
4. نظرية التطور التاريخي:
ترى هذه النظرية أن الدولة نشأت على وفق تطور تاريخي وتلاحم مجموعة من العوامل التاريخية والسياسية والاقتصادية ، وأن الدول ما هي إلا نتاج لتطور طويل ومتنوع ، يهدف الإنسان من خلاله إلى الاجتماع ، وإن هذه النظرية غير سليمة لأن هناك دول نشأت دون تطور تاريخي مثل   "إسرائيل".
النظريات القانونية:
النظرية (العقْدية) الاتفاقية:
ترى هذه النظرية أن الدولة ما هي إلا نتاج اتفاق بين أعضاء المجتمع سواء في عقد أو في شكل اتحاد.
1. نظرية "توما هوبز 1588-1679" (5) :
 جاءت هذه النظرية لتبرير سلطة الملك وضد الثورات الشكلية إذ أن هوبز كان من مؤيدي العرش الحاكم وتشتمل  على العناصر التالية:  
أ- المجتمع قبل العقد:
مجتمع فوضوي يغلب عليه قانون الغاب والأنانية والطمع وحب النفس لذلك أحس الأفراد بضرورة إقامة مجتمع منظم يخضعون له يحكمهم فيه حاكم يوفر لهم الاستقرار والأمان.
ب- أطراف العقد:
هم أفراد المجتمع الذين يتنازلون عن حقوقهم للحاكم الذي لم يكن طرفا في العقد.
 ج- آثار العقد :
لابد على الأفراد أن يتنازلواعن جميع حقوقهم لتفادي الاختلاف والتناحر التي يشرف عليها الحاكم الذي له السلطة المطلقة دون أن يكون مسؤولا أو ملتزما نحوهم بأي شيء، لأنه لم يكن طرفا في العقد.مما ينجر عنه استبداد الحاكم وبحسب هوبز استبداد الحاكم أفضل بكثير من الفوضى السابقة ولكنه يحمله مسؤولية توفير الرفاهية واحترام القوانين القضائية    
2. نظرية "جون لوك ( 6) "1632-1704"  ، وهو من دعاة تقييد سلطة الحكام ولابد من احترام الحريات الفردية وتتلخص النظرية في ما يأتي :
أ- المجتمع قبل العقد:
إن الإنسان خير بطبعه يعيش في حالة سلام وحرية طبيعية ومساواة تامة وفقا للقانون الطبيعي، إلا أنه يحتاج دوما إلى النظام السياسي الذي يضمن له الحرية واحترام حقوقه والمحافظة على القيم.
ب- أطراف العقد:
أعضاء العقد هم المجتمع من جهة والحاكم أو الحكام من جهة أخرى.  
ج-آثار العقد:
إن الأفراد لا يتنازلون عن كل حقوقهم، بل عن بعضها فقط، وبما أن الحكومة كانت طرفا في العقد فهي  مسؤولة أمام أفراد المجتمع  ، ولا يحق لها الاعتداء على الحقوق التي لم يتم التنازل عنها، وإلا تعرضت للمسائلة ويحق للشعب استعادة هذه الحقوق  عن طريق الثورة .
3.  نظرية جان جاك روسو(7) "1712-1778" وهو يرفض إنشاء الدولة على القوة ، وتتلخص نظريته في:
أ- المجتمع قبل العقد:
إن الإنسان خبير بطبعه يعيش في حالة سلام وحرية طبيعية ومساواة تامة وفقا للقانون الطبيعي،إلا أنه يحتاج دوما إلى النظام السياسي الذي يضمن له الحرية واحترام حقوقه والمحافظة على القيم .
ب- أطراف العقد:
يتفق الأفراد على إنشاء نوع من الاتحاد في ما بينهم يحميهم و يحمي أملاكهم ويتمتع هذا الإتحاد بسلطة كل فرد من أفراد المجتمع ، أي أن كل فرد يلتزم نحو الجماعة الأخرى المتحدين، وبذلك نجد أن الفرد يتعاقد من زاويتين: مع الشخص العام باعتباره عضوا من الجماعة ومع الجماعة باعتبارها من مكونات الشخص العام.
ج- آثار العقد:
يترتب عن هذا العقد أن الأفراد تنازلوا عن جميع حقوقهم الطبيعية مقابل حصولهم على حقوق مدنية يضمنها هذا التنظيم.
فكرة العقد في الإسلام
يرى الكثير من المفكرين أن الإسلام يُعد  أول من أسس الدولة بشكل (عقد) ،  حيث أن النبي محمد  صلى الله عليه وسلم لم يهاجر إلى المدينة ولم يؤسس فيها دولة إسلامية إلا بعد إبرام اتفاق بينه وبين الأنصار على احتضان الرسول ، ونصرته والعمل على إقامة النظام الجديد الذي يدعوا إليه ، وقد جاء ذلك  من خلال بيعة العقبة الثانية  ، وبذلك أصبحت البيعة أساس لقيام الدولة الإسلامية في عهد الخلفاء  الراشدين ومن بعدهم ، والبيعة عبارة عن عقد يتم بين الطرفين وهم الأمة التي تعتبر مصدر السلطات من جهة والممثلة في أهل الحل والعقد والحاكم من جهة أخرى، والبيعة عقد صحيح يقوم على الرضا المتبادل ويؤكد من جهة أن السلطة والسيادة لله.
يؤكد شرّاح أصول الشرائع على أن الإنسان القديم عرف نظام الدولة في صورة ( المدينة السياسية ) ، مثل مدن روما وأثينا ، وفي بابل وآشور ومصر والهند والصين ( 8) ، وكذلك في اليمن ، حيث ظهرت دول ( حِمْير ومعين وسبأ ) .
مفاهيم متداخلة:
من خلال ما تقدم ، تبين أن هناك نظريات كل واحدة منها ترى أن الدولة نشأت بموجب ما تراه ، وعليه فإن مفهوم الدولة هو الآخر يراه المفكرون وخاصة من  ذوي الإختصاص  حسب تحليلهم ، ولكن هناك مفاهيم تتادخل مع هذا المفهوم ، وهي مفهومي ( النظام  السياسي والحكومة ) ، وهذا ما سنحاول معرفته .
مفهوم الدولة
السائد في فقه القانون الدستوري أن الدولة ، هي ظاهرة سياسية وقانونية متطورة يعيشها كل إنسان في هذه الأرض ، إذ ليس من فرد إلا وكان منتمياً إلى دولة ما يحمل هويتها ويحتمي بسلطتها ويستظل بنظامها ، فقد خلق الله البشر ليكونوا " شعوباً وقبائل" ، فلم يشأ أن يعيشوا فرادى ، ومن ثم لايستطيع كائن بشري أن يعيش وحيدا أو منعزلا ، فهو بفطرته وطبيعته كائن اجتماعي ، يستطيع معها أن يشبع حاجاته ، وأن يحافظ على كيانه من أية مخاطر خارجية تهدده ، ومن خلالها يقوم برسم مصالحه الخاصة لتتوافق مع مصلحة الجماعة ، فتنمو معها وتتحقق في ربوعها وتتطور وتتقدم وفقاً لنظامها ، وإلا حق عليه العقاب لخروجه على إرادة ومصلحة المجموع( 9)  .
لقد تناول معظم فقهاء القانون الدستوري تعريف الدولة بأنه يرتكز على اتجاهين، الأول: هو الذي يعتمد على أركان الدولة (الشعب والإقليم والسيادة) ، والاتجاه الثاني يستند على الطابع القانوني للدولة ، باعتبارها من الأشخاص المعنوية العامة.
فالدولة هي " نظام سياسي لجماعة من الناس يعيشون معا فوق إقليم جغرافي محدد" ( 10 ).
أما الفقيه الفرنسي  في القانون الدستوري ( أندريه هوريو ) فعنده أن كلمة الدولة لها ثلاث معان وهي الآتي :
ففي المعنى الواسع تعني كلمة دولة مجموعة منظمة ، لها على وجه العموم ركيزة إجتماعية ، هي الأمة فيقال في هذا المعنى أن فرنسا وإيطاليا  وأسبانيا هي دول .
وبمعنى أضيق تدل الدولة ، في هذا المجتمع السياسي على السلطات العامة ، على الحكام بالنسبة للمحكومين  .
وفي معنى ثالث، أضيق أيضاً، إن كلمة دولة تدل داخل السلطات العامة على العنصر المركزي، الذي يقابل المجموعات العمومية الإقليمية كالمحافظات والبلديات العامة ( 11  ).
والدولة، هي تجمع سياسي يؤسس كيانا ذا اختصاص سيادي في نطاق إقليمي محدد ويمارس السلطة عبر منظومة من المؤسسات الدائمة، وبالتالي فإن العناصر الأساسية لأية دولة هي الحكومة والشعب والإقليم ،  بالإضافة إلى السيادة و الاعتراف بهذه الدولة، بما يكسبها الشخصية القانونية الدولية، ويمكنها من ممارسة اختصاصات السيادة لاسيما الخارجية منها(12) .
إذاً نخلص  من خلال هذه المفاهيم التي استعرضناها أن غالبية التعاريف تؤكد على أن العناصر الأساسية لمفهوم الدولة هي الشعب والأرض والسيادة،وضرورة الاعتراف بها كشخصية قانونية .  

النظام السياسي أكبر من الدولة
هناك من يخلط بين مفهوم الدولة  ومفهوم النظام السياسي ، فالدولة واقعاً ومفهوماً ، مؤسسة من مؤسسات النظام السياسي ، وإن كانت كبراها وأبرزها ، وتمارس الدور الرئيس فيه ، ولكن هذا لايعني أن  النظام السياسي يمكن أن يكون هو الدولة ، أو أن يقلص مفهومه فيصبح مفهوم الدولة ، وذلك أن النظام السياسي يضم العديد من المؤسسات السياسية غير الدولة ، و لاشك أن العديد من هذه المؤسسات لا تملك سلطة إكراه كالتي تملكها سلطة الدولة السياسية ، وفي الجملة ، يمكن القول أن علاقة الدولة بالنظام السياسي هي علاقة الجزء بالكل (14).

مفهوم الحكومة
ينبغي التمييز بين الدولة والحكومة، رغم أن المفهومين يستخدمان بالتناوب كمترادفات في كثير من الأحيان،  فمفهوم الدولة أكثر اتساعا من الحكومة، حيث أن الدولة كيان شامل يتضمن جميع مؤسسات المجال العام وكل أعضاء المجتمع بوصفهم مواطنين، وهو ما يعني أن الحكومة ليست إلا جزءاً من الدولة،  أي أن الحكومة هي الوسيلة أو الآلية التي تؤدي من خلالها الدولة سلطتها وهي بمثابة عقل الدولة، إلا أن الدولة كيان أكثر ديمومة مقارنة بالحكومة المؤقتة بطبيعته، حيث يفترض أن تتعاقب الحكومات، وقد يتعرض نظام الحكم للتغيير أو التعديل، مع استمرار النظام الأوسع والأكثر استقراراً ودواماً الذي تمثله الدولة، كما أن السلطة التي تمارسها الدولة هي سلطة مجردة "غير مشخصنة" ، بمعنى أن الأسلوب البيروقراطي في اختيار موظفي هيئات الدولة وتدريبهم يفترض عادة أن يجعلهم محايدين سياسيا تحصينا لهم من التقلبات الأيديولوجية الناجمة عن تغير الحكومات،وثمة فارق آخر وهو تعبير الدولة (نظريا على الأقل)عن الصالح العام أو الخير المشترك ،بينما تعكس الحكومة تفضيلات حزبية وأيديولوجية معينة ترتبط بشاغلي مناصب السلطة في وقت معين(15) .
والحكومة ، هي الهيئة السياسية والإدارية العليا التي تشرف على أحوال الشعب وتنظيم شؤونه وعلاقات أفراده ،  وهي المسؤولة عن توفير وسائل الأمن ورد العدوان عن أراضي الإقليم وشعبه ، وهي السلطة السياسية العليا وما يتبعها من نظم سياسية تدار عن طريقها شؤون الشعب،  وتستخدم كلمة حكومة للتعبير عن معان مختلفة أهمها:
أولا . نظام الحكم :  كيفية ممارسة الحكم في الدولة.
ثانيا . الوزارة:  الحكومة مسؤولة أمام البرلمان .
ثالثا السلطة التنفيذية: ويمثلها رئيس الدولة ومجلس الوزراء .
رابعا. الهيئة الحاكمة للدولة : تشمل السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية (16).  
قد يستخدم تعبير (الحكومة) للدلالة على نظام الحكم في الدولة، أي كيفية إعمال السلطة العامة وممارستها في جماعة سياسية معينة ، وهذا هو المعنى الواسع لتعبير الحكومة .
وقد يستخدم تعبير الحكومة للدلالة على مجموع الهيئات الحاكمة، أو المسيرة لأمور الدولة، ونعني بذلك السلطات العامة في الدولة على اختلاف أنواعها من تشريعية وتنفيذية وقضائية.
وقد يستخدم تعبير الحكومة للدلالة على السلطة التنفيذية ، وبذلك يكون معنى الحكومة أضيق من معناه السابق ، فيكون قاصرا على السلطة التنفيذية وحدها، أي رئيس الدولة ورئيس الوزراء والوزراء ومساعديهم المباشرين ، وهي السلطة التي تقوم على تنفيذ القوانين وإدارة شؤون المرافق العامة في الدولة (17) .
نرى أن هذا المفهوم الأخير هو الأقرب إلى الواقع ، حيث علاقة الحكومة بالشعب ، تسعى لتحقيق مطالبهم وتقديم الخدمات المختلفة لهم ، فهي المسؤولة عن الوضع الداخلي وفي الوقت ذاته مسؤولة عن حماية الدولة خارجياً .

الدولة في الإسلام
لم تـرد كلمة "دولة" في القرآن الكريم إلا مرة واحدة بصدد الحديث عن الفىء {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} الحشر الآية 7، كما جاءت إحـدى اشتقاقاتها {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} آل عمران الآية 140.
ولا نجد في معاجم اللغة لكلمة دولة معنى إلا بالمعنى الذي أوردها القرآن الكريم أو بمعنى الغلبة، في مقابل هذا نجد القرآن يستخدم كلمة "أُمَّة" في 49 موضعاً ويجعل هذه الكلمة الوصف الجماعي للناس، وللمؤمنين.    
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} البقرة 143.
{فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا} النساء 41 .
{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} الأعراف 34.
{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} يونس 47.
{كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمْ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَانِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ}  الرعد 30.
{إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِي(92) وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُــونَ} الأنبياء 92-93.
{وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِي}  المؤمنون 52.
مع ذلك ، هناك واقعة تاريخية ثابتة هي أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، مارس في السنوات العشر له في المدينة كثيراً من سلطات الحكم، وأقام نموذجاً فريداً لدولة تفوق ما قدمته أثينا في القديم، وما حاولته النظم السياسية حتى الآن، فضلاً عن أن كافة الملابسات التي تكتنفها تجعلها تجربة فريدة لا تتكرر، ولا يمكن القياس عليها، وأقصى ما يمكن أن تقدمه هي أن تكون مصدراً لاستلهام القيم التي قامت عليها والتقاليد التي وضعتها(17) .
وقد ظهرت إدارة النبي صلى الله عليه وسلم،  كرجل دولة على أرفع طراز من خلال قيادته الحكيمة والرشيدة والتي يمكن تلخيصها بالعناوين العامة الآتية:  
الأول: وحَّد المسلمين وجَمَعَهم ولمَّ شملهم في المدينة المنورة بعد الهجرة من مكة، وقرَّب بالتآخي بين المهاجرين والأنصار في الوحدة بينهم ونشر الألفة والمودة والتعاون الايجابي لما فيه خير الجميع، ولذا نجد الله سبحانه قد امتدح نبيه على جمعه للقبائل المتناحرة والمتنافرة تحت لواء "التوحيد" وقد قال سبحانه في ذلك: {وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} ،  آل عمران الآية  103 .
الثاني: تحصين مجتمع المدينة، لأنه كان النواة الأولى والبذرة الأساسية للدولة الإسلامية، لأن ذلك المجتمع بعناصره المتنوعة وقبائله المتعددة كان بحاجة إلى أجواء من الأمن والسلام والهدوء لتنظيم شؤون تلك الدولة الفتية وتقوية صمودها لتكون قادرة على مواجهة التحديات والعقبات والصعوبات التي كانت موجودة حولها وتترصدها لإسقاطها والانتهاء منها، وعلى رأس هؤلاء "قريش" التي رأت في دولة الإسلام تهديداً لحاكميتها وسلطتها على الأمور في الجزيرة العربية آنذاك، ثم اليهود الذين كانوا في المدينة وعلى مقربة منها وكانوا يتآمرون عليها كذلك.
الثالث: إدارة قضايا الحرب والسلم والعلاقات مع الدول الأخرى في ذلك العصر، ولذا جهز النبي صلى اله عليه وسلم ،  مجتمع المدينة ليكون قادراً للدفاع عن عقيدته وعن دولته، خصوصاً أن المتربصين بدولة الإسلام كانوا قد شرعوا باعتداءاتهم وإبراز كراهيتهم وضيق صدورهم من تلك الدولة، ولذا وضع النبي  أولوياته في هذا المجال، فكانت "قريش" بما تمثل الخطر الأول الذي إن سقط على يد المسلمين بقيادة النبي  تتغير الكثير من الموازين للقوى في كل المنطقة، لأنها كانت "رأس الحربة" في التجييش لقتال المسلمين والنبي ، ومع تكرار الاعتداءات أذن الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ، بالجهاد بقوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ۞ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ}الحج الآية 39، 40( 18) .  
من الخطأ الكبير تصور إمكانية إقامة دولة إسلامية على غرار "دولة المدينة"  في عهد الرسول أو في عهد الخلفاء الراشدين، لأن الصفات الاستثنائية التي اتصفت بها  لا يمكن أن تتكرر وأولها إن "دولة المدينة"  كان على رأسها رسول يوحى إليه وهذا ما لا ما لا يمكن بالطبع أن يتكرر(19) .
لقد ظهرت "دول" بعد عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهي الآتي:
الدولة الأموية: من 41 هـ إلى 132 هـ.
الدولة العباسية: من 132 هـ إلى 656 هـ .
دول استقلت عن الخلافة العباسية:
أ. الدولة الرستمية الإباضية: قامت في تاهرت (المغرب الأوسط) من 161 هـ إلى 296 هـ .
ب. دولة الأدارسة الشيعية الزيدية: قامت في المغرب الأقصى من 172 هـ إلى 375 هـ  .
ج. دولة الأغالبة: قامت في المغرب الأدنى من 184 هـ إلى 296 هـ .
د. دولة بني زيري: قامت في بلاد المغرب من 262 هـ إلى 547 هـ .
ﻫ. الدولة الطولونية: قامت في مصر من 254 هـ إلى 292 هـ  .
و. الدولة الإخشيدية: قامت في مصر من 324 هـ إلى 358 هـ .
ز. دولة بني حمدان: قامت بالجزيرة على حدود الروم من 293 هـ إلى 392 هـ .
ح.الدولة السامانية: قامت ببلاد ما وراء النهر من 261 هـ إلى 389 هـ .
ط. الدولة الغزنوية (السبكتكينية): قامت في أفغانستان من 366 هـ إلى 582 هـ .
ي.الدولة الخوارزمية: قامت في خراسان وبلاد ما وراء النهر من 470 هـ إلى 628 هـ .
ك.الدولة الغورية: قامت في أفغانستان والهند من 598 هـ إلى686 هـ .
ل. دولة الأمويين في الأندلس: من 92 هـ إلى 897 هـ  .
م. الدولة الفاطمية الشيعية: قامت في مصر والمغرب واليمن من 297 هـ إلى 567 هـ  .
ن. الدولة الأيوبية: قامت في مصر والشام من 564 هـ إلى 648 هـ .
س. دولة المماليك: قامت في مصر والشام والعراق والجزيرة من 648 هـ إلى 922 هـ.
4. دولة التتار (المغول) المسلمين:
أ.المغول المسلمين في شرق أوروبا وغرب سيبيريا: 650 هـ (بركة خان) إلى 1197 هـ .
ب.المغول المسلمين في إيران: من681 هـ (تكودار بن هولاكو) إلى 1399هـ .
ج.المغول المسلمين في الصين ومنغوليا: من 722 هـ إلى 1054 هـ .
د. المغول المسلمين في تركستان الغربية: 722 هـ إلى 1293 هـ .
هـ. المغول المسلمون في بلاد الهند:  
(الهند+باكستان+بنجلاديش+نيبال+سيريلانكا+جزر المالديف): من 932 هـ إلى1273 هـ .
5.  الدولة العثمانية: ظهرت كدولة عام 699 هـ وأصبحت خلافة في الفترة من 923 هـ إلى 1337 هـ ( 20 ).

أشكال الدول
بعد أن استعرضنا مفهوم الدولة والمفاهيم المتداخلة معه ، والدولة في الإسلام ، نبين أشكال الدول، وهناك من يتساءل عن القانون الذي ينظم شكل الدولة ، وهو القانون الدستوري ويعرف بمجموعة القواعد القانونية الأساسية التي تحدد شكل الدولة ونظام الحكم فيها والسلطات العامة فيها وتنظم العلاقات بينها وتبين كذلك الحقوق والحريات.
يقسم فقهاء القانون الدستوري الدول من حيث الشكل إلى: دول موحدة (أو بسيطة) ودول مركبة، ويقوم هذا التقسيم على أساس  تركيب السلطة السياسية للدول، وما إذا كانت السلطة موحدة أم أنها سلطات متعددة، فالدول الموحدة أو البسيطة تكون السلطة فيها موحدة مما يؤدي إلى وحدة القانون فيها لا إلى تعدده، أما الدول المركبة فتكون السلطة فيها مركبة، أي تتعدد السلطات فيها، وهذا يؤدي بالتالي إلى تعدد القانون لا إلى وحدته، وسوف نعرض لدراسة أشكال الدول، فنبدأ بدراسة الدول الموحدة أو البسيطة، ثم نعرض بعد ذلك لدراسة الدول المركبة.
الدولة البسيطة (أو الموحدة)
تعني الدولة البسيطة أو الموحدة هي الدولة التي تكون السيادة فيها موحدة، فتظهر الدولة كوحدة واحدة، وتكون السلطة فيها واحدة، ويكون شعبها وحدة بشرية متجانسة، وإقليم موحد، ولا يؤثر في اعتبار الدولة البسيطة اتساع رقعة إقليمها، أو اتصال وانفصال أراضي إقليمها، كما لا يؤثر في اعتبار الدولة بسيطة أو موحدة شكل نظام الحكم فيها ملكياً كان أو جمهورياً، فالدولة الموحدة قد تكون ملكية كالأردن، ويمكن أن تكون جمهورية كمصر ولبنان،  ومن أمثلة الدول الموحدة معظم دول العالم، كفرنسا، وبلجيكا، وجمهورية مصر العربية، والأردن، والعراق(قبل الإحتلال ) ، ولبنان، وغالبية الدول العربية.
ومن أهم مظاهر الدولة البسيطة أو الموحدة الآتي:
وحدة سلطات الدولة
تتميز الدولة البسيطة أو الموحدة بالبساطة في تركيب السلطة السياسية فيها ، ومن هنا سميت بالدولة البسيطة تمييزاً لها عن الدولة المركبة أو المعقدة التركيب، وتمثل وحدة السلطة السياسية في وحدة سلطات الدولة الثلاث: السلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية، والسلطة القضائية، التي تمارس اختصاصاتها وفقاً لأحكام الدستور فيها،  فالسلطة التشريعية موحدة وتتولى سن القوانين التي يخضع لها جميع أفراد الدولة للفصل في منازعاتهم.
وحدة الدستور والتشريعات
فالدولة البسيطة أو الموحدة تخضع لدستور واحد يسري على أجزاء الدولة، ويحدد السلطات العامة الثلاث واختصاصاتها وعلاقاتها ببعض، كما تخضع لتشريعات واحدة تخاطب جميع مواطني الدولة المقيمين على إقليمها.
وحدة الإقليم ووحدة الجنسية
فإقليم الدولة البسيطة أو الموحدة يخضع في جميع أجزائه: الأرضية، والمائية، والجوية لسيادة الدولة، كما أن جنسية مواطني الدولة البسيطة أو الموحدة جنسية واحدة يخضع لها جميع المواطنين المقيمين على إقليم الدولة ويتم اكتساب هذه الجنسية على وفق معايير موحدة.
وحدة السلطة الحكومية
من مظاهر الدولة البسيطة أو الموحدة وحدة السلطة الحكومية،  ولا يؤثر في وحدة السلطة الحكومية ، كون الدولة تختار في توزيعها الاختصاصات بين نظام المركزية الإدارية أو اللامركزية الإدارية، فالمركزية واللامركزية الإدارية يتعلقان بكيفية توزيع الوظائف الإدارية في الدولة ولا يتعلقان بنظام الحكم السياسي في الدولة أو بمباشرة الوظيفة السياسية، وهما بالتالي لا يمسان وحدة الدولة السياسية التي تعتبر السمة الأساسية للدولة البسيطة أو الموحدة، حيث يبقى هناك دستور واحد وتشريعات واحدة وسلطة حكومية واحدة، وسلطات عامة واحدة،  تشريعية كانت أم تنفيذية أم قضائية(21) .

