وجهات نظر
عبد الكاظم العبودي
مثل كل الدكتاتوريين في لحظات نهاياتهم المأساوية، لم
يعد نوري المالكي يحلم، ولو للحظة
واحدة،
بالتخيل
لصورته وحالته يوم غد، وهو يغادر الكرسي غير مأسوف عليه، أقول غداً بالتحديد، ولا
أقول شيئا عن بقية الأيام التالية ما بعد الغد.
والمالكي مثل أي رعديد جاءت به الأيام السوداء الى
حكم العراق عبثاً، لذا لا أخال أيضاً إنه يمتلك من الشجاعة كي يواجه جملة المواقف
الصعبة التي تحاصره من كل صوب باتزان ومقدرة لكي يبرر تلك الألقاب الفارغة التي
صنعها لنفسه، من دون جدارة أو حتى استحقاق يُذكر له وحكومته وحزبه، فهو منذ
مغامرته الأولى بما سُميت "صولة الفرسان" وجد نفسه محاصراً خائفاً في
إحدى غرف أحد فنادق البصرة طالبا نجدة الأمريكيين له، حينها تورط المالكي بمغامرته
السلطوية الأولى، تجرع فيها أولى جرعات الخوف، ولم ينقذه حينها من الموت المحتوم
سوى تدخل وحدة خاصة من وحدات المارينز القذرة، أرسلها على الفور قائد القوات الأمريكية
في العراق لتخليص المالكي من موت وسقوط محتوم في البصرة.
لم يتعلم التلميذ الغبي من الدرس الأول له في أول
مواجهة له مع مجموعات بسيطة من أتباع إيران ومرتزقتها في العراق، من جماعة مقتدى
الصدر التي كانت تتكالب مع بدر والفضيلة وغيرها من بقية العصابات على سرقة وبيع
وتصدير البترول العراقي وتهريبه لصالح إيران ولحسابات أباطرة وأمراء الفوضى
الخلاقة الجدد في العراق.
بعدها اشتغل الرجل بطاعة وخضوع تام لكل متطلبات
العمل المأجور سواء بالتكليف المباشر من لدن قوات الاحتلال الأمريكي أو من تابعه
النفوذ الإيراني، صانعا لنفسه هالة إعلامية كاذبة، كانت الاسوء في تاريخ الإعلام
الساذج الهادف لصنع صورة "الدكتاتور"، ومن خلال المناصب العديدة التي
وضعها السادة الجدد تحت يده، كفلها له ذلك الدستور المُشَّوه الذي وضعه المحتلون.
ظن المالكي انه بات يحكم العراق فعلاً، وتخيل واهماً
انه بات القائد العام للقوات المسلحة فعلاً، وهو يعرف أن تلك القوات التي فشلت م
اليوم الأول أن تنظم نفسها بجيش أو قوات حكومية، وأصر أصحاب القرار الداخلي والخارجي على إبقائها في حالة فوضاها،
كونها لم تخرج عن حال مكوناتها وتجميعها كـ "لملوم متنافر" مُؤَلَف من أفراد عصابات
ومافيات ولصوص وقطاع طرق وسارقي المال العام، وتجار الدين، ومرتزقة الإسلام
السياسي الخادم لمهمات الاحتلال الأمريكي من جهة، والإيراني من جهة أخرى.
ونظرا لخلفية نوري المالكي المتخلفة حد النخاع، وعدم
ثقته بنفسه، استعان المالكي بمن لا يقلون عنه خبرة أو دراية في إدارة الحكم وتسيير
السلطة في العراق، تلك السلطة التي فَصَّلها على مقاساته ونزعاته الفردية وبمقاسات
ما تبقى من أهداف شراذم حزب الدعوة العميل، زاجا من هبَّ ودبَّ، من متخلفي زواحف
بقايا عصور التاريخ السوداء في كل أروقة الحكم الجديد، حتى إلتهمتهم دواليب السلطة
فانغمسوا في وحول الامتيازات السلطوية وبصفقات المال العام والفساد والوظائف
المزيفة في كل الوزارات والهيئات التي أسستها إدارة الاحتلال الأمريكي في العراق.
توالت هزائم المالكي الذي سيكتب التاريخ عنه انه
"الدكتاتور" أو "الحاكم المتسلط" الذي سوف لا يتجرأ أحد أن
يكتب له مُنجزاً بسطر واحد على كل الأصعدة الاجتماعية والسياسية والتنموية
والعسكرية، بل أن حكمه لا يمكن وصفه إلا بإيجاز، إنه "العشرية السوداء الدموية بتاريخ
العراق".
دق المالكي نعشه بمسامير أفعاله المُشينة القادمة من
كل صوب، وهو الفارغ الأجوف وكما جاء من لا شئ، انتهى فعلا إلى لا شئ، لكنه لا زال
يعيش في مُتخَيَّله المريض: انه بات الحاكم الناهي في العراق من خلال أجهزة القمع
والتسلط من جهة، وبشراء حقوق التزوير في أوراق الصندوق الانتخابي البغيض، وتلك
اللوثة هي الأكثر دكانة وقتامة في عقل المالكي ورهطه المريض.
اليوم آن أوان الرحيل له، لكنه رحيل بائس، ربما لم
يرافق أسوأ من حكموا في هذا العالم من الدكتاتوريين ومتسلقي السلطة بحماية قوات
الاحتلال لبلدانهم، خصوصا ونحن نشهد اليوم وعلى المباشر، ان المالكي تجرع خطوات
هزائمة دقيقة بدقيقة، ويوما بعد يوم، فقد قلمت الانتفاضة الوطنية العراقية أظافره
لمدى عام من الاحتجاجات السلمية في كل محافظات العراق، بعدها كسرت الثورة المظفرة في
المحافظات المنتفضة بقايا مخالبه فأطارت لُبَّه، ولم تعد تنفع معه كل أموال قارون
التي يبيع ويشتري بها الأزلام والأسلحة والأعوان، حتى بات يستورد المرتزقة من إيران
وحزب الله وغريمه النظام السوري وغيرهم كثيرون من تجار الأزمات شرقا وغرباً، ولم
يعد مفيدا له أن اقتنع بنفسه يوماً أن يضع واهماً صورة "مختار العصر" تحيطه فتاوى مرجعياته، وقرارات مجلسه القضائي،
ورصيد تحالفه اللا وطني لكي يثبت مسامير كرسيه، مجبرا على استعمالها مساميراَ لدق
نعشه الأخير، إن وجدت له فرصة أن يموت ميتةً آدمية، ويجد من يضعه في صندوق قمامة!
وعليه سيكون آخر الدواء هو الكي الناجع لكي تزال
أورام سرطان المالكي من الجسد العراقي.
هل نقول له وهو يجند آخر مظاهرة بائسة، خرجت تطالب
البارحة ببقائه بأمر من أمانة مجلس الوزراء مدفوعة الثمن عداً ونقداً بطريقة
"تنفيذ المقاولات" :
على المالكي أن يضع كل هذه الأوراق المتسخة والسيناريوهات
التافهة في سلة مهملات المضبعة الخضراء، أولا ومنها سترسل جميعها إلى مزبلة
التاريخ.
تلك هي ما تبقى من أوراق اعتماد المالكي الى قدره
المنتظر.
بقي نهار واحد، وليلة سوداء داكنة، أمام خيارات
المالكي ليجرب فيها واحدة من أسوأ مسرحيات عصرنا في دفع ما تبقى من المرتزقة ودفعهم
الى التظاهر في بعض المدن، ليطالبوا له بالترشح لعهدة ثالثة باتت من أشباه
المستحيلات وباتت وهماً عصياً على التنفيذ، خصوصا وان العراق كله والعراقيين بكل
طوائفهم، لم يمنحوا أبدا للمالكي أية عهدةن ولا لغيره من عملاء ومرتزقة الاحتلال
الأمريكي والإيراني.
مظاهرات البارحة بشكلها وإخراجها البائس، التي خجل
كل من شارك فيها من نفسه، والتي تفرج عليها المالكي عبر شاشة قناته "العراقية"
فقط كانت "أم المهازل "حملت له بنفس يوم
ذكرى الهزيمة العسكرية الإيرانية بحرب "قادسية صدام" صورة بائسة لمصيره المحتوم، وشكلت له ملامح ورؤى
حمل نعشه الأخير، فلا المال بكل ملياراته المسروقة من خبز العراقيين، ولا فلول
عساكر مليشياته المنهارة على كل الجبهات، ولا عهود حلفاء الأمس من الإيرانيين
والأمريكيين، ولا حتى عمائم مراجع شيعته وسلطته وفتاواهم، ولا ذيول عشائر سنته
وصحواتهم ، ولا مجالس إسناده سوف تشفع الليلة لنوري المالكي من ينام لحظة واحده
وقد حاصره أرق المهزوم حين يترنح لحظة السقوط المحتوم.
نوري المالكي وحيدا الليلة، ولا أخال انه سيفعلها
مرة واحدة لينتصر على جبنه ورذائله وينتحر برصاصة واحدة، وإذا ما فكر بها، فانه
سيصل إلى حالة من الجنون تفقده القدرة على التنفيذ.
وشخصيا لا
أتمنى له الموت، هكذا في الحالتين، لأننا نريده فعلا حياً كي يشهد لحظات سقوطه
الحتمي، خطوة خطوة، لكي نُثَّبت واحدة من أهم شهادات الأرشيف السلطوي في العراق، وكي
يفرز العراقيون بانتصار ثورتهم، من هم رجالهم عن بقية الأزلام ومهرجي السيرك
الأمريكي ببغداد المحتلة، من الذين تزلفوا للمالكي وقبله لبريمر وإبراهيم الجعفري
وإياد علاوي، وباعوا شعب العراق لكل من هب ودب.
هل نختتم كما تعودنا القول: ان غداً... أقول غداَ...
لناظره قريب. وسيصدق القول أيضاً: إن غداً
بات أكثر وأكثر من قريب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق