هو مشهد واحد فقط، فيما العراق كله منتهك الحقوق منذ تسع سنوات ونيف، والعراقيون كلهم بين أسير وقتيل ومسلوب الارادة ينتظر فرج الرحيم الجبار، وآخرون ساروا في ركاب العدو الغازي وعملائه بدوافع طائفية وأخرى انتهازية ومصالح شخصية، ولا يجد العراقيون من يقف معهم لا في الجوار القريب ولا في الفضاء الأبعد، وإنا لله وإنا إليه راجعون
العدالة الضائعة في العراق الديمقراطي!
مثنى عبدالله
تسمّرَ العراقيون ومعهم الكثير من المشاهدين في الوطن العربي والعالـم في أماكنهم فاغري الافـواه، أمام شاشات التلفاز وهم يشاهدون مقطعا صغيرا من مسرحية العدالة، التي تُعرض على أرض العراق الديمقراطي بكل محافظاته ومدنه وقراه ,منذ أنبلاج فجر الحرية الكاذب في العام 2003 وحتى اليوم. فلقد أنفلت الغضب في نفس عضو مجلس محافظة بغداد وأخرين معـه كانوا قد أُحضروا أمـام عدسات التصوير، كي يكونوا مجرد قرابين تستعرض بهم أجهزة السلطات الامنية جبروت المثقاب الكهربائي وعمليات الاغتصاب، في صنع أعترافات زائفة يتم أنتزاعها من الابرياء في السجون السرية والعلنية، كي تطأ أقدام السلطة الطائفية ظهر الحقيقة وتطل على العالـم بلباس الديمقراطية وسيادة القانون. لقد كانت أكثر المشاهد قسوة في تلك الحادثة هي حالـة اليأس التي أنتابت المتهمين، فلم يجـدوا غير رؤوسهم وأجسادهم كي يلطموها، وسط هذا الصمت المخجل الذي بات يلف القضية العراقية من قبل المجتمع الدولي ومنظماته القانونية والانسانية والحقوقية، حتى بتنا لانسمع الا مُجرد بيانات خجولة خافتة الوهج والمعاني، أمام مأساة أنسانية تستهدف شعب كامل، سُرق بدعاوى زائفة منذ أكثر من تسع سنوات، بينما تقوم الدنيا ولا تقعد على حكومـات أخرى في المنطقـة وخارجها، لأن مواطنيها يتعرضون لإضطهاد أقل بكثير مما يتعرض لـه أبناء العراق.
قولـوا لنا مَن من شعوب المنطقـة دفع أكثر من مليون ونصف المليون شهيد، وبات لديه أكثر من خمسة ملايين يتيم، ومايزيد عن ثلاثـة ملايين أرملة، وتعرض لهجرة وتهجير هـي الاكبر في التاريخ البشري بعد هجرة الفلسطينين في العام 1948 حسب التقرير الصادر عن منظمـة شؤون اللاجئين الدوليـة؟ بل أخبرونـا عن أيـة دولـة هي الثانية في أنتاج النفط، ولازال فيها من يبحث عن لقمة خبزه وكسوته في مكبات النفايات، بينما تبيع بعض الامهات أجسادهن وأجساد أطفالهن الى السماسرة في رحلة البحث عن الامن الغذائي، في حين تندلق كروش وحسابات المُنتخَبين ديمقراطيا بملايين الدولارات المسروقة من المال العام؟ ومع كـل ذلك لانسمع من يقول للمالكي ورهطه عليكم الرحيل الآن وليس غدا، كمـا حصل مع غيرهم في دول أخرى شقيقة، والسبب في ذلك هو أن القائمين على السلطة في العراق هم نتاج الارادة الدولية، التي لايمكن بأي حال من الاحوال أن تعترف بفشلها، وتقـر بأن من جاءت بهم الى السلطـة هـم مجاميع من اللصوص الذين يتلذذون بمعانـاة شعبهم. بل أن كـل المظاهر اللا أنسانية التي نراهـا اليوم في العراق والتي تقوم بها السلطات الامنيـة والسياسية والقضائية أيضا، ماهي ألا محاكاة واقعيـة لما تعرّض لــه شعبنا على يــد القـوات الامريكيـة، التي عقـدت جلسات محاكمـات صوريـة للجنـود الذيـن أرتكبـوا أبشع جرائـم القتل والاغتصاب بحـق الابريـاء، ثم يتم النطق بالحـكم أمـا بالسجن لمدة ثلاثـة أشهر، أو أطلاق سراح المجرم بحجـة الضغوط النفسية التي كـان يتعرض لها في العـراق، وكـأن العراقيين هـم الذين أحتلـوا الولايات المتحـدة وليس العكس. كمـا أن غالبيـة منتسبي الاجهزة الامنيـة العراقية التي أُنشئت برعاية المحتل ووفق عقيدتـه الامنية، كانوا قد تلقوا تدريباتهم على يد المدربين الامريكـان في دورات متخصصة داخل العـراق أو في دول حلف الناتو، أو في بعض الاقطار العربيـة التي كانت أجهزتهـا الامنيـة وسجونها السريـة قـد حـازت على الاعجـاب الامريكي في طُـرق أنتـزاع الاعترافات، مما جعل المخابرات المركزية ترسل الكثير من المتهمين اليهم لانتزاع الاعترافات منهم. لقد أثارت حادثة المؤتمر الصحفي الخاص بعرض أعترافـات عضو مجلس محافطة بغداد والمتهمين الاخرين، أثارت في ذاكـرة العراقيين حوادث أخـرى أكـدت جميعها على عـدم نزاهـة التحقيقات التي تجري، حيث كانت سطوة الانتقـام الطائفي واضحة المعالم في حادثة (النخيب) حين تم أقتياد بعض من الصقت بهم التهـم من قبل السلطات الرسميـة، وتم التجوال بهم في شوارع محافظـة أخـرى في محاولة بائسة لاثارة النعرات الطائفية، كما تم أختراع حادثة (عرس الدجيل) التي صرح العديد من النواب بأنها تمثيليـة هدفها أستدرار الدعـم الطائفي لبعض أركـان السلطة، وقبلها تم التغطيـة على حادثة مقتل ما يقارب الف شخص في منطقة (الزرقة) في الفرات الاوسط، وأنتهاكات أخرى حدثت فيما سُمي (صولة الفرسان) في جنوب العـراق التي قادهـا المالكي، لتأتي الحادثـة الاخيرة كحلقـة أخرى في سلسلة الانتهاكات التي يتعرض لها شعبنا.
وأذا كُنا نعترف تماما بأن ليس من حقنا أن نقر بتجريم هـذا وتبرئـة ذاك ممن تعرضهم السلطات على وسائل الاعلام، لأن ذلك واجب القضاء حصرا وليس غيره، فـإن من حقنا كمواطنين عراقيين أن نبين التجاوزات الحاصلـة على الحقوق الانسانيـة للفرد والمجتمع، وأن نؤشرالتلاعب الفاضح بالتحقيقات التي تجري على أيدي لجان تحقيقية تميل الى السلطات التنفيذية، وتبتعد تماما عن رقابة السلطة القضائية، بل أنها باتت هراوة بيد السلطة تقتص بها من كل الذين ينتقدون ويعارضون العملية السياسية. ولايمكن بأي حال من الاحوال أن نُخلي ذمة السلطة القضائية التي راح البعض منها يصادق فورا على كل مايصله من لجان التحقيق، ويبرىء في ساعة ونصف مـن كانوا يقولون عنه أرهابي ومطلوب للقضاء وصدر بحقه الكثير من قرارات الحكم، فقط لأن السلطة التنفيذية عقدت معهُ صفقـة سياسية . حتى أن الكثير من النواب باتـوا يتحدثون علنا كيف أنهم أبطلوا قرارات للقضاء ضد أشخاص معروفين، وكيف أنهم فعّـلوا قرارات إدانة وتجريم ضد أخرين، بل أن تدخّل المالكي شخصيا وأصداره أمـرا بتشكيل لجنـة لاعـادة التحقيق مع عضو مجلس محافظة بغـداد، في وقت صمتت فيه السلطـة القضائية عن الحادث، أنمـا يؤكد تماما بأن لا فصل بين السلطات في العراق الديمقراطي وأن السياسة هي من يسوق القضاء فيـه، وهـذا هـو حـال النموذج الذي أرادتـه الولايات المتحدة الامريكيـة كي يشع ديمقراطيـة على دول المنطقـة، فأذا بـه كيانـا عـاد ليعيش أهلـه في ظل قوانين وأحكـام القرون الوسطى، حيث سلطاتـه خليط مـن سلطات دينيـة وقبليـة وطائفية، لها أذرع هلامية قادرة على التمدد في أية ناحية توجد فيها مصالح ضيقة لهم ولحاشيتهم. لقد باتت الدول التي فيها سلطات تحترم شعوبها تتبارى في أيجاد أجهزة أمنية تزيد من هامش تبرئة المواطن، وتحـاول جاهـدة دراسة الظروف الموضوعيـة والذاتيـة التي تحيط بظروف الجريمـة، كي لايأتي العقاب على المجرم بمستوى أكثر من الفعل الجرمي. كما أن الشعور العالي بأن هذه الاجهزة هي في خدمة المواطن والحفاظ على سلامته، دفعهم الى الجد والاجتهاد في سبيل الوصول الى حالة الكشف الاستباقي عـن الافعـال الجرميـة، بينمـا تنحدر الاجهزة الامنيـة العراقيـة الـى حالـة التجريم الاستباقي لمواطنين أبريـاء يجري أنتزاع أعترافـات منهم تحت التعذيب أو الابتزاز، الذي يدر مبالـغ ماليـة عاليـة جدا على من يعمل في هـذا المسلك، حتى باتت قصص بيع وشراء القضايـا والمتهمين داخل المعتقلات والسجون معروفـة للقاصي والداني، وأن قساوة المظلوميـة التي ظهرت علنـا في الحادثة الاخيرة، إنما هي تعبير واضح عن حجم الكوارث الانسانية الكبرى التي تختفي خلف أسوار السجون في العراق، وبذلك اصبحت المسؤوليـة التاريخيـة الملقـاة على عاتـق شعبنـا وطلائعـه مـن المثقفين والكتاب الوطنيين ورموزه الاجتماعية، تفرض على الجميع مسؤولية أعظم وصيّغ رد على الجريمة بفعل أكبر من بيانات الاستنكار والشجب، بل ضرورة الذهاب الى الاعتصامات في الشوارع والساحات العامة، وتنظيم الاضرابات التي ستدك عروش الظالمين في المنطقة الخضراء.
الا يستحق الابرياء أن نخرج تضامنا معهم في مسيرات مليونية راجلة من كل محافظات العراق؟ بل ألا يستحق أن نتضامن مع أنفسنا أيضا كشعب يتعرض للابادة اليومية ؟
ملاحظة:
نشر المقال هنا
هناك 3 تعليقات:
اخي العزيز .. هذا دليل على ترسخ الظلم والإجرام لدى النظام الحاكم بكل طوائفه واحزابه حتى طال هذا الظلم أجهزة القضاء وهي الموكل إليها تحقيق العدالة.
العدل أساس الحكم ..؟؟
(العداله ) في العراق الديمفراطي التعددي الاتحادي الفدرالي الاقليمي المناطقي ووووووووو... انتقلت الى رحمه الله؟؟؟
إرسال تعليق