وردت إلى وجهات نظر متابعة مهمة من القارئ الكريم الأستاذ أبويحيى العراقي، حول موضوع كنا تحدثنا عنه هنا، ولأهمية المتابعة فضَّلنا نشرها في موضوع مستقل.
ماذا تعني وماذا يقصد بها جيفري؟
أبويحيى العراقي
في حديثه لوسائل الإعلام العراقية يوم الأحد الماضي 27 أيار 2012 أطلق سفير الولايات المتحدة في العراق جيمس جيفري (James Franklin Jeffrey) جملة تصريحات مهمة بعضها يحمل طابع الفكاهة لشدة تناقضه مع الواقع فيما حمل الأخر دلائل ومعاني خطيرة ربما لم يعرها البعض الإهتمام الكافي نتيجة إختلاطها بأشياء تافهة ومثيرة للسخرية كثيرة لكن أجد و لخطورة ما ورد من تصريحات أن لا ندعها تعبر وتمر مرور الكرام من دون أن نسلط عليها الضوء الكافي. هذه الكلمات لم تصدر من مسؤول عراقي ممن هم بلا عقل و لا منطق و لا إرادة و هي لم تصدر من كاتب صحفي أو محلل أمريكي شاب قليل خبرة أو من أحد الأمريكيين ممن ليس لهم دور في صناعة القرار بل هي صدرت من دبلوماسي رفيع في موقع المسؤولية و يتمتع بمعرفة و خبرة طويلة بشؤون المنطقة و قضايا الأمن القومي الأمريكي.
السفير جيمس جيفري لمن لا يعرفه يبلغ من العمر 65 عاماً ويحمل شهادات في التاريخ و شهادة أخرى في إدارة الأعمال ويجيد اللغات الألمانية والفرنسية والتركية إلى جانب لغته الأم الإنكليزية وقد خدم كضابط مشاة ألمانيا وكذلك في الحرب الفيتنامية وهو ذو باع طويل في قضايا منطقتنا من خلال خدمته كدبلوماسي رفيع مَثّل بلاده الولايات المتحدة الأمريكية في عواصم كثيرة فيها ومنذ ما يزيد على ربع قرن ، كما أنه عمل مساعداً لمستشار الأمن القومي في عهد الرئيس جورج بوش الإبن.
هذا الرجل بهكذا خلفية وخبرة لا يمكن أن يثرثر ويطلق كلماته بشكل عابر وغير مقصود.
ربما هو في بعض الجوانب يبالغ ويحاول عمل دعاية للمشروع الأمريكي لكنه في القضايا المفصلية المحددة ذات المعنى والمدلول الواضح فلاشك أنه يتحدث ويتصرف وفق حسابات سياسية وأمنية دقيقة ومقصودة. ولنقرأ أهم تلك العناوين التي تضمنتها تصريحاته قبل أن ننتقل لتسليط الضوء على الجوانب المهمة وغير الدعائية فيها في سبيل تحليلها و فهم المقاصد الكامنة خلفها وتبيان المغزى الخطير فيها :
1- إن الديمقراطية نجحت في العراق (دعائي).
2- بإمكانها أن تنجح في المنطقة (دعائي).
3- أن علاقة العراق مع دول المنطقة وخاصة دول الخليج ستستمر من خلال نجاحه (ذو دلالة).
4- التجربة فيه (العراق) كانت ناجحة، وهذا يبين أن الديمقراطية يمكن أن تنجح في المنطقة (ثنائي ــ دعائي + دلالة).
5- حتى لو كان العراق ينجرف بإتجاه علاقة مع إيران فلا توجد مشكلة ونحن مستمرون بعلاقتنا مع العراق بدليل التسليح الأخير له (ذو دلالة).
6- العراق كان تجربة ناجحة، لكن ذلك كلفنا وإياهم الكثير (ثنائي ــ دعائي + دلالة).
7- نجاح العراق يؤكد اعتقادنا أن الديمقراطية يمكن أن تنجح في المنطقة (ذو دلالة).
8- حققنا نجاحا كبيرا بإخراج صدام من العراق والديمقراطية (دعائي).
بإعتقادي أن العناوين في الفقرات (3 ، 4 ، 5 ، 7) هي أهم وأخطر ما ورد في هذه التصريحات حيث لا يخفى على المطلع اللبيب ما تتضمنه هذه الفقرات من معاني خطيرة تنبئ بالكثير الكثير بما تفكر وتخطط له الإدارة الأمريكية .. فقول السفير جيمس جيفري (أن علاقة العراق مع دول المنطقة و خاصة دول الخليج ستستمر من خلال نجاحه) يوضح أن النمط الاثني والطائفي التقسيمي لما يسمى بالعملية السياسية الجارية في العراق والتي تصر الولايات المتحدة الأمريكية وسفيرها جيفري على وصفها بالديمقراطية هو النموذج الذي تفكر الولايات في جعله ثقافة متداولة ومقبولة من قبل شعوب و دول المنطقة بما يمهد لتسويقها و نشرها فيها و هذا ما يعكسه بوضوح الكلام المشار إليه في الفقرتين (4 ، 7).
العنوان الوارد في الفقرة (5) يعكس بصراحة ووضوح معنّاً في غاية الخطورة و الأهمية في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه العراق وتجاه المنطقة حيث يؤكد فيه السيد السفير جيفري (حتى لو كان العراق ينجرف بإتجاه علاقة مع إيران فلا توجد مشكلة ونحن مستمرون بعلاقتنا مع العراق بدليل التسليح الأخير له) وهذا يبين أن الولايات المتحدة وبعد كل هذه التجربة العملية الميدانية الطويلة لها في العراق وما تكشف لها عبر ذلك وبشكل عملي وملموس من خفايا و أمور عن عمق العلاقة بين الطبقة السياسية ورجال الدين في العراق والنظام الحاكم في طهران والتي تصل إلى حد التبعية التامة المطلقة فهي لا ترى برغم كل ذلك أن هناك أي ضير من هكذا علاقة بكل هذه التفاصيل وهي على إستعداد ليس فقط لتقبلها بل للاستمرار في تقديم الدعم لها وأن لا يقتصر ذلك الدعم على جوانب دون أخرى بل هي على أتم الإستعداد لتقديم الدعم لها بما في ذلك المجال الأمني والعسكري.
إن ربط هذه المعاني مع بعضها البعض عن رضا أمريكا عن العلاقة الشاذة بين العراق و إيران رغم تعري ذلك الشذوذ وإنكشاف خباياه القبيحة ورغبة أمريكا في نشر تجربة ما يسمى بـ(الديمقراطية العراقية) الطائفية في المنطقة وخصوصاً في منطقة الخليج العربي كل ذلك يأتي منسجماً ومتوافقاً مع الكلام الذي نطق به الفريق ضاحي خلفانقائد شرطة دبي عن مهددات الأمن في الخليج العربي في المؤتمر المنعقد حول هذا الموضوع في البحرين للفترة ما بين 17 – 19 كانون الثاني 2012 في البحرين. كذلك هو منسجم مع غض الطرف عن نشاط إيران الواسع في المنطقة وخارجها بما يؤكد وجود نوع من التفاهم بين الاثنين في عدة قضايا ومنها وجود أجندة مشتركة ومشروع مشترك بينهما بإتجاه إنهاء الهوية القومية العربية والإسلامية المرتبطة بها والتي تشعر الولايات المتحدة والكيان الصهيوني إن إضعافها وإزالتها يمثل الأسلوب الأنجع والأقل كلفة في حل المشكلة الفلسطينية والعديد من مشاكل المنطقة الان وفي المستقبل حيث تمثل الهوية العربية الإسلامية الحصن الدفاعي الراسخ عنها وعن أية هجمات تستهدفها. فقدان المنطقة لهويتها سيجعلها منطقة مملوءة بأفراد منزوعي الهوية يتصارعون فيما بينهم فيما المجرمان الأمريكي والإيراني يأخذ كل حصَّته من خيراتها ويعطي لأفرادها كلاماً عن الديمقراطية واخرا عن الطائفية، وهذا هو جوهر ما صرح به السيد جيفري.
هناك تعليق واحد:
تحليل علمي دقيق لما صرح به الجعفري عفوا "جيفري" قريب الجعفري ابراهيم كما قالت عشتار في احدى تالقاتها
في الغار
فالسفير نطق بما هو قائم ومشترك ومتفق عليه مع ايران وحكومة العملاء في العراق
وما ينم تنفيذه فعلا على الارض العربية كلها
ولكم تحياتي
إرسال تعليق