وجهات نظر
سعد ناجي جواد
في تعليقه على الإنتخابات العراقية التي جرت في عام 2010 وصفها
السفير الأمريكي في العراق آنذاك رايان كروكر بأنها "كانت دراما عنيفة وكوميديا هابطة". وهو وصف
دقيق ولو أنه تغافل عن الأسباب التي أدَّت الى أن تكون الإنتخابات بهذا الوصف،
والتي يقف على رأسها الاحتلال الأمريكي وتدميره للعراق وفسحه المجال للمتعاونين
معه، رغم فسادهم وعدم أهليتهم، ان يتصرفوا بمصير العراق وفرضه دستور لم يطلع عليه
العراقيون وتقسيمه العراق على أسس طائفية وإثنية، الى غير ذلك من المشاكل التي
تسبب فيها الأحتلال. وضاعفتها الاحزاب والأشخاص الذين حكموا العراق منذ ذلك الوقت.
ومن خلال ما يجري في العراق اليوم يبدو أن الإنتخابات القادمة
ستكون بهذا الوصف ايضا.
إن كل الشواهد تشير الى أن نفس الكتل السياسية التي هيمنت على
المسرح السياسي منذ عام 2003 ستكون نفسها التي تعود الى سدة الحكم. وإن الوجوه
الجديدة والكتل الصغيرة وغير المؤثرة في صنع القرار، والتي قد ينجح بعضها في
الحصول على مقاعد محدودة في البرلمان، ستكون إما مغردة خارج السرب او ستنضم في
نهاية المطاف الى الكتل الفائزة كي تحمي نفسها وتستفاد من الامتيازات التي ستنهال
عليها.
إن تحليلاً بسيطاً للقوى السياسية الحاكمة في العراق يظهر أن
ائتلاف دولة القانون الذي يرأسه رئيس الوزراء نوري المالكي سيحصل على الأصوات
الأعلى، وأن التحالف المرتبط به، التحالف الوطني الممثل لمكون واحد من الشعب
العراقي، سيشكل الكتلة الأكبر في البرلمان. والجدال الوحيد الذي سيجري بعد ذلك هو
هل سيبقي الإئتلاف دعمه للمالكي أم ينجح في اختيار شخص آخر من نفس الكتلة؟ علما
بأن استعراضاً بسيط للوجوه المرشحة لمنافسة المالكي لاتختلف في نهجها وتعصبها
الطائفي المقيت. كما أن كل الشواهد تدلل على أن إيران، الطرف الأكثر هيمنة وتأثيراً
على الساحة العراقية، لاتزال تفضل المالكي على غيره. وربما كانت هذه الحقيقة أحد
الأسباب التي دفعت مقتدى الصدر رئيس الكتلة الأكثر تاثيراً والتي كانت مرشحة الى
أن تزيد من تواجدها ونفوذها في الساحة السياسية العراقية، الى أن يعلن اعتزاله
العمل السياسي وحلِّه لتياره. فمن الواضح أن الصدر قد زاد من انتقاداته لأداء
الحكومة الحالية ولشخص المالكي، واشار في أكثر من مرة بصورة مباشرة وغير مباشرة
الى رفضه لأن يتولى المالكي ولاية ثالثة. وهو موقف وقفه قبل انتخابات 2010 وعندما
كان يعيش في إيران آنذاك، ولكنه (أقنع) من قبل القادة الإيرانيين الى أن يغير من
موقفه. وفي هذه المرة يبدو أن الصدر اراد أن يتجنب هذا الموقف والضغط لكي يقف الى
جانب حكومة فشلت في تحقيق أي شيء وتهدد الدولة كلها بالتمزق، ناهيك عن تجذيرها
للسياسات الطائفية. ولكي يرفع عن نفسه الحرج ومحاسبة التأريخ لتياره الشعبي
والواسع قرر الانسحاب من العملية السياسية. (ملاحظة من
الناشر: الصدر أكد التزامه بالعملية السياسية ومشاركته في الانتخابات من خلال تأكيده
على أنه سيدلي بصوته ومن خلال حثِّه لأتباعه على التصويت، ومن خلال استمرار مرشحيه
بالترشح للانتخابات).
صحيح أيضا أن الصدر، كما يفهم من كلامه وانتقادادته، صدم بانحرافات
بعض من أتباعه، خاصة اولئك المشاركين في العملية السياسية، وأنه كان ينوي استبدالهم،
إلا أنه آثر في النهاية الى أن يسحب غطاء وشرعية جناحه عنهم بدلاً من فضحهم وهذا
أضعف الأيمان. وكان الأجدر به أن يطهر تياره من الفاسدين وأن يشد على يد النظيفين
منهم وان يرشح وجوهاً كفوءة جديدة قادرة على خدمة العراقيين وتمثيلهم. بالتأكيد إن
أتباعة سوف لن ينسحبوا ويتركوا المجد الذي يعيشون فيه، خاصة إذا كانوا من الفاسدين
والمستفيدين، ويخوضوا الإنتخابات، خاصة وانه لا توجد فتوى من الصدر بتحريم
انتخابهم، وهنا اشير الى الفاسدين منهم.
وفي غياب نفوذ وتأثير التيار الصدري يبقى الباب مفتوحا والحلبة
دون منافس لتيار دولة القانون، والتيارات المتحالفة معه، كي يجتاح الساحة الانتخابية
وسيفرض شروطه على الباقين. ومن الواضح أن المالكي الطامح والمصر على الحصول على
ولاية ثالثة، ومهما كلف الأمر، سوف لن يتوانى عن استخدام سلطته ونفوذه من أجل هذا
الهدف. ولقد بدأت بوادر هذا الاستخدام تظهر في عملية استبعاد عدد من المرشحين
المعارضين والذين كان لهم الدور في فضح بعض جوانب الفساد في الحكومة الحالية، وفي
الاستخدام المفرط للقوة العسكرية في المناطق الرافضة، وفي استدراج المعارضين له بامتيازات
مغرية. يضاف الى ذلك أساليب متاحة أخرى مثل تأجيل الإنتخابات بذريعة محاربة الارهاب
أو التلاعب بالنتائج في ظل وجود مفوضية عليا للاتخاب لا تستطيع أن تخرج عن طاعة
الحكومة.
ان تجربة إقرار وتمرير الدستور تؤكد قدرة الحكومة على تزوير
النتائج، مثلما حدث مع نتائج استفتاء الموصل (نينوى) حول الدستور والتي كانت
بالتأكيد رافضة له، إلا أن تأخير اعلان النتائج ونقل صناديق المصوّتين الى العاصمة
كانت دليلاً واضحاً على التلاعب بالأصوات، ناهيك عن عدم فتح مراكز اقتراع في كثير
من المناطق المناوئة للدستور لضمان تمريره. صحيح أن ذلك تم آنذاك بمباركة أمريكية أرادت
من ورائها تعجيل الانسحاب من العراق، إلا أنه صحيح ايضا أن الحكومة العراقية في
حينه رضت بهذا الاسلوب واستوعبته.
كما أن ثمة حقيقة أخرى تؤكد على أن النتائج القادمة سوف تكون
مشابهة لسابقاتها تتمثل في ضعف الاهتمام الشعبي بالإنتخابات القادمة، إذ ظهر أن
اربعة ملايين شخص فقط، من أصل 21 مليوناً ونصف، ممن يحق لهم الأنتخاب، قد تسلموا
هوياتهم الانتخابية، أي حوالي 18%، وهذا يعني أن أكثر من 17 مليون شخص مؤهل للانتخاب
سوف لن يشاركوا في هذه العملية. ربما يرتفع هذا العدد الى أكثر من ذلك، ولكن طبقا
للمعلومات التي تنشرها المفوضية العليا للانتخابات فإن النسبة سوف لن تتجاوز 30%
اذا استمر هذا التباطؤ في استلام الهويات.
كما أن هذا المعلومات تؤكد أن الأحزاب المشتركة في العملية
السياسية هي الأكثر استلاما للهويات، مما يعني بأن التعويل على الارادة الشعبية
والغالبية المتذمِّرة من هذه الأحزاب اما خائفة او غير مكترثة بالعملية أصلا.
ويبقى من يحلم بهبة شعبية تقلب هذه المعادلة يسير خلف أمنيات
لن تتحقق. وسوف لن يجد العراقيون في نهاية المطاف من يلومون سوى أنفسهم، كما فعلوا
بعد انتخابات 2010 واستفتاء الدستور. علماً بأن الكتل الكبرى في البرلمان اليوم
ستجد طرقا عديدة لتقاسم النفوذ والمغانم وبتنازلات بعضها للبعض الآخر، بعيدا عن
مصلحة الشعب العراقي، كما حصل بعد الإنتخابات السابقة.
خلاصة القول أن اسس الحكم التي وضعتها الولايات المتحدة
الأمريكية واستفادت منها دولٌ إقليمية، وخاصة إيران، ستستمر في العمل ولفترة طويلة
وسوف لن تتغير إلا بإرادة شعبية قوية وفاعلة، ويبدو أن هذه الأرادة غير موجودة لدى
العراقيين لحد الآن ومع الأسف الشديد.
ربما يكون من القسوة إصدار هذا الحكم على العراقيين الذين عرفوا
بثوراتهم ضد الظلم، وربما يكونوا محقّين في سلبيتهم، حيث لا يوجد في الساحة
السياسية اليوم تنظيم او شخص يستحق أن يلتفوا حوله ويمنحونه تأييدهم، ولسان حالهم
يردد قول الشاعر العربي دعبل الخزاعي:
إني لأفتح عيني حين
أفتحها على كثيرٍ ولكن لا أرى أحدا
ولكنَّ عليهم أن يتذكروا بأنهم هم وحدهم من ساعد على وصول
الأمور الى ماهي عليه بسكوتهم عن الأخطاء بل والخطايا، وتصديقهم لمن قلب لهم الاحتلال
تحريراً والطائفية مخرجاً والمحاصصة منهجاً ناجحاً، كما أن عليهم أن يتذكروا بأنهم
وحدهم القادرون على التغيير، إن هم صمموا على ذلك.
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
هناك تعليق واحد:
تحية خاصة للاستاذ الدكتور سعد ناجي جواد السياسي العراقي الوطني وجوابي لا مستقبل للعراق في ظل سلطة طائفية فاسدة مرتبطة بعمالة مزدوجه لامريكا وايران
إرسال تعليق