موقعنا الجديد، مع التقدير

موقعنا الجديد، مع التقدير
نأسف لإزعاجكم، انتقلنا إلى هنا رجاءً، يرجى الضغط على الصورة للانتقال إلى موقعنا الجديد

الأربعاء، 25 ديسمبر 2013

ماذا يحدث في تركيا؟

وجهات نظر
آيلين كوجامان
تركيا لديها عرف ديمقراطي يعود إلى 90 عاما، لكنها تتقاسم مع منطقة الشرق الأوسط عرفا أوسع نطاقا، فحينما تتخذ تركيا خطوات تعزز من مكانتها، تصطدم تلك الخطوات على الفور بانقلابات أو اضطرابات داخلية. ورغم الكشف عن مدبري مثل هذه الأحداث، فإن ذلك لا يمنع من ظهور بعض الانتهازيين الذين يحاولون الاستفادة منها. فمن أعلنوا ميدان تقسيم «منطقة محررة»، رافعين اللافتات الحمراء في مظاهرات حديقة جيزي، لم يكن هدفهم حماية الأشجار، كما لم تكن الرغبة في تحقيق العدالة في الوقت الحالي هي التي دفعت كثيرين لمهاجمة رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان والحكومة من أجل التحقيق في قضايا الفساد، بل كان هدفهم الإطاحة بالحكومة من خلال وسائل خفية وتجاهل الإرادة الوطنية وخيانة الديمقراطية.

وقد تابع العالم بأسره عمليات مكافحة الفساد التي أثارت الدهشة في تركيا هذا الأسبوع، عندما أعلن عن اعتقال ثلاثة من أبناء الوزراء، ثم أفرج عن أحدهم، وكذلك عمدة إحدى المدن الذي اعتقل مع 52 شخصا آخرين، مما أدى إلى زيادة الوضع اشتعالا مرة أخرى، وإثارة الغضب الذي هدأ بعض الشيء منذ مظاهرات جيزي. جرى وضع الوزراء وأبنائهم تحت المراقبة لمدة 15 شهرا ولم يعرف رئيس البلاد أي شيء إطلاقا عن هذا الأمر. وفي الواقع إن حدوث مثل هذا العدد الضخم من العمليات دون معرفة الدولة، قد ألقى بظلاله فجأة على فكرة «إرادة الدولة». وفي تلك الحالة، فإن الدولة نفسها تجاهلت العمليات المنفذة باسمها. وقد شعر رئيس الوزراء إردوغان، أحد الشخصيات الذين أدت انتصاراتهم على مستوى الإدارة إلى التخلص من إحدى المنظمات الإرهابية التي اخترقت الدولة، بانزعاج بالغ من واقع تجربته الشخصية، بقوله: «ربما تكون هناك دولة عميقة جديدة داخل الدولة». كانت الاستجابة الفورية لهذا القلق الشديد قوية أيضا، ففي غضون يومين جرى نقل مديري الشرطة في كثير من المدن، بما في ذلك مدير أمن إسطنبول.
من جانبها، أعطت الصحافة الأجنبية انطباعا بوجود عملية ضخمة ضد شبكة فساد، وهو ما ظنه كثيرون في تركيا أيضا. لكن الحقيقة أنها ثلاثة اتهامات منفصلة بشأن الفساد. وكان القاسم المشترك بينها جميعا هو أن تلك العمليات نُفذت في اليوم نفسه. وعندما جرى تنفيذ العمليات الثلاث بالتزامن، فضلا عن الادعاءات والاعتقالات، كان الانطباع السائد هو أن هناك عملية كبيرة يجري تنفيذها. وكان السؤال الفعلي المطروح في ذلك الوقت هو: «من الذي يحظى بسلطة فوق سلطة الدولة؟». تحولت الأنظار على الفور تجاه حركة فتح الله غولن، التي دخلت في وقت من الأوقات في نزاع مع الحكومة، بسبب تحويل المدارس الإعدادية إلى مدارس خاصة.
وتثار شائعات بأن حركة غولن تحظى بسلطة فوق سلطة البلاد، مما أثار القلق لدى جماعة غولن والحكومة على السواء. وسرعان ما تبع ذلك صدور بيان من جماعة غولن، ينفي أي صلة لها بعمليات الفساد التي نحن بصدد الحديث عنها، وكانت الفكرة أن السبب وراء ذلك لم يكن سوى حملة من حملات التشويه.
لكن الجماعات، التي عدّت الاضطراب منذ مظاهرات جيزي بمثابة فرصة لتأجيج الصراع، لم تتردد في التنبؤ بوقوع كارثة، وهو أن قوتين عظيمتين في تركيا، تتشاركان الأصول والمبادئ والقضايا نفسها، دخلتا في صدام معا. وكان هناك انطباع بوجود المشاعر السيئة بينهما، فضلا عن تصاعد نبرة الأصوات الغاضبة التي تعالت لتغطي على حملة الدعاية. وبدا واضحا أن هذا الصراع كان بالنسبة للبعض هو الطريقة المثلى لخيانة الديمقراطية والإطاحة بالحكومة، لأنهم عرفوا أنه في حال إمكانية انقسام الشعب للأسباب نفسها، فحينئذ سيكون من الأسهل إضعافهم، ومن ثم التسبب في وجود الانقسامات داخل مؤسسات حزب العدالة والتنمية.
وبناء على ذلك، يمكننا تفسير هذه الصورة على هذا النحو:
نحن بصدد قضية رئيسة ستتخذ الهيئة القضائية قرارا بشأنها. ولا يمكن أن يكون لهذا الحادث أي تأثير ضار، إلا في حال إصدار أحكام مسبقة أو التفكير في سيناريوهات افتراضية بشأن حدوث انهيار في تركيا.
يعني مبدأ الطبيعة الفردية لأي جريمة أن الفرد هو المسؤول فقط عنها. وفي حال ارتكاب الشخص أي جريمة، فإن والديه أو زوجته أو أولاده ليسوا مسؤولين عن تلك الجريمة. وبناء على ذلك، فمن المؤكد أن اعتقال بعض أبناء الوزراء يجب ألا يطعن في مصداقية هؤلاء الوزراء أو حكومتهم.
هذه المزاعم حول الصراع بين الحكومة وجماعة غولن، ليست سوى حيلة يحاول بعض الانتهازيين استغلالها في أعمال التحريض. ومن المهم لكلا الجانبين توخي الحذر وإحباط هذا المخطط. ووفقا لما أكده هارون يحيى في مقاله بجريدة «عرب نيوز» هذا الأسبوع، فإنه «في هذا الوقت العصيب الذي تواجهه تركيا والعالم، ينبغي على الجميع أن يتكاتفوا. هؤلاء المرجفون يريدون إحداث انقسام بين الشعب، لأن الانقسام يعجل بوقوع الكارثة. ولذا يجب علينا ألا نحقق لهم غرضهم».
ووفقا لذلك، فإن التصريحات الواضحة الصادرة عن الحكومة حتى الآن تعيد الطمأنينة. وفي هذا الصدد، كانت كلمات رئيس الوزراء إردوغان هي: «لن أشفق على أحد، حتى ولو كان من أقاربي المقربين»، وهو ما يعني أنه لن يسمح بالفساد. إن أي حكومة تتخذ مثل هذا الموقف ضد الفساد، مع تبنى تقارب بسيط تجاه المعارضة، ستتصدى لمخططات هؤلاء الداعمين للصراعات.
الواقع أن مثل هذه العمليات تعد ردا مثاليا على التكهنات الداخلية والخارجية بخصوص تركيا منذ احتجاجات حديقة جيزي. فلا يمكن لأي شخص أن يدعي بصورة حقيقة أن هناك ديكتاتورا مسؤولا عن البلاد التي يجري فيها تنفيذ العمليات الشرطية من دون علم رئيس الوزراء، فضلا عن اعتقال أبناء الوزراء. وعلى النقيض من ذلك، فإن هذه الدولة الديمقراطية، لا تسمح بارتكاب أعمال غير مشروعة.
يجب علينا التحلي بالهدوء والاعتدال، فتركيا فيها نظام قضائي لن يسمح لهؤلاء الذين احتالوا على الأيتام بأن يفلتوا من العقاب. وما يمكن قوله في هذا الصدد هو أنه من المؤكد عدم وجود ضوء أخضر لهؤلاء الساعين إلى الاستفادة من حالة الشكوك من أجل التخلص من الديمقراطية، وإثارة الانقسامات المادية والنفسية في البلاد. فلم تعد القوة عُرفا في الشرق الأوسط، بل التحالف والاتحاد والقوة هم أفضل ما يتلاءم مع المسلمين.

ملاحظة:

نشر المقال هنا.

ليست هناك تعليقات:

تنويه من المحرر

تنويه من المحرر
وجهات نظر موقع شخصي تماماً لا يمثل أي جهة أو حزب أو منظمة، ولا ينتمي إلا للعراق وأمته العربية والإسلامية، وهو محمي بالقانون وبميثاق الشرف الصحفي ولايسمح بإعادة النشر إلا بشرط ذكر المصدر.. الكتاب يتحملون مسؤولية مقالاتهم، والناشر غير مسؤول عنها..