وجهات نظر
كاظم فنجان الحمامي
من فيكم يستطيع العثور على أنظف كيلومتر في شوارع المدن
العراقية كلها؟ ومن فيكم يجزم بوجود شوارع خالية من المطبات والتصدعات والتشققات
والأتربة في إحدى مدننا الوسطية أو الجنوبية؟
لقد خصصت الدولة العراقية الملايين بل المليارات بالعملة
المحلية لتغطية تكاليف تعبيد الطرق الجديدة, وخصصت مبالغ طائلة لبناء أرصفتها
وتشييد قناطرها ودواراتها ومحرماتها, وأغدقت الأموال الهائلة لتغطية تكاليف
صيانتها وترميمها وتأثيثها, لكن تلك الشوارع سرعان ما تهشَّمت, وسرعان ما فقدت
أبسط مقوماتها بعد مرور أقل من شهر على استلامها.
العجيب بالأمر أن شوارعنا الداخلية تعرضت كلها لظاهرة
التصحر, فامتلأت بالرمال والأتربة الزاحفة نحو حافات الأرصفة, وصارت حركة السيارات
المسرعة مصحوبة دائما بزوابع الغبار المتطاير فوق البيوت والأسواق, وفوق واجهات
المحال التجارية, وعلى وجوه المارة, حتى طغى اللون الترابي على سواد الإسفلت,
ولبست المدن حلة ترابية.
أما إذا تساقطت الأمطار بغزارة, فإن شوارعنا تتحول في
غضون سويعات إلى بحيرات تغمرها المياه الآسنة, فتختنق المجاري, وتطفو الأزبال,
وتغرق المدينة برمتها, وما أن تنحسر المياه حتى تظهر تراكمات الأطيان في خنادق
الشوارع المحفورة, ثم تجف الأطيان لتتحول مرة أخرى إلى كثبان رملية متحركة.
نحن نبحث هنا عن رقعة صغيرة, لا يزيد طولها على كيلومتر
واحد, قد نعثر عليها في أي شارع من شوارع مدننا.
رقعة واحدة فقط, على أن تكون جميلة ونظيفة وخالية من
المطبات والتصدعات والتشققات والأتربة, رقعة واحدة مشابهة لشوارع المدن العربية
الصحراوية التي صارت تتباهى اليوم بنظافة شوارعها ومتانتها ونقاوة أجوائها, وتزدان
بلافتاتها المرورية, وأنوارها المشرقة, ومواقفها الأنيقة, وحدائقها المؤطرة بأجمل
أنواع الزهور الملونة, وأرصفتها الخالية من التجاوزات. لوحة طبيعية. تسر الخاطر,
وتبهج الناظر, وتبهر الزائر, وتعكس مدى تفوق المدن الخليجية وتطورها وتحضرها. .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق