وجهات نظر
محمد الدراجي
من شروط اي تفاوض بين جهتين متنازعتين هو ان يوجد طرف ثالث وسيط ضامن يراقب ويضمن مدى تطبيق بنود اي اتفاق يتم التوصل اليه.
ومن أجل بيان أهمية توفر هذا الضامن الوسيط قبل اي تفاوض فانني سأذكر، كمثال، قصة مفاوضات الفلوجة اثناء المعركة الاولى مع العدو الأميركي المحتل (نيسان 2004).
فبعد ايام قليلة من بدء المعارك في مناطق مختلفة من اطراف المدينة ونجاح الحملة الاعلامية في اثارة تعاطف وتضامن ليس فقط الشعب العراقي بل كافة الشعوب الاسلامية وغير الاسلامية, مما دفع بعض الدول المشتركة بجيوشها الى البدء بسحبها من العراق او جدولة انسحابها لاحقاً.
المهم ان الحاكم المدني لسلطة الاحتلال بدأ يرى قرب انهيار العملية السياسية الطائفية بسبب معركة الفلوجة, واحتمال انتشار انتفاضات في مناطق اخرى بحسب اعترافات مذكرات كتابه. وبدأ يرسل الوفود تلو الوفود من اجل وقف العمليات برغم اعتراض قادته العسكريين.
وهنا جاء تشكيل وفد التفاوض الاول لأهالي الفلوجة من بعض وجهاء المدينة. ونظرا لصعوبة التقدم في سير المفاوضات واستمرار المعارك وما جرى خلالها من مآسٍ دموية وجرائم حرب كبرى, تدخلت هنا جهة دولية مهمة لتكون طرفا وسيطا من اجل المساعدة في وقف المعركة وكوارثها. مما اضطر ممثلي الفلوجة الباقين في داخل المدينة الى تشكيل وفد تفاوضي ثاني كنت احد اعضائه. ونظرا لكثرة الحالات التي كنا نلمسها يومياً من عدم ايفاء الامريكان بوعودهم مع اي وفد تفاوضي, لهذا فقد طلبنا كوفد ثاني من الوسيط الدولي ان يعرض على الامريكان شرط أهالي الفلوجة بوجود الامم المتحدة كطرف دولي ضامن يشرف على المفاوضات, مع تحويل المراتب العسكرية في المستشفى العسكري الاردني قرب الفلوجة الى قوة حفظ سلام تابعة للامم المتحدة.
وبرغم عدم قناعة الوسيط الدولي بإمكانية قبول الامريكان بهذا الشرط الا انه نقله الى الجانب الامريكي كما نقلناه نحن إلى الوجهاء الباقين في الفلوجة بعد اللقاء مباشرة.
وهنا كانت المفاجأة للوسيط الدولي الذي اخبرنا بموافقة الامريكان معلناً دهشته من سرعة الموافقة, وطلب منا الاستعداد لمقابلة الامريكان والجلوس معهم خلال الايام القادمة. ولكن لا أعرف لحد هذه اللحظة سبباً مقنعاً للوفد التفاوضي الاول لكي يطرح فكرة تشكيل لواء الفلوجة من دون ضمانات دولية برغم علمه بطرحنا لهذه الفقرة وموافقة الامريكان عليها!! وبحسب مصادر مختلفة فإن صفقة سياسية أبرمت لانقاذ قوات الاحتلال من عار الهزيمة في الفلوجة وانتقال شرارتها لبقية مدن العراق!
هذه الصفقة القذرة تكررت عدة مرات ومن قبل نفس الجهات السياسية لتحمي العملية السياسية الطائفية وكيانها الوليد من رحم الاحتلال.
فجاءت جرائم إبراهيم الجعفري وبداية سجونه السرية والقتل الطائفي بعد تفجيرات المراقد المقدسة من قبل ايران, لتتم صفقة سياسية قذرة جديدة مقابل استبدال الجعفري وترشيح نوري المالكي بديلا عنه من دون محاكمة الاول على جرائمه. ثم جاءت صفقة السكوت على جرائم المالكي ليس فقط منذ بدايتها ضد متظاهري كربلاء او جريمة الإبادة في قرية الزركة بمحافظة النجف, بل حتى إبقاء الفلوجة بسكانها الاكثر من 250 الفاً داخل سجن كبير بكل ما تحمل من ملوثات اسلحة الاحتلال النووية والكيمياوية الى غاية عام 2008 ..
وتوالت الصفقات السياسية الواحدة تلو الاخرى بسبب تغلغل عملاء الاحتلال بيننا منذ ذلك الخطأ الفادح في مفاوضات معركة الفلوجة الاولى.
وقد تكون هنالك اسباب اخرى وجهات متعددة وراء هذا الخطأ الفادح الذي ندفع ثمنه لحد الان. لكن لنتصور لو ان التفاوض أكمل وفق شروط الوفد التفاوضي الثاني ووجود الامم المتحدة كوسيط ضامن ومشرف دولي على المفاوضات, عندها سنجد ان من أهم الفوائد هي:
- اعتراف الامم المتحدة والمجتمع الدولي بحق الشعب العراقي في المقاومة والدفاع عن نفسه ضد الاحتلال.
- دخول الامم المتحدة كطرف وسيط وضامن دولي مع ارسال قوة حفظ سلام دولية.
- إمكانية ان تكون قوات حفظ السلام للامم المتحدة هي بداية لاستبدال قوات الاحتلال في حال نجاح تجربة الفلوجة وتشجيع بقية المناطق للانتفاضة من أجل تعميم تجربة الفلوجة لاستبدال قوات الاحتلال بقوات أممية.
- منع تنفيذ خطط الاحتلال التي بدأ يعدها بعد خسارته لمعركة الفلوجة الاولى, وخصوصا ما جرى بعدها من جرائم حرب وابادة اثناء العودة في معركة الفلوجة الثانية وقبلها معركة النجف وبعدها معارك مدن سامراء والرمادي والقائم وتلعفر وبقية المدن الثائرة.
- منع عملاء الاحتلال من إلصاق تهمة الارهاب ضد المقاومة الوطنية ضد الاحتلال وعصاباته بسبب الاعتراف الدولي بهم, ولكان قانون الارهاب يطبق الان على عصابات احزاب السلطة الحالية.
- إيجاد فرصة توازن سياسيي لكل طوائف الشعب العراقي الرافضة لبقاء الاحتلال ضد من استند على وجود الاحتلال لبناء قاعدة شعبيته الطائفية المجرمة.
- إمكانية منع القتل الطائفي الذي نفذته فرق موت الاحتلال وميليشياته المدعومة من قبل نظام الملالي الايراني, خصوصا بعد التقارب الكبير بين اهل السنةّ والتيار الصدري وتيار الخالصي والحسن البغدادي قبل اختراق فيلق القدس الايراني لبعض ميليشيات التيار الصدري لتخرج منها العصائب والفرق الخاصة ناهيك عن الميليشيات التي قدمت من ايران مع دخول الاحتلال.
المجرم المالكي مستقبلاً الدليمي |
الان, جاءتنا الاخبار والتصريحات بتخويل محافظ الانبار الجديد، أحمد الدليمي، ليتفاوض باسم ساحة الاعتصام في الرمادي فقط! لتقريب وجهات النظر مع المالكي من اجل تحقيق مطاليب المعتصمين.
وسواء كان الرجل وسيطاً محلياً ام ممثلاً لشيوخ العشائر والحزب الاسلامي الذي ينتمي له. فيحق لنا ان نسأل بالاتي:
- قبل ايام ليست بعيدة تم توقيع اتفاق شرف ظهر فقدان مفعوله بسرعة من قبل من جلب الاحتلال ووقع على دخوله, فهل أسس التفاوض الان ستكون مختلفة وعلى ماذا ستستند؟
- اذا كانت المفاوضات السابقة بوجود رئيس البرلمان أسامة النجيفي لم تجد نفعا حتى في إدخال مطاليب المعتصمين الى قاعة البرلمان, فما هي خطة محافظ الانبار لإجبار المالكي على تنفيذ مطاليب المعتصمين، إن كانت هنالك فعلا خطة؟
- ماذا يعني جعل محافظ الانبار مخوَّلا للتفاوض عن ساحة اعتصام الرمادي فقط من دون تنسيق مسبق مع بقية ساحات الاعتصام بالمحافظات الاخرى؟ وهل ستظهر شخصية واحدة تمثل كل محافظة منتفضة لتشكيل وفد موحد ام ماذا؟
- اذا كانت شخصية المالكي المتلونة والتي غدرت بأقرب حلفائه, تسيطر الان على السلطة القضائية ومن دون محاسبة من قبل السلطة التشريعية ايظا, فما هي ضمانات التزامه مع اي اتفاق جديد؟
- الجرائم الكبرى التي ارتكبها المالكي طوال سنين حكمه وما رافقها من فساد وتبعية لنظام الملالي الايراني, تحتم على اي وفد تفاوضي المطالبة بوجود وسيط دولي ضامن بسبب فشل السلطتين القضائية والتشريعية وانفراد المالكي بالحكم الدكتاتوري المدعوم خارجياً. فهل ستتم مطالبة الامين العام للامم المتحدة بإعادة المقرر الخاص عن حقوق الانسان في العراق وجعله وسيطاً دوليا, مع وجود وسيط من الاتحاد الاوربي او مجلس الامن الدولي؟
- الامر المهم الاخر, هل سيكون هنالك سقف زمني محدد للمفاوضات؟ ام انها ستنتهي اعلاميا مع اقتراب الانتخابات القادمة؟
- اذا كانت أسس التفاوض مفقودة سواء عدم إقرار المالكي بشرعية مطاليب المعتصمين وعدم سحبه لتهديداته لهم, ثم عدم وجود وسيط دولي ضامن, ناهيك عن عدم تدويل جرائم المالكي لتكون ورقة رابحة في التفاوض معه, فهل ستكون المفاوضات مجدية وحقيقية ام هي مجرد صفقة جديدة ولعبة تمهيدية للانتخابات؟
المؤمن لا يلدغ مرتين, ونحن لدغنا عدة مرات للاسف ليس فقط من قبل تجار وعرابي الاحتلال بقدر ما كانوا حماة للاحتلال ومن ثم سرّاق مال السحت الحرام الذي وصلت رائحته النتنة الى اغلب دول العالم لنكون من أوائل بلدان الفساد وسرقة المال العام.
لذا ينبغي على أبطال ساحات الاعتصام والمطالبين بحقوق شعبهم أن لا ينسوا دماء زملائهم وأبناء بلدهم منذ مجيء الاحتلال المجرم. وعليهم الوقوف بحزم بوجه محاولات الإختراق والتسويف والمماطلة والسمسرة على حساب حقوق العراقيين جميعاً، كما تتوجب عليهم المطالبة بتوفير الضمانات الحقيقية لتطبيق المطاليب الشرعية وعدم الوثوق بالوعود السياسية لحماة الاحتلال وممثلي الولي السفيه بعد ان أوصلوا بلدنا الى ما نعانيه الآن من خراب ودمار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق