وجهات نظر
مثنى عبدالله
ليس غريبا ان تتداخل الاشياء
والمسميات المتناقضة في عالم السياسة، حيث نرى ذلك يحدث في كل حين ومكان، لكن
الاكثر غرابة ان يدعوا الارهابيون بعض زملائهم ليلقوا خطبة وعظ تحت عنوان مكافحة
الارهاب، كما حصل في العراق في الاسبوع المنصرم، حينما حضر المرشد الروحي الامريكي للارهاب في
ضيافة المرشد الروحي العراقي للارهاب، ومن خلف ظهرهما مرشدون روحيون اخرون، دوليين
واقليميين ايضا.
اما لو طبقنا نص وروح المادة 4 ارهاب التي يُساق وفقها الاف العراقيين الى السجون والمشانق كل يوم، لوجدنا وصفها ينطبق تماما على المرشد الروحي للارهابيين في العراق، بل يمتد ليشمل الكثير من شركاء العملية السياسية واقطابها، الذين التحقوا بمشروعها قبل عام 2003، وكذلك الذين التحقوا بها بعد ذلك التاريخ. ابحثوا جيدا في تاريخ منظماتهم واحزابهم وميليشياتهم وفيالقهم قبل الاحتلال وستجدون انهم اصطفوا مع الاعداء لمحاربة العراقيين، وستجدون انهم ارسلوا السيارات المفخخة، ولم يكن هذا الاسلوب معروفا من قبل، لضرب سفاراتنا ووزاراتنا وجامعاتنا وطلبتنا قبل استلامهم السلطة، بل اطالوا الحصار على العراقيين بالمعلومات المزيفة التي كانوا يقدمونها للمخابرات الامريكية والغربية، فتسببوا في قتل الملايين من الاطفال والشيوخ، وعندما حكموا اشهروا سيوف الطائفية حتى اقتاتت الكلاب على اجساد الابرياء منا في اماكن جمع القمامة، وطفى بعضها الاخر في نهر دجلة، ولازال الالاف من الابرياء مُغيبين حتى الساعة.
الا ينطبق ما جاء في المادة 4 ارهاب على كل هذه الافعال والقائمين عليها؟ الا يُعتبر السلوك السياسي الذي يمارسه ساسة السلطة من الصف الاول حتى العاشر، سنة وشيعة، تحريضا لفعل ارهابي ضد مواطنيهم؟ اذا كان الجواب لا كما يحلو للبعض ان يزور ويتلاعب بالكلمات، اذن ماذا نسمي التصنيف الذي اطلقه رئيس الوزراء على العراقيين بـ’اتباع يزيد’ و’اتباع الحسين’؟ وماذا نُسمي السعي لتشريع قوانين تخص طائفة دون اخرى؟ وماذا نسمي الانتقائية في تطبيق القوانين على فئة دون اختها فيُجرم هذا ويُكرم ذاك ويُجتث هذا ويبقى الاخر؟ أليس خلق فوارق اجتماعية واقتصادية وقانونية وسياسية بين مواطن واخر هو وجه من وجوه صناعة حواضن الارهاب؟ اننا امام حقيقة واضحة، هي ان السعي لعقد مؤتمرات ما يسمى مكافحة الارهاب، او الانتظام في ما يعرف بالحرب عليه، هي فعاليات سياسية، اهدافها السعي لخلق عدو غير مرئي كي يبرر البعض تحقيق اهدافه السياسية بوسائل عسكرية وامنية وغير قانونية، كما من اهدافها ايضا الحصول على الدعم المادي والتسليحي والتدريبي والسياسي من قبل قوى الشر العظمى المهيمنة على العالم، مقابل فتح الساحات المحلية امامها، وبذلك تبرز حقيقة الارهاب الحكومي الذي يعتبر اعلى تنظيما وتمويلا بكثير من مستوى الارهاب غير الحكومي في العالم.
ان ارهاب الحكومات هو جزء من منظومة ارهاب القوى الدولية الكبرى التي تسعى للهيمنة وسرقة الثروات، لذلك كان التخادم بين الجزء في العراق والكل في الولايات المتحدة عبر مؤتمر بغداد لمكافحة الارهاب، الذي احد معانيه هو موافقة المجتمعين على ارهاب الدولة الذي تمارسه السلطات الحاكمة في بغداد ضد العراقيين عموما، واهل الانبار خصوصا، الذين باتوا إما شهداء او معتقلين او مهجرين في كل بقاع العراق في حرب قذرة مفتوحة منذ اكثر من شهرين، تستخدم فيها الطائرات والدروع والقوات الخاصة والحصار الاقتصادي بدعم عسكري تسليحي واستخباراتي من عدد من الاطراف التي كانت حاضرة في المؤتمر، فهل يختلف هذا الفعل الذي تمارسه السلطات الطائفية العراقية عن الفعل الذي تمارسه الجماعات المسلحة الدولية؟ أليست الانبار والفلوجة والحويجة ساحات شاهدة على الارهاب الحكومي العراقي؟ أليست الاستعراضات العسكرية لميليشيات مسلحة لا تنتظم في اجهزة الدولة الامنية والعسكرية، واستخدام سيارات وهويات مؤسسات الدولة واجهزتها لقتل الناس او اعتقالهم، وقصف اراضي الدول المجاورة بالصواريخ، وتصدير المقاتلين الىسوريا للقتال الى جانب القوات الحكومية، أليست هذه كلها تندرج كافعال ارهابية وفق الوصف الامريكي والعراقي، وكذلك وفق وصف الامم المتحدة؟ اذا كان الجواب على كل هذه التساؤلات بنعم فلماذا يتم تكريم المالكي بالتسليح والتجهيز والتصفيق وحضور مؤتمراته؟ واذا كان الجواب بكلمة لا فلماذا تُصرف المليارات وتُشرع القوانين ويُعتقل الناس من اجل محاربة ما يسمى ارهاب الجماعات المسلحة في العالم؟ يبحث الطغاة دائما عن منصات سياسية يطلون بها على محيطهم الاقليمي والساحات الدولية، ظنا منهم بان ذلك يعطيهم مساحة من الرضا الدولي لممارسة المزيد من الجرائم، بل يذهبون ابعد من ذلك عندما يطرحون حلولا ومبادرات لمشاكل اقليمية ودولية ويحاولون ان يصبحوا جزءا من اللعبة الدولية، بينما هم يتخذون من منطقة صغيرة سكنا لهم ويقطعون الطرق ويوصدون الابواب، ويحيطون انفسهم بعشرات الاجهزة الامنية والاستخباراتية هربا من شعوبهم.
انها تراجيديا الحاكم بأمره الذي يقبع في المنطقة الخضراء منذ احد عشر عاما، وعندما يلتقي اعوانه بحجة لقاء شعبه فانه يلتقي بهم في قاعدة جوية مُحصنة، كما حصل مؤخرا عند زيارته لمحافظة الانبار، واذا اراد الحديث فانه يثقف الناس بلهجة طائفية اقصائية عدوانية حاقدة مبهمة على شاكلة ‘بيننا وبينهم بحور من الدم’ او ‘اتباع يزيد واتباع الحسين’، مما يعطي فرصة لكل جاهل وحاقد في التفكير بانه مظلوم والطرف الاخر هو الظالم، وانه من اتباع هذا الرمز الديني او التاريخي، والاخر من اتباع غيره. انها عملية تشطير وتمزيق لكل مقومات الهوية الوطنية تمارسها السلطة بلسان المسؤول الاول، في وقت تسعى المدنية الحديثة الى خلق مشتركات اكبر بين شعوب العالم المختلفة.
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق