وجهات نظر
مثنى عبدالله
عندما تعتبر السلطة استخدام
القوة ضد المواطنين الأبرياء عدالة، فإن عدالة هؤلاء المضطهدين ستكون كرها وحقدا،
وكلما طال امد الاستخدام الارعن للقوة ضدهم فقد يجنحون الى استخدام العنف ضد كل
رموز السلطة المادية والمعنوية، ويعتبرونه عدالتهم، او قد يتغاضون عن قوى واطراف
كي تفعل ذلك بعد شعورهم بالاغتراب في المحيط الذي يعيشون في، اي كلما ازداد الظلم
والقسوة وميل السلطان نحو فرض النظام بالقوة المادية على حساب العدالة، كان رد
الفعل من طرف المضطهدين والمحرومين اكثر عنفا.
لقد كانت الحرب التي شنتها السلطة على محافظة الانبار، التي مازالت مستعرة فيها، تجسيدا حيا لهذه العلاقة، فامام عملية التجميل المستمر لوجه السلطة الطائفية بجهود دولية واقليمية وداخلية، والادعاء بانها سلطة ديمقراطية منتخبة، وانه بات بامكان المواطن ان يخرج لنيل حقوق ورفع مظالم، فقد خرج اهالي الانبار بمطالب واضحة وبأسلوب سلمي يتلاءم مع الصفات الديمقراطية التي تدعيها السلطة، واستمر وجودهم في ساحات الاعتصام مدة عام كامل من دون تحقيق شيء يذكر، بل تم تخوينهم وتهديدهم وقتل بعض قياداتهم واعتقال اخرين منهم، وكان سبب ذلك هو ان العراق لم يعد في المفهوم السياسي دولة، وليس فيه جهة تعود لها السلطة، فالسلطة لا تعود للشعب ولا للسياسيين، بل تتركز في ايدي امراء الفساد والطائفيين وزعماء المليشيات، وبالتالي باتت السلطة ادارة لتنسيق الشؤون التجارية والمالية لهؤلاء، واحدى اقوى آليات هذه الادارة هو استخدام الرعب والسرية للتحكم بوعي الناس وابقائهم في حالة خوف من مؤسسات فوقية لا يستطيعون التأثير فيها، كي يستمر الاحتفاظ بالسلطة المالية والاقتصادية التي هي درجة من درجات السلطة الاعلى وهي السلطة السياسية. لذلك كان عدم الاستجابة الى مطالب المواطنين المعتصمين تتلاءم تماما مع سياق العمل في المركز الطائفي السياسي المالي الذي يتحكم بمصير العراق، لان الاعتصام والتظاهر السلمي هما من وسائل استرداد الوعي الذي تمت مصادرته من قبل السلطة تحت مسميات مصلحة المذهب والطائفة والاثنية والحزب .
ان اعلان الحرب على الانبار كان هدفه الرئيسي ايجاد موطئ قدم سياسي لتركيز السلطة اكثر لصالح جهة واحدة، وما يتبع هذا التركيز من مصالح سياسية ومادية وتجارية، ولانها حرب خاطئة بوسائل خاطئة في زمن خاطئ فانها لن تنتهي كالزكام من تلقاء نفسها كما يعتقد المالكي. صحيح انه استثمر فيها كثيرا ماليا حتى بلغت كلفتها اليومية تصل الى خمسة ملايين دولار، وعسكريا باسلحة حديثة من نوع طائرات الهلـــــيكوبتر المعـــــروفة ‘بصائد الليل’ الروسية وصواريخ ‘هيلفاير’ الامريكية والطائرات بدون طيار، وسياسيا باعادة الوصل بينه وبين بعــض رموز الخيانة في الانبار من زعماء الصحوة وغيرهم، بالاضافة الى تعاون ودعم امريكي وروسي وصيني، لكن المردود المخزي من هذا الاستثمار كان واضحا في عدم قدرته على انهائها في ايام قليلة كما وعد، وفي معنويات قواته التي وصلت الى الحضيض بعد عجزها عن خوض حرب شوارع مع ثوار العشائر، وفي امتداد التصدي للقوات في محافظات نينوى وصلاح الدين وكركوك، كذلك في استثمار الوضع المتأزم من قبل قوى مسلحة اخرى للسيطرة على قضاء سليمان بيك في ديالى والمسيب في محافظة بابل، التي اعلن مجلسها المحلي عن سقوطها عسكريا بيد القاعدة، بسبب وقوعها تحت مرمى نيران قذائفهم الصاروخية، وهي نتائج حتمية انبثقت من شعور المالكي بان الخيار العسكري هو الحل، حتى بات يعتقد بان صفقات السلاح التي عرضها الوزيران الروسي والصيني في زيارتهما الاخيرة الى بغداد نصرا دبلوماسيا له في ساحات دول كبرى، متناسيا ان هذه الاسلحة تستبيح دماء شعبه وتدمر ممتلكاتهم الخاصة والممتلكات العامة للدولة، وليس لصد عدوان خارجي، وبذلك اصبح شعبنا تحت وطأة اقلية تحاول فرض ارادتها عليه وسلب حقوقه بالقوة العسكرية التي باتت في ذروة الاستخدام الجرمي لها، ولقد سلكت السلطة هذا المسلك لانها تفتقد لما يكفي من المورد الايديولوجي الذي يضفي عليها الشرعية ويجعلها مؤثرة في المجتمع .
ان وجود سياسة اطفاء الحرائق منذ البداية او العمل على الوقاية منها افضل من اطفائها بعد اندلاعها، لذلك تعمل السلطات الشرعية على تفادي النزاع مع الشعب من خلال منظومات عمل وطنية تعمل بشفافية تامة للوصول الى الجميع من دون تمييز او اقصاء، وليس العمل لاحقا بعد اندلاع الحرائق، لان النزاع سوف تتغير اهدافه وتترتب عليه استحقاقات يجب دفعها. لقد اوصلت السياسة الخاطئة التي ينتهجها المالكي الامور الى ما وصلت اليه، وجعلته يتعثر بالحجر نفسه مئات المرات، وبات كمن يطلق النار على قدميه من دون وعي بالنتائج المترتبة على ذلك. لقد نال باستحقاق كبير وصف صانع الازمات بعد ان حرص طوال ولايتين على دفع الامور الى الهاوية فتجاوزته الى ما لم يكن يتوقعه، على العكس من وظيفته التي تقتضي منه دفع الامور والاحداث عبر الاقناع والتفاوض والطمأنة. قد تقنع حجة مقاتلة الارهاب التي يدعيها في الانبار دولا اخرى كي تبيع سلاحا له ثم تصفق له كي يشتري اكثر، لكنها باتت تهمة مخزية امام النتائج التي تحققت على الارض، حيث تم تهجير ما يقرب من نصف مليون عراقي من اهل الانبار بسبب القصف العشوائي للجيش، ومئات الشهداء والجرحى والمعوقين والجوعى، والقضاء على اخر البنى التحتية الموجودة في المحافظة، بعد نسف الجسور وتدمير المستشفيات والدوائر الخدمية، بينما مازال الارهاب الذي يدعون النصر عليه يضرب حيثما يشاء في كل مدن العراق، ويسيطر على مدن كاملة وعلى الدوائر التي ترمز للسلطة. وعلى وقع كل ذلك مازال الوزير الاول في السلطة التنفيذية يعلن النصر في كل يوم، ظنا منه انه قادر على ذر الرماد في العيون كي يحصل على ولاية ثالثة، يواصل فيها ما عجز عن تخريبه في الدورتين السابقتين ..
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق