وجهات نظر
علي الكاش
الرموز الوطنية ظاهرة عالمية تزخر بها كل المجتمعات
متفاخرة بالنخبة الطليعية الرائدة في مسيرتها التقدمية، ومسلِّطة الأضواء على
نشاطاتها المختلفة، وداعمة لها مالياً ومعنوياً وإعلامياً.
وفي الدول الإسلامية تحظى الرموز الدينية والسياسية
بأهمية اكثر من الرموز الفكرية والقومية والعلمية بسبب قوة الوازع الديني بجانبه
الإيجابي، وأيضاً بسبب التخلف الثقافي والمعرفي الذي يجعل البسطاء والجهلة ينقادون
كالغنم وراء المراجع الدينية بجانبه السلبي. علاوة على تفشي الأمية والجهل والفقر
والجوع والبطالة من جهة أخرى.
أما الرموز السياسية فإن اهميتها تتباين حسب وضع البلد
فيما إذا كان محررا بسيادة كاملة، أو مستعمرا أو بسيادة ناقصة.
الرموز
الوطنية صناعة وطنية حرة، تنتجها الشعوب والجماهير، وليست صنيعة القوى الإستعمارية
أو السلطة الحاكمة أو الإعلام المؤجر الذي يطبل لمن يدفع أكثر.
هذه
الجهات يمكن أن تصنع حاكما ما، لكن من المستحيل أن تصنع رمزا وطنيا. في الحقيقة لا
هي قادرة على صنعه وفرضه على الشعوب، ولا الشعوب تتقبله كرمز وطني، فطعمه مرٌ
كالعلقم وسرعان ما تبصقه وتدوسه بأقدامها. والرموز
الوطنية لا تظهر عفوياً وإنما بفعل الحتمية التأريخية المكانية والزمانية التي
تتطلب ظهورها. لتمسك بدفة الوطن، وتنوجهه نحو مرفأ الأمان. إنها الظهير القوي
للشعب، واللسان الحر المعبر عن تطلعاته وآماله. صحيح الظرف هو الذي يصنع الرمز بادئ
ذي بداية بدء، لكن لا يلبث الرمز أن يصنع الظرف الذي يتوافق مع الوضع الجديد.
بعد الإحتلال الامريكي الغاشم للعراق لم يفرز العراق إلا
عدداً قليلاً من النماذج الوطنية، وهذه حالة نادرة في التأريخ المعاصر، فعلى صعيد
المقاومة الوطنية وبالرغم من قوة وفاعلية عملياتها الجهادية ضد الإحتلالين
الامريكي والإيراني، لم يبرز الرمز الوطني الأول الذي له الصدارة في المقاومة
الوطنية وتلتف حوله جميع فصائل المقاومة! لكن هذا لا ينفي وجود عدة رموز وطنية على
الساحة الجهادية لهم وزنهم وفاعليتهم الميدانية. كما أن هناك من يعمل بقوة خلف
الستار بسبب بطش قطعان المالكي والميليشيات المدعومة من إيران بعوائل المجاهدين
سيما النساء بجريرة أقاربهم المجاهدين الأبطال.
ولو نظرنا إلى معظم حركات التحرر في العالم فهي لا تخلو
من رمز وطني بمواصفات قيادية واضحة الصورة والمعالم. ربما في المستقبل القريب تظهر
الصور الحقيقية للزعماء المجاهدين، أكثر فأكثر..
من المؤسف حقا إن بعض حركات التحرر والمقاومة الوطنية تبالغ
أحيانا في حضورها على الساحة الجهادية، وهي بذلك تغبن الحركات الفاعلة في الميدان
وتبخسها حقها الجهادي، فقبل المجزرة الإرهابية لحكومة المالكي في الحويجة، عصفت وأرعدت
وبرقت بعض فصائل المقاومة ولكنها لم تمطر، بعد أن قامت قطعان المالكي بمجزرة إرهابية
ضد المتظاهرين الأبرياء فقتلت وجرحت المئات من العزل الأبرياء. وقبل تهديد المالكي
الأخير لأهل الأنبار ببحر من الدماء بين قوات يزيد وقوات الحسين، هددت بعض فصائل
المقاومة الوطنية المالكي من مغبة إستخدام العنف في فض التظاهرات السلمية في
الأنبار. ولكن المالكي كان "أحمق من دغة"
كما يقول المثل، فحقق وعده وغرق هو وقطعانه المسلحة في بحر الدماء، وهو يدفع الآن
ثمن مغامرته الطائشة التي دفعه إليها نظام الملالي الحاكم في إيران.
