موقعنا الجديد، مع التقدير

موقعنا الجديد، مع التقدير
نأسف لإزعاجكم، انتقلنا إلى هنا رجاءً، يرجى الضغط على الصورة للانتقال إلى موقعنا الجديد

الأربعاء، 12 مارس 2014

خليل ابراهيم حسين الزوبعي مسيرة وتأريخ وعطاء متميز

الدكتور هيثم الشيباني
ملاحظة أولية من الناشر:
تتشرف أسرة وجهات نظر بانضمام العالم العراقي البارز الدكتور هيثم الشيباني إليها، ويسرها أن تنشر له هذا المقال عن الشخصية العراقية البارزة الراحل العميد خليل إبراهيم حسين الزوبعي، الذي كان معروفاً باسم (خليل رويتر) كونه الشخصية الأولى التي أذاعت نبأ ثورة 14 تموز 1958 ونقلته إلى وكالات الأنباء العالمية ومنها وكالة رويترز المعروفة.

وأشير في هذا المقام إلى انني سعدت واستفدت كثيراً بلقاء المرحوم الزوبعي حينما زرته في داره منتصف العام 1992، قبل أشهر قليلة من وفاته، وكتبت عنه موضوعاً لجريدة الجمهورية البغدادية التي تشرَّفت بالعمل فيها، وللأسف فإن هذا الموضوع لا يقع بين يديَّ حالياً.

المحرر
......

خليل ابراهيم حسين الزوبعي مسيرة وتأريخ وعطاء متميز

وجهات نظر
هيثم الشيباني
المدخل
أتردد كثيرا في الكتابة إيجابا عن الشخصيات الفذة خشية أن أقع في فئة من يكتب مجاملة، وعليه أبتعد ما استطعت عن مدح الأحياء، الا استثناءً، كي لا أقع في دائرة غير مستحبة  الى نفسي، أما الانسان الذي سوف أكتب عنه اليوم وهو في رحاب العلي القدير فأسأل الله له جنة عرضها السماوات والأرض، فانه ظاهرة يتعذر تكرارها، فمن الرجال من يبرز من خلال مشروع موضوع أصلا، ومن الناس من يخلق المشروع  بنفسه وينشب أظافره متسلقا الجبال كي يصل الى غاياته، والراحل خليل ابراهيم حسين من الطراز الثاني. وهو من ابرز الشخصيات التي تأثرت بها في مسيرتي الوظيفية والانسانية.
كان رجلا صاحب رؤية وطنية ينظر بأفق استراتيجي نحو بناء منظومة علمية متطورة تعبر فوق  الماضي الرتيب نحو المستقبل الفسيح الرحب، الذي يتسع الى كل الأفكار السليمة محتضنة منابع العلم والمعرفة وراعية لها .
من الثوابت التي تعلمناها هي ان المنصب الوظيفي ليس للتشريف والتكبر بل للخدمة والتفاني، وحسب هذا المفهوم يمكن أن تسقط عناوين الى القاع وترتفع أخرى الى القمة، ولنا امثلة من هذا الكلام.
لقد غطَّت فترة عملي في منظمة الطاقة الذرية العراقية مرحلة فارقة من عمري الوظيفي، وسوف أخصص لها ما تستحق من الكتابة اذا مد الله بالعمر. وهذا الوصف لا يعني أن العمل فيها كان نزهة بل كان تعبا حتى الإعياء وساعات طويلة من العمل دون كلل وطموح لا يعترف بالتوقف وانضباط عال حد الصرامة.
وحيث أن توثيق تأريخ الأمة وقع في مصيدة الصراع بين الموضوعية التي تتطلب التأني والانتظار كي نخرج من هول المصائب، وبين الخوف من هروب المشهد عن عدسات المصور حتى لا تضيع تفاصيل اللقطة.
سبق عملي في المنظمة، وبعدها محطات مهمة طبعت صورها في ذاكرتي أبرزها ما أحدثته شخصية الراحل خليل ابراهيم حسين الزوبعي، ويتعذَّر على من يتحدث عن البرنامج النووي العراقي أن يتجاهل دوره في هذا العنوان المشرق من سفر الأمة، وهو المؤسس للصنف الكيمياوي في القوات المسلحة أيضا. (1)
أطلَّ علينا أول مرة يبهرنا في محاضراته الفريدة في التأثير والمضمون في عام 1959 ونحن طلاب على مقاعد الدراسة في الكلية العسكرية. منه سمعنا لأول مرة بمفاهيم استهوت عقولنا مثل السنة الضوئية ونظرية اينشتاين النسبية وعلاقتها بالانشطار النووي  التي استغلها تجار الحروب لانتاج السلاح النووي، وبالتالي استخدامه لقصف مدينتي هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين في آب 1945 مما أحدث خسائر بشرية ومادية مروِّعة بين السكان المدنيين والمباني والبنى التحتية وبالتالي استسلام اليابان، في حين إن الاستخدامات السلمية للطاقة النووية لا تعد ولا تحصى.
كانت محاضراته متباعدة لأنه معلم زائر وليس دائمي، ويقضى وقته في مسؤولياته الأخرى والسفر الى دول العالم لحضور المؤتمرات العلمية، لكن ما كان يدهشنا هو أنه  يحفظ أسماءنا وكأنه لم يفارقنا.

مشوار مشرف
بعد قيام ثورة 1958 وهو من مؤسسي حركة الضباط الأحرار بصفتها الهيئة العليا التي خططت للتغيير، لم  يستغل منصب معاون مدير الاستخبارات العسكريه (المدير هو الشهيد رفعت الحاج سري)، وانما سلَّط اهتمامه على البناء العلمي في الدولة وصار يقتنص فرص تأهيل الملاكات البشرية في روسيا وأميركا، دون كلل وكأنه يتسابق مع الزمن، وحسناً فعل، إذ سرعان ما غيَّرت السياسة الكثير من تلك الفرص، مترجماً مبدأ ننهل من كل مشرب مع الاحتفاظ بالاستقلال والكرامة والثوابت الوطنية. فانطلق بحركة وتنسيق لا يتوانى من أجل هذا الهدف. كان يحث على الثقافة العلمية والعسكرية  ويشجع على النشر في هذه المجالات، وقد أبهرتنا معلوماته الزاخرة التي جعلته يشبه الموسوعة التي تمشي على الأرض.
بسبب توتر العلاقات السياسية بين العراق وأميركا في عام 1959، فقد أصدر عبدالكريم قاسم قراراً بإيقاف كافة الدورات العسكرية الى هناك، بعد أن كنا في انتظار السفر في عام 1962 في أي لحظة، وتجاوزنا اختبارات اللغة والاختصاص العلمي. لكن العميد خليل بما كان يمتلكه من مهارات في اقناع المسؤول  فقد استحصل موافقة قاسم على  مشاركتنا في الدورة، وكان عددنا خمسة/ وهكذا صارت دورتنا بالنسبة له هي القاعدة الصلبة التي تأسس عليها الصنف.
ثم تولى مسؤولية وزارة الصناعة فأبدع فيها كعادته ووضع فيها بصماته القيادية والتتنظيمية، وبعده استلم راية الصنف الكيمياوي اللواء الركن عبدالحافظ خزعل العباسي  الذي كان خير خلف لخير سلف فنهض بالصنف بقفزات نوعيه باهرة وجهود متميزة ، ويمتلك شجاعة قول الحق والتمسك بالمبادئ والقيم وآداب الفرسان والاعتداد بالنفس وأكمل برنامج التأهيل وإيفاد المستحقين للدراسات العليا، وواصل مبدأ التعاون مع وزارات الدولة، فأسأل الله أن يمدَّ بالعمر وأن يمكنني لأكتب بحقه ما يليق في القادم من الأيام.
استثمر العميد خليل موقعه في لجنة الطاقة الذرية بإشراك عدد من المختصين والفنيين من ضباط الصنف وأنا من ضمنهم، في دورة علمية في ستينيات القرن العشرين في معهد التدريب للنظائر المشعة الكائن في منطقة الشالجية ببغداد.
عبرت الدورة عن قدرته في تخطي الروتين بين الوزارات واستثمار مناصبه ومهامه العلمية في وزارات متعددة منها لجنة الطاقة الذرية للتعشيق وتبادل المنفعة العلمية وتوسيع دائرة المستفيدين من أبناء البلد الواحد في علوم الفيزياء الذرية والفيزياء النووية والإشعاع المؤين وطرق قياسه.
قام بالتدريس في هذه الدورة العالم المتميز الدكتور جعفر البقال يرحمه الله فقد كان مثالاً للتواضع باقتدار، ومن شخصية هذا العالم القدير تعلمنا الكثير من الدروس الانسانية اضافة الى العلمية، فأسأل الله العون كي أعطيه حقه في مقال قادم، إن شاء الله تعالى.
تضمنت برامج التدريب التي صممها العميد خليل ابراهيم على إشراك المتميزين من المختصين والفنيين في دورات متعاقبة في الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق واستقدام الخبراء السوفيات للتدريب بناءً على الشروط التعاقدية التي فرضها في كل صفقة شراء لمعدات الوقاية من أسلحة الدمار الشامل وفي مقدمتها  تصليح وتعيير أجهزة كشف وقياس الإشعاع المؤين.
أصدر سبعة أجزاء من موسوعة  ثورة 14 تموز، وكان في نيته اكمال الموسوعة الا أن أمر الله كان أسرع.
ما يميز هذه الموسوعة هو الموضوعية والأمانة في نقل الحدث من أصحابه وبتوقيعهم الخطي وهذه المنهجية في توثيق التأريخ نادرة، وعندما كتب عن الثورة وهو من صانعيها لم يفرض تلك الصفة على توثيق الحدث وتحليله.
على الرغم من تمتعه بالقيادة الصارمة وجديته في العمل الا أن ذلك لم يسبق رعايته الأبوية والإنسانية لكل من عمل معه، وله في هذا مواقف مشهودة.
لقد شقَّ الراحل طريقه بمؤهلاته الشخصية ومثابرته وكفاحه دون أن يوظف السياسة، وهو من الفاعلين في حركة الضباط الأحرار، ولا العشيرة وهو الزوبعي، ولا أي عنوان ضيق فقد كان يؤمن بانتمائه الى العراق والأمة العربية. وقد صارت هذه الصفة نادرة في دنيا اليوم.
لقد كان، يرحمه الله، يؤمن ويبشر في بداية مشواره بضرورة بناء صرح عراقي علمي سلمي شامخ للطاقة الذرية يضم نخبة خيرة من أبناء العراق الغيارى ثم أصبح  في أيامه الأخيره سعيدا بما يسمعه عن النهضة التي حققتها منظمة الطاقة الذرية على يد قيادات مقتدرة وابناء غيارى، وصار كأنه يقوي جسمه النحيل بمدد من تلك النهضة ليباهي بها الدنيا.  

مواقفه الانسانية
آ . في منتصف ستينيات القرن العشرين فتح قرار تأسيس الجامعة المستنصرية حلما جميلا كنت أتمناه، اذ أن طموحي العلمي كان لدراسة الهندسة أما دخولي الى الكلية العسكرية فإن له قصة أخرى، الا أن الجامعة لم تفتح فرع الهندسة في ذلك الحين وكان الأقرب هو فرع الفيزياء. كنت أعمل  معلماً في مدرسة الصنف الكيمياوي وتبلغت مثل من يرغب من أقراني بأن وزارة الدفاع مستعدة أن ترشح منتسبيها وتتكفل بدفع أجور دراستهم وكانت 80 دينارا سنويا، فقمت بالتسجيل مع اثنين آخرين من الزملاء. بعد فترة من الانتظار اكتشفت أن ترشيحي كان محجوباً في ذلك الحين لأسباب لا يعلم فيها العميد خليل. فحزنت حزناً شديداً وكتمت الحزن في داخلي انتظارا للحظة تحقيق الحلم، وكنت على ثقة أن هذه اللحظة قادمة بإذن الله. بعد أيام قليلة أصدر رئيس الوزراء المرحوم عبدالرحمن البزاز أمراً بمنع موظفي الدولة من التسجيل في جامعة المستنصرية. علمت بالصدفة أن الصديق الوفي المرحوم هاشم حسون (أبو اتحاد) كان مسؤولا في الادارة والذاتية في جامعة المستنصرية في ذلك الحين، فعبرت له عن رغبتي في الدراسة فبشَّرني بأنه سوف يضمن قبولي في الجامعة شريطة أن أقدم أوراقي بصفة طالب وليس موظف، وهكذا تم قبولي في الصف الأول علوم.
باشرت في الدراسة بكل حماس ولم تكن سهلة عليَّ بسبب ضغط العمل الوظيفي والتكتم الذي ترتب علي بسبب قرار رئيس الوزراء، وساعدتني عائلتي في تخفيف أعبائي المنزلية لأتفرغ الى الدراسة.
كنت قد كلفت في اجراء التدريب الأساسي للمراتب الجدد، فأعطيت لهذا الواجب كل الاهتمام، وساعدني بالارتقاء في مستوى التدريب الى أعلى ما يمكن وجود مقري مقابل مقر القوات الخاصة في معسكر الرشيد وفيها تعرفت على المرحوم الضابط اللامع  المتميز شكري العزاوي، واستفدت منه كثيرا في أساليب التدريب الأساسي.
زارني العميد خليل الى ساحة التدريب فأبدى اعجابه بالمستوى الراقي الذي شاهده بنفسه. وهنا جاءت فرصتي كي أستثمر الفوز فقلت له أريد اخبارك بمخالفة قمت بها لغاية نظيفة وأحتاج دعمك، فدهش وطلب مني الاستمرار في الحديث. قلت له إنني الان في الصف الثاني كلية العلوم رغم صدور أمر من رئيس الوزراء بمنع تسجيل موظفي الدولة في الجامعة المستنصرية. أجاب بدون تردد سوف أدعمك وتوكل على الله طالما أنت مبدع في عملك، وهكذا بدأ مشواري الأكاديمي بعد بكالوريوس الفيزياء في الحصول على دبلوم عالي في الوقاية من الاشعاع المؤين ثم الماجستير في الفيزياء النووية ثم الدكتوراه في الفيزياء النووية من بريطانيا  في سبعينيات القرن العشرين، وبعد العودة من دراسة الدكتوراه وجدت أن العباسي قد غادر ادارة الصنف الى التقاعد بناء على طلبه وأن أجواء الصنف ليست كما أتمنى وأحلم.
ب . دفاعه من أجل الحق
بسبب حركة نقل الضباط في عموم الجيش في النصف الأول من ستينيات القرن العشرين، نال ضباط الصنف نصيب من التنقلات المتسرعة وغير المدروسة الى صنوف أخرى، فبعد أن تأكد أن هؤلاء الضباط لا حول لهم، انتخى الراحل خليل ابراهيم حسين لإعادة الحق الى نصابه واستعادة الضباط الذين عوَّل عليهم الكثير لبناء الصنف الموعود، فقام بمقابلة المرحوم عبدالسلام عارف، فشرح له أهمية الصنف ومستقبله والقواعد التي تبنى هذا الصنف وقدّم له ايجازاً وافياً عن أهمية بناء الأسس السليمة من الملاكات البشرية. اقتنع رئيس الجمهورية بمبررات العميد خليل وايضاحاته المهنية الموضوعية، فتم اعادة الجميع الى الصنف وتصويب الخلل، فالسؤال بعد تجاوزي السبعين من عمري هو: كم من الناس نرى مثل هذا الرجل في عالم اليوم؟

بعض ما كتب عن الراحل
آ . قال عنه الاستاذ حميد المطبعي في (موسوعة اعلام العراق في القرن العشرين) وكتب عنه باحثون عدة منهم الأستاذ الدكتور ابراهيم العلاف ما يلي: (2)
ولد خليل ابراهيم حسين الزوبعي في ناحية العزيزية في محافظة واسط (الكوت) سنة 1924 وفيها أكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة والاعدادية .
تخرج من الكلية العسكرية في بغداد، وتلقى علومه العسكرية العليا في المدارس العسكرية في الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي (السابق) وبريطانيا ومصر والمانيا، وحصل على شهادات عليا كان منها حصوله على شهادة الماجستير في اقتصاديات البترول والطاقة. عمل في مناصب عديدة كان أبرزها عضويته في لجنة التنسيق للهيئة الفنية الثانية في مجلس الاعمار للفترة 1957/ 1958 ومعاون مدير الاستخبارات العسكرية بعد ثورة 14 تموز 1958 عندما كان مديرها المرحوم العقيد الشهيد رفعت الحاج سري. ترأس تحرير المجلة العسكرية لبضعة سنوات. اصبح مسؤول التوجيه المعنوي في وزارة الدفاع لفترة من الزمن ثم شغل منصب وزير الصناعة 1967 ـ 1968. له مؤلفات عديدة زادت على الـ (20) كتاباً. ترجم بعض الكتب. كان عضوا في اتحاد المؤرخين العرب .
كان عضواً في  تنظيم الضباط الاحرار في العراق، وقد عرف بين صحبه واصدقائه ب (خليل رويتر)، لما كان يحمله من ذاكرة حادة وقادة، ومتابعة متميزة وما يجري حوله، ولثقافته التاريخية والاسلامية والعلمية والعسكرية والاقتصادية والذرية.
  - أضاف الى سلسلة كتبه عن ثورة 14 تموز مجموعة أخرى من الكتب الجديدة  وصل عددها الى (اربعة كتب) حول العراق في الوثائق البريطانية  - 1958 1959 .
-  كان الاستاذ خليل ابراهيم حسين الزوبعي يحفظ تاريخ العراق المعاصر في أدق مراحله، وذلك من خلال المعلومات القيمة التي أخذها من رجال ذلك العهد، سواء كانوا ضباطا أو قادة عسكريين او وزراء او رؤساء وزارات ومن وثائق بريطانية وعراقية، وجهده في هذا الجانب يعد مكملا لجهد مؤرخ العراق الكبير الراحل عبدالرزاق الحسني صاحب (تاريخ الوزارات العراقية) 1921/ 1958 .
-  اشترك المرحوم الزوبعي في حرب فلسطين 1948، واسهم في تدريب الثوار الجزائريين  ضد  الاحتلال الفرنسي. صار عضوا مؤسسا في ادارة المجلس العربي المشترك للطاقة الذرية. وشغل عضوية لجنة الطاقة الذرية 1957 ـ 1968، وتولى منصب المحلق العسكري في السفارة العراقية بواشنطن 1967 وشارك لأكثر من مرة في اجتماعات مجلس الدفاع العربي المشترك .
-  كُرِّم الاستاذ الزوبعي في مناسبات عديدة وكان آخرها تكريمه من قبل مؤسسة بيت الحكمة (بغداد) التابعة لمجلس الوزراء يوم 23 تشرين الثاني سنة 2002. وقد جرى احتفال كبير كتبت عنه الصحافة العراقية في اليوم التالي، ومما قالته الصحافة آنذاك ما يلي:      
- لقد تخرج بتفوق ضابطا في عام 1943 وحصل على شهادات جامعية أولية وعليا في اختصاصات مختلفة وألف اكثر من 70 كتابا وبحثا مطبوعا في اقتصاديات الطاقة والنفط والذرة والتاريخ والاقتصاد الاسلامي. لقد كان مؤرخاً موضوعياً منصفاً شجاعاً في قول الحق صاحب مروءة أميناً.   
-  فالرجل لم يكف عن تقديم ما لديه من وثائق وكتب ومعلومات الى من يطلبها من طلبة الدراسات التاريخية العليا.
ب . في عقد الستينيات من القرن الماضي كان أنشط سكرتير عام للجنة الطاقة الذرية هو العميد المرحوم خليل ابراهيم حسين الزوبعي فهو بالرغم من كونه مديرا للصنف الكيمياوي فقد كان يمتلك نظرة صائبة وامكانات عالية في التخطيط والتنفيذ وترك بصماته الواضحة على المشاريع التي تولت اللجنة تنفيذها في تلك الفترة (3)
من نتاجه السياسي المتميز ما صدر له عن بيت الحكمة في بغداد حديثا وبطبعته الاولى لعام2014 كتاب (الايام الاخيرة من حكم عبدالكريم قاسم في الوثائق البريطانية 28 كانون الثاني – 15 اذار 1963) تأليف العميد المتقاعد خليل ابراهيم الزوبعي واعداد الدكتور نوري عبدالحميد العاني ويقع في (112) صفحة من القطع المتوسط وتصدر غلاف الكتاب صورة فوتوغرافية تاريخية للزعيم قاسم. 
يتضمن هذا الكتاب معلومات مثيرة وحقائق في غاية الاهمية استمدت من وثائق دائرة السجلات العامة. وكان المؤلف قد صور هذه الوثائق من دائرة السجلات العامة في لندن وترجمها الى اللغة العربية وعلق عليها وفنَّد بعض الاراء الواردة فيها، الا أن الكتاب طبع بعد وفاته .
كان الراحل يمتلك مكتبة نادرة زاخرة بكل أنواع العلوم والمعارف، وفي يوم من أيام شدة المرض عليه قمت بزيارته فقال إن الأطباء نصحوه بالعلاج في خارج العراق لكن تكاليف علاجه تقتضي منه بيع مكتبته، ثم أضاف قائلا "لو بعت مكتبتي أموت أيضا لأني لا أستطيع العيش بدونها". لكن معلوماتي أن الدولة التفتت اليه وقامت بعلاجه والعناية به. وكنت أتابع اخباره من خلال زميلي في منظمة الطاقة الذرية وجاره في مدينة اليرموك الأستاذ ناطق الدايني صاحب الوجه البشوش والنكتة الذكية الساخرة.
لقد رحل العملاق خليل ابراهيم حسين في السابع عشر من كانون الأول عام 2002 الى الحياة الآخرة، فنسأل الله له الرحمة والفردوس الأعلى وعذراً لك يا معلم الأجيال إن كان الكلام أقل مما تستحق.

الدكتور جعفر ضياء جعفر
مداخلة الأستاذ الدكتور جعفر ضياء جعفر
كان لي شرف التعرف على العميد المرحوم خليل ابراهيم حسين الزوبعي بعد عودتي من الدراسة في المملكة المتحدة عندما كان المرحوم يشغل منصب سكرتير عام لجنة الطاقة الذرية اضافة الى مهامه الأخرى. إذ اصر المرحوم على تعييني باحثاً علمياً في لجنة الطاقة الذرية وكان ذلك في شباط 1967. اهتم المرحوم بتطوير لجنة الطاقة الذرية اهتماماً بالغاً منذ تأسيسها وكان له حضور متميز في مسرح احداثها ومؤثراً مهماً في مسار تطويرها بسبب ما كان يحمله من معرفة ومعلومات حول خفايا السياسة وبواطن الامور منذ تشكيل لجنة الطاقة الذرية عام 1956 ولغاية إحالته على التقاعد ومغادرته الوطن عام 1968. إذ خسرت لجنة الطاقة الذرية في ذلك الحين احد اهم مناصريها وداعميها بسبب خبرته العميقة وعلاقاته الواسعة وتواصله المستمر مع اصحاب القرار. ويمكنني الجزم بأن هذه الخسارة لم يكن بالامكان تعويضها الا بعد عدة سنوات ابتداءً من عام 1975 وبسبب التغييرات التنظيمية التي حصلت للجنة في ذلك العام. ولا بد من الاشارة في هذا السياق بأن للمرحوم الفضل الاكبر في اعتماد مشروع المفاعل النووي للبحوث وادخاله ضمن الخطة المركزية للدولة والاتفاقية العراقية – السوفياتية للتعاون الاقتصادي في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات من القرن الماضي، إذ كان من المخطط ان يتسلم العراق مفاعلاً نووياً للبحوث من الولايات المتحدة الامريكية عندما كان العراق عضواً مؤسساً في حلف بغداد. وبعد مغادرة العراق هذا الحلف عام 1958 قررت الولايات المتحدة الامريكية اهداء المفاعل المخصص للعراق الى ايران (العضوة في الحلف) وتم فعلاً نصبه وتشغيله في جامعة طهران في اوائل الستينيات ومازال يعمل لحد الآن. اما مفاعل 14 تموز للبحوث فتم تجهيزه من الإتحاد السوفياتي عبر الاتفاقية الآنفة الذكر ودخل الخدمة عام 1967 بقدرة 2 ميغاواط حراري وطورت قدرته الى 5 ميغاواط حراري في منتصف السبعينيات ودمر بالقصف الجوي الأميركي في شباط 1991 خلال العدوان على العراق.

الهوامش
( 1 )  استراتيجية البرنامج النووي في العراق في اطار سياسات العلم والتكنولوجيا ، همام عبدالخالق عبدالغفور وعبدالحليم ابراهيم الحجاج، مركز دراسات الوحده العربيه ، بيروت، نيسان 2009، ص 48 
 ( 2 )خليل ابراهيم حسين الزوبعي والتأريخ العراقي المعاصر، أ.د.ابراهيم خليل العلاف،
 جريدة فتى العراق (الموصلية) العدد 193 في 6 كانون الاول 2007 .
( 3 ) الاعتراف الأخير، حقيقة  البرنامج النووي العراقي، د.جعفر ضياء جعفر، د.نعمان النعيمي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، آيار/ مايو 2005.

هناك تعليق واحد:

غازي الحمداني يقول...


كان لي الشرف بان المرحوم العميد خليل ابراهيم كان احد الذين درسوني في الكليه العسكريه للعامين 1956 و1957 واتذكر حادثة عن حده ذكائه ان احد الطلاب ساله سؤال يتعلق بالذره فاجابه بالشرح الوافي وصادف نفس الطالب اعاد السؤال نفسه بالسنه الثانية عن تعمد او صدفة كان جواب المرحوم قال له سؤالك هذا سالتني اياه العام الماضي وكنت تجلس بالمحل الفلاني من الصف ومع هذا ساجاوبك.
ومن كتبه العسكرية ارخ الفتره من 14تموز1958 لغاية شباط 1963 بسبعة مجلدات وتعتبر موسوعه
رحم الله معلمنا ومرشدنا واسكنه فسيح جناته

تنويه من المحرر

تنويه من المحرر
وجهات نظر موقع شخصي تماماً لا يمثل أي جهة أو حزب أو منظمة، ولا ينتمي إلا للعراق وأمته العربية والإسلامية، وهو محمي بالقانون وبميثاق الشرف الصحفي ولايسمح بإعادة النشر إلا بشرط ذكر المصدر.. الكتاب يتحملون مسؤولية مقالاتهم، والناشر غير مسؤول عنها..