هنا مقال من حلقتين، للكاتب العربي الأستاذ صلاح المختار، بعث لي بهما على بريدي الإلكتروني، مشكورا، يستعرض فيهما طبيعة الجهات والشخصيات الممهدة لاغتصاب البحرين العربية، وضمِّها للجسم الفارسي السرطاني المتغوِّل.
الممهدون لاغتصاب البحرين من هم ؟ 1
صلاح المختار
اذا كان بعض العرب مصابين بمرض الادمان على التعلم من اخطاءهم فقط مع تجنب الاستفادة من اخطاء الاخرين ، والخيار الاخير هو التصرف الصحيح والحكيم الذي اعتادت البشرية عليه ، فانهم وبدون ادنى شك محكوم عليهم بتكرار معاناة ما عاناه غيرهم وربما تكون معاناتهم اشد واقسى واكثر مرارة لعدة اسباب من بينها سبب واحد مهم وهو ان من وقع في الخطأ كان بامكانه تجنبه لو انه أتعض باخطاء غيره وتعلم من تجاربهم ، لكن هذا الاكتشاف يحصل بعد فوات الاوان و( وقوع الفأس بالرأس ) و ( بعد خراب البصرة ) كما يقول المثلان الشهيران . وهذا الصنف من البشر الذي بالكاد يتعلم من اخطاءه كان ومازال وسيبقى ضحية هذا المرض الخبيث الذي حذر منه بسمارك موحد المانيا وقائدها الشهير .
والتعلم من تجارب الاخرين بصفته ضرورة وجودية تظهر اهميته القصوى في البحرين الان بعد ان رأينا نتائج دخول ايران للعراق بعد غزوه المشترك من قبل امريكا وايران وهي نتائج كارثية بكل المقاييس لان ايران خرجت من تجربة الغزو بصفتها الرابح الاول مما جرى في العراق خصوصا بعد تسليم امريكا للعراق اليها رسميا ، كما اشار الرفيق المناضل عزة ابراهيم القائد الميداني للثورة العراقية المسلحة في خطابه الاخير ، وكان ابرز مظاهر الكارثة هو ادخال اكثر من اربعة ملايين ايراني فارسي و كردي من ايران وتركيا وغيرهما للعراق ومنح اغلبهم الجنسية العراقية واقتران ذلك باجبار اكثر من ستة ملايين عربي عراقي ( من السنة والشيعة ) على مغادرة العراق لتحقيق هدف جعل العرب قومية من بين القوميات المتقاربة العدد ، كما نص دستور بريمر رسميا ، تمهيدا لانهاء عروبة العراق ، فهل نتعلم مما جرى ويجري في العراق لتجنب دفع البحرين نحو كارثة لاشك انها ستكون اسوا من كارثة العراق لاسباب عديدة سنشرحها ؟ هل ما يجري في البحرين هو فقط نضال من اجل الديمقراطية وحقوق الانسان كما يظن البعض من الوطنيين العرب ؟ ام ان ما يجري اوسع واشمل واخطر من هذا الموضوع لان هناك اهداف توسعية ايرانية تجاه البحرين تستغل موضوع الديمقراطية وحقوق الانسان لاجل تحقيقها ، كما ان هناك موقفا امريكيا داعما للموقف الايراني العام تجاه البحرين ؟
اليوم نريد مناقشة التباس خطير يحصل لدى بعض الوطنيين من القوميين العرب بخصوص طبيعة ما يجري في البحرين من احداث خطيرة جدا وهو التباس عدم الربط بين ثلاثة موضوعات حيوية يشكل عدم الربط بينها اخفاقا في فهم طبيعة ما يجري ومن ثم التورط دون قصد في تنفيذ مخطط معاد يقف هؤلاء رسميا ضده ، الموضوع الاول هو ضرورة الديمقراطية وحقوق الانسان فلا يوجد شخص واع ينكر ان البحرين بحاجة لاصلاحات كبيرة ومن ينكر ذلك يقع في فخ ايران مباشرة ، والموضوع الثاني هو امكانية واضحة جدا للتدخل الخارجي الامريكي والايراني لحسم الصراع حول الديمقراطية ، التدخل الامريكي بدعم مطاليب انصار ايران رسميا ، والتدخل الايراني باستخدام كل امكانيات ايران بما في ذلك العسكرية في نهاية المطاف لتحقيقه ، اما الموضوع الثالث فهو وجود مخطط اقليمي ايراني لضم البحرين على اساس ادعاء ايراني بانها محافظة ايرانية وهذا المخطط الايراني مدعوم ب وملتق مع مخطط امريكي صهيوني لتقسيم الاقطار العربية وانهاء الهوية العربية باجتثاث العروبة ، ولذلك نرى شراكة امريكية - ايرانية في موضوع شرذمة الاقطار العربية وتقسيمها عبر تعمد اثارة الفتن الطائفية فيها ، وتحتل البحرين الان وبعد غزو العراق الهدف الاول للغزو الايراني ونرى امريكا والنيتو تدعمان مطالب انصار ايران وتصعدان التوتر وتمنعان انهاءه في البحرين لاجل ايصال الوضع الى مرحلة الانهيار التام وتعدان الرأي العام لاعتبار ضم البحرين لايران حالة اجبارية لا مفر منها . من خلال استغلال قضية الديمقراطية وحقوق الانسان .
لذلك لا مفر من التذكير بمنطلقات البعث بشكل خاص وبمنطلقات التيار القومي العربي بشكل عام من قضايا الصلة بين موضوعي الديمقراطية والصراع مع قوة استعمارية دولية كامريكا ، او قوة استعمارية اقليمية كالكيان الصهيوني وايران ، ولكي ندخل جوهر الموضوع لابد من طرح السؤال المهم التالي : لماذا وضع البعث في صلب مبادءه واولوياته مبدأ ( العروبة اولا ) والذي ترجم باعطاء الوحدة العربية ارجحية معنوية على بقية اهدافه المقدسة وهي الوحدة والحرية والاشتراكية كما اكد مرارا القائد المؤسس احمد ميشيل عفلق رحمه الله ؟ الجواب واضح تماما فان من اسس البعث درس التاريخ واحداثه وتعلم من اخطاء الاخرين ممن سبقوه وحاولوا انقاذ الامة لكنهم فشلوا لنقص وعيهم او جزئيته التي نشأت عن اهمال دروس وعبر تجارب الاخرين . واعطاء البعث للوحدة العربية ارجحية على الحرية والاشتراكية ، رغم الترابط الجدلي بين هذه الاهداف ، كان ثمرة ادراك حكيم بان الهوية العربية ( العروبة ) هي البيئة الحتمية لعيش العرب مقتدرين ومبدعين واحرار والتي اذا غابت او تفتت يستحيل تصور وجود عرب حقيقيين .
لذلك كان الرد القومي العربي الحاسم على تحالف اعداء الامة هو حماية العروبة والدفاع عن الهوية العربية بصفتها الحصن المنيع للامة والضامن لمستقبلها ، فكيف تمارس الحرية اذا فتتت الامة وقسمت اقطارها وغيبت الهوية العربية ؟ وكيف تبنى الاشتراكية في قطر او اكثر بعد ان تضيع الهوية الرابطة والموحدة للشعب وتحل محلها روابط ما قبل الامة وما قبل الوطنية والقومية كالطائفية والعشائرية والعنصرية ...الخ ؟ ان المجال الحيوي الحتمي المطلوب للحرية والاشتراكية وللديمقراطية هو المجال السكاني الموحد والمنسجم ، وطنيا وقوميا ، لان الديمقراطية والاشتراكية وكل المفاهيم تطبق على الانسان وليس على حجر وفي وطن واحد وليس في كانتونات طائفية وعرقية ، واذا غاب او غيب المجال السكاني الوطني والقومي وحلت محلهما مجالات طائفية وعرقية تمنع انسجام السكان لا يمكن تطبيق اي هدف ثوري ووطني . فوحدة السكان تزول ويحل محلها تناثر السكان وتصارعهم طائفيا وعنصريا واقليميا ...الخ . فهل يصبح ممكنا اقامة الديمقراطية او الاشتراكية في ظل تغييب او غياب الهويتين القومية والوطنية ووجود بشر متنازعين ومتقاتلين ؟
هكذا اذن يجب ان نفهم مسألة تفتيت القطر الواحد او محو عروبته وتأثيراتها على تحقيق بقية الاهداف كالحرية والاشتراكية والديمقراطية ، ومن لا يحلل الواقع الحالي بهذه الطريقة ويختار موقف العزل القسري بين الديمقراطية وعناصر تهديد وحدة القطر السكانية محكوم عليه بالاخفاق في حماية الهوية ودعم اتجاه التفتيت وتفجير تناقضات متعددة في ان واحد ، وبنفس الوقت فان تلك الحالة لن تحقق الديمقراطية ولن تصون حقوق الانسان على الاطلاق وهو ما نراه الان في العراق المحتل ، وهذا بالضبط ما يريده من يحرك الاحداث فعلا وواقعا . ان العروبة اسبق من كل قضية اخرى فرعية كالديمقراطية او حقوق الانسان في هذه المرحلة التاريخية الخطيرة ، فما قيمة النجاح في اسقاط نظام فاسد او مستبد اذا كان البديل ليس وطنيا ولا قوميا وتابع للاجنبي ويسعى لتقسيم القطر كما في العراق ، او انه اجنبي ايراني مباشر كما في حالة البحرين ، ويقوم على محو العروبة ومحاولة زرع هوية اخرى للشعب العربي او تقسيم القطر ؟
ما ميز البعث عن غيره من الاحزاب التقليدية ومنع تحوله الى حزب انتهازي وظرفي يزول بزوال الظرف الذي وجد فيه هو انه ادرك مبكرا ان المبادئ القومية الكبرى تحتل المركز الاول وبعد تثبيت المبادئ بوضوح يصبح وضع الستراتيجية تحصيل حاصل ، فبما ان المبادئ تقوم على تأكيد ان العرب امة واحدة وانهم شعب واحد وان التجزئة مصطنعة ويجب القضاء عليها ، وان النظام السياسي يجب ان يكون اشتراكيا وديمقراطيا وشعبيا فان تحقيق تلك الاهداف يتطلب عملا منظما ومدروسا وفق خطة طويلة المدى توصل لتحقيق الاهداف وهي الستراتيجية التي تخضع للمبادئ وتخدمها وليس العكس ، وتاريخية البعث وديمومته وتجذره شعبيا وعقائديا تنبع من هذه الحقيقة .
اذن بعد المبادئ تأتي الستراتيجية التي تتضمن العمل من اجل الوحدة العربية والحرية والاشتراكية ، ولاجل الوصول لتلك الاهداف لابد اولا من حماية عروبة الاقطار العربية بصفتها البيئة الحتمية الضرورية لاي وحدة او ثورة او اصلاح ، وطبقا لهذه البديهية فان الستراتيجيات تتبدل استجابة لتبدل الظروف والبيئة لكن المبادئ لا تتبدل وتبقى ثابتة لانها مسوغ وسبب وجود الحركة الثورية التي لا توجد بدون مبادئ .
من هنا فان شعار العروبة اولا ليس سوى تتويج عملي ومنطقي للفكر القومي للبعث وكل مكونات التيار القومي العربي الاخرى خصوصا الناصرية ، فما قيمة العروبة واين ستصبح اذا ضم قطر عربي لبلد اجنبي او وقع تحت استعماره وبدأ بتغيير هويته بالقوة ، مثلما حصل ويحصل في الاحواز العربية التي تحتلها ايران وتعمل على تفريسها بصورة منظمة رغم ان عدد سكان الاحواز بين 8 و9مليون عربي وهو عدد اكبر من مجموع السكان العرب لكل دول الخليج والسعودية ، ومساحتها اكبر من كل دول الخليج العربي ؟ هل سيصمد عرب البحرين طويلا بعد ضمها لايران خصوصا بوجود جالية ايرانية قوية ، وهي غير شيعة البحرين العرب الاصلاء ، ستعمل على ابادة كل من يريد الدفاع عن عروبة البحرين ؟
اليس هذا اتجاه معاكس للصيرورة التاريخية الاصلية التي يجب ان تقودنا لتحقيق الوحدة العربية وتعميق وتعزيز الهوية القومية وليس اضعافها او الغاءها عبر سياسات صهينة ، كما في فلسطين ، او تفريس كما في الاحواز والان في العراق ودول الخليج العربي ، او تتريك كما في الاسكندرون ؟ المنطق يقول اذا حافظت على الهوية تستطيع تحقيق التغيير السياسي الجذري بصيغة الثورة او السياسي بصيغة الاصلاح ، ففي مجتمعات مستقرة نسبيا يمكن تحقيق الثورة او الاصلاح المنشود ولكن ماذا يحصل حينما تفتت الهوية وتصبح موضع تساؤل وتشكيك وخلاف ؟ وماذا يحصل حينما يكون الصراع الاصطناعي هو صراع طوائف واعراق يفتت القطر ويشتت قواه ويخلق حربا اهلية حقيقية ؟ بالتاكيد نواجه الان ، وسنواجه اكثر ، حالة فوضى لابد ان تفضي الى هلاك القطر او الامة اذا لم يكن هناك رد وطني وقومي صحيحين ، وبالطبع فان الثورة والاصلاح يصبحان في خبر كان وذلك لزوال بيئة الثورة والاصلاح وهي وجود قطر موحد ومستقر بهويته ومعالم مواطنته ،ويصبح البحث عن النجاة من الموت والتفريس والاضطهاد العنصري هو المشكلة الرئيسة كما في الاحواز المحتلة ، فكيف واين تحقق الاصلاح والثورة بعد زوال الهوية ؟
هل هذا اجتهادي الشخصي ككاتب وباحث ؟ ام انه موقفي كمناضل بعثي وكمثقف بعثي ملتزم بعقيدة البعث منذ اكثر من 54 عاما مملوءة بالخبر والتجارب الحزبية والوطنية والقومية ؟ بالتأكيد انه موقف البعث الاصيل والثابت . دعونا ننظر في الماضي القريب لنزيل الاوهام لدى البعض . في ذروة الخلافات مع دول الخليج العربي عقب العدوان الثلاثيني على العراق في عام 1991 الذي دعمته تلك الدول ، وقف القائد الشهيد صدام حسين ليقول كلمته الشهيرة : رغم ان السعودية ودول الخليج العربي تأمرت على العراق وشاركت في الحرب ضده فاذا تعرضت السعودية الان لاي عدوان خارجي فسوف يقف العراق معها ويقاتل دفاعا عنها .
بل ان اسم العراق قبل الغزو كان البوابة الشرقية للوطن العربي والحارس الامين للامة العربية ، ومن اجل صدقية هذا الدور قدم العراق مئات الالاف من الشهداء لحماية هوية الخليج العربي من التفريس ومحو الهوية العربية ، وهو هدف ايراني ستراتيجي معروف ، لم يعد سرا مخفيا بعد غزو العراق وما تبعه من تحولات كبرى في الموقف الايراني الرسمي والفعلي تركزت حول الاعلان الوقح عن شراكتها لامريكا رسميا وفعليا في اعمال الغزو واثارة الفتن الطائفية في الوطن العربي ، وما الحرب التي فرضتها ايران لمدة ثمانية اعوام وكلفت العراق اكثر من نصف مليون شهيد الا مثال ساطع على ان حماية عروبة الخليج اهم من الانظمة وقبلها وبعدها والدم العراقي الغالي والغزير والذي سفح لم يسفح من اجل نظام ما بل من اجل هوية الامة ووجودها ومستقبلها .
هل كان الشهيد القائد صدام حسين لا يعرف طبيعة انظمة الخليج عندما قال ذلك ؟ ام انه كان يعرفها بالتفصيل وبالدقة لكنه كان يتمسك بالمبادئ الاساسية للبعث وابرزها حماية عروبة المنطقة من التفريس والصهينة ؟ لقد كان الحزب ومازال واعيا لطبيعة انظمة الخليج العربي وكان هو الضحية العربية الاكثر تضررا من سياسات حكامها لكن المسألة الاساسية بالنسبة للبعث لم تكن مدى الضرر الذي لحق به ، فتلك مسألة ثانية في الترتيب المبدأي ، بل كيفية حماية عروبة الخليج المهددة بالتذويب القسري خصوصا من قبل ايران ، فالانظمة تزول وتتغير لكن الشعب باق ، اما اذا غير الشعب بتغيير السكان وفق تخطيط عنصري كما فعلت اسرائيل في فلسطين وايران في الاحواز وتركيا في الاسكندرون ، والان تجري محاولات محو العروبة في العراق ودول الخليج العربي خصوصا البحرين ، ، فان فلن تبقى امة ولا هوية ولا رابط بل كل ما سنراه هو فئات من البشر يتقاتلون فيما بينهم من اجل طائفة او عرق او منطقة او جهة او مال او ايديولوجيا ، ولن تكون هناك لا ديمقراطية ولا حقوق انسان . فهل المطلوب هو انهاء عروبة البحرين تحت دعوى تحقيق الديمقراطية ؟
لم يكن ذلك الموقف غريبا على الاطلاق فالبعثي قومي عربي تهمه المصلحة القومية العليا للامة العربية وبغض النظر عن مواقف الانظمة وسياساتها ، فالاصل هو الوجود والهوية العربية وليس بقاء او زوال نظام ما . وعلينا ان نتذكر جيدا بان الموقف العدائي تجاه العراق الذي اتخذته انظمة الخليج وقتها ، ومازال بعضها يتخذه حتى الان تجاه المقاومة العراقية الباسلة وقضية العراق ، كان كافيا لساسة عاديين لا تحكمهم مبادئ قومية عربية حقيقية كي يقفوا مع غزو السعودية من قبل امريكا او اسرائيل او ايران لمجرد اسقاط نظام عربي مرفوض من قبل البعض ، لكن القومي العربي الحقيقي خصوصا البعثي لا يفكر بمنطق الانتقام العاطفي ، ولا يقع في فخ تبسيط التناقضات السياسية واختيار موقف ساذج تفرضه العواطف وليس المنطق العقلاني بدعم عملية اسقاط نظام عربي ليكون البديل نظاما عميلا لايران كما في العراق حاليا ، بل انه ( القومي العربي ) الحقيقي يتجاوز المه ومشاعره المشروعة الناشئة عن اضطهاد تلك الانظمة له ويتمسك بمصلحة الامة العليا ، والتي كانت الدافع الرئيس لتأسيس البعث وهي المحافظة على الهوية العربية لكافة الاقطار العربية وبغض النظر عن طبيعة نظامها السياسي . اما حينما يقول ( بعثي ) يجب اسقاط النظام بغض النظر عما سيترتب على ذلك فنقول بصراحة هذا ليس تفكير البعثي الحقيقي وهو مناقض لكل تقاليد البعث النضالية وهو معاكس كليا لطريقة التفكير والتربية في البعث لانه تفكير سياسي يتجاهل ، او يجهل الستراتيجيات الدولية والاقليمية التي تنفذ الان وتقوم على تقسيم الاقطار العربية بلا اي استثناء والعمل الجاد لتذويب الهوية العربية .
هل نحتاج لادلة اثبات واقعية تؤكد ما قلناه ؟ نعم لان البعض يبدو كأنه يغمض عينيه وعلينا مساعدته على فتحها ليرى ما يجري والذي يقدم ادلة اكثر من كافية للتأكد ان من لا يتبنى مبدأ وشعار العروبة اولا ، ومن لا يرى مطلب الديمقراطية في بيئته الواقعية ويتجاهل وجود صلات لطرحه باهداف خارجية استعمارية او توسعية يسهم بخدمة المخططات المعادية بدون وعي وبغض النظر عن النوايا الطيبة .
الممهدون لاغتصاب البحرين من هم؟ 2
صلاح المختار
ان خلط الاوراق او تداخل الخنادق يعد الان جزء اساسيا من خطط الاعداء، فلكي تجر كتل جماهيرية الى خندق معاد دون ادراك انه معاد يجب تبني شعارات تبدو ظاهريا صحيحة سياسيا لكنها في الواقع خاطئة مبدئيا وستراتيجيا، فمثلا الحديث عن وجود انظمة فاسدة ومستبدة وتابعة صحيح بلا ادنى شك، ونحن في العراق اهم واول ضحايا هذه الانظمة التي تأمرت على العراق وساهمت في غزوه وتدميره، لكن ادراك هذه الحقيقة ولكي لا نصبح ادوات بيد العدو او طرف ليس صديقا لنا، امر يجب ان يقترن حتما بوعي طبيعة المرحلة وتحديد اتجاهات الصراع فيها، وادراك حقيقة موازين القوى ومن هي القوى المحركة للاحداث وكم تملك من تأثير مقابل كم نملك نحن من قوة وتأثير...الخ، فتلك من ابسط بديهيات خوض اي صراع، فانت لا تخوض الصراع وانت تجهل من هو عدوك وما هي خططه الحقيقية وتجهل طبيعة من تقف معه في جبهة واحدة مرحليا او انك تعرفه لكنك لا تقدر نواياه الحقيقية جيدا، لانك في هذه الحالة سوف تصبح مجرد بيدق يحركه الاخر وقد يكون عدوا خطرا وربما اخطر من النظام الذي تريد اسقاطه.
لنناقش الامر ميدانيا وكما نراه في لواقع بعيدا عن النظريات.
1 – كانت المعارضة العراقية قبل الغزو تعتقد بانها شاطرة وقادرة بعد اسقاط النظام الوطني على لعب دور فعال والتفوق بهذه الطريقة او تلك على سيدة اللعبة وهي امريكا ومخابراتها، وكان هذا المنطق هو الذي ورط البعض بمواقف اعترف لاحقا بانها كانت خيانة وطنية عظمى لم يكن يقصدها ابدا. والسبب هو ان منظم ومحرك اللعبة الكبرى لديه احتياطيات وامكانيات وخطط بعيدة المدى ومال واعلام يدعمه، والاهم انه يعرف ما يريد ويعرف مع من يتعاون، فهل بعض عناصر التيار القومي في البحرين تمتلك شروط وامكانات اكبر من المعارضة العراقية وهي تضع بيضه كله في السلة الايرانية وتصطف معها بلا تحفظ او تحسب؟
يقينا، وكل من يتابع ما يجري في البحرين يعرف هذا اليقين، ان اتباع ايران في البحرين هم الاقوى من التيار القومي، ويقينا اخرا ان اتباع ايران لديهم مخطط متتابع المراحل خطوته الاولى اسقاط النظام لكن خطوته الثانية ليست الاكتفاء بالديمقراطية بل استخدامها لضم البحرين الى ايران، بمباركة امريكية ناتوية، بينما بعض عناصر التيار القومي البحريني ضعيفة ولديها هدف واحد فقط وهو اسقاط النظام اما بعد ذلك فهي لا تعرف الخطوة التالية التي يجب ان تخطوها ولا تملك القدرة على القيام بتلك الخطوة، ولذلك فان هذه العناصر هي الطرف الاضعف في المعادلة السياسية البحرينية وهو طرف عاجز عن التحكم بالاحداث بعد اسقاط النظام بينما الطرف الاخر الايراني مهيأ لاستلام السلطة وتنفيذ الخطوات اللاحقة الاشد خطرا من اسقاط النظام. هل هذا يختلف عما حصل لبعض اطراف المعارضة العراقية التي كانت ترفض التعاون مع المخابرات الامريكية لكن ضعفها وقلة خبرتها وسذاجة تفكيرها وغياب التحسب الحقيقي لديها وغلبة العواطف والتسرع على مواقفها مكن المخابرات الامريكية من سوقها كالبهيمة لقبول الغزو وتدمير الدولة العراقية وليس اسقاط النظام فقط؟
2 – العناصر التي لم تكن عميلة وشاركت في العملية السياسية بعد الغزو كانت تعتقد بانها ربما تستطيع تحقيق التغيير المنشود من داخلها، ولكن ماذا حصل لها في الواقع؟ هل نجحت ولو جزئيا في تحقيق اصلاح جزئي؟ كلا بالطبع فهي كانت مجرد ديكور وواجهة للاحتلال وحينما قررت امريكا تسليم العراق لايران فان ديكوراتها وواجهاتها التقليدية رميت في سلال الزبالة واصبح بعض افرادها مطاردون من حلفاء الامس! فهل تستطيع بعض عناصر التيار القومي في البحرين ضمان انها لن تجد نفسها في نفس القفص الذي وضعت فيه اطراف المعارضة العراقية من غير عملاء ايران المباشرين؟
3- ان مفتاح الفهم الصحيح لما يجري في البحرين يرتبط بطرح الاسئلة التالية : ما هو الاطار الستراتيجي المحكم والمتحكم في حركة الاحداث؟ ومن يمسك بدفة الامور هناك : هل هو التيار القومي ام ايران عبر اتباعها؟ بديهي ان نعترف بان من يمسك دفة الاحداث هم انصار ايران بالدرجة الاولى والتيار القومي طرف ثانوي من حيث القوة، وبناء عليه فان الرابح من اسقاط النظام لن يكون التيار القومي او اية تيارات بحرينية عربية ابدا بل ايران هي الرابح الرئيس، الامر الذي يعني حتما تفريس البحرين كالاحواز ولكن بطريقة اسهل بكثير نظرا لصغر حجم البحرين ووجود ايرانيين كثر يحملون الجنسية البحرينية. فهل هذا هو المطلوب من بعض عناصر التيار القومي؟ ام انهم يريدون اقامة نظام ديمقراطي بحريني في بحرين مستقلة لكنه لن يقوم ابدا بوجود التفوق الايراني التام؟
4 - كما علينا ايضا ان نناقش قدرات دول الخليج العربي الان وكل الاقطار العربية مقارنة بقوة ايران، وهل تستطيع هذه الدول مواجهة ايران عندما تضم البحرين؟ الجواب هو كلا فالطرف الايراني هو الاقوى ولديه خطط تفصيلية لما بعد اسقاط النظام وستكون سذاجة قاتلة اذا ظن البعض انه يستطيع اللعب مع ايران في موضوع يتعلق ب(امنها القومي) وتطلعاتها الامبراطورية التي انتظرت تحقيقها اكثر من 1400 عام.
5- واخيرا وليس اخرا علينا التنبيه لامر خطير اذا اغفل فان الكارثة ستكون مضاعفة وهو الموقف الامريكي الخطير من البحرين القائم على التخلي عن النظام والعمل على اسقاطه تماما مثل ايران، لانه مؤشر لوجود اتجاه يشابه ما حصل في العراق من زواية محددة وهي الشراكة الامريكية الايرانية في العمل من اجل القضاء على عروبة البحرين. ان الموقف الامريكي تجاه النظام البحريني ليس غريبا ابدا فامريكا ليس لها اصدقاء بل ادوات وما ان تتعطل الاداة او تصبح غير مؤثرة ترمى وتستبدل، او ان الضرورات الاقليمية والدولية تفرض تغيير الموقف. فهل يستطيع التيار القومي التصدي لامريكا ورفض موقفها هذا مع انه مقصوص الجناحين؟ وهل يستطيع التخلص من نتيجة حتمية وهي قبول ما يفرض في الواقع من قبل الطرفين الاساسيين في اللعبة البحرينية وهما امريكا وايران تماما مثلما حصل في العراق؟
نعم هناك مظالم في البحرين وهناك فساد ومن حق الشعب البحريني النضال من اجل الديمقراطية وانهاء الفساد ولكن الامر في الواقع لا ينتهي عند هذا الحد ولا يقتصر عليه ولا يجوز النظر للبحرين بعين واحدة واغماض الاخرى، فالبحرين مركز صراع هوية ووجود بين العرب والفرس، وتلك قضية اذا تم تجاهلها فان هذا الموقف اكبر من سوء تقدير او اجتهاد عادي ويعد خرقا لواحد من اهم شروط الانتماء القومي وهو الدفاع عن الهوية القومية وعدم التفريط بها لانها سمة الوجود. وتلك القضية ليست جديدة فايران منذ عهد الشاه ترى في البحرين محافظة ايرانية وعملت بجد وتخطيط لتفريسها ولم تجد خيرا من الطائفية مدخلا للتفريس اللاحق، وحينما فشل الشاه نتيجة وضوح هويته ونهجه القومي الفارسي جاءت الخمينية لتكن البديل الناجح لتغليب الطائفية على الانتماء القومي، فاثارت الكثير من المشاكل في البحرين وغيره وبطريقة تؤكد وجود نزعة امبريالية ايرانية. والان ترى ايران انها فرصتها الذهبية التي لن تتكرر للسيطرة على البحرين نظرا لتشاركها مع امريكا في غزو او تدمير الاقطار العربية، وهي لذلك ستقاتل بكل ما تملك حتى باسنانها من اجل ضم البحرين اليها. فهل هذا موضوع ثانوي ويمكن تجاهله عند المطالبة بالديمقراطية واسقاط النظام والتعاون مع عملاء ايران للوصول الى هذا الهدف؟
لنتذكر جيدا اذا كنا جادين في التمسك بهويتنا القومية كعرب بان ما حصل في العراق والسودان وليبيا والان في البحرين هو مسلسل امريكي صهيوني، تشارك في بعض حلقاته الاساسية ايران، هدفه تقسيم الاقطار العربية، فهل نتحمل بعد غزو وتدمير العراق وفصل جنوب السودان واحتلال ليبيا ونشر الفوضى الهلاكة في اليمن وسوريا ومصر وتونس والجزائر وغيرها كارثة ضم البحرين لايران؟ ام يجب ان نتعلم مما جرى ونتخذ الموقف الصحيح فنميز بدقة بين ضرورة الديمقراطية وانهاء الفساد وبين الصمت على تسليم البحرين لايران، وربما المشاركة القصدية في ذلك، ونعمل بجدية على ايجاد صيغة تضمن الحصول على حقوق الشعب دون تعريض البحرين لخطر ضمها لايران؟
ليس هناك ادنى شك في ان العدو المشترك لامتنا العربية (امريكا واسرائيل وايران) يراهن ويعتمد في خططه ضدنا على اخطاء وعينا الستراتيجي او فقره المدقع لدى البعض، فيقوم بخلط المفاهيم واستبدال المراحل النضالية لدى البعض لاجل ارباك الترتيب الستراتيجي للاولويات النضالية مع ان الترتيب الستراتيجي للاولويات يعد الضمانة الاساسية لنجاح اي ستراتيجية، ومن عمليات الارباك هذه طرح قضية قضية الديمقراطية واعتبارها المادة الاولى في الترتيب الستراتيجي مع ان المادة الاولى هي تهديد الوجود العربي، فكيف تطبق ديمقراطية اذا تهدد الوجود وزالت الهوية؟ ان فلسطين في ظل الصهينة شاهد حي على هذه الحقيقة، كما ان الاحواز في ظل التفريس شاهد حي اخر على ان الاولوية الاولى اصبحت المحافظة على الوجود والهوية وليس البحث عن الديمقراطية او المساواة.
وما يجري في الوطن العربي منذ ما بعد غزو العراق، خصوصا بعد عام 2005، وهو عام تيقن امريكا انها هزمت في العراق، يشكل انموذجا واضحا لخطط الارباك الستراتيجي المتعمد من خلال خلط الاولويات والتقديم والتأخير فيها. وربما كان المثال العراقي احد اهم الامثلة على تعمد من خطط لغزو العراق احداث ذلك الارتباك في الوعي الستراتيجي فقد قامت المخابرات الامريكية واطراف اخرى بتقديم المطلب الديمقراطي على المطلبين الوطني والقومي بل وجرت عملية متعمدة للاستبعاد الكلي للعاملين الوطني والقومي والاقتصار في المطاليب على الديمقراطية واخواتها الامريكيات، وهو ما ظهر واضحا في انتفاضتي تونس ومصر. لقد تم استغلال الوضع العربي المتسم بالديكتاتوريات والفساد لاجل امرار ذلك الخلط المتعمد بين حالة واخرى، وهو الخلط بين الاول ستراتيجيا والثاني ستراتيجيا وتقديم الثاني، وهو الديمقراطية، على انه الاول واستبعاد الثاني كليا وهو الطابع الوطني والتحرري للنضال والفصل القسري بينهما مع انهما مترابطان بصورة عضوية. وبتأثير هذا الخلط وقعت المعارضة العراقية بقبولها وضع مطلب الديمقراطية قبل مطلب الهوية الوطنية وفصله عنها في فخ العمالة لامريكا ولعبت دورا لم ولن ينسى في غزو وتدمير العراق.
لذلك فاننا بحاجة ماسة ومستمرة للنقاش المعمق والواسع والتفصيلي لمسالة ترتيب الاولويات الستراتيجية والتي من دونها نفقد البوصلة وغالبا ما يجد من يفقد البوصلة نفسه مع اشد الاطراف عداء له في خندق واحد او انه يضطر لاختيار الموقف الذي كان يرفضه حتى في الكوابيس. ان تجربة العراق المحتل غنية جدا وهي تعلم كل من ليس لديه خبرة الكثير مما يفيده في تصويب المسار وتجنب الانحدار.
وبما ان مسألة ترتيب الاولويات تعد الضرورة الاولى في اختيار الموقف السليم ستراتيجيا ومبدأيا فان العودة للتعلم الحي من الاحداث والتجارب بقراءة دلالاتها وتفاصيلها وما وقع فيها يعد الشرط المسبق في البقاء في نطاق الموقفين الوطني والقومي وتجنب الانزلاق في خندق الاعداء. ما الذي علمتنا اياه تجربة العراق في مسالتي الديمقراطية والهوية؟ قبل الاجابة لنحدد المفاهيم لتجنب سوء الفهم، فالديمقراطية هنا تعني النضال من اجل انهاء الديكتاتوريات والاستبداد في الحكم بكافة الوسائل المتاحة السلمية والعنفية، لانها الضمانة الاساسية لقيام حكم يمثل ارادة الجماهير ويحقق اهدافها طبقا لكل مرحلة. اما الهوية فهي هنا الهوية الوطنية واطارها الاوسع الهوية القومية، فنحن العرب جزء وطننا الى اقطار واصبحنا نملك هويتين هوية وطنية قطرية تمثل الاطار الضيق لانتماءنا والهوية القومية وتمثل الاطار الواسع لانتماءنا، فنحن في القطر مثلا عراقيون لكننا في الوطن الكبير عرب الهوية، وليس ثمة تناقض فالتجزئة هي التي اوجدت هذه الثنائية في الهوية، ولذلك فان التيار القومي العربي اختار النضال من اجل الوحدة العربية لحل اشكالية ثنائية الهوية حتى في حالة وجودها بصيغة تتابع بين الهوية الاضيق وبعدها الهوية الاوسع.
هل اقتران النضال من اجل الديمقراطية بالنضال من اجل الهوية يشكل ميزة خاصة تفرض واجبات نضالية خاصة؟ نعم فان وجود تهديد للهوية القومية وللوجود القومي يفرض وضع الهوية قبل الديمقراطية والعمل لحماية الهوية كواجب اول، واثناء نضال الهوية والوجود نبحث كيفية تحرير الجماهير من فساد الانظمة وديكتاتوريتها وباي وسائل نتوصل لذلك الهدف الرئيس بشرط عدم تقديم اي فرصة للعدو المشترك لاختراق صفوفنا، بمعنى ان النضال القومي هو الذي يحدد طبيعة المطلب الديمقراطي ودوره في النضال وليس العكس. فحينما تتعرض الهوية القومية والوطنية للتهديد لا يصبح الحل الديمقراطية كافيا لحل المشكلة بل انه قد يستغل لتفتيت الهوية كما يحصل في البحرين والعراق.
وفي حالة البحرين والعراق مادام هناك تهديد للهوية من الخارج ومقترن بوجود طابور خامس فان الديمقراطية تصبح هي الاخرى حصان طروادة اذا كان للعدو المشترك او احد اطرافه قوة مهمة ومؤثرة داخليا يستخدمها كوسيلة للفصل بين الديمقراطية ووجود تهديد للهوية من اجل انهاء الهوية وفرض هوية اخرى بالقوة وهذا يفضي عمليا الى وعدم تحقيق الديمقراطية : هل توجد ديمقراطية في الاحواز؟ هل مارست الاحزاب الاحزاب التابعة لايران في العراق اي معيار ديمقراطي؟ ام انها وضعت خدمة مخططات ايران فوق اي اعتبار بما في ذلك تفتيت عروبة العراق والبحرين ومحو هوية الاحواز؟
من هنا فان الخط الستراتيجي السليم في قضية مزدوجة كالنضال من اجل الهوية المقترن بالنضال من اجل الديمقراطية يجب ان يقوم على ترتيب صارم للاولويات وجعل المحافظة على الهوية يسبق ويعلو فوق النضال من اجل الديمقراطية ليس لعدم اهمية الديمقراطية، فهي اساسية، بل لان فقدان الهوية القومية او اضعافها لن يوصل الى الديمقراطية بل الى الخضوع لاستعمار استيطاني فارسي، كما ان ايران ليس فيها نظام ديمقراطي بل انها تخضع لاسوأ نظام ديكتاتوري يحكم باسم الله هو نظام ولاية الفقيه، والشعوب الخاضعة للاستعمار الايراني تعاني من التمييز العنصري الواسع النطاق اضافة لمعاناة الفرس انفسهم من الديكتاتورية والفساد. لذلك فان التلاقي مع انصار ايران في دعم مطلب الديمقراطية، والذي تريده ايران وسيلة لقفز انصارها للحكم والتمهيد لضم البحرين اليها بصورة تبدو ديمقراطية، وتغليب مطلب الديمقراطية على مطلب الحفاظ على الهوية لا يخدم الا ايران ويمهد لتحقيق اهم واخطر اهدافها في البحرين وهو ضمها الى ايران،وحينما تضم البحرين لايران فلا ديمقراطية ولا حرية بل اضطهاد مزدوج قومي واستبدادي.
ان كارثة العراق قد زادت حصانتنا تجاه ايران وعمقت وعينا بطروحاتها مهما غلفت باغطية حقوق الانسان والديمقراطية ورفض الانظمة الفاسدة ولذلك فليس مقبولا اطلاقا اي تبرير يسوّق التعاون مع عملاء ايران ضد اي نظام عربي مهما كانت طبيعته لان من سيحصد الثمرات هو ايران وليس الشعب.
ولكي لا نقع في فخ تكرار الاخطاء وعدم الاستفادة من دروس غيرنا علينا ان ننتبه كثيرا لدلالات الموقف الامريكي من البحرين فهو يشبه موقفها من العراق ففي الحالتين تتفق امريكا مع ايران على محو الهوية العربية من خلال الاعتماد على ايران في انجاز تلك المهمة الخطيرة، فلولا تلاقي امريكا وايران لما نجح غزو العراق من قبل امريكا كما اعترف اكثر من مسؤول ايراني في مقدمتهم محمد علي ابطحي نائب الرئيس الايراني. فما دلالة ذلك التلاقي؟ وهل نتائجه تختلف عن نتائج غزو العراق؟ ولم تصر امريكا على تسليم البحرين لايران مثلما سملت العراق لها؟ الجواب واضح فالمطلوب هم محو الهوية العربية وانهاء كل ما يتصل بالهوية العربية، وايران اداة ناجحة في هذه المهمة. لذلك فان امريكا تدعم ايران في البحرين ليس حبا بايران وسياساتها وانما لان ايران تملك اداة داخل البحرين وداخل العراق مكنتها وربما ستمكنها من تحقيق هدفها في البحرين وهو ضمها الى ايران تنفيذا لمطامع قديمة معروفة.
والان وبعد الملاحظات الجوهرية السابقة فيما يلي اهم الاستنتاجات والخلاصات :
1 - نحن نرفض اسقاط اي نظام عربي على يد امريكا والنيتو او قوى اقليمية متفقة او متلاقية مع امريكا او بدعم عسكري منهم وتحت مظلة حماية امريكية، كما نرفض البديل اذا نصبته امريكا والنيتو وليس الشعب، كما نرفض عملية اسقاط اي نظام اذا ادى ذلك الى تقسيم ذلك القطر واشعال حرب اهلية، وهذا الموقف يشمل كل الاقطار العربية خصوصا البحرين وسوريا واليمن وليبيا وقبل ذلك العراق.
2 – بصفتنا حزب الشعب والجماهير وقدمنا مئات الالاف من الشهداء من اجل الجماهير والحرية والديمقراطية والاشتراكية، نحن بلا ادنى شك تاريخيا وحاليا مع المطاليب العادلة للجماهير العربية ويجب انهاء الفساد والاستبداد واحترام ارداة الجماهير ومصالحها، وهذه الاهداف لا يمكن تحقيقها الا بالتحالف مع قوى وطنية معروفة وليس مع عملاء للعدو المشترك. ولكي لا تصبح تضحيات الشعب وقواه الوطنية بلا نتيجة لابد امتلاك اليد العليا في اي انتفاضة جماهيرية وان تكون متحررة من تأثيرات العدو المشترك واتباعه، لان قيمة اي انتفاضة وثورة تكمن في القدرة على ايصالها لتحقيق الاهداف الوطنية والقومية والاشتراكية وليس مجرد اسقاط النظام وفتح ابواب جهنم لدخول كل الشياطين الى الوطن، كما حصل في تونس ومصر واليمن وغيرها، والا ما معنى التضحيات وسفح الدم اذا كان البديل لا يختلف جوهريا عن النظام الذي اسقط؟ وهل يمكن لاحد ان يدعي الشرف والوطنية اذا كان دوره هو انه كان حمالا اوصل على ظهره عملاء العدو المشترك للحكم؟
4 – اذا تذكرنا بان ايران طرف استعماري ومعاد لامتنا العربية ولا يختلف عن امريكا واسرائيل كثيرا، كما اثبتت تجربة العراق ودول الخليج العربي واليمن وغيرها،فكيف نتعاون مع عملاءها الرسميين والفعليين؟ من الضروري الانتباه لحقيقة ان كل الاحزاب والتنظيمات التابعة لايران هي عبارة عن تنظيمات مخابراتية ايرانية وتخضع بصورة تامة لاوامر الحكومة الايرانية ولا فرق بين حزب الله اللبناني وجيش المهدي وحزب الدعوة او جمعية الوفاق البحرينية، وهي نسخة كاربوينة من حزب الدعوة العراقي وهي كلها اجزاء في فيلق القدس الايراني، ولذلك فان التحالف مع اي طرف من هؤلاء يخدم ايران ومخططاتها التوسعية. وتزداد خطورة التعامل مع اتباع ايران حينما يكون الطرف المتعامل معها اضعف منها وهي من تملك القوة والمال والتأثير فتصبح النتيجة هي خدمة الطرف الوطني للسياسات الايرانية وتسهيل نجاحها.
5 – هل الديمقراطية مطلوبة باي ثمن؟ كلا فالديمقراطية ليست باي ثمن لانها نظام يخدم مصلحة الامة من خلال توفير القدرة للشعب على ممارسة دوره في الحكم، وهي احد عناصر تعزيز قوة ودور الشعب، ولكن حينما تبرز الحرب او حالة شبه الحرب فان كل الامم والدول تعودت على اعلان حالات الطوارئ وتجميد الحريات والحقوق والدستور وتبني قوانين الحرب، وهذا ينطبق على الغرب حاليا فتحت غطاء الارهاب مارست امريكا وغيرها دور قوات احتلال ونهب وابادة كما في العراق، وقيدت حقوق وحرية مواطنيها باسم ضرورات مكافحة الارهاب. وهذه الحقيقة تؤكد بان حالة الطوارئ تتناقض مع ممارسة الديمقراطية، من هنا فان وجود ازمة وجود وقضية مصير كالبحرين تجعل المطلب الديمقراطي خاضع لمطلب اهم هو حماية هوية البحرين العربية، خصوصا وان لايران جالية كبيرة في البحرين (لا نقصد شيعة البحرين العرب بل ذوي الاصول الايرانية) تحمل صفة المواطنة لكن ولاءها لايران وليس للبحرين واذا اعتمد الخيار الديمقراطي فان النتيجة ستكون ضم البحرين لايران بقرار من مجلس النواب. والسبب هو ان ايران بالاضافة لما تقدم لديها ستراتيجية توسع امبريالي معروفة خصصت لها مليارات الدولارات وبنت تنظيمات قوية تابعة لها، وقامت بعمليات هجرة منظمة للبحرين من اجل تكوين قوة تستطيع الاخلال بموازيين القوى بصورة ديمقراطية، وهذه الخطة كي تنجح تتطلب التحالف مع قوى وتنظيمات غير موالية لايران وكسبها تحت غطاء الديمقراطية وحقوق الانسان لضمان اغلبية داعمة لايران. فهل هذا هو هدف الديمقراطية؟
6 - سلمت بريطانيا وهي تنسحب من الخليج العربي الجزر الاماراتية لايران فان امريكا تعمل على تسليم البحرين لايران في اطار صفقة اقليمية كبرى اصبحت واضحة المعالم بعد تسليم العراق لايران ودعم امريكا الواضح والصريح للموقف الايراني في البحرين وتحشيد كل اجهزتها المخابراتية مثل منظمات حقوق الانسان والاعلام لاشعال حرب اهلية طائفية في البحرين. ولذلك لا مفر من طرح السؤال التالي : لماذا تدعم امريكا ايران في العراق والبحرين بشكل خاص مع انهما في حالة صراع ظاهري؟ الجواب الذي تقدمه الوقائع هو ان لامريكا مصلحة ستراتيجية في تفتيت الاقطار العربية وانهاء العروبة لان القومية العربية هي العدو الرئيس لامريكا والصهيونية كما اكدت كل احداث العقود الخمسة الماضية خصوصا عقد ما بعد احتلال العراق.
7- ايران تستخدم الان احتياطيها الغالي المخفي لعدة عقود، لانها وصلت الى خطوة ما قبل خطوة ضم البحرين بعد عام من الفوضى الهلاكة المتعمدة والمبنية على عدم القبول باي حل اصلاحي والاصرار على اسقاط النظام، وهو مطلب يؤكد ان المطلوب ليس الاصلاح بذاته بل اشعال حرب اهلية في البحرين وتمهيد الظروف لغزو ايراني ربما (ديمقراطي) للبحرين. نحن هنا امام اصرار اللص على قتل الناطور وليس اكل العنب فقط، وهي حالة تثبت بالقطع ان اصرار عملاء ايران على رفض الحل السلمي ورفض الاصلاح هدفه الحقيقي التمهيد لضم البحرين لايران وليس اقامة الديمقراطية. لذلك فان الوضع البحريني لم يعد يسمح باستمرار تداخل الخنادق فالسكين الايرانية تقترب بسرعة من رقبة البحرين، وعلى كل وطني متورط في التعاون مع عملاء ايران تحت غطاء العمل من اجل الديمقراطية عليه اعادة النظر قبل فوات الاوان واعلان الموقف القومي الرافض لضم البحرين لايران وهذا الرفض لا يقصد به اصدار اعلان بذلك، وهو ما ترحب به ايران لابقاء المضللين معها، بل لابد ان يتخذ صيغة عدم اضافة اي قوة الى قوة ايران في الصراع الوجودي الحالي داخل البحرين ترجح كفة ايران.
8- احمد جلبي البحرين هو نفسه احمد جلبي سوريا واحمد جلبي ليبيا واحمد جلبي اليمن وهؤلاء نسخ كاربونية من الرمز الاكبر للخيانة الوطنية العظمى احمد جلبي العراق. فهل يوجد فرق بين احمد جلبي واخر؟
هناك تعليقان (2):
تحية لاستاذنا الكبير صلاح المختار وبعد
ان امراض العرب سواءا السياسية او الاجتماعية او الثقافية او في بقية المجالات الحياتية الاخرى ومنذ زمن الاستعمار الغربي وما بعده اي القرن الماضي العشرين كانت هذه الامراض بحاجة الى طبيب لمعالجتها
وكان البعث بنظريته الثورية حاضرة امام العرب وكانت هي الطبيب ومعه العلاج الاانهم لم يعطوه الفرصة لمعالجتها واعتبروه في كثير من الاحوال طبيب معاد وخاصة عند ذوي المصالح الشخصية الضيقة
او طبيب لم يسمح له باظهار فن الطبابة في كثير من الاقطار بسبب انانية الحكام واستبدل باطباء اجانب لديهم مشارط وادوات ملوثة موبوءة كلما عالجوا مرضا لوثوا جزءا اخر من الجسم وابقوه مريضا
وهكذا لم يصل الطبيب الماهر الى الجميع وقد يكون بسبب نقص او خطا في اسلوبه بغض النظر عن مهارته ودقة تشخيصه وكثرة معارضيه
والان الصورة تزداد سوءا وسوادا والاوضاع تزداد انهيارا وبقي وضع الطبيب في حالة ابعد عن اعطائه فرصة المعالجة من جديد بل الهجوم عليه اشد من السابق فما هو العمل ؟
اقترح وهذا راي شخصي ان تتغير اساليب عمل الطبيب وعدم اشهار مشارطه على الجميع مع الاحتفاظ بحقه كاملا في استخدامها في اللحظات والمواضع المطلوب معالجتها
لقد كانت تجربة العراق تجربة رائدة ولكن خوف الاعداء من ان تحقق نتائجها الحاسمة جعلهم يستخدمون كل اسلحتهم دفعة واحدة لمنعها من ذلك لا بل جعلهم يدمرون البيئة التي من الممكن اعادة بناء التجربة فيها
والادهى من ذلك انهم يحاولون تفتيت ما كان يعتبر مجزاء من قبل الى وحدات طائفية واثنية وعشائرية لجعل الامور اكثر تعقيدا
فمهمات اليوم والمستقبل لا بد من ان تستخدم وسائل جديدة مناسبة للسيطرة على الاحداث وتوجيهها لا ان تسايرها وتتماشى معها
ولنا امل كبير في قادة الامة في الخروج من هذه المحن باقل الخسائر ان شاء الله
ولكم تحياتي
كما هو دائماً أستاذنا المناضل الكبير الاستاذ صلاح المختار مبدع و متألق في التوصيف و التشخيص و إضاءة الطريق أمام الرجال. بلا شك المقال يضع يده على الجروح و الازمات التي تواجهها امتنا في هذه المرحلة. أحيي أيضاً أستاذنا ابا ذر على تعليقه الجميل و الغني و أتمنى منه الاستزادة و التطوير خوصا فيما يتعلق بموضوع ترتيب الاولويات و بناء الاستراتيجيات فتلك هي واحدة من أكبر المشاكل التي نواجهها و هي ما يفرز الغث من السمين و العدو من الحبيب. تحياتي و إحترامي و تقديري.
إرسال تعليق