عندما إندلعت ثورة الأنبار إنكشفت عورة بعض فصائل
المقاومة التي تركت أهل الأنبار يقاتلون وحدهم دون أن تستثمر هذه الثورة الفتية
وتعزز من عملياتها الجهادية في كل أرجاء العراق فتعصف بحكومة الإحتلال أو تقلل من شدة
ضغط قطعان المالكي المسلحة على الثوار سيما في الأنبار والموصل وديالى! إنه موقف
يُصعب تفسيره، ويدعو الى الكثير من الريبٌ، أو على أقل تقدير، يثير الكثير من
التساؤلات المشروعة أمام الرأي العام الوطني.
على العكس من ذلك نجد ان موقف الميليشيات المرتبطة
بولاية الفقيه كان واضحا وصريحا بالوقوف مع المالكي ضد الثوار، وهذا أمر طبيعي لأن
مصيرها مرتبط بمصيره، ولأنها تستلم الأوامر من نفس الجهة التي يأخذ منها المالكي
أوامره. فواثق البطاط زعيم جيش المختار وهو من أقزام خامنئي أعلن بصراحة تامة أمام
وسائل الإعلام بأنه سيقاتل أهل الأنبار وحقق المجرم وعده. وميليشيا عصائب أهل الحق
أعلنت مؤخرا بأنها تحارب مع قوات المالكي ضد أهل الأنبار، فقد أدلى أحد زعمائها (أبو
سجاد) بتصريح لصحيفة الواشنطن بوست بتأريخ 9 شباط الماضي "إن الجيش العراقي ليس ماهرا في قتال الشوارع، لذلك نحن نذهب معه لمساعدته على تطهير الأنبار". واضاف
قائلا ان عناصر الميليشيا "يرتدون في العادة الزي العسكري في العمليات التي تتم خارج العاصمة بغداد بما في ذلك الأنبار". وهذا التصريح يكشف كذب المتحدث الرسمي
بإسم الحكومة العراقية علي الموسوي الذي إدعى بأنه "لا
وجود لعصائب اهل الحق داخل الأجهزة
الأمنية أو قوات الجيش، إن الحديث عن صلات بين الميليشيات
الشيعية والقوات الأمنية هي مجرد افتراءات". بلا شك
إن تصرح الإرهابي (أبو سجاد) يستلزم أن يأخذ ثوار الأنبار بنظر الإعتبار طريقة
التعامل مع المرتزقة في جيش المالكي والتحري عنهم بدقة، قبل إطلاق سراح الأسرى
منهم.
الرموز
الدينية الشيعية ذات الطابع الوطني مع الأسف لا وجود لها على أرض الواقع ولن يكون
في المستقبل القريب على أقل تقدير، كما قال ابراهيم اليازجي:
الشر كل الشر ما ... بين العمائم والقلانس
فمرجعية
النجف، إنما مرجعيتها العليا هي البيت الأبيض وبريطانيا وإيران، والسيستاني كما
عبر مواطنه آية الله جنتي "صناعة بريطانية بحتة"
وهو أعرف بأهل داره منا. فأمر المرجعية حسم منذ اليوم الأول للغزو بالوقوف مع قوات
الإحتلال بقوة، حتى المالكي إبن المرجعية العقوق إنتقدها بإسلوب جارح عندما صرح مؤخرا "ان العراقيين بحاجة لمرجعية حقيقة تعبر عن همهم
الوطني. وأن تدخل بعض المرجعيات الدينية من غير العراقيين رغم احترامنا، لها امر
غير مقبول".
والصدر
مثل مركب تائه في البحر تتلاعب به الأمواج يمينا ويسارا ولا يعرف الإستقرار. ينطيق عليه قول
الرصافي:
ما الحمق إلا هو الإتكال على شرف جاء من والد
وبقية
المراجع كالخالصي والصرخي لا صوت لهم قبل وبعد إندلاع ثورة الأنبار، فهم يعملون
وفق القاعدة "إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب". لذا قد يكونوا
رموزا للطائفة أو لأتباعهم المحدودين حصريا، لكنهم بالتأكيد ليسوا رموزا وطنية،
لأنهم لا يعبرون عن هموم الشعب والمواطن، بل ولا عن هموم الطائفة أيضا.
و(المرجعية)
السنية الرسمية المتمثلة بالوقف السني لا تقل عمالة عن مرجعية النجف فكلاهما
يسبحان في نفس المستنقع الآسن. لكن المرجعية السنية الشعبية أبرزت عدة وجوه وطنية
تستحق أن يتفاخر بها أهل السنة، أبرزهم الأستاذ الدكتور عبدالملك السعدي، والشيخ
رافع الرفاعي، والشيخ عبدالحكيم السعدي والشيخ حارث الضاري وغيرهم. صحيح انهم حاليا
لا تظللهم خيمة واحدة، لكن وهذا برأينا هو المهم، إنهم لا ينظرون لبعضهم البعض،
وإنما ينظرون جميعا في إتجاه وطني واحد.
وهناك
العديد من الشيوخ المجاهدين الأبطال الذين يصارعون قوى الشر سرا أو علنا، علاوة
على الشيوخ الشهداء الذين استهدفتهم ميليشيات المالكي وفجرت مساجدهم.
ولكن
مع الأسف الشديد لم يبرز عالم أو شيخ شيعي واحد يتصف بالوطنية على الساحة لحد الآن
ويكون ولاؤه محسوماً للعراق وليس لنظام الملالي في إيران. وهناك من يحتج علينا عندما
نقول بأن ولاء معظم الشيعة للمذهب وليس للوطن! بالطبع الولاء للمذهب إنما يعني بالنتيجة
الولاء لإيران وليس العراق.
على
المستوى القبلي والعشائري، من المعروف ان التعصب العشائري واحد من سمات الدول
المتخلفة لأن الإنتماء الوطني يفترض أن يسمو على التعصب المذهبي والإقليمي
والعشائري، والحقيقة إن قوة النفوذ العشائري مرجعها ضعف النظام الحاكم الذي فشل في
ترويض العشائر وإخضاعها لسلطان الدولة. لذلك تتولى العشائر حاليا مسؤوليات سياسية
وقضائية وإقتصادية وأمنية وعسكرية ولها تمثيل في الحكومة بدرجة وزير وهذه حالة
نادرة. وفي الوقت الذي برزت فيه العديد من العشائر وهي تقارع قوات الإحتلال
الامريكي سابقا، والإيراني لاحقا، فإن بعض العشائر العراقية لها مواقف تدعو الى
الخزي والعار وسوف لا نشير إلى أسمائها لأنها معروفة للجميع!
إن
ثورة الأنبار بلا شك هي الحد الفاصل بين العشائر الوطنية والعشائر العميلة،
العشائر الشريفة والعشائر التي باعت شرفها للمالكي ونظام الملالي، بين العشائر
المقاتلة والعشائر المتخاذلة، بصرف النظر عن إنتماءاتها المذهبية. هناك قبائل
وعشائر لم يُسمع لها حيص ولا بيص في ثورة الأنبار، وهي محسوبة مع الأسف الشديد على
أهل السنة، وهناك قبائل وعشائر لها تأريخ سابق حافل بالبطولات في ثورات العراق،
والآن لها تأريخ حافل في الجبن والسفالة والخسة. إنها محنة حقيقية عندما يتناقض
السلف جوهرياً مع الخلف.
لو
إستعرَضت أبرز القبائل والعشائر العراقية ودورها في ثورة الأنبار ستُدهش من هول المفاجأة!
لقد طرحت العديد من العشائر الأصيلة أوراقها على الطاولة وأعلنت تأييدها لثوار
الأنبار وحقوقهم المشروعة بلا خوف ولا تردد، مع إن الموقف العسكري لم يحسم بعد!
مما يجعلها تحت مطرقة الحكومة لاحقا وقانون الإرهاب المعد سلفا لأهل السنة. لكن اللحظة
حاسمة، والموقف لا يقبل التريث والتردد والخوف. الوطن يغلي على صفيح ساخن، أما مع
الثوار أو مع المالكي. والسكون يعني الوقوف مع المالكي ولا يفسر بالتضامن مع
الثوار بأي حال من الأحوال.
طالما
لا توجد منطقة وسطى بين الجنة والنار. كذلك لا توجد منطقة وسطى بين الشرف والعار، ولا
بين الحق والباطل، ولا بين الخير والشر. لذا تشجعوا يا شيوخ التردد والتخاذل وأعلنوا
مواقفكم بصراحة من ثورة الأنبار! لقد حمَّلتم أبناء عشائركم العار بصمتكم المريب! إعلنوها
فقط، ولكل حادث حديث، والتأريخ هو الحاكم.
لقد
أفرزت الأحوال سوء الحال فيما يتعلق بعشائر الجنوب والفرات والوسط، وبإستثناء هيئة
عشائر العراق ومواقف بعض الوطنيين الشرفاء أبرزهم البطل الصنديد المجاهد عدي
الزيدي ومحاولاته المستميتة للِمٌ الشمل والتحرك على العشائر العربية الأصيلة، ذات
الولاء للعراق فقط، بخلاف ذلك فإن موقف بقية العشائر موقف مخزٍ يدعو للتقزز. سيما
وان تلك العشائر فتحت باب التطوع لأبنائها لمقاتلة أخوانهم من أهل الأنبار، وأخرى خرجت
بتظاهرات معيبة تؤيد حرب "مختار العصر" ضد أهل الأنبار. وتلك التي ساهمت
في تهجير أهل السنة عن الديار كعشيرة السعدون التي أسست محافظة الناصرية، ولا يزال
إسم المحافظة مشتق من الجد الأعلى ناصر السعدون، فقد هجَّرت عشائر الميليشيات
أعدادا كبيرة منها إلى خارج المحافظة بكل خسة ونذالة ولأسباب طائفية بحتة. أما عشائر
الأنبار من زمرة المالكي، التي حملت السلاح لتقاتل أبناء جلدتها من أهل الأنبار
نيابة عن نظام الملالي، فإن علاقتها بالأنبار قد إنتهت، منذ اللحظة التي قررت فيها
الإنسلاخ عن جلدتها والإلتحام مع جلدة العشائر الموالية لخامنئي.
لقد
دفعت تلك العشائر الذليلة بعضا من ثمن تهورها عبر طوابير القتلى التي تتوالى عليها
يوميا، بالإضافة إلى الفطائس الأخرى المجمدة في المطار والتي يرفض المالكي تسليمها
لذويها إلا بعد الإنتخابات القادمة. وهذا الثمن ليس نهائيا!
من
الجدير بالإشارة أن حكومة المالكي تحسب القتلى في ثلاجات المطار كمفقودين في واحدة
من اكاذيب لا نهاية لها! في حين سمح أهل الأنبار الغيارى لحكومة العار بسحب جثث
قطعان المالكي المسلحة بأمان ودون التعرض لهم. لذا لا يوجد ما يسمى ب(600) من
المفقودين حسب زعم اللجنة الأمنية في البرلمان، إنهم قتلى وجثثهم موجودة في المطار،
لكن حكومة دولة القانون وحزبها الإسلامي لا يحترمون حتى موتاهم؟
نعم
هذا الثمن ليس نهائيا، هناك فوائد أخرى سيدفعها شيوخ "مختار العصر"
لاحقا حتف أنفهم! والتأريخ شاهد، فأولاد الشهداء لهم ألسنة وأيادي وعقول وإرادات
وذكريات لا تُنسى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق