وجهات نظر
عمر الكبيسي
بعد كل الذي حصل من معاناة
وتهميش وظلم وفساد وعنف وإرهاب وفقدان السيادة والاستقلالية الوطنية لإتخاذ القرار،
غادر نوري المالكي، غير مأسوف عليه، موقعه بحصول حالة توافق وإجماع عراقي وإقليمي
ودولي وتنحى بعد تشبث وتعنت محموم عن منصبه، وتغيرت المناصب الرئاسية الثلاث وفق
ما وصف بطريقة يقرها دستور البلاد الملغوم!
وعُهِدَ الى الدكاترة معصوم
والجبوري والعبادي لتوليها بما يشير لتوفر عنصر الكفاءة، وإن كان هذا التنصيب جاء
ضمن توافقات المحاصصة الطائفية والعرقية التي اصبحت قانونا غير مكتوب وعرفا بقوة
الدستور لا يمكن تجاوزه بثوابت العملية السياسية التي شرعها الاحتلال.
المطلوب ان كنتم صادقين بكل
بساطة وصراحة هو: إقامة الدولة المدنية العصرية وإدامة ركائز بنائها وهي الدولة التي
يتساوى فيها الجميع بحقوق المواطنة الحقة من خلال مغادرة مستنقع دولة المحاصصات
السياسية والطائفية والمكونات، دولة المذاهب والمرجعيات واستغلال الدين وشراء
الذمم والتهميش والبطش والتفرد والتحزب والفساد وشراء وبيع الذمم التي شكلت سمة
حكومة المالكي الفاشلة.
الحل يكمن في الذهاب الى دولة
الكفاءات والقانون والعدالة والعلم والبناء والتي لا تتطلب استيرادا ولا تصنيعا
لأن العراق مليء بكل متطلبات اقامتها . لنغادر الشخوص التي نهبت وسرقت وظلمت وقتلت
بشكل تام تواجدها لتستبدل بالمهندس والطبيب
والقاضي والتربوي والاقتصادي والعسكري النزيه والكفوء دون اعتبار لطيف او مكون او
حزب او قومية او دين . سلطة المالكي لم
تحقق للعراقيين شيئا غير الموت والنزوح والقتل والسجن والهجرة والانقسام والتبعية
وفقدان سيادة الدولة والقضاء ونزاهة المجتمع وبناء كيانات وهياكل لا شرعية ولا
قانونية تمثلت بهيئات غير مستقلة وقضاء غير نزيه وجيش غير مهني وانهيار في البنى
التحتية متعمد . الاسراع بانصاف الضحايا والمهمشين والنازحين والسجناء يستوجب
النظر بشكل واقعي عن الظروف الغير طبيعية التي فرضت على تصرف المواطنين بالشكل
الذي غصت بهم السجون والمعتقلات وهذا يستوجب تفعيل مبدء التسامح والعدالة
الانتقالية بشكل مسئول وفاعل . إيقاف القصف
العشوائي والعمليات العسكرية للمدن والاحياء في المحافظات المنتفضة وتوفير حالة من
الطمأنينة والثقة لعودة النازحين الى مساكنهم وتامين مستلزمات العيش الكريم خطوة
مهمة واسبقية انسانية و وطنية لازمة للتعبير عن مهمة المصالحة والتوازن .
الإستمرار بالتهميش والقصف والعنف بدعوى مكافحة الإرهاب في هذه المرحلة يشكل إسفين
في محاولة إنقاذ البلد ، في ظل موجة الانفتاح على تامين المزيد من السلاح والعتاد
الذي تتسابق الدول اليوم للتعهد بتوفيره تمهيدا لجيش لا يتمتع بمهنية وتدريب
ولميليشيات طائفية تلتحق وتندمج معه أمر خطير قد يحول العراق الى ميدان صراع عسكري مع حشود ارهاب عابرة للحدود اكبر من
طاقة وقدرة العراق العسكرية لتطويقها وكبح جماحها . لقد دخلت داعش بالذات المدن جهارا ومخابرات
اميركيه ودوليه وميليشيات عراقيه وحكومية اعلنت معرفتها بذلك ولم تفعل جميعا ردة
فعل لمنعها او صدها بالرغم من وجود الحشود العسكريه العراقية مجهزة بالاسلحة
والعتاد. المساعدات الانسانية عرف دولي في موجة نزوح هائلة كالتي حدثت في نينوى
وجبل سنجار ، ولكن ارسال السلاح والعتاد والخبراء تحت مظلة هذه المساعدات
الانسانية لتستخدم بشكل عشوائي وغير نظامي لضرب المدن والسكان امر يثير الانتباه
الى امكانية ان يشكل هذا التجييش السريع الى كوارث كما حدث في الصومال ويوغسلافيا
وازمات عديدة مشابهة من قبل .
رفع الظلم والتهميش والاستهداف سيسهم
بشكل سريع لمسح كل ظواهر العنف والثأر والتطرف في المحافظات المنتفضة. الاسراع
بتقديم الخدمات الطبية والصحية وتفعيل فتح الطرق والخدمات البلدية وتوفير الكهرباء
والماء والسكن وصرف الرواتب في هذه المحافظات باسرع وقت يبعث الطمأنينة والأمن في
النفوس لحدوث تغيير نوعي وليس تبديل وجوه وبقاء سياسات وقرارات وقيادات خاطئه
ومريره .
صحيح ان التقويم لا يتم بطريقة
سحرية لان الجرح عميق والازمات والمحن متعددة ومتشابكة ، لكن طريق النجاة والتاسيس
للمضي فيه لا يستوجب وقتا طويلا كي يدركه المراقب والمتابع والمواطن ، والحكم
على تصرف الحقبة السياسية القادمة بالصواب
او الخطأ لا يقبل اللبس خلال فترة قصيرة من تشكيل الحكومة الجديدة . الذهاب الى حكومة من خارج شخوص مجلس النواب
وطبيعة انتقاء وزرائها سيشكل اول امتحان لحقبة ما بعد المالكي على سلوك النهج
القويم لبناء الدولة العصرية التي يرتقبها الشعب ، وبدون ذلك فأن الامل بمجرد
تغيير الوجوه والشخوص بنفس المواصفات والتوافقات والسياسات الطائفية السابقة سيزيد الطين بلة والجرح
عمقا ويكشف حقيقة ان ما يبنى على الباطل، باطل وان الترقيع لا يجدي لرقع شقٍ كبيرٍ
في رداءٍ منخورٍ خليع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق