وجهات نظر
علي الكاش
قال
شاعرنا الرصافي:
يقولون نحن المصلحون ولم أجد لهم في مجال القول غير المفاسد
توالت الأخبار عن دعم بعض قادة وشيوخ أهل السنة للحكومة
القادمة، واعلن البعض منهم إستعداده للإنضواء تحت مظلة حيدر العبادي المثقوبة، قبل
ان يفصح هذا العميل الذي فقَّس في أحضان الولي الفقيه عن خططه ومشاريعه القادمة
للتعامل مع العديد من الملفات الصعبة وأهمها الثورة في المناطق السنية. ومسألة
إشباع نهم الأكراد في الإستحواذ على نصف مساحة العراق، علاوة على ملفات الارهاب
والفساد الذي طالت كل مؤسسات الدولة بما فيها القضاء والإعلام.
لنناقش مسألة وصف العبادي بأنه (شيعي معتدل)! هل يمكن
تصنيف أي عميل في حزب طائفي وإرهابي يكن الولاء الكامل لولاية الفقيه، أو عنصر حارب
الجيش العراقي بالسلاح أو الفكر أو المال خلال الحرب العراقية الإيرانية، أو أشرف
على القوى الأمنية التي داهمت المتظاهرين في ساحة التحرير وتم الإعتداء عليهم وقتل
وجرح البعض منهم؟ هل يجوز أن يوصف بأنه معتدل؟ هل معتدل الذي لم يُسمع عنه أي
تصريح بالضد من سياسة المالكي الرعناء في إستهداف أهل السنة أو حتى الشيعة من غير
الموالين للمالكي؟ كما حدث في صولة الفرسان ضد التيار الصدري في البصرة ومنطقة
الزركة واخيرا الهجوم الهمجي على أتباع السيد الصخري.
لنترك هذا كله جانبا ونأخذ موقفه من ثورة الأنبار فقط، ونتعرف
على مدى إعتداله تجاه مطالبهم التي وصفها المالكي نفسه بالمشروعة. يوجد فيلم يمكن
الرجوع إليه وقد نشر على موقع وجهات نظر يتحدث فيه (المعتدل) عن موقفا العادل جدا
ليس من المحاربين الأشداء من أبطال الفلوجة لأن هذا الموقف معروف ومفهوم، وإنما من
الأبرياء النازحين الذين لا علاقة لهم بالقتال بين الطرفين. حيث يذكر بأن"
النازحين هم أفراد مخدوعين، أقنعهم زعمائهم بأنهم مهمشون من قبل القوات الإتحادية التي
ظلمتهم. وأن الجيش يظلمهم وعليهم أن يكونوا ضد الجيش، والشرطة تظلمهم فكونوا ضد
الشرطة. وان الشرطي والجندي العراقي لم يقاتل في الموصل لأن الناس ضده! فلماذا
يقاتل ويضحي بنفسه"؟ يتوصل العادل في إستنتاجه وتحليله الفنطازي بأن أهل
السنة من النازحين عليهم أن يدفعوا ثمن خديعتهم من قبل زعمائهم!
إذن هم مخدوعون وغير مهمشين فتلك حسب رأي العادل إدعاءات
كاذبة! والسجون ليست مليئة بهم، والجيش والشرطة وقوى الأمن لم تستفزهم بسب وشتم
رموزهم الدينية والسياسية بالسيارات الحكومية، ولا أعتدت عليهم في تظاهراتهم
السلمية في الحويجة والأنبار والموصل، ولم تغتصب نسائهم في السجون، قوات الجيش لم
تقصفهم بالبراميل الحارقة، ولم تدمر مساجدهم وتغتال خطبائهم وعلمائهم. ولم يستولِ
أتباع الصدر والمالكي وهادي العامري وجلال الصغير على مساجد الله ويحولوها الى
مساجد الحسين! ولم يرسب أهل الفلوجه جميعا في الإمتحانات النهائية، ويحصل اهل
كربلاء والنجف على أعلى المعدلات في أول مرة في تأريخ العراق! لأن الإمام الحسين يمتحن
معهم، كما قال وزير التربية السابق الخزاعي. والمادة /4 إرهاب كانت تخص الشيعة
وليس أهل السنة!
هذا هو الزعيم (العادل) الذي سيحل مشاكل الأكراد وأهل
السنة ويأخذ بالعراقيين الى الرخاء والسلام والتقدم، أول ما بدأه (العادل) بسيرة
حياة كاذبة، فقد تحول بعد إختياره كرئيس وزراء الى عالم ومدير مؤسسات مالية وعلمية
ومبتكر اختراعات وغيرها، فعلام إذن كان يبيع الكبة في مطعم عراقي في لندن مع كل
هذه الكفاءات في بلاد الإستكبار العالمي التي تولي العلماء أهمية كبيرة؟ أن يكون
بائع كبة جاهل وحقيقي أشرف من أن يكون عالم ومخترع مزيف.
هذا الجوق المخدوع الذي تحدث بإسمه طه محمد الحمدون الحمدون ـ الناطق الرسمي باسم جماعة
الحراك الشعبي في محافظات سنية
عراقية ـ لم يتساءل ولو مع نفسه: من الذي يقصف الآن الموصل والأنبار والحويجة
بالبراميل الحارقة. ممن يستلم قادة القطيع الطائفي الأوامر؟ لماذا لم يتوقف القصف
طالما ان حكومة المالكي امست وظيفتها تصريف أعمال؟
هل قرأ الحمدون آخر الأخبار؟ هل يعلم بأن مصادر طبية في
مستشفى الحويجة أعلنت وجود أزمة أنسانية كبيرة تعاني منها المستشفى بعد نقص
الأدوية والمستلزمات الطبية المهمة .وتصريح الطبيب المقيم في المشفى محمد العبيدي، ان
المستشفى أصبح عاجزاً في معالجة
المرضى والجرحى لأن المستشفى يستقبل أعداداً كبيرة نتيجة قصف الطائرات الحكومية للأحياء والبيوت
في بعض مناطق القضاء؟ هل يعلم الناطق بأنه في نفس يوم تصريحه أي في 16/
الشهر الجاري أعلن مستشفى الفلوجة العام عن استقبال ستة جثث وثلاثة جرحى؟ وقال
رئيس الاطباء المقيمين الدكتور احمد شامي ان بعض الجرحى حالتهم خطيرة بسبب القصف المدفعي
الثقيل وطيران جيش الذي يلقي
البراميل المتفجرة بشكل عشوائي على منازل المدنيين والمساجد والمستشفيات. وبلغ عدد القتلى
والجرحى ما يقارب (3000) مدني في الفلوجة فقط؟ الا يتساءل الناطق: من الذي يصدر
أوامر القتل؟ هل هو المالكي او وزير الدفاع سعدون أبو ريشة؟ او الحكومة الجديدة
التي لم تشكل بعد؟ ومن الذي يدير المعارك حاليا؟ هل هم قادة الأحزاب الحاكمة أم
قادة الجيش وعلى كيفهم؟
ما الذي بدر من حيدر العبادي مما يجعل البعض يتفاءل خيرا
منه؟ اليس الأحرى بنا ان نعود قليلا الى الوراء ونستذكر تصريحاته وافعاله قبل ان
نحكم عليه بأنه معتدل؟ هل يتصور البعض أن العبادي سيتمرد على ولاية الفقيه وقد تربى
هو وحزبه اللعين في احضان الخامنئي! او يتمرد على الاحزاب الطائفية المؤتلفة معه؟
هل سيوعز العبادي للميليشيات المنتشرة في بغداد بالإنسحاب كبادرة حسن نية؟ أم
سيدمجها مع جيش الطائفة الواحدة كما فعل سلفه؟ هل سيعيد العبادي النظر في العلاقات
العراقية المتشنجة مع الدول العربية في ظل إرتمائه تحت أقدام الولي الفقيه. هل
سيحاسب الفاسدين والمرتشين والإرهابيين من حزبه وبقية الأحزاب المشاركة في العملية
السياسية؟ هل سيسترجع مليارات الشعب المسروقة؟ هل سيلغي المادة/4 إرهاب الخاصة
بأهل السنة؟ هل يعيد المساجد المغتصبة لأهلها؟ هل سيجتث لجنة الإجتثاث الظالمة؟ هل
سيترك القضاء وشأنه ولا يتدخل في عمله؟ هل سيطهر لجنة النزاهة والمفوضية العليا
للإنتخابات من الطفيليات الحزبية الفاسدة؟ هل سينصاع إلى مجلس النواب ويحولة من
عبد مطيع إلى سيد مطاع؟ هل سيسد أفواه الأكراد بكركوك وديالى نزولا الى محلة (عكد
الاكراد) في بغداد؟ هل سيحل الجيش الطائفي ويبني جيش وطني عقائدي ولائه للوطن وليس
للطائفة والحزب الحاكم؟ هل سيقلم مخالب مرجعية النجف ويمنعها من التدخل في
السياسة؟ علما بأنه صرح بعد إنتخابه مباشرة، في أول تصريح له عن إلتزامه بأوامر
وتوجيهات المرجعية! وهذا يعني إن الدور الأقوى سيكون بيد هبل النجف.
لا نفهم كيف لا يشكك الحمدون بالعبادي في الوقت الذي شكك
رفيقه في طريق العمالة، رئيس ائتلاف الوطنية العراقية اياد علاوي بقدرته " على تصحيح مسار العملية السياسية وخصوصا أنه قد خرج من رحم حزب الدعوة! كما ان
العبادي وريث للنهج السياسي المتفرد بالحكم والقائم على عدم الإكتراث بالفرقاء
السياسين في العراق". العبادي جزء مما كان فكيف يعقل ان نتفائل مما سيكون؟ عندما
إبتسم بعد إختياره للمنصب الجديد تذكرت قول غاندي" ان اعظم انتصارات الشيطان
تكون حينما يظهر وكلمة الله على شفتيه"
إن
هؤلاء الأقزام الذين يحكمون العراق تجمعهم فصيلة الدم الفاسد(زائد) ، وان كانوا يتنافسون فأيهما أسوأ وأفسد من الآخر، ولا يصل اي منهم
الى سطح الوطنية. هؤلاء العملاء لا يهم الشعب والوطن فقد باعوه منذ اليوم الأول
لرحيلهم عنه، ووضعوا شرفهم وضمائرهم تحت أقدام أعداء العراق. رحم الله شاعرنا
الرصافي عندما قال:
إن
ديك الدهر قــد باض ببغداد وزارة
ووزير
ملحق كالذيل في عجز حمارة
وهو
لايملك أمرا غير كرسي الوزارة
المشكلة
الرئيسة في العراق لا تنحصر في شخص رئيس الوزراء رغم إنه جميعهم من قطيع الذئاب
والفرق بينهم في حدة الأسنان وقوة الإفتراس فقط. وانما في جملة أمور أهمها الدستور
الملغم الذي تُفسر نصوصة من قبل طحالب القانون كطارق حرب(حرب على الحق) ومدحت
المذموم بما يخدم الحاكم الأوحد. فلا إصلاح سياسي دون إلغاء هذا الدستور المسخ
الذي عبأه الأعداء بالمواد المتفجرة. والحمد لله لدينا نخبة ممتازة من رجال
القانون ولكن لم تُعطى لهم الفرصة لصياغته لأنهم وطنيون والوطنية تعني معاداة
العملية السياسية! المشكلة في التزاوج غير الشرعي بين السلطات الثلاث، فلا إصلاح
دون فسخ زواج المتعة هذا. المشكلة في عواصف الفقر والمرض والجهل التي تضرب العراق
من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، فلا نهضة إقتصادية وسياسية ما لم تسبقها
نهضة إجتماعية وثقافية وتظل ترافقهما طوال المسير. المشكلة في الإرهاب الذي زرعه
الغزاة في أرضنا الطاهرة وهذا المارد لا يمكن أن يُهزم في ظل الظلم والفقر والجهل
والجوع والتهميش والأقصاء والإجتثاث. المشكلة في الجيش العراقي الطائفي الذي بني
على أنقاض الميليشيات الإرهابية ودمج المافيات والعصابات الإجرامية ليمارس وحشيته
في قمع الشعب، وجبنه وتخاذله مع الأعداء، إنه جيش الطائفة الواحدة الذي حارب الشعب
الذي يدفع له الرواتب المليارية، ويصرف
المليارات على تدريب وتسليح الجيش ليقتله. فلا إصلاح بدون جيش وطني محترف، يقف على
الحدود وليس في الشوارع والمدن يضاق الناس ويتهجم على الرموز الدينية والوطنية
للشريحة الأكبر من الشعب العراقي، ويسرق أموالهم خلال المداهمات. المشكلة في أن
صنع القرار العراقي يتم خارج العراق سواء في البيت الأبيض أو بيت الخامنئي، فلا
إصلاح دون قطع براثن الأخطبوط المعمم، وتحجيم دور السفيرين الأمريكي والإيراني في
العراق، وطرد الجنرال سليماني من المنطقة الخضراء.
المشكلة
تكمن في أن (دولة الرئيس) يمثل حزبه فقط! وليس الشعب العراقي بل وليس الأحزاب
المؤتلفة معه مثلما جرى في العهد المالكي المظلم، فلا إصلاح ما لم يستقيل رئيس
الوزراء من حزبه بعد تسلم منصبه الحديد
ويغادر صدفة الحزبية.
المشكلة
في موت ضمائر نواب الشعب، فلا إصلاح دون ان يأخذ مجلس النواب دوره الحقيقي في
محاسبة الحكومة أبتداءا من رئيس الحكومة إلى أصغر قائد عسكري. المشكلة في تحول
الإعلام إلى غانية تركض وراء من يدفع أكثر. فلا إصلاح إذا لم يـأخذ الإعلام دوره
الرقابي ويحرر نفسه من شبكة عنكبوت دولة الرئيس. المصيبة الأكبر تتمثل في دهليز
المحاصصة الطائفية والعنصرية، فلا إصلاح إذا لم تلغى المحاصصة الطائفية التي يتبرأ
منها جميع المسئولين فوق الطاولة ويعملوا بها تحت الطاولة. المشكلة في عودة الوعي
للإنسان العراقي الذي مسخوه الى وحش طائفي وعنصري وجردوه من أسس المواطنة والعروبة
والأخلاق، فلا إصلاح إذا لم يتم بناء الإنسان العراقي الجديد على أسس وطنية صرفة.
ولعل هذه هي من أصعب الفقرات، كل شيء يمكن إصلاحه بسهولة إلا الإنسان. لقد كسرت
حكومة المالكي والأحزاب الحاكمة بلا إستثناء العظم بين أهل السنة والشيعة وهذه
حقيقة لا يمكن ان ينكرها لبيب وعاقل وعارف بالشأن العراقي. فهل سيتمكن حزب الدعوة العميل
الغارق في الطائفية والفساد من جبر الكسر؟ حدث العاقل بما لا يعقل فإن صدق فلا عقل
له؟ والأيام هي الحاكم بيننا. وان غد لناظره لقريب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق