وجهات نظر
صلاح المختار
عندما ترمى ورقة تواليت تدرك اللفافة ان دورها
قادم
وفقا لما تقدم فان ايران اجبرت كما اجبرت امريكا على
تغيير المالكي بكل ما يترتب على هذا التغيير من نتائج متناقضة وخطيرة تدفع بالعراق
الى منعطف لا يقل خطورة عما كان فيه . ومن بين اهم مظاهر الخطورة ان ايران لن تقبل
بسهولة بالتنازل عن نفوذها الذي حققته في العراق حتى ولو كان بصيغة تقليم الاظافر
وليس قلعها ، وهو ما فعلت امريكا عندما
اكتفت الان بتقليم الاظافر وابقت لايران مساحة كبيرة من النفوذ في العراق .
ومن هذه الزاوية فان قطع المدد العراقي عنها سوف يوجه
ضربة شديدة التأثير على زخم توسعها كما انه سيحرمها من ذراع بشري استخدمته في
سوريا والان في العراق لمواجهة الشعب العربي في القطرين المقاتلين ، والاهم هو ان
خسارتها العراق تعني عزلها جغرافيا عن مواقع نفوذها في (الهلال الفارسي) وهي سوريا
ولبنان ، فمن دون العراق لن تستطيع ايران مواصلة توسعها الامبريالي . ايران تعرف
كل هذا وتعرف غيره الكثير من مخاطر افلات العراق من يديها لذلك فانها سوف تحشد كل
طاقاتها من اجل منع خروج العراق من يديها وباي ثمن ووسيلة وهذا ما يجب تذكره مع كل
خطوة نخطوها وان نتخلى عن وهم ان ايران
استسلمت .
اما امريكا فهي كانت ومازالت تريد ايران قوية كي تستطيع
الاستفادة من قوتها في نشر الفتن الطائفية في الاقطار المستهدفة امريكيا وصهيونيا
وهي الاقطار العربية ، ولهذا نشأ التعاون بين امريكا وايران وبدعم اسرائيلي منذ
وصل خميني للحكم . لكن قوة ايران يجب ان لا تكون على حساب مصالح امريكا وحلفاءها
بل يجب ان يكون مسرح قوتها العراق واقطار عربية وبما يخدم الاهداف الامريكية
والصهيونية ، اما عندما تخرج حدود قوتها
عن هذا الاطار فانها تصبح تهديدا يجب تحجيمه وهذا ما فعلته امريكا مؤخرا في العراق
.
وبما ان الحاجة للدور الايراني مازالت قائمة ، لان تقسيم
الاقطار العربية مازال يطبخ على نار هادئة وايران هي اللاعب الرئيس في نشر اهم
متطلبات التقسيم وهو نشر الفتن الطائفية ، فان ايران القوية مصلحة امريكية
واسرائيلية ، والمطلوب الان هو تحجيم نفوذ ايران وتقييده فقط وليس ازالته ، انه تقليم اظافر وليس قلعها .
هذه ملاحظة جوهرية لابد من لفت النظر اليها من اجل
الوصول الى فهم صحيح للعلاقات بين امريكا وايران ومنع الوقوع في مطبات امريكية
تصور الامر وكانه بداية حرب لاقتلاع النفوذ الايراني من العراق ، ومن ثم لابد من
التعاون مع امريكا من اجل هذا الهدف كما تروج عناصر معينة اخذت تركض مع امريكا . حالة العراق هي صراع متعدد الاطراف ومختلف النوعيات واول صراع هو التنافس
الامريكي الايراني فايران تريد اعادة نفوذها الى سابق عهده بجعل العبادي – او من
قد يحل محله من اتباعها - رجلها القوي المدعوم منها ومن ميليشياتها ، وامريكا
تريده اداة بيدها هو وبقية من سيتولون مسؤوليات خصوصا الامنية والعسكرية لتنفيذ
خطوات بعضها يدخل في اطار تقليم اظافر ايران وتعزيز دور رجالات امريكا في الحكم .
وهناك صراع عناصر تريد استقلال العراق الى جانب كم كبير
من الباحثين عن دور او مال او جاه بغض النظر عن كيفية الوصول اليه كما حصل منذ
الغزو . ويجب ان نتذكر بان هذه الحالة تولد حتما عدم استقرار وصراعات خفية ونزعات
تأمر بين مختلف الاطراف ، فما دامت ايران التي كانت تضبط حركة الفئات المختلفة قد تراجع
دورها المنفرد فان حركة الصراعات ستتخذ اشكالا اكثر تعقيدا واكثر خطورة . انها اذن
مرحلة انتقالية بين عهدين عهد تحكمت فيه ايران بمساعدة امريكية جوهرية وعهد يجب ان
يكون لامريكا فيه القول الفصل . وامريكا كما يجب ان لاتنسوا هي القوة التي فتحت
ابواب جهنم على العراق وشعبه وهي التي استندت الى دعم ايران في غزو العراق وهي
التي وضعت ونفذت بدعم ايراني جوهري خطة شرذمة العراق وتدمير العراق العربي القوي المتقدم الواحد المهاب.
لذا فان من يراهن على امريكا في تحقيق تغيير وطني ليس
واهما فقط وانما هو يخدع نفسه ويحمل (الكلاو) * ويضعه فوق راسه ! كما ان من يراهن
على بناء عراق مستقر ةمنسجم في ظل وجود امريكا يتجاهل او يجهل ان امريكا ليست
جمعية خيرية تتدخل من اجل الخير بل هي اكثر القوى الاستعمارية وحشية وانانية في
تاريخ البشر ، فاذا كانت تضحي برؤوساءها وقادتها وشبابها من اجل الدولار فكيف يمكن
لاي عاقل تصور انها تريد مساعدة العراق ؟
وما يجب تذكره ايضا هو ان امريكا تعود من الشباك الان
وعلنا بلباس الكاكي مع انها لم تخرج من الباب كليا بل خرجت بدلة الكاكي فقط وبقي
رجال الظل ، والقوى الوطنية وفصائل المقاومة والثوار لم يحققوا وحدتهم بعد ومازال
البعض اسرى شعار ( انا او الجحيم ) ، او شعار (امريكا وايران افضل من الجماعة الفلانية
) !
ولكن كل هذه الظواهر السلبية في كفة وما حصل في العراق
حتى الان في كفة اخرى اثقل واخطر فلقد تضافرت عدة عوامل خارجية وداخلية لتجر
الانتفاضة والثورة والثوار الى وضع شائك بعد تحرير نينوى يهدد بجعل التوزيع
الجغرافي للقوى الفاعلة اساسا لتقسيم العراق بدل تحريره ، وما تفعله امريكا الان
بدعم غربي كامل هو انها تحاول تحويل الثورة من عمل وطني تحرري عراقي شامل الى عمل
اقليمي محدود في هدفه وهو مطاليب طائفية وقضاء على الارهاب ، بينما
الاصل هو ان ازمة العراق سببها الاحتلال وما نفذه من خطط لتقسيمه وان الحل هو
تحرير كل العراق ، ومن ثم جعلت من شعاري (القضاء على الارهاب) او (انصاف السنة
) واجهة لاجهاض الثورة وسحب قسم كبير من
حاضنتها البشرية الى الحل الطائفي - الاقليم السني او الشيعي - المدمر وطمر طبيعتها التحررية والوطنية .
امريكا الان تعمل بانتقائية ذات بعد ستراتيجي واضح جدا ،
فهي تغض الطرف عن سيطرة فئات على بقع
معينة من العراق وتحدد حركة فئات اخرى لتضمن وجودها في بقعة تساعد على التقسيم
وتدعم الحكومة والصحوات وتغري بعض الثوار كي يقبلوا بحل اقل بكثير من تحرير العراق
وهو نظام الاقاليم ، ولتحقيق ذلك تستخدم القوة الجوية الامريكية والدرونات (
الطائرات المسيرة ) لضبط التوسع ومنع الخروج على حدود بقع التقسيم .
وما حصل في شمال العراق وما صاحبه من حملات اعلامية لنسب
كل الانحرافات للثوار والدعوة لانقاذ بعض العراقيين بتدخل دولي والتطرف في هذه
الحملات مؤشر اخر على ما سيجري لاحقا وهو اعداد العناصر التي تجعل تقسيم العراق
ممكنا وبدعم من عراقيين (معذبين) ! هنا نواجه حالة انموذجية من الصراع بين خط وطني
تحرري وبين خطوط رمادية انضمت للخط الوطني ولكن لاحتواءه لاحقا وفي لحظة نضوج
عوامل التقسيم الاخرى ، والخطوط الرمادية ليست سوى واجهات لامريكا او انها احتويت
من قبلها بتأثير عوامل متعددة !
ومن الضروري الانتباه للابعاد الاخرى للخطة المعادية فاختيار
العبادي رغم انه بالغ الضعف والتخلف والغباء ، كما وصفه مسؤوله الحزبي لسنوات طويلة
عزت الشهبندر ، هدفه تمرير الخطة
الامريكية وزيادة تبعية انصار ايران لها وتفكيكهم ، مستغلة الوصف الذي قدمه احدهم
وهو الشهبندر . فامريكا اغلقت الخيارات اما مرشحين وابقت الباب مفتوحا امام
العبادي ، فهذا الرجل الان مرعوب من شدة الصفعة التي اصابت وجه المالكي وهو
يتذكرها وسوف يتذكرها في كل خطوة منه وملابسه الداخلية مبللة ، وهذا هو المطلوب
امريكيا .
وبقية انصار ايران يواجهون الان سقوط وهم ان ايران حمتهم من امريكا وستحميهم
منها لكنهم فوجئوا بان قاسم سليماني لم يعد وحشا صلبا يصنع المعجزات بل كان اول
المنبطحين امام ضغوط امريكا ! وهكذا بدأت لعبة احتواء انصار ايران من قبل امريكا .
فالتابع لاي طرف ضعيف بدون حماية ذلك الطرف وعندما انكشفت ايران بطرد المالكي
وجدوا انهم ينتظرون دورهم في الطرد وربما اكثر من الطرد ، لذلك ولحماية النفس
والمصلحة لابد من تغيير مواقفهم وولاءهم .
اذن ثمة صراعات اخرى داخل الميليشيات الايرانية حول بقاء
او تغيير ولاءها وهي حالة ستزيد الاضطراب والتشتت والقلق بعد ان كشفت الاحداث
هشاشة تركيب اغلب انصار ايران .
ماالمطلوب الان من القوى
الوطنية لمواجهة الحالة الجديدة المعقدة ؟
ان ما جرى للعراق في اطاره العام كان مخططات امريكية صهيونية
نفذت ايران الجزء الاخطر منها وهو اشعال الفتن الطائفية ، خصوصا بعد الانسحاب
العسكري الامريكي ، ومن وضع خطة العمل هي المخابرات الامريكية بنجاح اوقع ايران في
فخ منصوب لها ، وكانت نتيجته سفك الدم العراقي بيد ايرانية واحداث الكوارث بيد
ايرانية وليس امريكية – بعد الانسحاب - وتحميل ايران كافة جرائم امريكا التي
ارتكبتها قبل الانسحاب .
اذن نحن بمواجهة
غزو امريكي من نوع اخر وهو السيطرة بالمخابرات . وهذه الحالة تنقسم الى شقين : شق
سلبي وهو ان امريكا تملك ادوات عمل عراقية محترفة ومدربة وليس مثل ادوات ايران نصف
الامية والمتخلفة غالبا ، والثاني ايجابي وهو ان العمل الوطني بكافة اشكالة
العسكرية والسياسية والمخابراتية يمكنه الان بترابطه العضوي تحقيق اهداف جوهرية
بشرط التمكن من فهم العدو جيدا بخططه غير المعلنة ، وبالاخص فهم طبيعة نقاط ضعفه
وبعضها قاتل ويجب استثماره خصوصا عدم وجود
القدرة على غزو عسكري للعراق والافتقار امريكي للموارد في ادامة حرب طويلة .
القدرة على المناورة : توفرت الان فبدلا من غلق حلقة الحكم على القرار
الايراني كما الحال حتى طرد المالكي اصبح القرار
الان امريكيا مخرما ويجب استخدام (الماء
المعقم ) بالمرور من الفتحات :
1-التغيير الاخير ربما يوفر فرصة
مهمة للتأثير السياسي المسخر لخدمة الهدف الاكبر المعروف . ان المناورة ب(الاخر ) ممكنة
الان وعلى نطاق فعال ، فبعد خلخلة النفوذ الايراني يمكن الان ممارسة ضغط قوي
لتحقيق اهداف مرحلية مهمة وازالة الكثير من العوائق امام التغيير الجذري لاحقا ،
مثل الغاء قانون اجتثاث البعث نهائيا والغاء كافة القوانين القمعية وتعزيز سلطة
القانون لضمان عدم القتل العشوائي للمناضلين ، وتأكيد مهنية القوات المسلحة
الجديدة والاجهزة الامنية وابعادها عن
الكتل السياسية ...الخ .
2-امريكا لا تستطيع خوض حرب برية
لزمن طويل ومهما كانت الاسباب وايران مستنزفة وتعجز عن تصعيد تدخلها ضد الثورة المسلحة وبمستوى
يجهضها ومهما فعلت ، وانصارها في حالة ضياع وتشتت ومن الصعب جدا اعادة لحمتهم بعد
ان اصبح الشك والعداء بينهم راسخا وتلك هي فرصة تاريخية لتحقيق التغيير بسرعة او ببطء حسب
الحالات وعدم استثمار هذه الفرصة الزمنية ، التي قد لا تتكرر ، سوف تكون له اثار
وخيمة على العراق .
3-المناورة ب(الاخر ) تتطلب مرحلّة
الاهداف اي تجزئتها الى اهداف مرحلية وكل
خطة مرحلية تنجز هدفا محددا خادما للهدف النهائي ، اي انه طابوقة في البناء
الستراتيجي العام .
4-التدرج في التغيير المدعوم بالسلاح هو ضمانة تحقيق
الهدف النهائي : اسقاط الدستور وانهاء العملية السياسية جذريا لان المحاصصة وهي قاعدة الدستور تبقي ازمة
العراق قائمة وتنسف اي اصلاح مرحلي .
5-مادام لامريكا وايران نفوذ في
العراق فلابد من بقاء الذراع المسلح فعالا حتى يتم التحرير الكامل للعراق من اي نفوذ
اجنبي بتوزيع الادوار المحسوب بدقة بين
البندقية والعمل المخابراتي .
6-ومادامت قوة امريكا الاساسية هي المخابرات فلابد
للثورة من تعزيز دور مخابراتها وتحشيد كافة الخبرات العراقية في هذه المعركة الاشد
اهمية من المعارك العسكرية والسياسية .
7-اي خطة مرحلية تفتقر لوحدة القوى الوطنية وفصائل
المقاومة والثوار تضعف الهدف النهائي – وان لم تمنعه - وهو انقاذ العراق من
الاحتلال ومن اثاره ونتائجه واعادة بناءه على اسس وطنية ديمقراطية حقيقية تضمن
تبادل السلطة وانهاء دور الدبابة في التغيير .
*كلاو : كلمة في اللهجة العراقية تعني الخديعة او المقلب
المعد لشخص ساذج او ذكي وايقاعه في فخ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق