مع الرئيس المرحوم أحمد حسن البكر |
وجهات نظر
عمر الكبيسي
ولد المرحوم الدكتور عزت مصطفى
عام 1925 في مدينة عانه وتخرج من كلية الطب بدمشق عام 1949 وشهد مع زميله المرحوم
الدكتور شامل السامرائي المؤتمر التأسيسي لحزب البعث العربي الاشتراكي في 7 نيسان
عام 1943 بدمشق.
اصبح الفقيد رحمه الله وزيرا
للصحة عام 1968 بعد ثورة 17 تموز عام 1968 وهو أحد قادتها كما اصبح عضواً لمجلس
قيادة الثورة والقيادة قطر العراق لحزب البعث العربي الاشتراكي واستمر بمنصبه
لغاية عام 1977.
عُرِف الفقيد بالرغم من مهامه
السياسية القيادية خلال تسنمه منصب الوزير بحرصه الفائق على الدوام المبكر في
الوزارة وتمشية معاملاتها بكل مسؤولية وبتوسعه في ارسال الاطباء للتخصص خارج
العراق وبحسن استيعابه لشكاوى المواطنين والاطباء والمنتسبين وحسن التنسيق مع
القيادات الطبية والصحية .
أذكر حين كنت اعمل في مدينة
الطب عام 1973 للتخصص في دراسة الدبلوم ان احد الزملاء الاطباء في قسم
الجراحة تم القاء القبض عليه وهو يحاول الخروج من العراق بطريقة غير رسمية، بسبب
محددات السفر على الاطباء في حينها، حيث تدخل الوزير بشكل مباشر واعاد الطبيب
بنفسه الى مدينة الطب واجتمع بجميع الاطباء بندوة كان فيها مقنعا بمحددات السفر
وانه لا يريد ان يتعرض الاطباء لمثل هذه الاجراءات وسيعمل على ضمان ارسال اكبر عدد
من الاطباء للحصول على الاختصاص سواء داخل العراق او خارجه، وهذا ما حصل فعلا بعد
ذلك، وما اثمرت عنه عملية تأميم النفط من انجازات طبية وصحية في زمانه.
وهو من انجز ايضا تشجيع عودة
الاطباء بتشريع قانون الكفاءات.
كما كان يرحمه الله معروفا بحسن
ادارته للندوات والمؤتمرات الطبية فيما يخص التطوير الاداري والمهني . وعرف عنه
انه كان كريما وممولا مهماً لحزب البعث في مرحلة مبكرة من مسيرة الحزب في العراق
وانه كان نزيها وإداريا جيداً ومفاوضاً سياسياً وتعاقدياً من الطراز الاول.
اعتزل رحمه الله السياسة
والمهنة بشكل كامل عام 1977 وتفرغ لمتابعة صلاته العائلية والاجتماعية متنقلا بين
عانه وبغداد ومتابعة تشغيل معمل دوائي عائد له، صباحا كل يوم يقود سيارته بنفسه منفردا
على الجسر الحديدي الى منطقة العيواضية، وكان يقضي معظم ماتبقي من عمرة متنقلا بين
بغداد وعانه واحيانا في عمان لزيارة ابنته وعائلتها بعد الاحتلال، قبل ان تستقر
مؤخرا في ماليزيا حيث كان في زيارة لها حين وافاه الأجل المحتوم.
أذكر جيدا انني قمت بزيارته في
داره بالمنصور مع الدكتور عبدالكريم هاني بعد ايام قلائل من احتلال بغداد في نيسان
عام 2003 واستمعنا له جيدا وهو في حالة من اليأس والقنوط لرؤيته بالأحداث مؤكدا ان
عودته للعمل السياسي لا تجدي نفعا للمناهضين للإحتلال ومشروعه الخطير، وقال "شدوا على ايدي شباب الجيل من المقاتلين والسياسيين الوطنيين
لمناهضة الاحتلال بكل الوسائل المتاحة" واعتذر عن حضور ندوة "ما
العمل؟" التي عقدت في حينها في داري.
وأذكر جيدا بعد ذلك اني دعوت كل
من المرحوم الدكتور تحسين معلّه والدكتور فرحان باقر والمرحوم الدكتور عبداللطيف
البدري والدكتور عبدالكريم هاني والدكتور سعد الوتري والمرحوم عزت مصطفى في داري
وكانت امسية مهنية رائعة تم فيها استعراض
مسيرة وزارة الصحة والتعليم الطبي خلال نصف قرن من الزمان، تلك الأمسية كانت مزيجا
من امسيات المعرفة والتخطيط الطبي، وبالرغم من وجود الاحتلال لم ألمس فيها حينها
الا استعراضا وطنيا للمسيرة الطبية دون حس طائفي او خصومات سياسية.
زارني الدكتور عزت مراراً في
مستشفى الاسراء في عمان على فترات متقطعة حيث أزاول عملي الطبي، وفي كل مرة كان
يزورني كان يستفسر عن الوضع العام، ويحث عن ضرورة التجديد في فكر المواطنة والهوية
العراقية للحفاظ عليها وعلى وحدة العراق، ويكرر عندما ألح عليه بضرورة الاسهام في
هذه المرحلة يكرر قوله "نحن ساسة أجيال مضت لم نعد نصلح لمتطلبات هذه المرحله
وخصوصياتها"، وكانت هذه الكلمات تنطلق من عمق سياسي مخضرم مليء بآهات الماضي
وانتكاساته وعدم الاطمئنان بما سيحمله المستقبل من مفاجئات واحداث .
كان لشخصية الفقيد الراحل
الدكتور عزت مصطفى وكنيته ابو العز ولتاريخه السياسي الطويل والعريق في الحزب تأثير
كبير في ادارة شئون الصحة والتعليم الطبي ومسيرتهما من خلال الجمع الكبير من
اساطين الطب والتعليم الذي يحملون له الحب والاحترام التقدير ممن عاصروه كالمرحوم
عبداللطيف البدري وتحسين معله واحسان وزهير البحراني وعزيز شكري ومحمد علي خليل وفرحان
باقر وداود سلمان علي ومردان علي وسعدون التكريتي وسعد الوتري وابراهيم النوري
وفؤاد حسن غالي وخالد القصاب وصادق علوش واديب الفكيكي ويوسف النعمان وعصام عبد
علي وجمع من الاداريين والمهنيين الذين يحسبهم اهل دراية ومشورة لمهامه.
منتصف نهار يوم السبت المصادف
23 آب الحالي بلغنا نبأ وفاة الدكتور عزت مصطفى يرحمه الله تعالى في ماليزيا حيث
كان في زيارة لابنته بسمة وحفيديه وزوجها الدكتور أحمد بن أخيه المقيمين هناك.
رحل الفقيد الدكتور عزت مصطفى
وهو راضٍ عن نفسه مقتنعٌ بأدائه ومسيرته المهنية والسياسية التي جاءت به في زمن
كان بحق بحاجة لأمثاله لتحمل المسؤولية واتخاذ القرار الحاسم بحكمة وأناة وحسن إدارة
وتقييم للرجال وتكريم للكفاءة واحترامها، وحين تحمل نتائج قناعته وعزل من المنصب، احترم نفسه وعزف بها الى انسحاب
كامل من السياسة والمهنة غير مكترث بمكيدة او جريرة بحقه، وهو القادر بما يملك من
متطلبات العيش حيث ما وجد السكينة والهدوء والنقاهة من حياة طويلة قضاها بكل
مرارتها وحلاوتها بعمل دؤوب واخلاص وطني نزيه وظلَّ في العراق بين اهله ومحبيه
لأكثر من ثلاثة عقود خلف الأضواء الى ان رحل بنفس مطمئنة الى ربها راضية مرضية.
رحم الله فقيدنا الدكتور عزت
مصطفى (ابو العز)، وادخله فسيح جناته، وألهم اهله وذويه الصبر والسلوان ، وانا لله
وانا إليه راجعون .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق