وجهات نظر
نزار السامرائي
لم يعرف العالم
من أقاصي غرب الكرة الأرضية في الولايات المتحدة وكندا شمالا إلى البرازيل والأرجنتين
وتشيلي جنوبا، ثم إلى الشرق الأقصى حيث نيوزيلندا وأستراليا وإندونيسيا واليابان، ومرورا
ما بينهما، حاكما استمات وأهلك الحرث والنسل من أجل الاحتفاظ بمنصبه كما فعل نوري
المالكي طيلة السنوات الثماني العجاف التي حكم فيها بيدين يقطر من بين أصابعهما دم
الملايين من العراقيين، تهالك على البقاء في كرسيه حتى لو لم يملك السيطرة على
المنطقة الخضراء التي تنازعه السلطة فيها سفارة الولايات المتحدة الأمريكية.
فلماذا هذا
التشبث بالمنصب والاستماتة للاحتفاظ به وكأنه إرث انتقل إليه عن استحقاق عائلي؟ أو
عطية جاءت إليه بموجب نظرية التفويض الإلهي لا يملك حقا بالتخلي عنها، مع أنه يعرف
حقيقة ما يتمتع به من سلطات وصلاحيات تنازعه فيها دولة الفقيه عن طريق مسؤول ملف
العراق وسوريا وحزب الله اللبناني والحركات الإرهابية في الخارج والتي يطلقون
عليها اسم "حركات التحرر" الجنرال قاسم سليماني، ولم تكتف بدور سليماني
ولا بدور المندوب السامي "السفير الإيراني" بل ألحقتهما بدور الجنرال
علي شمخاني أمين عام مجلس الأمن الإيراني، وكل هؤلاء يتحركون كما تتحرك الدمى
المربوطة بخيط يمسك بنهاياته على خامنئي الولي الفقيه، فالمالكي أيضا ليس أكثر من
دمية تشعر بالهوان والذل والصغار أثناء الوقوف بخشوع في حضرة المرشد الإيراني
وبسبب هذه المهانة التي تظهر جلية خلال اللقاءات التي تتم بينهما، فإن المالكي
واستنادا إلى مبدأ التعويض عن النقص، يتعامل بعجرفة وتعال وقسوة واحتقار مع شركائه
وخصومه في العملية السياسية مستغلا كل ما تحت يده من أجهزة قمع ومليشيات طائفية تعمل
خلافا للشرائع والمبادئ الأخلاق والأعراف والقوانين، أو ما أصبح تحت تصرفه من مال
عام لا يخضع للرقابة سواء في تحديد كميات النفط المصدّر، أو في التعامل مع
المداخيل الخيالية التي يفترض أنها تكافئ حجم المصدّر من النفط والتي تزيد على 150
مليار دولار سنويا بموجب التسعيرة المعتمدة من البنك المركزي العراقي للبرميل
الواحد والتي تقل عادة عن السعر الحقيقي بكثير، فظن المالكي والحال هذه أنه امتلك
كل ما اختزنته تجارب القادة والزعماء التاريخيين عبر المسيرة الإنسانية، ولم
يستوعب أن للزعامة والقيادة شروطهما التي لا يمتلك منها شيئا بالمرة، فقد جاء من
منطقة العتمة والسراديب الرطبة والمليئة بالعفونة، وعمليات التزوير والمشاركة في
الجرائم الإرهابية ليوضع في منصب رئيس الوزراء، مما لم يدر بخلده ولو للحظة واحدة
أبدا، ولم يعرف إنها إنما جيء به استنادا إلى خطة الإتيان بشخص أبله بليد ليكون
جسرا مرحليا تعبر عليه العملية السياسية العرجاء، ولكنه عرض خدماته للطرفين
الممسكين بتلابيب المشهد العراقي، الولايات المتحدة وإيران ونجح في عقد زواج متعة ونفع
متبادل بين الشيطان الأكبر ودولة الولي الفقيه، فكان ذلك مصدرا لكل أسباب القوة
الفراغية التي امتلكها وظن أن حساباتها أبدية عند كل أطراف الدعم، وهنا تمكن أكبر
حماقات زعماء الغفلة الذين ينظرون إلى التاريخ على أنه ثبات على صفحة واحدة.
لقد ارتكب
المالكي خلال سنوات حكمه السوداء من الكبائر والجرائم ما لم يرتكبه أحد قبله، وقد
لا يجود الزمان لشعب من شعوب الأرض مستقبلا بقاتل غبي متعطش للدماء والسطو على
المال العام والخاص على حد سواء مثل المالكي الذي بيّض صفحات كل القتلة ومصاصي
الدماء ومغتصبي الثروات، بحكم ما ارتكب من آثام، ولهذا نجد التفسير الوحيد لهذا
اللهاث على البقاء في منصبه والعودة في ولاية ثانية على الرغم من أنه يقرأ في عيون
المحيطين به احتقارا وازدراء مصحوبين بنفاق وتملق لا يليق بمن كرمه الله أي بني
آدم، فالمالكي يشعر بأن كوابيس القادم من الأيام ستلاحقه في اليقظة والنوم وستحول
حياته إلى جحيم، بحكم ما سيفتح ضده من ملفات دم ومال واختلاق للأزمات والمشاكل
للعراق حتى أعاده إلى ما قبل القرون الوسطى، وخاصة في توظيفه لملفات الاختلافات
المذهبية والعرقية في العراق على نحو جعل منها سببا للقتل والتهجير على الاسم
والهوية، فوصل الاحتقان الطائفي والشحن العرقي في ثمان سنوات من حكمه إلى حد أن
بلغت خسائره حدا لا يصدق وكأن حكمه الأسود جثم على صدور العراقيين قرنا بكامله.
لهذا فإننا
نتوقع أن المالكي سيواصل تشبثه بمنصبه لأنه وفر له من الواجهة الفارغة ما ظنه
تعويضا عن سنوات الذل عندما كان مجرد عميل صغير يعمل لصالح المخابرات السورية،
وأنه إن وصل إلى نقطة اليقين بالرحيل على كراهة فإنه سيحرص على الحصول على ضمانات وحصانات
من الملاحقة القانونية داخليا ودوليا، وفي عراق العجائب لا نستبعد أن يحصل على مثل
هذه الضمانة، وقد يفكر بأنه سيبقى عرابا لأي رئيس وزراء جديد يسيره كيفما يشاء.
ولكن هل سيستطيع أن يحصل على مثل هذه الضمانات
الدولية وهناك آلاف من القضايا التي تنتظر من يحركها ضده كي ينال جزاءه العادل في
الدنيا، وربما إذا ضاقت عليه الأرض بما رحبت فإنه قد يفكر باختيار إيران كملاذ آمن
له، ولكنه وهو في أسوأ أيام ذله ولنزعته السوداوية في سبعينات وثمانينات القرن
الماضي لم يطق هيمنة وتسلط مرجعية قم ومؤسسات دولة الفقيه ففر إلى سوريا، فهل
يستطيع المالكي بعد تحكم بمصائر الملايين من العراقيين وبمئات المليارات من ثروتهم
المسلوبة لمدة ثمان سنوات أن يعيش تحت كنف مجموعة المعممين الذين لا يظنون أن لأحد
عليهم من فضل؟
المالكي سيأخذ
حجمه الحقيقي ولن يستطيع أن يجعل من الآخرين سلالم أو جسورا يتسلقها وصولا إلى أهدافه المخبوءة داخل نفس تنطوي على شر مستطير.
هناك تعليق واحد:
المعضلة الدستور الطائفي والوجوه الكالحة المتلونة من شلة ما يسمون بسياسيي السيستاني العجمي .
إرسال تعليق