حمزة البصري
من المثير للسخرية اتهام المالكي للمتظاهرين في الانبار والمدن الاخرى بالطائفية، فقد نسي ان العملية السياسية بنيت على اسس طائفية، ونسي ان مجلس الحكم، نواة الدولة الجديدة، تشكل وفق المحاصصة الطائفية، ونسي انه لولا الاصطفاف الطائفي لما تربع على كرسي الوزارة بعدما ازاح الكتلة الفائزة في الانتخابات بفتوى مفبركة من رئيس المحكمة الاتحادية، المكيِّف القانوني لمآربة السلطوية.
ولمعرفة من هو الطائفي لابد وان نذكّر السيد المالكي بمسلسل الانتهاكات التي حصلت على مدى سنوات ابتداء من التحالف مع الامريكان من اجل احتلال العراق ومن ثم عمليات الاضطهاد وجرائم القتل على الهوية وتفجير المساجد وحملات التهجير الظالمة لغرض اعادة رسم خارطة بغداد وفق التطهيرالمذهبي حتى بلغ عدد المهجرين خارج العراق اكثر من اربعة ملايين مهجر ومنهم خلاصة الكفاءات العراقية، وكذلك نذكّرة كيف تم الاستحواذ على الابنية والمنشأت الحكومية وتحويلها الى مكاتب للاحزاب الدينية ومقرات للميليشيات الطائفية، ونذكرة بمن قام بالاستحواذ على الوظائف الحكومية والهيمنة على مرافق الدولة ومؤسساتها واقتصار التعيينات على شريحة معينة وفق ضوابط طائفية.
كما نذكّرة بمن قام بتغيير المناهج الدراسية بطريقة تحريضية طائفية اغلبها قصص من نسج الخيال بشكل مسيئ للرموز الدينية، ومن قام بتغيير اسماء الشوارع والجسور والساحات والتقاطعات في محافظة بغداد والمدن الاخرى بتسميات مستفزة تتماشى والنهج الطائفي للدولة الجديدة، ونذكّرة بمن يقوم باغلاق الطرق وشل الحياة اليومية وتعطيل الوزارات والدوائر والمؤسسات الحكومية وصرف الاموال الطائلة من خزينة الدولة على مناسبات طائفية تخص مكون معين ويجبرون الناس على تنفيذ تعاليم طقوسهم بصورة قسرية.
أليست هذة اعمالاً استفزازية طائفية؟
ونذكر المالكي بمن كان يقوم بشن الحملات الامنية الممنهجة واعتقال آلالاف من الشباب بدون اوامر قضائية وقيام فرق الموت "القوات الخاصة التابعة لوزارة الداخلية" بقتلهم ورمي جثثهم في مزابل اطراف بغداد بالاضافة الى التصفيات بالكاتم والتعذيب في السجون وانتزاع الاعترافات القسرية والمحاكمات الظالمة وانتهاكات حقوق الانسان باغتصاب النساء والحرمات التي تهون امامها الدماء والارواح، ونذكّرة كيف قام بغض الطرف عن جرائم لاحصر لها تمت في وضح النهار ومنها على سبيل المثال السطو المسلح على مصرف زيونة الشهير بينما تفبرك للاخرين تهم تدبر بليل تصل عقوبتها لحد الاعدام، في الوقت الذي يقوم بالتغطية على جرائم القتل والفساد وسرقة المال العام واخفاء الحقائق عن مرتكبيها.
كما نذكّر المالكي بالوعود الكاذبة التي قطعها في اتفاقات اربيل، ماذا نفّذ منها غير المماطلة والتسويف واتباع سياسة الاقصاء والتهميش والاجتثاث وتصفية الخصوم السياسين والمعارضين بالمادة 4ارهاب، نتيجة رضوخ المحكمة الاتحادية لارادة المالكي بشكل مطلق، فضلا عن تسيس القضاء بالشكل الذي يتماشى مع رغباتة المتعطشة للانفراد بالسلطة ثم يدعي انة راعي دولة القانون، وما قرار الانتربول بتعليق اعمالها مع الحكومة العراقية والقضاء العراقي الا دليل واضح على ان القضاء العراقي اصبح بعيداً عن الحيادية نتيجة هيمنة السلطة التنفيذية علية، وهذا مؤشر خطير على انه لا وجود للديمقراطية في العراق وعلى جميع الاطراف الوقوف بشكل جاد تجاه هذه الخروقات اللا انسانية التي هي بالتأكيد نابعة من اجندات طائفية.
هذة الممارسات هي التي جعلت الجماهير تطلق على المالكي اهزوجة: كذاب، نوري المالكي كذاب.. حتى اصبحت صفة مقترنة باسمة بسبب كثرة ممارسته للكذب والخداع والازدواجية في التعامل مع الاخرين لانه يقول ما لا يفعل حيث أدعى العروبة وارتمى في احضان ايران، ادعى العفة والنزاهة ويداري على الفساد وتهرب اللصوص، يتظاهر بالود للشعب ويحابي طرف على حساب آخر، يدعو الى الحوار والمصالحة ويقصي خصومه المعارضين لسياسته ويفبرك لهم التهم الجزافية، يدعي الديمقراطية ويهدد المتظاهرين بخطابات رنانة وتصريحات متناثرة لا تقل غطرسة عن خطابات الاسد والقذافي الا يعتبر ذلك استخفاف بحقوق الناس واستهتار بمشاعر الشعب، متى يتعظ من دروس التاريخ ويعي حقيقة الاوطان؟
اذن فلا عجب ان يرتفع سقف مطالب المتظاهرين بتغيير النظام والتذكير بمصير من سبقه من الطغاة.
نعم لقد اتقن المالكي لعبة عبور الازمات بالغدر والخداع والكذب والتضليل والمماطلة والتسويف، ويبدو أنه لم يعد يملك القدرة على البقاء إلا من خلال خلق الازمات، والمصيبة انه مع كل هذة الافعال، يعتبر المظاهرات في الانبار وديالى وصلاح الدين والموصل وسامراء والفلوجة وابو غريب وبقية مدن العراق حراكاً طائفياً، ويتهم المتظاهرين في ساحات الاعتصام بتنفيذ اجندات خارجية.
ماذا نسمي كلام كرماني خطيب الجمعة في طهران الذي قال إن "ما يجري في العراق امتداد لما يجري في سوريا وان العدو واحد"؟
ولا ندري بأي حق يصف هذا المعتوه المتضاهرين في العراق بالعدو؟ وهي نفس النغمة التي اطلقها حسن نصر الله بقوله ان ما يجري في سوريا امتداد لما يجري في العراق. اذن كيف يكون التخندق الطائفي وكيف يكون التدخل الخارجي في الشأن العراقي، فضلا عن اتهام المتظاهرين بغلق الطريق الدولي بينما تقوم الحكومة بغلق معبر طريبيل الحدودي مع الاردن لعدم دخول المواد الاستهلاكية اليومية الى المدن الحدودية العراقية مع إبقاء منفذ الوليد مع سوريا مفتوحاً لايصال المساعدات القادمة من ايران الى النظام السوري؟!
رحم الله الجواهري حين قال "شكوى امرها عجبا..ان الذي اشكوه يشكيني".
واذا يريد المالكي معرفة المزيد عن خفايا نهجة الطائفي نذكرة بالحوار الذي اشتد بينة وبين احمد الجلبي في احد الاجتماعات عندما قال له الجلبي "ابو اسراء سياستك راح تجعلنا نخسر حتى جماعتنا الشيعة، فرد علية باستهزاء، اخوي جماعتنا ما كانوا يحلمون يوصلون للنجف وكربلاء واليوم احنا موفرين لهم كل مستلزمات الشعائر الحسينية وعلى احسن وجه وهم مايريدون اكثر من هذا، فرد علية الجلبي اذا بهاي الطريقة تكدر اتسكت الناس البسطاء بس هذا الكلام ما يمشي على مراجعنا العظام، فقال له: اخي شفت واحد من المراجع اشتكا لك، انت تعرف زين احنا اليوم شما نسوي مراجعنا سند وظهر النا يعني قابل راح يصيرون ضدنا، انت نسيت نظرية التغيير اليّ حصلت في مفاهيم المراجع الشيعية بعد استلام الامام الخميني الحكم في ايران، اخي مراجعنا العظام لم يهدأ لهم بال الا بنشر التشيع واقامة حكومات شيعية في كل مكان من العالم العربي والاسلامي، واني ما كلت "ما ننطيها" الا ببركتهم ونفسهم ويانا، بس انت خليك بعيد وهي تصفا ...".
هكذا ينفذون الاجندات الطائفية التي تملى عليهم من كبرائهم المعممين في طهران، وفي الوقت الذي يتهمون بلا حياء المظاهرات في الانبار والمحافظات الاخرى التي تطالب بحقوق مشروعة بانها مسيرة باجندات اجنية ونسوا انهم ما وصلوا إلى الحكم إلا بواسطتها، ومن لا يعرف كيف انحط حكام المنطقة الغبراء في مناصبهم لولا دبابات الاحتلال الانكلو امريكي؟
أليس من العار ان يتحدثوا عن الاجندات الاجنبية وهم منغمسون حتى النخاع في الاجندة الايرانية؟
نعم هذا المنطق ليس غريبا على الطغاة والنظم الدكتاتورية والحكومات الفاسدة في اتهام شعوبهم بمختلف التهم الباطلة، بالرغم من ان هذا الحراك الشعبي ليس حدث آني تفجر فجأةً، ولا حراك عاطفي او نزوة ثأر لمعتقلين او دفاع عن سياسين كانوا ولا زالوا جزءاً من حكومة شراكة محاصصة نصبها الاحتلال لتجميل العملية السياسية المزعومة، وانما انتفاضة ناتجة عن ثمرة تفاعل تراكمات من القهر والتهميش وممارسات من الظلم السافر على مدى سنوات ادت الى هذا الانفجار الكبير بعد ثبوت فشل العملية السياسية وانهيار مفهوم الشراكة التي ضربها المالكي عرض الحائط ولم يبقى منها سوى تفاهمات وتوافقات وفق مبدأ هذا لي وهذا لك، وغطي لي واغطي عليك، حتى باتوا متشابكين ومشتركين في جرائم لصوصية دوافعها التدافع على المناصب والاستحواذ على المال العام، وحينما يختل ميزان السرقات لصالح طرف يهب الطرف الثاني ملوحاً بكشف الملفات وتتصاعد نغمة الاتهامات والفضائح ومن ثم تبدأ عملية الاقصاء والتهميش والاعتقال والصاق التهم الجاهزة وانتزاع الاعترافات القسرية والمحاكمات الظالمة.
بعد هذا الهوان ليس بغريب على رجل مصاب بجنون العظمة ان يطلق تهديدات نارية تصلح ان تكون عنواناً للدكتاتورية في ظل حكومة تتخذ من الديمقراطية شعاراً لها!
أليس من الغباء وصف الحراك الوطني في اغلب مدن العراق بالفقاعة، فضلا عن عبارته الشهيرة "انهوا او تنتهوا"؟
ليعلم المالكي لو اطلق هذة العبارة مسؤول في دولة ديمقراطية حقاً لكان مصيره السجن، لكنها خرجت من اعماق نفسية شخص مريض بهوس السلطة.
أليس من حق الجماهير ان تنتفض ضد هذة الاوضاع الشاذة للدفاع عن حقوق اغتصبت لعقد من الزمان حتى اصبح السكوت عنها تجريدا للمواطن من عزته وكرامته وانسانيته؟
أليس من حقها الوقوف بحزم بوجة استهانة الحكومة لمطالبهم المشروعة وتسوفيها بتشكيل لجنة وزارية مهمتها التمييع والمماطلة؟
وكيف يمكن الاستجابة لمطالب المتظاهرين وهناك من يقوم بتعطيل عمل مجلس النواب في مشادات جانبية وانسحابات ممنهجة فضلا عن المكابرة والتعجرف والعناد والاصرار على الباطل؟
وبدلا من التهدئة بالحكمة والتعقل وانهاء الازمة بانصاف المظلومين واحقاق الحق ونصرة المضطهدين يتم الحشد في المحافظات الجنوبية بإجبار الطلاب والموظفين في الدوائر الحكومية على التظاهر لخلط الاوراق وشخصنة الامور باصطفاف طائفي لا يخدم الدولة ولا المجتمع بل يؤدي الى زيادة في الاحتقان وجر البلاد الى ازمات لا يحمد عقباها.
وكذلك من حق المرابطين في ساحات الاعتصام التشكيك بمن يحاول خداعها واختراقها بتصريحات وخطب رنانة تطلق من هنا وهناك ويقولون ما لا يفعلون ويدعون انهم مع المعتصمين لكنهم ضد مطاليبهم بعد ان كانوا في الماضي القريب سبباً لمآسٍ ليس من السهل ان تمحى من الذاكرة بهذة البساطة، كما ان من حق الجماهير ان ترفض من يحاول احتواءها بركوب موجة الغليان الشعبي من قبل شخصيات اتقنت لعبة القفز على التناقضات بوضع قدم مع الحراك الشعبي تحسباً للانتخابات القادمة واخرى مع الحكومة للتمتع ببريق السلطة والتنعم بغنائم الحكم ..
واخيراً، ان ما يحصل اليوم في ساحات الاعتصام انتفاضة شعبية عراقية المنشأ والاهداف، وليس من ورائها دوافع شخصية او خصومات سياسية او اجندات اجنبية، بل حراك نابع من غيرة وطنية بسبب اعراض انتهكت، وجرائم ارتكبت، ونساء اغتصبت، ومساجد فجرت، وبيوت هدمت، واموال سرقت، واتفاقات زيفت، ووعود سوِّفت وشراكة همشت، وتهديدات اطلقت، وتهم فبركت، ومحاكم سيست، وخصوم صفيت وسلطة اغتصبت، وازمات فجرت، جميعها بدوافع طائفية ومصالح شخصية واجندات ايرانية .
هناك تعليق واحد:
الخطأ لا يبرر رد الفعل الخاطئ
والمنهج الطائفي لا يرد عليه بمثله بل يرد بالسمو عنه
تبا للطائفية وللطائفيين من حيث اتوا
فلا شرعا يقبلها الله عز وجل و تحطمنا لانها تفرقنا وبذلك يسعد اعداءنا
إرسال تعليق