قصر جنكايا الرئاسي |
وجهات نظر
سمير صالحة
التصور الأقرب حول نتائج
الانتخابات المحلية التي ستجري في تركيا بعد أقل من أسبوعين، وكما تقول جميع
استطلاعات الرأي وحشود الميادين، هو أن يُنزِل رجب طيب أردوغان وحزبه ضربة قوية
بالمعارضة، ويخيِّب آمال المراهنين على إخراجه من السياسة.
رجب
طيب أردوغان يقبل مقولة إن الانتخابات المحلية التي ستجري في أواخر الشهر الحالي
تحوَّلت إلى مواجهة «كسر عظم» بين حزبه وقوى المعارضة السياسية، وجماعة فتح الله
غولن التي وحدت صفوفها ضده في محاولة لإضعافه وإبعاده عن الحكم. وهو يرفض الحديث
عن مرحلة ما بعد الانتخابات قبل الخروج منها، ويتجاهل السؤال الذي يطارده من كل
صوب حول رغبته في الترشح لمقعد الرئاسة، وأن يكون هو من يستقبل من هناك احتفالات
الذكرى المئوية للإعلان عن تأسيس الجمهورية التركية، لكن تحويله ساحات وميادين
أكثر من 40 مدينة تركية قصدها في الأسابيع الأخيرة إلى مواقع منازلة سياسية مفتوحة
لن يمنعه بعد الآن من الإعلان عن حقه في نقل مقر إقامته إلى قصر « جنكايا» الرئاسي
هذه المرة.
أردوغان
كان يتطلع عام 2007 ليكون الرئيس التركي المنتظر، لكن ضغوط حزبه والظروف السياسية
الداخلية التي استخدمت ضده قطعت الطريق على تحقيق هذا الحلم الذي سيتجدد عشية
إعلان نتائج الانتخابات، ومع الكشف عن نسبة أصوات العدالة والتنمية التي التقت
معظم استطلاعات الرأي عند ارتفاعها بالمقارنة مع أرقام نتائج ما قبل أربع سنوات،
وهو ما لم ينجزه أي حزب حتى اليوم في التاريخ السياسي التركي.
قد
يكون رجب طيب أردوغان فشل في إنجاز مشروع نظام رئاسي على الطريقة الأميركية يكون
فيه الأقوى في السلطتين التنفيذية والتشريعية، لكن المواطن التركي بات على قناعة
تامة بأن نتائج انتخابات 30 مارس (آذار) المقبل ستكون الورقة الانتخابية والحزبية
الأقوى التي سيرفعها أردوغان في وجه قيادات العدالة والتنمية، ليمنعها من مطالبته
بأي تنازلات أو تراجع عن حقه في قيادة دفة السفينة الرئاسية في تركيا، اعتبارا من
أواخر الصيف المقبل.
أردوغان
في مطلع أبريل (نيسان) المقبل سيكرس نفسه المرشح الأقوى والأوفر حظاً، ولن يقبل
بعد الآن النصائح من أحد بعد كل ما بذله من جهد وتعب، وخيَّب آمال كثير من الذين
راهنوا على ضربه في عقر داره، وحاولوا تدميره سياسياً وشعبياً في أعقاب أزمة 17
ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
المؤكد اليوم أن أردوغان الذي
قاد حملة الانتخابات المحلية باسم العدالة والتنمية، متنقلاً من مدينة إلى أخرى،
ومن مهرجان إلى آخر ليلاً ونهاراً، لحماية مواقع حزبه، وكسب غالبية الشعب التركي،
إلى جانبه سيذكِّر قيادات العدالة والتنمية، وعلى رأسها عبد الله غُل نفسه، بحقه
وفرصته في الوصول إلى قصر الرئاسة، وأنه لن يتراجع أمام أي محاولات لإقناعه
بالتخلي عن رغبته لصالح حزبه، واستمراره في قيادة البلاد، وهو الذي يعرف أنه لن
تكون له فرصة أخرى سانحة للبقاء في موقع قيادة العدالة والتنمية والحكومة، بسبب
تعديلات النظام الحزبي الداخلي.
ويعرف
أيضا أن انتخابات الرئاسة هذه المرة ستكون عبر توجه المواطن التركي مباشرة إلى
صناديق الاقتراع، لاختيار رئيسه.
احتمالات
وقوع المواجهة على مقعد الرئاسة باتت مستبعدة، أمام تطورات المشهد السياسي في
البلاد، وغُل سيقبل حتماً أن يكون أردوغان الذي وقف إلى جانبه ليكون رئيساً يستحق
أن تفتح أبواب قصر الرئاسة أمامه هو هذه المرة.
غُل لن يكون جزءاً من سيناريو
المعارضة التي ستتوحد مرة جديدة ضد أردوغان، وهي ربما ستحاول هنا لعب ورقة غُل
نفسه كمرشح أقوى ينافس شريك وحليف الأمس، وبعد أكثر من ربع قرن من العمل الحزبي
المشترك.
خيارات
أردوغان السياسية ستكون شبه محدودة، بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات: إما أن يحزم
حقائبه ويستعد للتقاعد والتنحي خلال عام، وإما أن يكشف النقاب باكراً عن رغبته في
البقاء في قلب العمل السياسي، وإنجاز ما بدأه، ولكن من قصر جنكايا، وهذا ما سيفعله
في أغلب الأحوال.
المجتمع
الدولي عليه بعد الآن أن يتابع تطورات المشهد داخل حزب العدالة والتنمية، ليس
للتأكد من حظوظ أردوغان في اختياره رئيساً للدولة، بل لمحاولة معرفة تفاصيل
المنافسة على مقعد رئيس الحزب، هل ستكون هناك عملية تسلم وتسليم بين أردوغان وغُل،
أم أن المعادلات الجديدة قد تقطع الطريق على غل نفسه الذي يعرف أنه سيكون مطالبا
بإنجاز ما بدأه أردوغان من تصفية حسابات مع الكثيرين في الداخل والخارج.
أردوغان
اعتبارا من مطلع أبريل (نيسان) المقبل، سيكون من حقه أن يقول ويفعل ما يشاء، فهو
الذي تحمل العبء الأكبر، وتلقى الكثير من الضربات الموجعة التي كاد معظمها أن
يتحول إلى ضربة قاضية، فالانتصار كان بالتأكيد لحزب العدالة والتنمية، لكن التصويت
كان يجري مباشرة على مسألة رحيل أردوغان أم بقائه.
هل سيفتح أردوغان بوابة القصر الرئاسي في الصيف القادم؟ |
أردوغان،
وكما يقول المشهد السياسي اليوم، خرج أكثر قوة هو وحزبه في هذه المواجهة، وهو قطع
الطريق باكراً على مخطط طرح مواصفات الرئيس التركي الجديد للنقاش، ومحاولة إقحام
البلاد في أزمة انتخابات رئاسية، كما حدث عام 2007، مؤكداً أن ظروف اليوم غير ظروف
ما قبل سبعة أعوام، لكن رسالة أردوغان الأقوى كانت حول تذكيره: أنه من الحماقة في
السياسة أن يسيل دم إصبعك وأنت تجرب سكيناً لتعرف إذا ما كان حاداً أم لا، وأن
تتحول إلى شاهد على زواج فتاة عشقتها منذ الصغر، وأن ترفض طعاماً يُعرض عليك بعدما
طبخته أنت على نار هادئة.
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
هناك تعليقان (2):
اثبت اردوغان انه واحد من ابرز الزعماء اﻻتراك في العصر الحدبث وقد أخذ مقعده في التاريخ كزعيم ﻻمع له وزنه ومكانته اقليميا ودوليا.
صحيح جداً، دون أن ننسى أن هناك اعتراضات على السياسة الخارجية لتركيا، خصوصاً في ظل تقلبات الوضع الراهن في وطننا العربي تحديداً
إرسال تعليق