وجهات نظر
جاسم الشمري
يمتاز المجتمع العراقي بأنه- ومنذ أقدم
العصور- نسيج متنوع ومتناسق يضم كافة الأديان والأعراق والأجناس، وهذه الميزة هي من
ركائز هذا المجتمع الذي بقي أهله متحابين رغم المؤامرات التي حكيت ضدهم، والتي
كانت- في مرحلة من المراحل- تهز الجبال.
والمسيحيون عانوا- مثل بقية العراقيين-
من سنوات الحرب العراقية- الإيرانية، ومن الحصار الذي فرض على الشعب في تسعينيات
القرن الماضي، ومن بعدها ذاقوا ويلات الاحتلال الأمريكي الحاقد، الذي ضرب- بكل
وحشية وهمجية- المدنيين العزل، وأخيراً اكتووا معنا- بنار المليشيات التي لم تميز-
ولا زالت- بين العراقيين.
ولا يمكن أن ننسى، أو نتجاهل كيف أن
المسيحيين شاركونا في مناطق سكننا في كل أفراحنا وأتراحنا، حيث كنا نلعب ونضحك
ونبكي معاً، ونتقاسم الحياة بكل ما فيها من أفراح قليلة وهموم كثيرة، والحق أنهم
جزء متميز من الفسيفساء العراقية.
أما بالنسبة لأعداد المسيحيين في
العراق، فإنه لا توجد احصائية رسمية تشير إلى أعدادهم، إلا أنهم- وبحسب تعداد عام 1987-يشكلون
مليوناً و(300) ألف شخص.
والمسيحيون- كحال بقية مكونات العراق
الأخرى- قدموا خسائر بشرية ومادية كبيرة في مرحلة ما بعد 2003، والواقع أنه لا
توجد احصائيات دقيقة تشير لحجم هذه الخسائر، إلا أن بعض الاحصائيات غير الرسمية
تشير إلى أن عدد المسيحيين الذين قتلوا في العراق منذ عام 2003 أكثر من (900)
شخصاً، وتم استهداف أكثر من (50) كنيسة في مناطق مختلفة من البلاد.
هذه الأيام يحتفل أبناء الديانة
المسيحية في العراق والعالم بأعياد الميلاد ورأس السنة، وبهذه المناسبة قرأت بعض
التحقيقات- المدفوعة الثمن- حول الموضوع، وهي تدعي أن "المسيحيين لم يعد لهم
وجود واضح في العراق!".
هذا الكلام لا يتفق وحقيقة الانتماء
المسيحي للعراق، ولا يتطابق مع الواقع الحالي لهم في بلادنا، والحقيقة هي أن المسيحيين
لم يتركوا العراق، وإن هاجر بعضهم لهذا البلد أو ذاك؛ نتيجة الأوضاع الأمنية
المتدهورة؛ وهذه الهجرة شملت ملايين العراقيين؛ ولم تكن محصورة بالمسيحيين فقط؛ لأن
ظلم الأعداء كان متساوياً بين جميع فئات الشعب العراقي.
الواقع المتدهور الحالي فرض على
العراقيين أن يغيروا بعض الترتيبات لتتلاءم مع الوضع الشاذ الذي تعيشه البلاد،
وعليه فإن احتفالات المسيحيين في أعيادهم- من المؤكد- أنها تأثرت بهذه الأوضاع
المأساوية، وكل ذلك بسبب هشاشة الحكومة وضعفها، وعجزها عن توفير الأمن للمواطنين.
المسيحيون لا يقبلون التنازل عن وطنهم،
العراق؛ ولإثبات انتماءهم لوطنهم، سأذكر مقتطفات من تصريحات بعض المسيحيين لعدد من
وسائل الإعلام، ومن بينها ما ذكره الشاب الثلاثيني (تومي جورج)، لوكالة
"إرم" حيث أكد بأنه "سيحيي العيد هذا العام في منزله بحي الكرادة ببغداد"،
وأضاف " نحن عازمون على إحياء العيد برغم الوضع الأمني المتردي، يجب أن نقاوم
ونعيش حياتنا، نحن نحب الحياة".
وفي كركوك قال الخوري (اسطيفان ربان) قس
كاتدرائية قلب يسوع الأقدس إن "مسيحيي كركوك سيحتفلون رغم قتل الناس ونحرهم".
الانتماء المسيحي للعراق هو جزء من
أسرار هذا البلد، تلك الأسرار التي برهنت للعالم أروع صور التلاحم والتماسك بين
أبنائه؛ وذلك لأن مرحلة الضيق والعسر هي أكبر اختبار للجميع؛ ولأن أيام اليسر
والسعة لا يمكن أن تثبت الصديق من العدو والصادق من الكاذب، وفي أيام العسر والضيق
أثبت العراقيون حبهم لوطنهم وتلاحمهم وتماسكهم، رغم المؤامرات الكبيرة التي يحيكها
الأعداء ضدهم من الداخل والخارج.
العراقيون متمسكون بأخوانهم المسيحيين
رغم كل المساعي الرامية لتفتيت لحمة
المجتمع، والمسيحيون- قبل غيرهم- يعرفون أن أخوانهم من المسلمين لم يكونوا في يوم
من الأيام جزءاً من المشكلة معهم، بل هم جزء من الحل، وهذا ما يعرفه جميع
العراقيين، وأثبتته المرحلة الماضية.
هناك 3 تعليقات:
نعم دائما هم اخوتنا واناس لايحبون المشاكل وطبقة راقية تفرض على غيرها الاحترام
ليس لدينا الا العراق نموت ونحيا بالعراق هو مصدر الهامنا واكسجين غربتنا فالعراق ابونا وامنا واخوناواتذكر ايام الجندية حيث كنا نتقاسم نفس القصعة وذلك الخبز الاسمر الحلال واحدنا بهنام من الموصل وثانينا حسن من الشرقاط وثالثنا عطية من البصرة ورابعنا عيدان من النجف كم كان العراق جميلا وما اتعس الجهل والتخلف والغوغاء
لقد تعرض المسيحيين في العراق لنفس الاوضاع الشاذة التي ذاقها ابناء الطوائف الاخرى القتل والتهجير والخطف والمفخخات ودور عبادتهم والى الاعتقال كما تم مضايقتهم في العديد من الاجراءات .. الخ الا ان الملفت للنظر ان هناك تعمد وتقصد في ازعاجهم وارهابهم احيانا بهدف حملهم على الهجرة خوفا عليهم من الاقتتال الداخلي المتوقع حصوله وهو مؤشر لابد من أخذه بالحسبان
إرسال تعليق