موقعنا الجديد، مع التقدير

موقعنا الجديد، مع التقدير
نأسف لإزعاجكم، انتقلنا إلى هنا رجاءً، يرجى الضغط على الصورة للانتقال إلى موقعنا الجديد

الجمعة، 8 أغسطس 2014

السلبيات والإيجابيات في الأشياء.. "داعش" نموذجاً

وجهات نظر
يحيى العراقي
لا تكاد الأشياء في حياتنا أكانت مادية أم معنوية تخلو بهذا القدر أو ذاك من وجود الإيجابيات والسلبيات معاً فيها، حيث يندر وجود شيء إيجابي محض بالتمام والكمال كما يندر وجود شيء سلبي محض بالتمام والكمال وهذه الحقيقة ربما هي التي تكمن وراء فكرة نسبية وديناميكية وجدل الحقائق في الحياة بخلاف طبيعتها في عالم الفكر والقيم والمثل والمفاهيم النظرية المجردة تبعاً للنهج الأرسطي في التفكير وبناء المعرفة.

أشياء وحوادث كثيرة ننظر إليها من زوايا معينة ووفقاً لحسابات معينة على أنها سلبية، فإذا بنا وبعد وقفة تحليلية متأنية وتوسيع لآفاق الرؤيا نكتشف أن هناك جوانب إيجابية تبرز من ثناياها.
إكتشاف هذه الجوانب إيجابية كانت أم سلبية لا يعني بالضرورة تغيراً جوهرياً في نظرتنا وتقييمنا لهذه الأشياء والحوادث وتبدلاً في مواقفنا تجاهها، إنما الأمر يرتكز بالدرجة الأساس على محاولة إمتلاك رؤيا أكثر دقة وتكامل وأكثر موضوعية بشأنها، ومحاولة الإستفادة القصوى من ذلك بما يخدم قضايانا وتطوير وتعميق أدائنا.
هنا وفي هذا الإطار من الإهتمام بالنظر إلى حقائق الأشياء ومحاولة فرز المركب والمتشابك منها وبناء المعارف الرصينة بشأنها لابد لنا من أن نتحرر ولو لبرهة من وضع الموضوع في إطار ثنائية (مع و ضد) وثنائية (المدح والذم) والتركيز على الحكمة المستفادة من هذا الجهد على قاعدة: الحكمة ضالة المؤمن ...
في الأيام الماضية وحين أقدم تنظيم (الدولة الإسلامية أو ما يصطلح عليها في الإعلام بــ داعش) على إعلان (الخلافة) والقيام بسلسلة أعمال ذات وقع صادم منفر.. بادرت أقلام عديدة ومن منطلقات مختلفة لمهاجمتها ونقد أفكارها وأعمالها وإعلاناتها وبيان سلبياتها سواء على مستوى الأفكار والمبادئ أو على مستوى التطبيقات وأساليب ومناهج العمل.
وقد كان لي مقال متواضع في هذا الشأن (نشر هنا) إنتقدت من خلاله سوء إختيار الظرف والمرحلة والتوقيت وأسلوب بلورة المواقف والإعلانات وإطلاقها ونحن (في العراق والشام فضلاً عن الأمة بمجموعها) لمّا نزل بعد في خضم معركة مصيرية شرسة كبرى تستلزم أقصى درجات الحشد ورص الصفوف والإبتعاد عن المواقف والرؤى المختلف بشأنها، وتجنب ظهور أي فصيل بموقف المستأثر المنحاز بغنيمته الفارض لآرائه.
إن التوقف في التعاطي مع سلسلة الأحداث الهامة التي أقدم عليها تنظيم "الدولة" عند هذه المقاربة (جزئية التوقيت والظرف وأسلوب بلورة القرارات وإطلاقها) في تناول الأحداث والإكتفاء بالمشاركة مع الآخرين في الإنتقاد وتبيان الآثار السلبية المترتبة عليها وغلق الأبواب تماماً أمام أية رؤية للجوانب الأخرى التي قد تتضمنها إجتهادات "الدولة" ربما سيُصَيِّرَ التعاطي معها ومع قضايانا المصيرية وكل ما يتصل بها تعاطياً سطحياً مجتزءاً، بالرغم من أني أشرت فيما كتبت إلى أن للموضوع جوانب هامة وأساسية عديدة أفضل تركها لأساتذة كرام هم أقدر مني في معالجتها، إلا أن هذا الترك المفتوح للأمر من دون الإدلاء بما يتيسر لي من رأي (إستكمالاً لما سبق) وبما يجيش به صدري ويمليه علي ضميري وبما أستطيع وأقدر عليه قد لا يكون مناسباً ولا منصفاً.
