وجهات نظر
عبد الكاظم العبودي
لا شك من انه سيكتب التاريخ دائماً ان الأمريكيين مروا من هنا في ربوع
الرافدين، شأنهم شأن كل الغزاة من قبلهم من المغول والفرس والأتراك والانجليز. وما
تركه هؤلاء من حكام بويهيين وسلاجقة وأعاجم وأتراك، وعهود أخرى تتالت وانهارت حتى
باتت تسمى عهود مبادة، وانتهوا بدويلاتهم، وبعدهم تلاشى عملاؤهم مثل كل نهاية
محتومة للإحتلالات الأجنبية البغيضة، مصحوبة بلعنة ظلت على أنفسهم وعار سُجل على
تاريخ شعوبهم واممهم.
مبررات احتلال العراق وغزوه، خطب حولها رؤساء
أمريكيون سابقون ، من جمهوريين أمثال جورج بوش الأب وبعده بوش الإبن، وبعدها جاء الدور الترقيعي لهذا المنطق الأفلج
قدمه رؤساء ديمقراطيون، من أمثال بيل
كلنتون وباراك أوباما.
وفي كل الأحوال
ظل الخطاب الأمريكي، بشقيه الجمهوري والديمقراطي، ساذجا وضحلا ومتخلفا عن ركب
العصر وتقدمه الفكري والإنساني، وحتى بدى للجميع مضحكا في كثير من الأحيان، لأنه
يحاول إستغفال عقل البشرية الرصين.
بالأمس خطب
باراك أوباما من جديد، ثرثرة ميكروفونية لا غير، ظهر بحديث باهت، وبلا خطاب أو
مضمون، وقد صرح، وهو غير مقتنع بما كان
يقول للصحفيين في حديقة البيت الأبيض، برر نيته في التدخل الديمقراطي الإنساني وحتى
العسكري، ولو من الجو لتحرير العراق من جديد من الغيلان الجدد كــ "داعش"
وورثة "القاعدة" [الديمقراطي هنا نقصد، نسبة إلى حكم حزب الديمقراطيين الأمريكيين]،
ذكرني أوباما برطانته بثلاث حكايات أمريكية بلهاء جديدة :
الأولى: إنه برر التدخل القائم الآن بحجة الحماية لبضعة
أنفار من أفراد القنصلية الأمريكية في أربيل من خطر هجوم محتمل من قبل " داعش"
.
الثانية: احتمال وصول خطر "داعش" إلى
مستوى ضرب مصالح الولايات المتحدة وتهديدها في العالم، وحتى احتمال وصولها إلى أراضي
القارة الأمريكية عبر الأطلسي "مقتفين أثر كولومبس" .
الثالثة: إن الرئيس الأمريكي، بات يفكر جديا بحماية
السنَّة المعتدلين، الذين ينتظرون الرأفة والتعاون وحتى لدورهم المرسوم بالاشتراك
في حكومة جديدة يشرف عليها الأمريكيون بتكليف حيدر العبادي، ولم يخف الرئيس
الأمريكي قلقه من مرور الوقت بطيئا بالنسبة له فهو ينتظر وعلى أحر من الجمر، ما ستقرره الحكومة "الدعوجية"
الجديدة برئاسة حيدر العبادي من قرارات وبرنامج سيضعه تحالفه "اللا وطني" سيتضمن خطوات
وقرارات ما لتخفيف آثار وحدة دموية عهد نوري المالكي.
إن غرائبية خطاب باراك أوباما تكمن في انه بات يتحدث
بلغة عجائز زمان "العصملي" [نسبة إلى العهد العثماني]، عندما يكرر التحدث
عن شيعة وسنة ومسيحيين وشبك في العراق، وبذلك فهو يلغي مطالب شعب عراقي، يقاوم منذ
11 عاما هذا الاحتلال الأمريكي البغيض ويواجه تدخلات النفوذ الإيراني وتوابعه بكل
شراسة.
والرئيس الامريكي لم يخجل من كذبه ونفاقه، عندما
يتحدث عن نوري المالكي بعتاب لا يخلو من الطرافة، بقوله: كان المالكي لا يستمع الى
النصائح الأمريكية المتكررة، خاصة على مدى أيام السنة الأخيرة من حكمه عندما شدد
قمعه ودمويته على "أهل السُنَّة ، وهكذا خلق نوري المالكي للأمريكيين بعبعاً
"إرهابياً" جديد من صنف "السعالي
المرعبة" من "الطناطل الداعشية" التي أفسدت على الأمريكيين
وحلفائهم العملية السياسية الجارية في العراق، وبظهور "داعش" التي أعادت
للعالم أيام الرعب ما بعد حادثة الحادي عشر من أيلول في نيويورك، لذا، وحسب المنطق
الأوبامي يستوجب على الغرب بقيادة الولايات المتحدة طبعاً، أن يجند قواته وإعلامه
وكافة منظمات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لإعادة "تحرير العراق وسوريا"،
إنطلاقا من أطراف مخمور وتلعفر وسنجار وحديثة وأراضي الكُرد، وبعدها عبر الحدود
الشمالية والغربية للعراق نحو سوريا وبقية دويلات وإمارات الشرق الأوسط الجديد، من
خلال إستراتيجية عسكرية جديدة تتم عبر غزوات الطائرات الامريكية والإيرانية المُسَّيَرة
من غير طيار، تاركين لوكلائهم وعملائهم القدامى والجدد تصعيد القمع الوحشي عن طريق
المليشيات الدموية، غير الموصوفة أمريكيا بعد بالإرهابية، والسماح للنظامين
المالكي في العراق والأسدي في سوريا القصف بالبراميل المتفجرة من قبل خبراء طيران
تستقدمهم إيران وحزب الله اللبناني ضد المدن العزلاء في كل من العراق وسوريا.
إن أكثر ما أضحكني في خطاب السيد أوباما تصريحه انه
بات يرى في حكم بشار الأسد نظاما دموياً، فقد شرعيته، لأنه بات يقصف شعبه
بالبراميل المتفجرة، في حين أن الرئيس الأمريكي الديمقراطي أوباما لازال يمنح حكم
المالكي وحكومة ورثة المالكي كل الشرعية السياسية، ويعدهم بدعمهم بالبقاء في
المنطقة الخضراء، رغم استعمالهم ذات البراميل القاصفة والمتفجرة التي تسقط على
رؤوس الأبرياء والعزل في مدن الفلوجة وصلاح الدين والحويجة وبيجي وحديثة وحمرين
وبهرز طالما أن رئيس الحكومة "الدعوجي" الجديد وعد بحوار وإدارة جديدة
وسيتعاون بصيغة ما مع بقايا سُنَّة المالكي وتنظيمات صحواته وشيوخ عشائره ليصنع منهم نخبة وكلاء للمرحلة القادمة عبر
الإعلان عن "مصالحة وطنية" تُعيد الاعتبار لصفقات "إعادة بناء وإعمار
العراق" في المحافظات الست المنكوبة بحرب المالكي عليها، وتعد الوكلاء
القدامى والجدد توزيع المليارات من
الدولارات على الوكلاء والعملاء عبر تنفيذ صفقات المقاولات والوظائف والوزارات، وعبر
تعيين وزراء جدد سيوزعون ريوع وأموال الخدمة العمومية على اللاعبين المستمرين في خيمة أعمال والعاب السيرك
الديمقراطي الأمريكي في العراق.
الأمريكيون احتلوا العراق، وانسحبوا بعد هزيمة، وهم لم
يتعلموا بعد الدرس الكبير من تلك الهزيمة النكراء على يد مقاومة شعب العراق،ويبدو
انه لا زال حنين ما يُراود عقل باراك اوباما وغريمه الجمهوري المعارض جورج ماكين ومحاولتهم
البقاء في العراق ، حقا لم يتعلموا بعد ، وهم يحتاجون الى صحوة حقيقية من مقاومة
شعب العراق، وينطبق عليهم قول الراحل ماوتسي تونغ " إن الاستعمار تلميذ غبي
لم يستوعب الدرس التاريخي أبداً" .
لقد كتبنا يوما عن حكاية بوش في الأنبار
عندما زارها لأول مرة عبر مقالتي الموسومة (بوش في الأنبار يعيد لي ذكرى حكايات جدتي)
ورابطها :
ولعلها كانت يومها حكاية منطقية ومُسلية، اما حكايات
باراك اوباما فهي أكثر من بلهاء ولا تستحق
حتى السرد مرة أخرى بتعارضات منطقها ورطانتها البراغماتية الساذجة.
انتهت ليالي السرد الأمريكي طويلة وثقيلة بدمويتها
وكوابيسها وفواجعها ورطانتها الغبية في فصلها الأول، وستنتهي أيضا بقية فصولها
الأخرى المنتظرة، ولا أخال أن هناك من الساديين والمرضى بداء العُصاب الاستبدادي
الامبريالي من سيتلذذ بإعادة التذكير بها يوما، إن أحسن هؤلاء التفكير وفهم صيرورة
العالم وتطلع الشعوب الحية نحو الحرية والاستقلال، ولن سيصدق بها إلا السذج وراكبي
قطار الموت الأمريكي نحو حكم العراق تحت ظل خيمة حكم يقيمها الاحتلال الأمريكي وبتنسيق
مع النفوذ الإيراني الصفوي.
وتلك مزدوجة معقدة تحمل في ثناياها لغم وشحنة يكون
تفجيرها على حملتها انتحاريا وفي كل لحظة.
وان غدا بناظره قريب.
هناك تعليق واحد:
الحجة المضحكة والتي لم يذكرها الكاتب في تبرير قصف اميركا لمن حول سد الموصل وهي ان السد اذا انكسر فان المياه ستصل الى بغداد ومن ثم تصل الى السفارة الاميريكىة في بغداد وهذا تهديد لنا يعني مثل حكاية الذئب والحمل
إرسال تعليق