موقعنا الجديد، مع التقدير

موقعنا الجديد، مع التقدير
نأسف لإزعاجكم، انتقلنا إلى هنا رجاءً، يرجى الضغط على الصورة للانتقال إلى موقعنا الجديد

الاثنين، 31 مارس 2014

أوباما وحدود القدرة

وجهات نظر
نزار السامرائي
يبدو أن الولايات المتحدة تواجه أزمة أخلاقية في إيجاد حالة الانسجام بين الشعارات التي ترفعها عن الديمقراطية وحقوق الإنسان واضطلاعها بمهمة الدفاع عن تلك المبادئ، وبين قدرتها على الإيفاء بالالتزامات التي فرضتها على نفسها حتى لو خرجت على الشرعة الدولية كما كان يحصل على مدى عقود منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

فقد أشَّرت تلك الحقبة القدر الأعظم من التدخلات الأمريكية في الشؤون الداخلية إما عبر القوة العسكرية المباشرة كما حصل في كوريا مطلع النصف الثاني من القرن الماضي، أو كما حصل في فيتنام والهند الصينية بعد ذلك بعقد من الزمان، أو عبر التدخل بواسطة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) التي كانت تنوب عن وزارة الدفاع في تأدية مهمات سرية خاصة تحقق نفس الغرض الذي تريد الإدارة الأمريكية تحقيقه بالتدخل العسكري المباشر.
لكن هذا ليس معناه أن الولايات المتحدة كانت تختار طريقا واحدا لتحقيق أهدافها، إذ شهد العالم أكثر من مرة وفي أوقات مختلفة، اعتمادها لمبدأ استخدام القوة مع جهد وكالة المخابرات المركزية، بل إن الوثائق التي تم الكشف عنها من تاريخ الحروب الأمريكية، أكدت بأن المخابرات المركزية نفذت واجبات سرية في غاية الخطورة من أجل تمهيد الطريق أمام التدخل العسكري المباشر للولايات وبثقل استثنائي كما حصل في الحرب الفيتنامية، إذ زعمت وزارة الدفاع الأمريكية حينذاك أن القوات البحرية التابعة لجمهورية فيتنام الديمقراطية شنت هجوما على المدمّرتين الأمريكيتين يو اس اس مادوكس ويو اس اس ترنر جوي في الثاني والرابع من آب عام 1964 في خليج تونكين، وتشير الأبحاث الأخيرة التي شملت البيان الصادر عن وكالة الأمن القومي في عام 2005 أن الهجمة الثانية لم تحدث أصلا، وأكدت الوثائق أن وكالة المخابرات المركزية هي التي نفذت الهجوم الأول والتي تسبب بمقتل نحو 90 جنديا أمريكيا في إطار خطة استخبارية تم تصميمها لتبرير التدخل العسكري أمام الشعب الأمريكي، وهذا ما حصل فعلا إذ أدت الحادثة المذكورة إلى تصديق الكونغرس على قرار دعم دول جنوب شرق آسيا (المعروف باسم قرار خليج تونكن) والذي خوّل لجونسون السلطة في مساعدة أي دولة من دول جنوب شرقي آسيا وتعتبر مهددة "بالعدوان الشيوعي"، بينما اعتبر جونسون هذا القرار بمثابة مبررٍ قانوني لتصعيد التدخل الأمريكي في حرب فيتنام.
ولكن التورط الأمريكي في فيتنام حمل للمجتمع الأمريكي كوارث ومآس إنسانية ظلت عالقة في ذهنه ويبدو أنها غير قابلة للنسيان نتيجة ضخامة الخسائر المادية والعسكرية والبشرية وانتشار الجرحى والمشوهين على طول الولايات المتحدة وعرضها، في حين أن الرئيس الديمقراطي جونسون قد اعتبر الذهاب إلى خيار الحرب مجرد نزهة سريعة يعود بعدها جنوده من ساحة الحرب وهم مطوقون بأكاليل الغار، لقد انقلبت المغامرة الأمريكية إلى هزيمة سياسية عسكرية اقتصادية ظلت الولايات المتحدة تبحث عن خلاص من عقدها بحيث أن كل تجربة كانت تمر بها كان الرأي العام الأمريكي يتخوف من تكرار التجربة الفيتنامية.
ولكن الولايات المتحدة التي كانت تشعر بحاجة ملحة لتجديد شبابها وتطوير أسلحتها عن طريق الحروب الكبرى، لم تعد تذكر شيئا من مآسي الحرب الفيتنامية عندما صممت على غزو العراق واحتلاله تحت ذرائع تلمودية أو إنجيلية بالية، وجندّت مجلس الأمن الدولي لتسهيل هذه المهمة، هذا المجلس الذي كان قد تحول في مرحلة القطبية الواحدة إلى مجلس للأمن القومي الأمريكي، يمرر ما تمليه عليه الخارجية الأمريكية من قرارات، وبالمقابل فقد أصبح مجلس الأمن القومي الأمريكي وكأنه مجلس للأمن الدولي يفرض على العالم ما ترسمه أمريكا للعالم، ولكن التجربة الأمريكية في العراق كانت قاسية ومرة إلى حدود بعيدة وأكثر تأثيرا على الشارع الأمريكي من النواحي النفسية والاقتصادية والعسكرية من الهزيمة في فيتنام، لأن المقاومة العراقية التي واجهت الغزو والاحتلال كانت يتيمة بكل معنى الكلمة، فليس هناك الاتحاد السوفيتي ولا الصين الشعبية اللذين يمدانها بالخبرة والسلاح وحتى المتطوعين لمواجهة القطب الآخر في الحرب الباردة، واستطاعت المقاومة العراقية المسلحة أن تلحق أكبر هزيمة عرفتها أمريكا في تاريخها الحديث، وبعد أن ظن جورج بوش أنه باق في العراق خمسين عاما على الأقل، تعجل بسحب قواته بأسرع ما يستطيع.
وتم تأليف كتب كثيرة تحكي قصة الصدمة التي أصابت المجتمع الأمريكي بدلا من الصدمة والترويع التي ظن الأمريكيون أنهم سيطبقونها في العراق، لكن كتاب حرب الثلاثة تريليونات دولار لمؤلفيه جوزف ستغ لتز ولندا بلمز، وأهمية الكتاب تأتي من أنه يتابع بدقة مسار العمليات الحربية ونتائجها العسكرية المدمرة على الأفراد والمعدات والاقتصاد، كما أن المكانة العلمية والسياسية لمؤلفي الكتاب تعطيه مصداقية أكبر، فالأول مارس عمله في مناصب رسمية عديدة في إدارة الرئيس بيل كلينتون حيث شغل منصب مستشار الرئيسي للشؤون الاقتصادية، وقبلها كان اقتصاديا في البنك الدولي، والأكثر أهمية أنه حصل على جائزة نوبل للاقتصاد عام 2001، وأما لندا بلمز فهي محاضرة في جامعة هارفارد، وهي متخصصة في الاقتصاد، وعملت مثل زميلها في إدارة الرئيس الأميركي كلينتون.
كانت الحرب على العراق آخر عهد للولايات المتحدة بعالم التدخلات العسكرية الخارجية لكن الاستعاضة عن التدخل المباشر لم يوقف صيغ التدخل الأخرى وخاصة من جانب وكالة المخابرات المركزية، أو بواسطة طائرات الاستطلاع المقاتلة من دون طيار (درون)، فقد توسع استخدام هذا النوع من الطائرات في عهد الرئيس أوباما عدة مرات، لأن هذا النوع من الحروب تخوضه الولايات المتحدة بأقل التكاليف السياسية والمالية البشرية، ثم إنه لا يسبب حرجا سياسيا كبيرا للسياسيين الأمريكان الذين يتطلعون للحصول على مراكز أعلى من دون أن يخسروا من رصيدهم شيئا.
 ولا يشك أحد في أن الهزيمة الأمريكية في العراق هي التي أوجدت هذه الخشية القاتلة لدى زعماء أمريكا من خوض غمار أي حرب جديدة في العالم، والأمر لا يرتبط فقط بالرئيس أوباما، فقد كان كل من الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش ونائبه ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد ورئيس أركان القوات المشتركة قد أعلنوا بأن الولايات المتحدة لن يكون بوسعها بعد تجربتها الفاشلة في العراق أن تخوض حربين في وقت واحد.
ولكن حالة التردد والهلع التي ركبت عقل الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما فاقت كل الحدود المتوقعة، فأصبح خائفا من مجرد سماع دعوة للتدخل في أي مكان حتى لو لم تتضمن مجازفة الوقوع في مأزق جديد أي أن الولايات المتحدة لن تستطيع خوض واحدة في المستقبل، وربما يظن أحد أن أوباما كان مخلصا لجائزة نوبل للسلام التي حصل عليها في أول عهده في الرئاسة، ولكن واقع الأمر يعطي تفسيرا ثانيا لضعف الرئيس، وغالب الظن أنه متأت من أصله الأفريقي والإسلامي وكونه أول رئيس زنجي يريد أن يفسح الطريق لأبناء جلدته لدخول البيت الأبيض، لأنه أن تورط في حرب مثل الحرب الفيتنامية أو العراقية، فإن الذاكرة الجمعية الأمريكية ستركز على إخفاق رئيس زنجي، وتتسامح مع التجارب السابقة.
فالرئيس أوباما ليس رجل السلام بل هو رجل الحرب بصمت لأنه لا يريد أن تسجل هزيمة أمريكية باسمه ولهذا فأنا أتفهم تماما قول أوباما بعد زيارته للمملكة العربية السعودية بأن قدرات الولايات المتحدة لها حدود، ولكنني أضيف أن تلك الحدود هي حدود الخوف من هزيمة جديدة قد تعصف بالسلم الأهلي داخل الولايات المتحدة، والأمر لا يتعلق بالقدرات العسكرية الأمريكية من حيث حداثة السلاح أو قدرته التدميرية، ثم علينا ألا نغفل التوافقات الدولية والإقليمية التي يتم فيها عقد صفقات تحت الطاولة تراها الإدارة الأمريكية في الوقت الحاضر في مصلحتها، ولكنها على المدى البعيد ستكون بحاجة إلى أكثر من دليل ميداني لإثبات صحتها وصوابها.


ليست هناك تعليقات:

تنويه من المحرر

تنويه من المحرر
وجهات نظر موقع شخصي تماماً لا يمثل أي جهة أو حزب أو منظمة، ولا ينتمي إلا للعراق وأمته العربية والإسلامية، وهو محمي بالقانون وبميثاق الشرف الصحفي ولايسمح بإعادة النشر إلا بشرط ذكر المصدر.. الكتاب يتحملون مسؤولية مقالاتهم، والناشر غير مسؤول عنها..