وبأمل أن يتم إستكمال وتعميق ما سأقول من قبل أساتذتنا الكرام، أجد من الواجب ومن الضروري (ولأكثر من سبب) أن نتحدث عن جوانب إستراتيجية في منتهى الأهمية في إطار الصراع المفتوح مع العدو الإيراني ومشروعه الإمبريالي الصفوي الخبيث الخطير المعادي للأمة والتي نجحت (الدولة الإسلامية) في إثارتها وتثبيتها وإبرازها، وهذا بالرغم من أن إنتقادنا وإنتقاد البعض لجوانب عديدة في فكرها وأدائها، وخصوصاً طريقة معالجتها الصادمة والمنفِّرة لقضية العمائر ذات الطابع الديني (المراقد والمقامات والمساجد المتصلة بها) هو إنتقاد قائم وثابت لا تراجع عنه.
1- لقد نجح تنظيم (الدولة الإسلامية) في تجلية جوانب من طبيعة وأبعاد الصراع مع العدو الإمبريالي الإيراني ومع أذنابه وأتباعه ومريديه وإبراز خواصه الشمولية المركبة، حيث لم يعد يعرف على أنه مجرد حالة شطط أو تطرف آني إستثنائي لفئة متسلطة (فئة الملالي الحاكمة) أو أنه مجرد حالة جشع مادي/ إقتصادي ورغبة بالهيمنة والإستحواذ بدوافع متعددة مركبة تتمحور حول عنصر المنفعة المادية الإقتصادية، أو حالة صراع مصالح بين مجموعات بشرية وصراع قومي تاريخي عروبي فارسي، بل هو إلى جانب كل هذه المواصفات مجتمعة (وهي لاشك أمور محورية) هو أيضاً صراع يحوي بعداً أيديولوجيا سواء على مستوى الجذور والبنية أو على مستوى التوظيف لأغراض التثقيف والتعبئة ولأغراض الإعلام والإختراق الواسع، مما يصح وصفه بالصراع المركب المتعدد الأوجه والجوانب والأبعاد:
‌أ-  تفرد تنظيم (الدولة الإسلامية) بإبراز الصراع في مجال الأفكار والعقائد ذات الدور المحوري على المستوى الفردي والمجتمعي والمدني والسياسي. إذ يتبنى العدو الإمبريالي الإيراني (صدقاً أو كذباً، إيماناً أو إنتهازية) الصيغ المنحرفة المغالية في فكرة (الإمامة الدينية السياسية) التي تحصر وتركز السلطات الدينية والسياسية في المجتمع في يد أفراد معينين منصوص عليهم سماوياً ويكونون من نسل بشري معين (أبناء إبنة كسرى الفرس/ السيدة شهربانو أو شاه زنان زوجة سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنهما) ويتمتعون بعصمة وقدسية، في مقابل وسم الأمة العربية الإسلامية ورموزها وقادتها الكبار بالتنكر والخيانة لهذه الفكرة (السماوية المقدسة بحسب زعمهم) والإرتداد عنها ومعاداتها، ومتابعة تاريخ طويل من العسف والظلم والتخلف لا يبرز فيه إلا نجوم وعلماء من بني فارس ومواليهم!
لقد خاضت الأمة على إمتداد تاريخها الطويل هذا الصراع مع هذا العدو بهذه الصيغة العميقة المعقدة ووفقاً لهذه القاعدة الفكرية والروحية وواجهت محاولات متنوعة للعدو لتوظيف هذه الأفكار كأداة وألية متعددة الوظائف والمهام والخدمات فتارة إستخدمت للطعن وللتوهين من مكانة الأمة ومن ثقة أبنائها بأنفسهم وبتاريخهم الناصع المجيد، وطوراً استخدمت للإختراق الناعم والتجنيد. وما قصص العلاقمة وقصص العمالة والتآمر المشهورة لأذناب هؤلاء عبر التأريخ إلا غيض من فيض، حيث كان يبرر للخيانة وللإرتداد والطعن بالأمة فكرياً وعقائدياً، ويغدو الخائن والعميل والمجرم بطلاً وشهيداً!
لقد شكَّل التغاضي عن هذا الجانب الهام والخطير في الصراع والذي تم تبريره بمبررات شتى (إحترام حرية الفكر وإحترام التعددية والإبتعاد عن أدلجة الصراع والحرص على الوحدة والإبتعاد عن الطائفية) مفصلاً وهناً ومسرب إرتداد وفشل وخيبة لكثير من الحركات التي حاولت خوض الصراع مع هذا العدو.
وهنا جدير بالإنتباه أن القضية ليست مقت شخصية أو شخصيات تاريخية والطعن بها وتشويهها ولعنها وقذفها وسبها بشكل فاحش، ليكون حل الموضوع بتجاوز مشاعر المقت ومسلك الطعن والتشويه المفتعل والإقلاع عن اللعن والقذف والسب، بل القضية بلاشك هي أعمق من ذلك بكثير. إنها بناء فكري وعقائدي يمثل القاعدة التي بنائها الفوقي الطعن بالأمة وبرموزها ووصم جميع هؤلاء الآباء المؤسسين للأمة بالخيانة وبالردة، وبالتالي إسقاطهم وإشاعة كراهيتهم والتنكر لمنجزاتهم وتراثهم، وإستمراء الإنقلاب عليهم وعلى أتباعهم وخيانتهم والغدر بهم.
لقد نجحت "الدولة" كما لم ينجح أحد من قبل في تعرية هذا البناء الفكري المنحرف وإبراز دوره المحوري في الصراع.
‌ب-  إنطلاقاً من إهتمام "الدولة" بالبعد الفكري العقائدي ذي الطابع الديني للصراع المصيري الشمولي الذي تخوضه الأمة ضد أعدائها فقد سعى التنظيم (ومن منطلق ديني مذهبي تبلور أم لم يتبلور في وعي ديني سياسي ناضج) ليرد على الأعداء لعبتهم الشريرة القديمة المتجددة وهي لعبة التوظيف السياسي للعمارات وللطقوس ذات الطابع الديني المستحدثة المرتبطة بها.. حيث رد عليهم بصورة عنيفة وقاسية.
ففي الوقت الذي سعى فيه العدو إلى توظيف هذه اللعبة لصالح مد نفوذه السياسي واسعاً في المنطقة وفي العالم إلى حيث يشاء وحسبما تقتضي مصالحه، حيث سعى على مدى التاريخ القريب والبعيد إلى التوسع في إستحداث المراقد والمقامات التي تقام من حولها المباني والطقوس والشعائر والتي توظَّف سياسياً وإقتصادياً وثقافياً لأغراض مد النفوذ.. في الوقت الذي سعى العدو لذلك سعى تنظيم (الدولة) ومن خلال التركيز على موضوع تنقية العقيدة الدينية الإيمانية من الشوائب إلى نزع هذه الورقة الدينية الخطيرة والحساسة من يد الأعداء (وإن تم ذلك بطريقة فجَّة صادمة ومسيئة في أحيان كثيرة).
لقد كانت المباني الدينية المستحدثة بإرادات بشرية وبصيغ بعيدة عما شرعه الله لعباده في شأنها (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) مما جعلها عرضة للتوظيف النفعي لأصحاب النفوذ من أقدم العصور، ولا يغيب عن بالنا هنا حادثة أبرهة الحبشي الشهيرة المعروفة والتي إرتكزت بشكل أساسي على سعيه لهدم بيت الله الحرام في مكة في سبيل الإعلاء من مكانة كنيسة القليس التي بناها. كذلك إهتمام الكيان الصهيوني بقضية هيكل سليمان بعد حرفها عن جوهرها الديني الروحي وتوظيفها سياسياً لدعم مشروعه الإجرامي لضرب المشروع العربي الإسلامي، متناغماً في ذلك مع المشاريع الإمبريالية .. في هذا الإطار يأتي السعي الخبيث للنظام الإجرامي الإمبريالي الإيراني لمحاولة اللعب على قضية هذه المباني. وما فعله بالموضوع السوري وتجييش الجموع من أجل التواجد عند ما يسمى بـــ(مرقد السيدة زينب) وتأطير قتاله السياسي للحفاظ على نفوذه ومصالحه بدعوى الحفاظ على المرقد. عمل النظام الإيراني أيضاً على التشبث بالحضور عند مراقد دينية أخرى في المنطقة (مرقد جعفر الطيار في الأردن ومراقد ومقامات منسوبة لآل البيت في مصر) وإعتبارها عمارات ذات طابع ديني وخصوصية طائفية متميزة وتبعية لسلطة روحية وسياسية إيرانية مقرٌ بها دولياً. جاء في المادة الثانية من قانون (إدارة العتبات المقدسة والمزارات الشيعية الشريفة) رقم 19 لسنة 2005 : العتبات المقدسة: هي العمارات التي تضم مراقد ائمة اهل البيت عليهم السلام والبنايات التابعة لها في النجف الاشرف وكربلاء والكاظمية وسامراء ويلحق بها مرقد العباس عليه السلام في كربلاء .والمزارات الشيعية الشريفة هي: العمارات التي تضم مراقد مسلم بن عقيل وميثم التمار وكميل بن زياد والسيد محمد ابن الامام الهادي عليه السلام والحمزة الشرقي والحمزة الغربي والقاسم الحر واولاد مسلم وغيرهم من اولاد الائمة واصحابهم والاولياء الكرام من المنتسبين الى مدرسة اهل البيت عليهم السلام في مختلف انحاء العراق.
ويلاحظ مما جاء في ذيل هذه المادة مقدار التوسع الفاحش في هذا الموضوع وحجم الخطورة المترتبة على توظيفه سياسياً وإقتصادياً وأمنياً. لا يفوتنا هنا التذكير بما جاء بكتاب المفكر الإيراني الشهير علي شريعتي (1933-1977) الذي يحمل العنوان المترجم (التشيع مسؤولية) حيث تحدث عن دور ديني وسياسي وإجتماعي معاصر لكربلاء كبديل عن الكعبة بإعتبارها في أيادي الأعداء وتخدم أغراضهم بحسب إعتقاده (الصفحة 86 من ترجمة الدكتور إبراهيم دسوقي شتا الصادرة عن دار الأمير بيروت).


شيء شبيه بهذا ردَّده المالكي في خطاب له بمدينة كربلاء في نهاية العام المنصرم (23 كانون أول/ ديسمبر 2013) في الذكرى السنوية لأربعينية الإمام الحسين إذ قال "ولكن بإذن الله حينما تتطور كربلاء.. لأن كربلاء يجب أن تكون هي قبلة العالم الإسلامي.. لأن فيها الحسين وإن شاء الله تمنياتي على الإخوة في الحكومة المحلية أن يعجلوا ويسرعوا في تطوير الخدمات اللائقة المناسبة لإستقبال زوار الإمام الحسين في كل المناسبات وزائري الإمام الحسين ليسوا فقط في المناسبات التي نحياها في العاشر من المحرم وفي الأربعين وإنما في كل جمعة بل في كل يوم لأنه قبلة والقبلة نتجه إليها في كل يوم خمس مرات وكذلك الحسين هو ابن هذه القبلة التي أوصانا الله تبارك وتعالى أن نتجه إليها".


‌ج-  تفرد تنظيم (الدولة) وإنطلاقاً من إهتمامه بمحور الصراع العقائدي وإمتداداته وتشعباته بمتابعة أدق تفاصيل الصراع على مستوى المشاريع الميدانية السوقية السياسية والإقتصادية الناعمة. حيث نجد عنايته بشواهد ومؤشرات كثيرة لعمل العدو الميداني الخفي، كعمله الخفي المنظم بعيد الأمد على إحداث تغييرات ديموغرافية منظمة ومقصودة إلى جوانب عمليات توظيف النفوذ الإقتصادي والثقافي في إطار عمل سوقي منظم بعيد الأمد نشهد آثاره وإمتداداته في أكثر من قطر عربي كالإمارات والكويت والبحرين واليمن.
2- تمكن تنظيم (الدولة الإسلامية) من توحيد ساحات الصراع في منطقته المركزية (الشرق الأوسط). حيث شهدت المرحلة السابقة معالجة لهذا الصراع بصورة مناطقية مجتزأة متفرقة، غيبت حقيقته الواحدة الموحدة وأبعاده وأساليب العدو في الحشد ومضافرة الجهود والإدارة، مما كان له الأثر الكبير في تمكين العدو، وجراء هذا التغييب من تحقيق تفوق في إدارته لصراعه الشرس ضد الأمة، سواء في أدوار الدفاع أو الهجوم، في مقابل شلل وضعف في الحشد والإدارة وتفكك وسطحية في الرؤيا لدى الأمة. هكذا تم تصوير الصراع في العراق قبل الآن تارة على أنه صراع بين نظام قديم زال يحاول أتباعه إستعادته ونظام جديد تراكمت العيوب والأخطاء فيه وفشل أن يكون البديل، وطوراً على أنه صراع بين الشعب وحكومة المالكي أو بين الشعب والطبقة الحاكمة التي جاءت مع المحتل وأتت بدستور صنعه المحتل غيَّبت من خلاله هوية الدولة وشكَّل أساساً للصراعات والتقسيم. وبدا الصراع في سوريا على أنه صراع بين شعب مضطهد وحاكم متجبر ورث السلطة والبلد والشعب من أبيه، فيما بدت المشكلة في لبنان وكأنها مجرد عقدة سياسية في الإتفاق على بديل للرئيس الماروني ميشيل سليمان وأن العقدة ناشئة من آثار الصراع لدى الجيران.
إختفت من هذه القراءات حقيقة الصراع الواحد الموحد الشامل الذي تديره أصابع السيد الإيراني الذي يدير مشروعاً إمبريالياً مركباً على مستوى المنطقة والعالم كتبت قواعده وأسسه في دستور دولته في العام 1979. الحقيقة الموحدة الخطيرة المغيبة للصراع على مستوى المنطقة أخذت تتجلى وتبرز مع مجيء تنظيم (الدولة الإسلامية) وجعله ساحات الصراع المتعددة ساحة واحدة كما هي حقيقتها وكما أخذت تتبلور وتبرز على الأرض في سوريا. لقد أعلن تنظيم (الدولة الإسلامية) إنتقاله من العراق إلى الشام وتوحيد العمل على الساحتين في ربيع عام 2013 فيما كان النظام الإيراني وتشكيلات حزب الله اللبناني وكتائب المسلحين من اتباع إيران العراقيين قد إنخرطت في ذلك الصراع منذ زمن بعيد، ولم تفلح نداءات وإجراءات منع ذهاب الأفراد المتطوعين السنة والتضييق على شحنات السلاح للمسلحين المعارضين للنظام في سوريا في إحداث أي خفض في وتيرة إنخراط النظام الإيراني ومحازبيه في أحداث سوريا.
3- منح الصراع على يد تنظيم (الدولة الإسلامية) بعده الروحي التاريخي الشمولي المناظر والمقابل للبعد الروحي الشمولي الذي هو عليه لدى الخصم، ولهذا الأمر أهمية، ففي الوقت الذي كان الخصم يحشد عقائدياً ودينياً بصورة واسعة وعلى المستوى العالمي ضد الثورة السورية ومن ثم ضد الثورة العراقية بشقيها السلمي والمسلح وعلى مدى الشهور الماضية، وكان يؤطر عناوين المعركة وزعامتها برمزية دينية وتاريخية كشعار زعامة (مختار العصر) ويطلق شعارات (بحور الدم) وحرب (أنصار الحسين) و(أنصار يزيد) وحملات حماية المراقد، كان معسكر الثورة سواء في سوريا أو في العراق يرتكز في غالب خطاباته على مطالب شعبية عامة بسيطة ومحدودة منزوعة عنها أية أفكار وأيديولوجيات، وكان حين يظهر شعار شارد من هنا أو هناك كان يتم التنكر له من الجميع، مما يضعف قدرات الحشد وأداء المقاتلين الذين يواجهون تحديات خطيرة تصل بهم إلى الموت المحقق.
4-  الرؤية الشمولية للصراع وكشف وإستيعاب أبعاده الفكرية والعقائدية جعلت موقف التنظيم من بين المواقف الأشد صلابة في الصراع مع العدو الصفوي الإيراني وأذنابه قياساً إلى مواقف كل الحركات الأخرى الواعية للصراع والمنخرطة فيه، حيث يرفض تماماً أية مساومات قبل الحسم النهائي بما يجعله من بين الأكثر إنسجاماً مع حقائق الصراع والأكثر حصانة ضد مكائد العدو وفخاخه التي ذهب ضحيتها الكثيرين.
إن وجود كيانات عدوة من حول الأمة (إيران والكيان الصهيوني) تقوم أنظمتها السياسية على أيديولوجيات دينية تحتل مكانة أساسية ومحورية في بنائها وحركتها ومشاريعها للحاضر وللمستقبل، بشقيه القريب والبعيد، يضع الأمة أمام تحديات إستراتيجية بالغة الخطورة بمواجهة طموحات ومشاريع هذه الدول، وبالأخص طموحات ومشاريع الدولة الإيرانية التي تمتلك مفاتيح تأثير وتغلغل ربما لا تتيسر للكيان الصهيوني، الذي لا يقل عنها خبثاً وخطورة، الأمر الذي يستدعي أن تحظى طروحات "داعش" وأساليب تعبئتها بإهتمام وعناية أكبر من جانب أحزاب وحركات الأمة، بجانب عملية النقد التي يحرص البعض على توجيهها لأفكار ومسلك "داعش".
لاشك أن من المؤسف أن الساحة القومية والإسلامية ما زالت تخلو من أية قدرة حكيمة مبدعة تؤمِّن تعاملاً موضوعياً مع أفكار وإجتهادات وأساليب "داعش" وتؤمِّن القدرة على إستيعابها والإستفادة منها قدر الإمكان، هذه الأفكار والإجتهادات والأساليب التي وإن إحتوت شذوذاً صارخاً وبعض سمات التخلف والجمود والتطرف والقسوة البالغة في بعض جوانبها، إلا أنها لاشك أتت في شأن التصدي للمشروع الإمبريالي الصفوي الإجرامي الإيراني، وفي شأن تحصين الأمة ضد خروقاته وطروحاته بما لم يأت به كثيرون، إلى جانب قدرتها وإمكانياتها العالية في الحشد والتعبئة الروحية والعقائدية الفاعلة والقدرة على التغلب على فذلكات ومراوغة عناصر وأتباع ذلك المشروع الإمبريالي المقيت، التي ذقنا من شرورها وخبثها الكثير، والتي أدَّت بنا إلى هزائم وإنكسارات ومراوحة.
لقد مثَّل إعلان الخلافة وخطبة أبو بكر البغدادي في الموصل وما حظيت به من إهتمام إعلامي (بجانب كل النقد الذي أحيطت به) طرحاً موحداً مركزاً جديداً لقضية الأمة في مقابل التوحد الصفوي والتحشيد الذي جرى في الفترة السابقة.
إن الإنشغال طويلاً بالحديث عن سلبيات "داعش" والتحشيد ضدها إعلامياً وفي الميدان في هذه المرحلة الحساسة والخطيرة وقبل حسم الصراع مع الأعداء، وفي المقدمة منهم العدو الإجرامي الإمبريالي الصفوي الإيراني، ليعد من أكبر الكبائر وأشنع الخطايا والأخطاء، سواء على المستوى المبدئي أو على مستوى مراعاة المصلحة الإستراتيجية، فهو إنشغال بخصم (بحساب من يحسبه خصماً) أو عدو (بحساب من يحسبه عدواً) هو أقل خطورة على وجود الأمة (في هذه المرحلة تحديداً التي تخوض فيها حروب مع أكثر من عدو وعلى أكثر من جبهة) في مقابل ترك الأعداء الأشد خطورة عليها، من ذوي المشاريع الإمبريالية الذين يستهدفون وجودها المادي والمعنوي ويعدون لها اسلحة دمارهم الشامل المتنوعة للقضاء المبرم والنهائي عليها.
"داعش" فصيل يعلن الإيمان بالأمة وبأسس هويتها العقائدية والفكرية والثقافية، على طريقته، وإن إحتوى نهجه إجتهادات خاطئة منحرفة متشددة متزمتة، إلا ان الأعداء الذين نواجهم في هذه المرحلة ينكرون في غالبهم غالب وجوهر أصول الأمة ويطعنون في مجمل تاريخها وسيرة أبائها المؤسسين ناظرين إلى الجميع كحفنة شراذم متخلفة لا تستحق لا الإحترام ولا الحياة!
نعم بالإمكان كيل النقد الموجه والموضوعي لإجتهادات وتصرفات "داعش" الخاطئة في هذه المرحلة وفي كل مرحلة، لكن هناك فرق شاسع جلي بين النقد في جزئية إنطلاقاً من الرغبة بالتصحيح والمقاربة والتسديد وبين من ينخرط في حملة منظمة ضد هذا الكيان وغيره من الكيانات التي تعمل للدفاع عن الأمة في إطار الصراع المصيري الوجودي مع الأعداء، ويعمل بمنهجية على إحصاء المثالب والهفوات والأخطاء والتشهير بها!
مثل هذه الحملات المنظمة والمركزة توحي بشكل قاطع للقاصي والداني أنها مقدمة وتمهيد لإنطلاق صراع على الأرض والطامة أن لا يدرك المتورطون بها خطورة مآلاتها في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها الأمة وقد تداعت عليها الأمم كما يتداعى الأكلة على قصعتهم!
من الواضح أن الأمة لا تملك في هذه المرحلة رفاهية المماحكات الفكرية وتحري الإنضباط الأفلاطوني في الفروع ودقائق التفاصيل الصغيرة. الحملات والإنتقادات لن ينحصر ضررها بداعش حتى وإن بدت أنها مصوبة له حصراً وجهاداً كفائياً ضده وضد إرهابه، هي مصوَّبة ضد الأمة برمتها ومغفل من يتوهم غير ذلك في هذه المرحلة.
نسأل الله الهداية والسداد والتوفيق للجميع


هناك تعليق واحد:

Unknown يقول...

بسم الله الرحمن الرحيم
ان طرح موضوع الدولة الاسلامية في العراق وسوريا وهو موضوع يحتاج الى جراة وتجرد خال من اي هوى خاصة اذا تمت مناقشتة بموضوعية وتوازن لان الكثير من الاعلام المسلط على هذا الموضوع يتناول "داعش" كل حسب قراءته وتفسيراتة ومعلوماته الخاصة او مواقفه من موضوع هام جدا يمكن ان اطلق عليه تسمية الاسلام الراديكالي او الاصولي الذي لا يعرف المهادنة ولا الحلول الوسطية ولا يستمع للاخر الا ضمن مفاهيمة وتفسيراته الخاصة للراي الاخر من خلال ارجاعة الى القران والسنه حسب رايهم
وكما اسلف الكاتب العزيز يحيى العراقي وفصل وقيم الايجابيات والسلبيات في ممارسات الدولة وسلوكها خلال فترة السيطرة على المحافظات العراقية التي انهزم فيها جيش حكومة المالكي وانهار خلال فترة قياسية وذلك بسبب عدم وجود عقيدة قتالية لهذا الجيش وسيطرة المفاهيم الطائفية والميليشياوية على قيادتة
فان الوضع السياسي والعقدي في العراق والمنطقة يتم التشويش والتضليل عليه من قبل القوى المعادية لكل ما هو عروبي واسلامي اصيل وخاصة من اطراف القوى المحتلة الثلاث وعملائهم في العراق
واعتقد ان القوى المسيطرة والمضللة الحاكمة لا يمكن الرد عليها بانصاف الحقائق او المهادنة في جانب والتشدد في جانب اخر بتكتيكات تفقد الطرف المقاوم دوام الوضوح في الرد على كل التضليل المقابل
وباعتقادي ان خطة الرد على الحكومة العميلة واسيادها لا بد ان تاخذ صفة الرد الجذري لفرز الخنادق وابعاد القوى الانتهازية والمنافقة عن التحكم بساحات المقاومة او التاثير عليها لاحقا لان الامة لا يصلح اخرها الا بما صلح بها اولها

تنويه من المحرر

تنويه من المحرر
وجهات نظر موقع شخصي تماماً لا يمثل أي جهة أو حزب أو منظمة، ولا ينتمي إلا للعراق وأمته العربية والإسلامية، وهو محمي بالقانون وبميثاق الشرف الصحفي ولايسمح بإعادة النشر إلا بشرط ذكر المصدر.. الكتاب يتحملون مسؤولية مقالاتهم، والناشر غير مسؤول عنها..