الدولة المركبة (الإتحادية)
الدولة المركبة: تتكون من عدد من الإتحاد بين الدول ، أو تتكون من عدد من الأقاليم وهي على أنواع منها:
1.   الاتحاد الشخصي
يقصد بهذا الاتحاد أن يكون رئيس واحد للدولة المنضوية في الاتحاد مع احتفاظ كل دولة بسيادتها الكاملة واستقلالها التام عن الاتحاد ولا يوجد في إطار هذا الاتحاد مؤسسات مشتركة ولا توجد تشريعات محددة.
وقد ظهر هذا الاتحاد في أوروبا بسبب المصاهرة بين عائلتين ملكيتين مثلا اتحاد هولندا ولكسمبورج في الفترة بين 1845م -1890م، وهناك نموذج آخر لهذا النوع من الاتحاد الشخصي في دول أمريكا اللاتينية عندما انتخب "بوليفار" رئيساً لجمهوريات فنزويلا وكولومبيا وبيرو وبوليفيا وذلك تقديراً لدوره النضالي التحرري، ولم يعد لهذا النوع من الاتحاد أثر يذكر في الوقت الراهن.
2. النظام الاتحادي/ الفعلي أو الحقيقي
الأنظمة الاتحادية هي التي تتجمع فيها السلطات في يد الحكومة المركزية وأن كلاً من الحكومات المحلية وسلطات الإقليم تستمد سلطتها من الحكومة المركزية ويترك أمر تنفيذها لحاكم الإقليم, وتقوم الحكومة المركزية الإقليم بتشكيل مجالس تشريعية منتخبة أو معنية(22)، ومن أمثلة هذا الإتحاد هي :
اتحاد النمسا وهنغاريا (1867- 1981م ).
اتحاد الدانمرك وأيسلندا (1981- 1944م) .
اتحاد السويد والنرويج ( 1814- 1905م) (23).
3- نظام الاتحاد الكونفدرالي
كلمة "كونفدرالية"  ذات أصل يوناني ، وتعني "الإتحاد أو التعاهد" ، وينشأ هذا الاتحاد بين دولتين أو أكثر تتنازل كل دولة في الاتحاد عن جزء من سيادتها (قد يكون هذا الجزء كبيراً أو صغيراً) بحسب الاتفاق بينهما لصالح الهيئة الاتحادية العليا.
وغاية هذا النوع من الاتحاد الكونفدرالي هو الاتحاد أمام  طرف  خارجي  يهدد سيادة الدولة المتحدة ، أو يكون الاتحاد على شكل حلف دفاعي مع الحفاظ على سيادة الدول الأعضاء فيه كاملة في المجالين الداخلي والخارجي.
وهذا النوع من الاتحاد وجد في الولايات المتحدة الأمريكية بعد الاستقلال عام 1776 -1787، والاتحاد السوفيتي في الفترة بين 1924-1923م، والاتحاد السويسري عام 1848م، وفي عصرنا الحاضر فإن الإتحاد الأوربي هو خير مثال على هذا الإتحاد الذي يضم ( 27 ) وقد يزداد هذا العدد لاحقاً .
4- نظام الاتحاد الفيدرالي
    كلمة "الفيدرالية" مشتقة من اللاتينية وتعني "الثقة" ، وكلمة "فويدوس" تعني الاتحاد, وهو نظام سياسي ضمن طابع دستوري يضمن تقسيم الحكم السياسي بين المستويات السياسية المختلفة (مركز وإقليم) ويعود أصل هذا الإتحاد  إلى تأسيس الولايات المتحدة الأمريكية عام 1787م.  
والفيدرالية  دولة مركبة ، أي دولة اتحادية تتكون من مقاطعات أو ولايات أو أقاليم, بحيث لا تكون الشخصية الدولية إلا للحكومة المركزية، مع احتفاظ كل إقليم  من الأقاليم المكونة للاتحاد الفيدرالي ببعض الاستقلال الداخلي، وتعتبر الفيدرالية شكلا من إشكال الأنظمة السياسية المعاصرة .
وهي أيضاً دولة واحدة قد تتضمن كيانات دستورية متعددة،  ولكل إقليم أو كيان نظامه القانوني الخاص واستقلاله الذاتي وتخضع مجموعها للدستور الفيدرالي, باعتباره المنشئ لها والمنظم لبنائها القانوني والسياسي  ، وهي بذلك أي الفيدرالية عبارة عن نظام دستوري وسياسي مركّب.
ويفترض علو الدستور الفيدرالي على دساتير الأقاليم الأعضاء في الاتحاد الفيدرالي، ولا تتمتع الأقاليم الأعضاء في الاتحاد الفيدرالي بالسيادة الكاملة، إذ تكون سيادة الإقليم مقيدة بسيادة الدولة الاتحادية، ولا يحق لأي إقليم الانفصال عن الدولة الاتحادية.
والفيدرالية تعني الاتحاد الاختياري، أي التعايش المشترك بين الشعوب والأقليات وحتى بين الشعب الواحد في أقاليم متعددة كما هو الحال في ألمانيا، وهو أيضاً أحد ممارسات حق تقرير المصير المنصوص عليه في العهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان وميثاق الأمم المتحدة، وهناك من يسمي الدولة الفيدرالية ب" دولة الدول " (24) .
إن أول دولة في العالم هي الولايات المتحدة الأمريكية عملت بالنظام الفيدرالي منذ أكثر من 200 عام, وهناك ما يقارب 25 دولة في العالم تعمل بهذا النظام، ومنها الآتي:
الولايات المتحدة الأمريكية 50 ولاية 1787م.
روسيا 21 جمهورية  .
ألمانيا 16 إقليماً 1949م.
استراليا 6 ولايات.
الأرجنتين 23 إقليماً ومنطقة فيدرالية صغيرة.
بلجيكا 2 ولايتان.
البوسنا والهرسك   ولايتين .
كندا 10 أقاليم ومقاطعات.
أثيوبيا 9 أقاليم.
الهند 28 ولاية.
ماليزيا 13 ولاية.
المكسيك 31 ولاية.
نيجيريا 36 ولاية.
باكستان 4 أقاليم.
سويسرا 26 كانتوناً .
فنزويلا 23 ولاية.
جزر القمر 3 جزر.
العراق أنشأ إقليم كردستان بعد 2003م  وبموجب دستور العراق 2005م . 
الإمارات العربية 7 إمارات 1971م( 25).
وقد تشهد مستقبلاً بعض الدول العربية هذا النظام مثل اليمن، ليبيا، سورية.
 إيجابيات وسلبيات النظام الفيدرالي
للفيدرالية مزايا ايجابية كما لها سلبيات أيضاً، ومن ايجابياتها أن توزيع المهام بين الأقاليم ، يجري على وفق نظام محدد، ويخفف من تركز الأعباء على الدولة المركزية، ويجعلها قادرة على الانصراف إلى المهام التي تقع في صلب اختصاصها، ويرافق توزيع المهام تقسيم للسلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية بين المركز والأقاليم، كما تقدم الفيدرالية إمكانية أكبر لتدريب الكادر السياسي الذي سيتبوأ المراكز القيادية في الدولة حيث الفرص أوسع لجمع الخبرات والتدرج في المناصب المختلفة والإلمام بشؤون الدولة في مختلف الميادين، ومن شأن النظام الفيدرالي أيضا أن يساعد على إشاعة جو الانفتاح الداخلي للأحزاب المختلفة وتعميق الممارسات الديمقراطية داخل الأحزاب نفسها، كما تتطور روح المنافسة بين الأقاليم الأعضاء والمركز وبين الأعضاء أنفسهم لتنفيذ البرامج والواجبات الملقاة على عاتقهم في حالة توفر الشروط والصلاحيات المتشابهة للجميع وغير ذلك الكثير من الايجابيات.
وعلى الرغم من الايجابيات الكثيرة للنظام الفيدرالي فهناك أيضا سلبيات منها،  عيوب في الجانب الاقتصادي، حيث تتمتع أقاليم أعضاء بنتاج جاهز أو هياكل قطاعات خدمية لأقاليم أخرى لم تساهم هي نفسها في انجازه،  مما يؤدي على المدى البعيد إلى نقص في مستوى الخدمات المعنية، أضف إلى ذلك تباين الأسعار والرواتب بين الأجزاء المختلفة من الفيدرالية (26) .

خاتمة
مما تقدم يظهر جلياً أن "الفيدرالية" هي التي تنمو في مجتمعاتنا العربية ، وخاصة بعد أحداث "الربيع العربي" ، حيث تطمح الشعوب إلى ممارسة سلطاتها واكتساب حقوقها ، وتعتقد أنها بقيام دول اتحادية ، أي أن الدولة تضم عدد من الأقاليم هو الشكل الذي سيسمح لها بعدم ممارسة " المركز " بأية سلطة تعسفية إتجاه شعب الإقليم ، وهذا ما حصل في العراق بعد عام 2003م ، وما سيحصل في دول عربية أخرى مثل اليمن وليبيا وسورية ،  ولكن يبدو أن هذا النمط من الدول ، أي الإتحادية ، قد تتعرض إلى عدد من المشاكل ، أهمها أن الإقليم عليه أن لايفكر بالانفصال عن الدولة الموحدة ،  فضلا عن أن الإقليم ينبغي أن لا يكون على أسس مذهبية أو طائفية ، وكذلك فإن  المواطن ينبغي  أن يبقى ارتباطه بالوطن الأم .

الهوامش
1.منتدى أصحاب بكارية لكل العرب – 1كانون الأول / ديسمبر 2010. . 
2.أرسطو – أرسطو طاليس (384-322 ق . م) ،  فيلسوف  يوناني، تلميذ أفلاطون ومعلم الأسكندر الأكبر، وواحد من عظماء المفكرين، تغطي كتاباته مجالات عديدة، منها الفيزياء وما وراء الطبيعة
(الميتافيزيقيا) والشعر والمسرح والموسيقى والمنطق والبلاغة واللغويات والسياسة والحكومة والأخلاقيات وعلم الأحياء وعلم الحيوان، وهو واحد من أهم مؤسسي الفلسفة الغربية . (الموسوعة المصدر نفسه).
3.نيكولو دي برناردو دي ميكافيلي ، ولد في فلورنسا 3 أيار / مايو 1469م وتوفي فيها في 21 حزيران  / يونيو 1527م ، كان مفكرا وفيلسوفا سياسيا ايطاليا إبان عصر النهضة ، وأصبح الشخصية  الرئيسة  والمؤسس للتنظير السياسي الواقعي  والذي أصبحت فيما بعد عصب دراسات العلم السياسي ، أشهر كتبه على الإطلاق كناب "الأمير" . (الموسوعة ، المصدر نفسه) .
4.    عبدالرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي (1332-1382م) ، نؤرخ عربي ، تونسي المولد ، أندلسي الأصل ، ومغربي الثقافة، حيث تتلمذ في جامع الفردوس ، يعتبر مؤسس علم الاجتماع الحديث ، وهو صاحب  المقدمة المشهورة (مقدمة بن خلدون) ، توفي في مصر ودفن فيها .
( المصدر نفسه) .
5.توما هوبز، عالم رياضيات وفيلسوف انجليزي ، ويعد أحد أكبر فلاسفة القرن السابع عشر بإنجلترا في المجال القانوني ، حيث كان فقيهاً قانونيا ، وساهم بشكل كبير قي بلورة الكثير من الأطروحات التي تميز بها هذا القرن على المستوى السياسي والحقوقي، المصدر نفسه .
6.جون لوك ، ولد في 29آب / أغسطس عام 1632م في مدينة رنجتون التابعة لإقليم سمرست في إنجلترا، تعلم في مدرسة وستمنستر ، ثم في كلية كنيسة المسيح في جامعة أكسفورد،  ثم درس الطب، اعتقد الكثيرون لمدة طويلة أن لوك كتب أشهر مقالتين سياسيتين نشرتا في عام 1690م بعنوان (رسالتان عن الحكومة) ،  عرف عنه من المنادين في التسامح ، توفي عام 1704م . المصدر نفسه .
7.جان جاك روسو ، ولد في 28 حزيران / يونيو 1712م ، كاتب وفيلسوف سويسري ، يُعد من أهم كتاب العقل ، ساعدت فلسفة روسو في تشكيل الأحداث السياسية ، التي أدت إلى قيام الثورة الفرنسية، توفي قي تموز/ يوليو 1778م ، المصدر نفسه .
8.    الدكتور علي بدوي ، أبحاث في أصول الشرائع ، مجلة القانون والإقتصاد ، السنة 5 ، عدد 1و2 ، ص176، نقلا عن الأستاذ الدكتور سامي جمال الدين ، النظم السياسية والقانون الدستوري ، منشأة المعارف بالإسكندرية ، 2005م .
9.    الأستاذ الدكتور سامي جمال الدين ، النظم السياسية والقانون الدستوري ، منشاة المعارف بالإسكندرية 2005م ، ص 15 .
10.المصدر نفسه ، ص 18 .
11.اندريه هوريو ، القانون الدستوري والمؤسسات الدستورية ، بلا سنة طبع ، ص 96-97.
12. الموسوعة الحرة، المصدر نفسه . 
13.د. صالح جواد الكاظم ود. علي غالب العاني ، الأنظمة السياسية ، وزارة التعليم والبحث العلمي ، جامعة بغداد ، 1990-1991م ، ص 8-  9.
14.الموسوعة، المصدر نفسه.
15.الموسوعة، المصدر نفسه. 
16.الأستاذ الدكتور / إبراهيم عبد العزيز شيحا، النظم السياسية والقانون الدستوري، منشأة المعارف بالإسكندرية، بلا سنة طبع، ص 237.
17.www.islamiccall.org/DinWaUmma_1-ch1.htm.، بتصرف. 
18.رحماء، اتحاد الطلاب العالمي الإسلامي .
19.المصدر نفسه .
20..googlt. . ejaba
21. الدكتور  كنعان  نواف، النظام الدستوري والسياسي لدولة الإمارات العربية المتحدة، ط1، ص92، مكتبة الجامعة – إثراء للنشر والتوزيع.
22.جازم الأثوري ، يمنات .
23.الدكتور عبدالكريم علوان، النظم السياسية والقانون الدستوري ، مكتبة الثقافة والنشر والتوزيع ، عمّان ، 1999م، ص 60.
24.اندريه هوريو ، ص152، المصدر نفسه . 
25.جازم الأثوري ، المصدر نفسه .
26.إقبال القزويني ، الشرق الأوسط ، 19/8/ 2001، العدد 8300.

*باحث في الشؤون الدستورية وحقوق الإنسان- كانون الأول / ديسمبر 2013 

ليست هناك تعليقات:

تنويه من المحرر

تنويه من المحرر
وجهات نظر موقع شخصي تماماً لا يمثل أي جهة أو حزب أو منظمة، ولا ينتمي إلا للعراق وأمته العربية والإسلامية، وهو محمي بالقانون وبميثاق الشرف الصحفي ولايسمح بإعادة النشر إلا بشرط ذكر المصدر.. الكتاب يتحملون مسؤولية مقالاتهم، والناشر غير مسؤول عنها..