وجهات نظر
يحيى العراقي
في مطلع ثمانينيات القرن الماضي ظهرت مسرحية فكاهية
مصرية (المتزوجون) نالت نصيباً كبيراً من الشهرة وأظن أن كثيراً منا يعرفها جيداً
ويحفظ عدداً من مقاطعها لتكرار عرضها على شاشات التلفزيون.
في أحد مقاطع المسرحية يظهر الممثل جورج سيدهم (حنفي) وهو
جالس مع الممثل نجاح الموجي (مزيكا) ويدور بينهما الحوار التالي:
(مزيكا): نعمين
(حنفي): إنته تفهم في السياسة يله؟
(مزيكا): أفهم في السياسة؟! ... أنا الشعب
(حنفي): طب تعالَ يا ود يا مزيكا ... طب إيه رأيك يا ود
يا مزيكا في سياسة الوفاق؟
(مزيكا): سياسة الوفاق؟ ... يعني ... يا بخت من وفق
راسين في الحلال
(حنفي): دي سياسة أمك دي
يصر البعض من الفاضلات والأفاضل من أساتذتنا الكرام ونخبنا
المثقفة على تناول السياسة العراقية الداخلية المعقدة والمتشابكة والمشتبكة بالسياسة
الإقليمية الدولية بأعمق صورة وعلى أعلى المستويات بطريقة تبسيطية تحاكي سذاجة (الواد
مزيكا) في مسرحية (المتزوجون)..
مثل هكذا نمط تفكير وتناول وطرح لقضايانا وأزماتنا وبعد عدة
عقود من التجارب الكارثية المؤلمة (تجارب العراق والأمة مع إيران وأحزابها الصفوية
العميلة) هو صدمة بلا شك، وهو مؤشر على الحالة المريعة للوعي لدى البعض وهم من
النخب.
هكذا تصورات وإنطباعات (ساذجة) عن الصراع لا شك (هي وإلى
جانب مشاكل أخرى نواجهها) تصيب المشروع الوطني والقومي للأمة في مقتل وتبقينا أسرى
لأوضاعنا المأساوية ولإنحدارنا ولتفوق وإنتصار الأعداء علينا وإنجازهم لمشاريعهم
التي تستهدف الوجود المادي والمعنوي للأمة.
إن لب هدف إيران الرئيسي من مواقفها الأخيرة وموافقتها على
تنحية المجرم المالكي من موقعه المتقدم في قيادة مشروعها الإمبراطوري البويهي
الصفوي في العراق (مع الحفاظ على دور هام له في الصفوف التالية) إنما يتلخص في
الحصول منا أو من بعضنا على هكذا إنطباعات وردود أفعال وتصريحات وأقوال تضعف حالة
العنفوان والعزم في المقاومة والتصدي لمشروعها الإجرامي الخبيث الذي عملت وأعدت له
لعقود إن لم يكن لقرون والذي عانى من الترنح مؤخراً.
قد يفهم صدور مثل هذا الأمر "لنجرب العبادي.. لنعطه
فرصة" من (سياسي) مشارك بــــ(العملية السياسية) وقد يفهم ذلك من الأمريكان
أو السعوديين أو المصريين أو الأتراك أو الروس أو الصينيين، بالرغم من أن هذا
الفهم للأسباب لا يعني بحال من الأحوال القبول بها كمبررات تسقط أو تخفف من أوزار
مشاركة هؤلاء المستمرة المتجددة للصفويين في إجرامهم بحق الأمة وبحق أهل العراق.
لكن من غير الممكن مطلقاً تفهم صدور مثل هذا الأمر (لنجرب العبادي .. لنعطه فرصة)
من عراقي وطني مخلص أو عروبي أصيل أو مسلم يحتفظ بشروط إسلامه.
أين نحن من الحكمة العربية القائلة: الذي يجرب المجرب
عقله مخرب؟ وأين نحن من الحكمة الأجنبية القائلة: العار عليك إن ضحكت علي مرة
والعار علي إن ضحكت علي مرتين؟ وقبل هذا كله أين نحن من إتباع الحديث الصحيح
للرسول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم "لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين"؟
أين نحن من قول الصحابي الجليل والخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه"
لست بالخب ولا الخب يخدعني؟
المسألة هنا ومع المثقفين واصحاب الرأي وحملة القلم على
وجه الخصوص تتخذ بعداً أخر يتجاوز إطار الرأي الفردي والخلل الفردي في الوعي،
لتتحول إلى جريمة ثقافية مجتمعية كبرى مع الترويج لهذه الأفكار والمفاهيم وأساليب التفكير
التي هي غاية في الخطورة، من خلال عبثها بوعي جماهير الأمة والتلاعب بمصيرها عبر
التسويق لهذا الأسلوب السطحي التسطيحي الساذج في التفكير وتناول الأحداث والمواقف منتزعة
من جذرها وسياقها الزماني والمكاني والتعامل معها بالنوايا الطيبة حد السذاجة.
ثم ما المعنى العملي لعبارة (إعطاء فرصة) لشخص كالعبادي لا
زال يقف بجوار المالكي محاطاً بكل الشرذمة البائسة من حزب الدعوة العميل وكتلة
دولة القانون الإجرامية سيئة الصيت المعروفة جماهيرياً بدولة الفافون؟!
ما هي التصرفات المطلوب إتخاذها من الجمهور الثائر وقواه
الطليعية كضريبة لهذه العبارة (إعطاء فرصة للعبادي)؟!
هل يعني هذا مثلاً تجميد حركة الثورة مؤقتاً على المستوى
الميداني وعلى مستوى الخطاب الثوري فيما تستمر الأطراف المعادية (الأميركية
والإيرانية والقوى المتحالفة والتابعة لها) بحشودها وجهادها الكفائي وقصفها وحركة
مليشياتها الإجرامية شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً؟
هل تعني هذه العبارة التي قد لا تتوافق عليها القوى
الثورية أجمع من التي تستهدف التغيير الجذري الكامل أن نقبل بالإنشقاق والإنفصال
عن الثائرين ونترك من بقي من رفاق السلاح بالأمس من دون سند ومن دون حاضنة وطعماً
لنيران العدو؟
أم أن العبارة لا تعني لا هذا ولا ذاك ولا أي سيناريو
سلبي متصور، بل الإستمرار في الصراع كما نحن الآن لكن مع فتح العيون والآذان وسائر
الحواس الأخرى لإلتقاط أي ضربة طبل يضربها العبادي ومن معه ومن ورائه لتتراقص على
أنغامها سيقاننا؟!
أبهذه الطريقة (عين في الجنة وعين في النار كما يقول
أهلنا ابناء مصر الحبيبة) تدار الحروب الناجحة ويؤمل من خلالها الإنتصار؟!
أين أساسيات ومبادئ الحرب في الحشد والتعبئة ورفع الروح
المعنوية ووضوح الهدف والثبات عليه؟!
رحم الله القائد الشهيد الخالد أبو الشهداء أبو عدي حين
ردد عبارته الخالدة وسؤاله الإستنكاري الشهير في معرض حديثه عن المواقف المتخاذلة
للحكام والساسة العرب ابان الإنتفاضة الفلسطينية والذي يصلح أن نستذكره الأن وفي
كل مناسبة على هذه الشاكلة (مو هيجي الحكي يابا!!)
مع الأسف لا بل مع شديد شديد الأسف أن تكون أفكار البعض
فينا وردود أفعالهم على مكائد العدو المفضوحة بهذه الطريقة الساذجة. أظن لا غرابة
بعد هذا أن تكون حالنا هذه التي نحن عليها من التفكك والتخبط والإنحدار!
إن هذه المواقف التي تتبنى التسطيح والسذاجة والسطحية إنما
تنطوي على أحد أمرين غاية الخطورة أو على كليهما معاً: الخور والجبن والضعف
والرغبة في الإبتعاد عن أي مواجهة حتى تلك التي تفرض علينا فرضاً، أو الرغبة في خدمة
مشاريع العدو والتكامل معه فيها إنطلاقاً من إنكار وإسقاط صفة العداء عن هذا العدو
(إيران وأتباعها) على الرغم من شدة عدوانيته.
لقد سعت الولايات المتحدة الأمريكية مؤخراً إلى ترتيب
الأوضاع السياسية في العراق والمنطقة لغاية رئيسية معلنة ألا وهي الإستعداد
لمواجهة خطر داعش الذي صارت تشعر أنه سيعيد لها شبح الإرهاب بقوة.
لقد عوَّلت الولايات المتحدة الأمريكية كثيراً ومنذ
العام 2001 على أقل تقدير على الدور الإيراني (إلى جانب دور قوى أخرى) في مواجهة
القوى السنية المتطرفة وقد إتضح ذلك جلياً من خلال عمليات التعاون في الإستحضار لغزو
أفغانستان والعراق حيث إعتمدت على تحالف الشمال في أفغانستان في العام 2001 وعلى
تحالف مشابه في العراق في العام 2003.
وظهر ذلك جلياً أيضاً من خلال إطلاق يدها في شؤون
المنطقة وكبح ردود أفعال الأصدقاء والأتباع على ذلك.
ظهر ذلك أيضاً من خلال (الصبر) الأمريكي المفرط ولحقبة
طويلة على غنج المتطرفين الإيرانيين وعلى تسلح إيران بالصواريخ وأسلحة الدمار الشامل
وفي المقدمة منها السلاح النووي.
وقد تعزز التعويل الأمريكي على إيران بعد فشل قوى
الإسلام السياسي السني المعتدلة في مصر وفي ليبيا في بناء تجربة مستقرة معتدلة
مطمئنة لدول المنطقة حيث مثَّلت إستجابة الرئيس محمد مرسي لضغوط البعض بالتدخل في
سوريا في ربيع عام 2013 وحادثة القنصلية الأميركية المأساوية في بنغازي في آب من
نفس السنة، مثَّلت نقاط تحول في زيادة تعويل الأميركان على إيران.
غير أن إنهاك إيران وفشلها في إدارة الأمور في سوريا
والعراق وبروز تهديد المتطرفين السنة من جديد في المنطقة وفي العالم في مقابل تقلص
الرغبة الأمريكية على التدخل لواسع المباشر والتورط بالتواجد على الأرض كنتيجة
للخسائر والتجربة القاسية في العراق كل هذا دفع الولايات المتحدة الأمريكية للضغط
على مختلف الأطراف داخل العراق وفي منطقة الشرق الأوسط من أجل بناء تحالفات جديدة
تستهدف بالأساس إستقطاب الجمهور السني الذين تشعر أن من دون النجاح في إجتذابهم
وإيقاف ثورتهم فإن أحداً لن يستطيع اليوم إيقاف هذا المد السني (المتطرف) ويكفي أن
نقرأ في هذا المجال التصريحات الأخيرة لرئيس الأركان الأمريكي في مؤتمره المشترك
الأخير مع وزير الدفاع.
ISIS will only
truly be defeated when it’s rejected by the 20 million disenfranchised Sunni
that happen to reside between Damascus and Baghdad.
السؤال الجاد هنا
هو:
هل سنشارك في الترويج لبيع ثورة أهلنا العظيمة التي
تستهدف إحداث تغيير تاريخي على مستوى المنطقة (العراق وسوريا ولبنان) وكسر ظهر
المشروع الصفوي من أجل أوهام غورباتشوف الصفوية الموهوم العبادي؟!
وإذا قررنا بيع الثورة (لا سامح الله) كما قد يفكر البعض
(حاشاكم أن تفعلوا مثلهم) فهل يكون ذلك من أجل غورباتشوف موهوم ومزيف؟!
ألا يقتضي الأمر من (العقلاء) وأصحاب (النوايا الطيبة) أن
يعقدوا صفقة بها حظ أفضل من هاي النوايا الساذجة الطايح حظها والتي لا تعدو أن
تكون أضغاث أحلام لا يقبض المرء منها إلا ريحاً فاسدة كفساد الساسة!
هذه الصفقة البائسة الفاسدة التي يراد تمريرها اليوم
بالقبول بالعبادي وتجربته على أساس أنه سيكون غورباتشوف العراق الصفوي هي صفقة تحقق
للجميع مصالحهم، الأميركان والإيرانيين والسعوديين والخليجيين والمصريين والأتراك إلا
نحن أهل العراق وأهل الشام لا شيء لنا فيها سوى الأوهام التي يراد منا من خلال
تسويقها أن نكون جنوداً نقاتل اهلنا وإخواننا الذين حملوا السلاح دفاعاً عنا. إنه
السير منتصبين مفتوحي الأعين في جنازتنا وإلى مقابرنا بأقدامنا بعد دفعنا للتوقيع على
شهادات موتنا بأيدينا وكل ذلك من أجل أن ينعم الأعداء من بعدنا بإمبراطورياتهم
المؤسسة على أشلائنا وبخيرات هذه الأرض آمنين مطمئنين.
ما شاء الله علينا.
لا أستغرب من البعض مثل هكذا نمط تفكير إذا كان أعضاء
مناضلين مرموقين في أحزاب جماهيرية ثورية عريقة تقبل فكرهم أن يتحولوا من حالة
النضال الثوري والأهداف الثورية الكبرى والعظمى إلى مجرد مروجين لنقابية مطلبية تدافع
عن مصالح أعضائها.
قبل ايام عديدة هالني أن استمع لشخصية مبدئية عزيزة
كشخصية أستاذنا الدكتور (طبيب إختصاص معروف) وهو يتحدث من على إحدى الشاشات ويطالب
العبادي ويطلب منه ويتوقع منه وكأنه يتكلم عن شيخ الليبراليين والإصلاحيين في
العراق وليس عن عميل عريق مخضرم في العمالة الصفوية والأمريكية.
رحم الله القائد الشهيد أبا عدي على ما إحتمل منا وتحمل..
هناك تعليق واحد:
رحم الله شيخ الثائرين والشهداء ابا عدي...
استاذي لقد تغيرت المعاجلات والمفاهيم واختلت المبادئ...فلا يغرنك هذا الحزب الثوري او ذاك المتستر بعباءة اﻹسلام...فجميعهم اصبحوا عبيد اذلاء ﻷمريكا ومن ينفذ اجنداتها بالمنطقة...إلا من رحم ربي.
إرسال تعليق