وجهات نظر
نزار السامرائي
من غير عودة إلى تاريخ غادَرَ أحداثَه
كلُ من عاشوه، ربما يكون المناسب أن نذكر أن الرئيس الأمريكي الديمقراطي جون كيندي،
والذي لم يعمِّر حتى لولاية واحدة في منصبه، كان كثير من خبراء السياسة الأمريكية
ينظرون إليه على أنه واحد من بين أقوى الرؤساء في تاريخ الولايات المتحدة، سواءً
في سياساته الداخلية أو في سياساته الخارجية، حينما كانت الحرب الباردة في أكثر
أفرانها سخونة. ويستحضر أولئك الخبراء حادثة نصب الصواريخ السوفيتية في كوبا والتي
أدَّت إلى فرض حصار بحري أمريكي مطبق على الجزيرة القريبة من سواحل ولاية فلوريدا،
وأصدر الرئيس كيندي أوامره لقطع الأسطول الأمريكي الذي احتشد في السواحل الشرقية
للولايات المتحدة وأحكم الحصار على كوبا، بإغراق أية قطعة بحرية سوفيتية تحاول كسر
الحصار، ووقف العالم على قدميه ووضع يده على قلبه إشفاقا من بداية حرب لن تبقي ولن
تذر، وأمام قوة كيندي تراجع خروشوف وقرر تفكيك الصواريخ ونقلها بعيدا عن الأراضي
الأمريكية.
لكن وبعد دار الزمن دورات عدة وتقلب
المكتب البيضاوي بين رؤساء جمهوريين وديمقراطيين رسى مركب الرئاسة على باراك حسين
أوباما ودخل البيت الأبيض وهو الحدث الذي أجبر خبراء السياسة الأمريكية على إعادة
النظر بحكمهم على كارتر، إذ وجدوه صقرا إذا ما تمت مقارنته بأوباما الذي يعد أضعف
رئيس عرفته الولايات المتحدة منذ استقلالها عن بريطانيا، بل يعامله السياسيون
الحالمون بقوة أمريكا باعتباره يمامة بلا حول ولا قوة، صحيح أن كارتر يحاول أن
يعطي ضعفه صفة التعقل والحكمة، إلا أن الواقع شيء آخر، إلا أن لأوباما قصة أخرى
وربما يعود ضعفه إلى سببين أحدهما أكبر من الآخر في عوامل ضعف الإنسان في أمريكا،
الأول أن أوباما ينحدر من أب مسلم في وقت يعتبر فيه المسلمون متهمين حتى تثبت
براءتهم في المجتمعات الغربية وخاصة الولايات المتحدة بعد أن أصبح الإسلام رديفا
للإرهاب، والثاني أن عامل الزنوجة في بلد لم يتحرر من سياسة التمييز العنصري إلا
قبل عقود قليلة، يفرض على الزنجي في العالم الجديد حالة من الانكفاء والتردد حتى
في قرارات البيع والشراء والصداقة، انسحب هذان العاملان الأصيلان في شخصية أوباما
على تردده في القرارات السياسية في عالم لا يحتمل التردد والضعف، وإلا فأن الآخرين
سيملؤون الفراغ من دون تأخير وتضيع بسبب ضعف القادة أعظم الفرص على بلدانهم، هذا
ما لاحظناه في الملف السوري بشكل خاص إذ حينما كان العالم يحسب نتائج الضربة
الأمريكية الوشيكة لقوات نظام الرئيس بشار الأسد، يطل الرئيس وتتلعثم الكلمات بين
شفتيه ويخذل من ظن أن الحل قادم من واشنطن.
ويبدو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين
القادم من مكاتب الـKGBلن يجد أفضل من هذا الوقت ليعيد لروسيا
مجد الاتحاد السوفيتي ولكن من دون أيدولوجيات، وليحقق القفزة النوعية التاريخية في
أكثر من منطقة يعتبرها جزء من المجال الحيوي لبلاده، وخاصة على حدود روسيا حيث
يدور صراع بين الشرق والغرب أعاد إلى الأذهان ذكريات الحرب الباردة في مراحلها
الساخنة، بوتين لا يريد التخلي عن أي جزء منها لصديقه اللدود الولايات المتحدة على
الرغم من جزالة ما يطرح في سوق الشعر من قصائد غزل متبادلة بين الطرفين منذ انهيار
جدار برلين وسقوط النظام الشيوعي في الاتحاد السوفيتي القديم وفي أوربا الشرقية
وتفكك الاتحاد السوفيتي نفسه إلى جمهوريات متنازعة على الثروة والحدود وعلى
الأقليات الروسية التي تم إسكانها في أراضي الاتحاد السوفيتي المترامية الأطراف،
وما تركه ذلك من صراع للثقافات وصدام للحضارات التي حاول النظام الشيوعي دمجها
بقوة السلاح، فأصبح الحديث عن الدين أو عن القومية في البلاد يشبه الحديث عن الكفر
في المجتمعات المتدينة، لكن هذه الثقافة المفروضة بالقوة لم تمنع زعيم الاتحاد
السوفيتي وباني قوته الحقيقية، جوزيف ستالين الجورجيالأصل من مخاطبة الشعب الروسي
أثناء الحرب العالمية الثانية وعندما كانت ستالينغراد على وشك السقوط بيد النازيين
"يا شعب بوشكين العظيم" مستنهضا فيهم روح المقاومة والتصدي والقتال، وعندما
كان ستالين على فراش الموت الذي أودى بحياته، لم يجد بأسا في طلب قسيس ليتلو عليه
قداس الوداع الأخير.
فهل هذا هو وقت بوتين المناسب تماما
لبدء مسيرة بناء روسيا على أراضي الاتحاد السوفيتي القديم؟ لاسيما وأنه ما زال
محملا بتراث مخابرات النظام الشيوعي؟ وهل يظن بوتين أن الوقت قد حان لقطع يد الغرب
في أوكرانيا بعد أن أخضع الرئيس الأمريكي أوباما لسلسة اختبارات خرج منها الأخير
في أسوأ ما يظهر فيه رئيس في العالم؟
إن من يعرف التربية والإعداد الذي يمر
به رجال المخابرات العالمية الناجحة لا يحتاج إلى جهد كبير ليكتشف أن بوتين مدرب
على تلقي أعنف الصدمات وامتصاصها والوصول بالأزمة إلى حافة الهاوية من دون أن يرف
له جفن، ويمكن الاستدلال على ذلك سواء من المعارك التي خاضتها روسيا في عهده أو
خاضتها المخابرات الروسية مع المخابرات المركزية وكان النصر بينهما قسمة عادلة، مع
فرق أساسي أن بوتين اليوم غير محمل بأعباء الدول التي كانت عالة على الاقتصاد
السوفيتي، كما أنه تحرر من عقدة الحرب على القومية والدين مع أنه مسلح بكل تراث
الفكر الشيوعي السابق، ولهذا لم نفاجئ عندما استشاطت روسيا غضبا لما أسمته بانتهاك
حقوق الأرثدوكس في الوطن العربي، ولهذا استمر تدخل موسكو في المنطقة وانتقل من
حالة الدفاع عن الأحزاب الشيوعية إلى الدفاع عن الأقليات المسيحية.
روسيا التي تخلت عن كثير من مناطق
نفوذها بعد انهيار منظومة الدول الشيوعية، تحاول استرداد ما فقدنه، فأظهرت تشددا
في الملفين السوري وأكثر من ذلك الملف الأوكراني، وكأن لسان حالها يقول إن أمريكا
لم تسمح لأحد بمنافستها في العالم الجديد حسب مبدأ مونرو، فعلى أمريكا خصوصا
والغرب عموما أن يتعرف على مبدأ أوربي جديد هو مبدأ بوتين الذي لن يحتاج إلى وقت
طويل لإعلانه والذي سوف لن يسمح لأحد أن يتمدد داخل أراضي الاتحاد السوفيتي القديم
وهذه مرحلة أولى وستلحقها مرحلة أخرى وهي عدم السماح للغرب بعلاقات مع دول حلف
وارشو القديم من دون أخذ إذن من موسكو بوتين.
لا أظن أن بوتين سيجد فرصة أفضل من وجود
أوباما في البيت الأبيض ليصبح بطلا عالميا، بعد أن يضرب ضربته في أوكرانيا، مستغلا
الوضع الخاص لشبه جزيرة القرم وعدم تعاطي أوباما مع الملف بما يستحق لحماية مصالح
أمريكا في العالم.
هناك تعليق واحد:
لدي التعقيبات التالية
-ازمة كوبا بمترتباتها اكسبت السوفيت ازالة الصواريخ الاميركية من شرق تركيا والتي كانت التهديد الاميركي الاسرع نفاذا في حالة المواجهة.لكن الماكنة الاعلامية الغربية اظهرت نتائج المنازلة كانتصار كامل لاميركا.بعض المؤرخين يعتقدون ان ما انتهت اليه الازمة هي ما خطط له السوفييت.
-القرم اهديت الى اوكرانياسنة 1954 وللعلم خروتشيف اوكراني الاصل.
-فيما يخص صلب الموضوع صحيح ان اوباماليس صقري وهو اقرب للحمائم ولكن لو نتفحص القرارات الاميركية نرى ان اغلبها مؤسساتي وليس شخص
واتي بمثال
في الايام الاخيرة لحسني مبارك البيت الابيض غير رأيه في 24 ساعة
المتحدث الرسمي للبيت الابيض صرح اثناء الازمة بان على حسني ان يغادر الان وقالهاnow means now
بينما ظهر نفس الشخص بعد 24 ساعة ليقول ان اميركا تود ان تكون هناك انتقالة سلميةمتدرجة قبل مغادرة حسني؟؟!!
الراي الاول كان راي اوباما والثاني لدهاقنة السياسة الاميركية
اميركا منهكة اقتصادياولم تستطيع تسويق الحروب مثل قبل ولكن جعجعة كيري صوت بلا صدى
إرسال تعليق