- هذا ماجرى في اجتماع شرم الشيخ بشأن العرض الاماراتي.
- كيف قبر العراق محاولة أميركية سابقة ضده؟
- كيف طوَّق العراق والإمارات العربية الأزمة خلال اسبوع؟
- هل يصلح سياسي بهذا القدر من الكذب والتدليس لرئاسة مصر العظيمة؟
مصطفى كامل
هذا هو الجزء الثالث، والأخير، من الرد على تصريحات المرشح الرئاسي الفاشل ووزير خارجية حسني مبارك والأمين العام السابق لجامعة الدول العربية السيد عمرو موسى في حديثه لصحيفة الحياة اللندنية في 27 نوفمبر/ تشرين ثاني 2012 الذي كرس الحلقة الثالثة من حواره مع السيد غسان شربل، للحديث عن الحكم الوطني في العراق ومواقفه العربية والرئيس الشهيد صدام حسين يرحمه الله، والتي أراد بها تشويه مواقف النظام الوطني بسيل من الأكاذيب.
حيث سبق أن نشرنا الجزئين الأول و الثاني من الرد على تلك التصريحات، ونقلنا فيهما توضيحا من مسؤول في الدائرة السياسية في ديوان رئاسة الجمهورية العراقية وآخر من أحد الكوادر الدبلوماسية العراقية في الدائرة العربية بوزارة الخارجية في عهد دولة العراق الوطنية.
وفي هذا الجزء من الرد نقدم توضيحاً تفصيلياً آخر قدَّمه مشكوراً الدبلوماسي العراقي السابق حول فقرات وردت في حديث السيد عمرو موسى عما وصفه بـ"محاولة وفد دولة الإمارات العربية المتحدة الى مؤتمر القمة العربي المنعقد في مدينة شرم الشيخ في أوائل شهر مارس/ آذار 2003 تقديم عرض من رئيسها المرحوم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان لاستضافة الرئيس الشهيد وأسرته في الإمارات".
وقد كتب لنا الدبلوماسي العراقي المتخصص بالشؤون العربية ما يأتي:
(( بغض النظر عن نوايا المرحوم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية في تقديم عرض إستضافة الرئيس الشهيد صدام حسين وأسرته في دولة الإمارات، فإن ما ورد في حديث السيد عمرو موسى الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عنه يضعه في إطار مطالبة قيادة الدولة العراقية بالتنحي عن السلطة ومغادرة العراق. ومعروف أن الجهة التي طرحت هذه المطالبة واعلنتها رسميا هي حكومة الولايات المتحدة. لذلك لابد من مناقشة الأمر في هذا السياق.
أشرنا في الجزئين الأول والثاني من هذا الرد الى نجاح الدبلوماسية الوطنية العراقية في حشد الموقف الرسمي لجامعة الدول العربية، أي الموقف الرسمي المعلن لمنظومة العمل الرسمي العربي، الى جانب العراق منذ منتصف عام 2001، وفي إحباط الحملة الدبلوماسية الضخمة التي قامت بها حكومتا أميركا وبريطانيا لإختراق هذه المنظومة والهيمنة عليها وتسخيرها لخدمة مشروعهما الإستعماري لغزو العراق مثلما فعلتا عام 1990-1991.
كما أفلحت جهود الدبلوماسية العراقية في منع بعض الأنظمة العربية الظالعة في مشروع الغزو أو المتواطئة من فرض توجهاتها على منظومة العمل الرسمي العربية.
لكن الحكومتان الفاشيتان الإستعماريتان الأميركية والبريطانية واصلتا حملتهما الدبلوماسية الضخمة على أمل الهيمنة على القرار الرسمي العربية وتسخيره أساسا لقرار دولي يضفي الشرعية الدولية على مشروع الغزو والإحتلال المنتهك للقانون الدولي ولكل مواثيق وصكوك الشرعية الدولية.
وقد تمثلت هذه الحملة في الأشهر الأربعة الاخيرة قبل الغزو بسعي الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا لفرض الإستسلام على دولة العراق المستقلة ذات السيادة لغزوهما الإستعماري من خلال استخدام بوابة العمل الرسمي العربي لتمرير مطالبتهما قيادة العراق بالتنحي ومغادرة البلاد.
وفي مؤتمر القمة العربي الذي انعقد في دورته العادية يوم 1 مارس/ آذار 2003 في مدينة شرم الشيخ المصرية برئاسة مملكة البحرين، كان الوفد العراقي برئاسة نائب رئيس مجلس قيادة الثورة السيد عزة ابراهيم الدوري، وعضوية وزير الخارجية الدكتور ناجي صبري الحديثي، ووزير التجارة الدكتور محمد مهدي صالح ، ووزير الإعلام السيد محمد سعيد الصحاف ، وممثل العراق الدائم في جامعة الدول العربية ورئيس الدائرة العربية بوزارة الخارجية وعدد من الدبلوماسيين العراقيين في الدائرة العربية وممثلية العراق في الجامعة، بما فيهم المتحدث، حيث حضرت الجلسة الأولى وكنت جالساً في الصف الأخير من مقاعد الوفد.
وبعد مضي اكثر من ساعة على بدء الجلسة، مساء يوم الأول من مارس/ آذار شاهدت حركة مفاجئة وغير اعتيادية تمثلت بتشاور عند مقاعد رئيس الوفد العراقي والوزراء الثلاثة، ثم تحرك وزير خارجيتنا باتجاه رؤساء عدة وفود ورئاسة المؤتمر، ثم عاد الى مقعده وهمس في أذن رئيس الوفد ومع زميليه وزيري التجارة والإعلام.
السيد الدوري يتشاور مع وزير الاعلام العراقي ويبدو وزيرا الخارجية والتجارة |
انتهت الجلسة، وما إن خرجنا حتى استقبلنا زملاؤنا الذين لم يدخلوا القاعة بوابل من الاسئلة عما جرى في المؤتمر بشأن العرض الإماراتي، ولم نكن نعرف ما حدث لإجابتهم. فأشاروا الى ان وزير الإعلام الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد خرج من القاعة قبل انتهاء الجلسة وتحدث لوسائل الإعلام غاضباً عن إخفاق وفد دولة الإمارات في محاولته تقديم عرض باستضافة الرئيس صدام حسين.
وحسب ما رواه لنا السيدان وزيرا الخارجية والتجارة فقد جرى مايلي:
لاحظ السيد وزير التجارة الذي كان يجلس الى جانب وزير الخارجية خلف رئيس الوفد مباشرة ورقة على طاولة رئيس الوفد لم ينتبه لها رئيس الوفد، فنبَّه وزير الخارجية الذي رفعها وقرأ فيها دعوة من رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان لاستضافة الرئيس صدام حسين وأسرته في دولة الإمارات وذلك في مسعى "لتجنيب العراق ويلات الحرب..".
وبرغم مما كان يربط الشيخ زايد بالقيادة العراقية من وشائج احترام وتقدير معروفة وبرغم مما يمكن ان يقف وراء دعوته من نوايا طيبة، فإن الوفد رأى في طرح الموضوع صلة، من حيث النتائج إن لم تكن بالنوايا، بمشروع العدو الأميركي لفرض الاستسلام على العراق، وهو ما لا يمكن أن يسكت عليه أو يسمح به الوفد العراقي.
وهنا طلب وزير الخارجية الدكتور ناجي صبري الحديثي في الحال من رئيس الوفد أن يترك له معالجة الأمر وأنه سيتحرك فوراً لمنع مناقشة الدعوة أو إثارتها منعاً باتاً، والتمس منه أن لا يتحدَّث ولا يتصرَّف بأي شيء.
وزير خارجية العراق، الدكتور ناجي صبري الحديثي |
تحرك وزير الخارجية مباشرة الى أمير دولة قطر الذي كان يجلس الى يمين رئيس الوفد العراقي فعرض عليه الرسالة وأبلغه انها ليست مدرجة على جدول أعمال المؤتمر، ولا يجوز مناقشتها، وأن العراق لن يقبل عرضها على المؤتمر، ودعاه لتأييد ذلك.
فاستجاب أمير قطر ووعد بالتحرك على وفد دولة الإمارات، وبالفعل نهض على الفور وتوجه الى وفد الإمارات، وتوجه الوزير العراقي الى رئيس القمة الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة ملك البحرين، وفاتحه بالأمر نفسه فوعد الملك بعدم السماح بطرحها.
ثم انتقل وزير خارجيتنا، والكلام للدبلوماسي العراقي، الى الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد عمرو موسى الذي كان جالسا الى يسار ملك البحرين، وطرح عليه الموضوع وأكد على ضرورة عدم طرحه على المؤتمر لأنه لم يُدرج على جدول الأعمال، وقال له: يجب ان لا يتحول مؤتمر القمة الى منبر لطرح المطالب العدوانية الأميركية ضد العراق. فأجاب السيد موسى بأن المؤتمر لن يناقش هذه الرسالة.
وانتبه الرئيس الليبي معمر القذافي الجالس الى جانب السيد موسى وسأل عن الأمر فأبلغه الأمين العام فهزَّ برأسه دون أي تعليق.
ثم عاد وزير الخارجية الى مقعده بكل هدوء دون أن يثير الانتباه الى وجود أمر غير اعتيادي. و أبلغ رئيس الوفد باقتضاب أن الأمر يعتبر منتهيا، وبالفعل انتهى الأمر برمَّته.
وبذلك، وبصرف النظر عن النوايا الاماراتية، حَرَمَ وفد العراق العدو الأميركي من فرصة تحويل القمة العربية الى منبر للتنفيس عن غيظ وحقد حكومة الولايات المتحدة على العراق وقيادته وشعبه، والى خدمة بالمحصلة لمشروعها الإستعماري لغزو العراق.
استمرت الجلسة حسب جدولها الى أن انتهت، ولم يعلق على الرسالة أي وفد، ولم ترفع الجلسة للتشاور أبدا، ولم تطرح الرسالة، ولم تناقش على الإطلاق لا في هذه الجلسة ولا في غيرها.
ولم يطلق الوفد العراقي أية تهديدات، ولم تنعقد أية مشاورات، ولم يتحدث لا الرئيس اليمني ولا المصري ولا الليبي ولا ملك الأردن ولا أي رئيس أو ملك أو أمير عربي حول الموضوع، ولم تنعقد أية مشاورات رسمية حوله خارج القاعة، وإلا لكان وفد العراق، وهو المعني الأول بالموضوع، قد شارك بها أو على الأقل قد علم بها وهو موجود في قاعة المؤتمر وأروقته وصالات استراحة وفوده، وهو ما لم يحدث على الإطلاق. وهذا لا يعني أن احداً من رؤساء أو اعضاء الوفود لم يتناول الموضوع مع غيره من رؤساء أو أعضاء الوفود العربية بشكل ثنائي، ولكن، إن تم هذا وهو أمر طبيعي ان يتم، فقد جرى على مستوى فردي وشخصي وغير رسمي. وكل ما قاله السيد عمرو موسى خلافا لذلك يفتقر الى الدقة والمصداقية ويخالف الحقيقة والواقع مع شديد الأسف.
ولم يعرف الجمهور بالعرض الا بعد ان خرج وزير الإعلام الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد من القاعة متحدثاً إلى الإعلام ليعلن عن الإخفاق في عرض المقترح على القمة.
هذا كل ماحدث بالضبط وبالتفصيل بما يتصل بهذا العرض. وأكرر القول: هذا كل ما جرى بالضبط وبالتفصيل في مؤتمر القمة بما يتصل بعرض إستضافة القيادة العراقية المقترح من الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.
ولذلك مما يثير الاستغراب ان يختلق السيد عمرو موسى أحداثا لم تحدث، وأن يبتدع وقائع لم تقع، وأن يرسم سيناريوهات وهمية عن حدث عام شهده عشرات الأشخاص غيره.
ومن الإشارات المثيرة للأسف اختلاقه حادثة في سياق السيناريو الدرامي الذي وضعه، يقول السيد عمرو موسى ((عتب عليَّ السفير أسامة الباز المستشار السياسى للرئيس مبارك آنذاك، لأننى وزعت الرسالة، قائلاً على طريقته «ما كنت تخفيها»، فقلت له على مسمع من الآخرين فى الأمانة العامة للجامعة: ده مش لعب يا أسامة، ودى رسالة من رئيس دولة إلى القمة، وهى لا توضع فى الأدراج. وتركته ومشيت)) فالسيد أسامة الباز لم يكن من ضمن أعضاء الوفد المصري في المؤتمر!!
ومما يثير الأسف بالفعل أن ينحدر السيد عمرو موسى الى هذه الهاوية السحيقة من عدم المصداقية. فهل يحاول السيد عمرو موسى ، يا ترى، ان يسوَّق نفسه ويعرض خدماته بأثر رجعي؟!
ولكن لسوء حظه فإن ما تركته هذه الحادثة من تصدع أو تكدر في العلاقة بين العراق ودولة الإمارات العربية المتحدة عالجته قيادتا البلدين الشقيقين في أقل من اسبوع. فعقد وفداهما الى مؤتمر القمة الإسلامي الذي عقد في دولة قطر بعد أيام لقاءً ودياً حضره عن العراق رئيس الوفد، السيد النائب عزة ابراهيم الدوري ووزير الخارجية وأعضاء آخرون، ومن الجانب الإماراتي ثلاثة من أبناء الشيخ زايد هم مدير مكتبه الشيخ منصور ووزير الخارجية الشيخ حمدان ووزير الإعلام الشيخ عبدالله، ومسؤولون آخرون.
ولكن هل هذه أول محاولة؟
ولربما يسأل قارىء لماذا كان الوفد العراقي متهيئاً ومستعداً كل هذا الاستعداد للتصدي لهذه المحاولة والعمل على وأدها في مهدها.
والجواب يكمن في ان العراق واجه محاولة مماثلة قبل أربعة اشهر عندما سعت إدارة الشر الأميركية المتصهينة أول مرة لحشر مطالبتها باستسلام القيادة العراقية في جدول أعمال الجامعة العربية في محاولة لتسخير منظومة العمل العربي الرسمي لخدمة مشروع أميركا لغزو دولة عربية واحتلالها، وذلك في المؤتمر الوزاري العربي الذي عقد في مقر الجامعة بالقاهرة يوم 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2002، ومن المفيد أن نستعرض ما حدث آنذاك.
وصل الوفد العراقي الى القاهرة مساء يوم 7 نوفمبر/ تشرين الثاني برئاسة وزير الخارجية الدكتور ناجي صبري الحديثي وعضوية رئيس الدائرة العربية بوزارة الخارجية السفير فارس عبد الأمير وعدد من دبلوماسييها.
السفير المرحوم الدكتور محسن خليل |
وفي صباح اليوم التالي حضر الى الفندق سفير العراق في مصر وممثله الدائم في جامعة الدول العربية، المرحوم الدكتور محسن خليل، لاصطحاب الوزير الى مقر الجامعة في زيارة مجاملة للأمين العام ولمن يكون قد وصل من الوزراء العرب قبيل انعقاد المؤتمر في اليوم التالي.
وناول المرحوم خليل جريدة الاهرام المصرية الى وزير خارجيتنا مشيرا الى افتتاحية عن العراق على صفحتها الأولى بقلم رئيس تحريرها ابراهيم نافع، فماذا تقول الافتتاحية؟
تتحدث الافتتاحية بإسلوب غلب عليه الغموض والإبهام المتعمدين وتكررت فيه الكلمات والعبارات عن فكرة واحدة مفادها:
"دعوة القيادة العراقية للتحلي بالمسؤولية التاريخية واتخاذ قرار مسؤول وتاريخي وتقديم تضحيات صعبة لكنها ضرورية لانقاذ شعبها والخروج من الأزمة الراهنة....الخ".
فما الذي قصدته الجريدة والى ماذا كانت تهدف؟
بسهولة تامة كانت الصورة واضحة بالنسبة لوزير الخارجية، وليس ثمة إبهام، حيث قال الوزير لرفاقه أعضاء الوفد "هذه الإفتتاحية محاولة من نظام مبارك لجس نبض العراق والدول العربية الأخرى والشارع العربي وتمهيد لطرح الدعوة الأميركية لاستسلام العراق على الجامعة العربية على أمل أن يتبناها المؤتمر الوزاري العربي فيصبح المخطط الأمريكي لغزو العراق مدعوما من جميع الدول العربية. نحن، إذن، مقبلون هنا على مواجهة. يجب أن نتحزم بحزامين (أي نعد العدة للتصدي) لهذه الدعوة الأميركية ونقبرها في مهدها إن شاء الله".
هنا تغير هدف الوفد العراقي من الذهاب الى مقر الجامعة في زيارة مجاملة الى البدء بعمل استباقي لإحباط المحاولة الأميركية الخبيثة.
التقى الوزير ناجي صبري الحديثي الأمين العام عمرو موسى، وأبدى له ارتيابه من اجواء هذا المؤتمر، وأبلغه انه يشم رائحة عمل مبيت ضد العراق في هذا المؤتمر لخدمة مشروع الحرب الأميركية على العراق.
رد السيد موسى مستغربا ونفى وجود أي شيء من هذا القبيل. وسأله ما الذي جعله يظن هكذا.
فأشار له وزيرنا الى افتتاحية جريدة الأهرام وتلميحاتها المبهمة الى (ما ينبغي للقيادة العراقية أن تقدمه من تصرف مسؤول وتضحيات لإنقاذ الشعب العراقي من حرب مؤكدة..الخ)، متسائلا "مالذي تقصده الجريدة غير الدعوة الأميركية لفرض الإستسلام على دولة العراق وشعبها؟ وهل تنطق افتتاحية الأهرام ورئيس تحريرها ابراهيم نافع عن الهوى، أم هي، كما يعرف القاصي والداني، تنطق باسم الرئاسة المصرية؟".
وأبلغه وزير الخارجية إحساس الوفد العراقي أن الحكومة المصرية تنوي، على ما يبدو، طرح المشروع الأميركي في المؤتمر، وأن وفد العراق لن يسمح بأن تتحول جامعة الدول العربية ومؤتمرها الوزاري الى مطية لتعبير المواقف والمشاريع الأميركية.
رد الأمين العام مطمئناً الوزير الى ان شيئاً من هذا لن يحدث، وأن مقالة الجريدة لا تشير الى أي شيء من هذا القبيل.
غادر وزير الخارجية مكتب الأمين العام ومقر الجامعة وعاد وأعضاء الوفد الى الفندق.
وبعد أقل من ساعة اتصل المرحوم السفير الدكتور محسن خليل بالوزير، واخبره أن وزير الخارجية المصري السيد احمد ماهر يدعوه لزيارته في مكتبه عصر اليوم. وهي اول مرة يدعو الوزير ماهر الوزير العراقي في مكتبه، وأول مرة، كذلك، يلتقي الوزيران على صعيد ثنائي، فكل لقاءاتهما السابقة كانت تتم إما في إطار جماعي في مؤتمرات الجامعة العربية أو في مقابلات الوزير العراقي مع الرئيس السابق حسني مبارك عندما عندما كان يلتقيه مبعوثاً من الرئيس الشهيد صدام حسين.
وعلى ما يبدو فأن السيد موسى أبلغ الرئاسة المصرية ما أخبره وزير الخارجية العراقي به من شكوك في نية النظام المصري اداء دور في تنفيذ المؤامرة الأميركية، واستعداد الوفد العراقي لمواجهته، ما اعتبره تحذيراً جدياً من العراق. وهذا ما دعا الرئاسة المصرية لتوجيه الوزير أحمد ماهر بطلب اللقاء المنفرد مع الوزير العراقي.
لقاء وزير الخارجية العراقي بنظيره المصري |
ذهب الوزير الى اللقاء مساء اليوم، وحرص الوزير المصري على نفي أية نية لدى مصر لطرح الدعوة الأميركية في المؤتمر الوزاري العربي، وحرصها على إنجاحه، والتزامها بالإجماع العربي المتضامن مع العراق بوجه التهديدات بالعدوان عليه.
وهكذا ، إذن، تمكن الوفد العراقي من إخراج مصر من سيناريو تنفيذ هذه الخطة الدبلوماسية الأميركية وذلك قبيل انعقاد المؤتمر مما عطَّل حلقة أساسية من حلقاتها، إن لم تكن حلقتها المركزية.
وفي اليوم التالي انعقد المؤتمر الوزاري العربي برئاسة السيد محمود حمود وزير خارجية لبنان التي كانت تترأس مجلس الجامعة بحكم ترؤسها للقمة العربية الدورية. وكان جميع الوزراء العرب ممثلين في المؤتمر.
وقد روى لنا السفيران العراقيان اللذان حضرا ضمن الوفد العراقي ما حدث .
فتح النقاش عن موضوع العراق وما يواجهه من تهديدات، فتحدث رئيس الدورة عن الموضوع بالصيغة التي أقرتها الإجتماعات السابقة التي اكدت كلها التضامن والتأييد الكاملين مع العراق في مساعيه لرفع الحصار الظالم عن شعبه، وفي مواجهة التهديدات بالعدوان علي أرضه وشعبه وسيادته.
وتحدَّث وزير خارجية المملكة العربية السعودية الأمير سعود الفيصل، وكان حديثه مختلفا عن التوجه العام في حديث رئيس الجلسة. فقد كان يلامس، ملامسة خفيفة جداً، فكرة جريدة الأهرام لكنه كان مهذباً وحذراً جداً في اختيار مفرداته، وتساءل بصورة عامة عما يمكن ان يفعله العراق لتفادي الحرب.
تحدث الوزير العراقي في رد خاطب فيه الوزير السعودي مباشرة بما يشبه المحاورة الثنائية فشرح ما فعلته القيادة لدرء خطر الحرب، وما تحملته القيادة والعراقيون عموماً من اعتداءات عسكرية يومية من جانب الولايات المتحدة وبريطانيا، ومن تجاوزات من جانب مفتشي الأمم المتحدة، ومحاولات للإستهانة بمعاني السيادة والإستقلال والكرامة الوطنية وانتهاك الثوابت فيما يتصل بأمن الشعب والدولة والقيادة.
استغرق حديث الوزير نحو 15 دقيقة، وقد خلا من أي توتر أو تهاتر، بل تمَّ، على العكس، بأسلوب هادىء وراق وبنبرة أخوية موجهة للوزير السعودي، ولم يعقِّب الأمير سعود الفيصل وأنهى مداخلته.
وهنا قفز وزير خارجية الأردن مروان المعشر (الذي عينته الإدارة الأميركية مؤخرا مديرا لمعهد كارنيغي البحثي ذي المكانة المرموقة في أوساط صناع القرار الأميركي) إلى حلبة النقاش بعصبية وبنبرة استفزازية وكأن صبره قد نفد بسبب عدم نزول أي وزير عربي الى ميدان تبني الدعوة الأميركية صراحة، خصوصاً بعد ان بدا الوزير السعودي غير متحمس لطرحها، وانسحابه في الحال إثر رد الوزير العراقي عليه.
تحدث الوزير المعشر مطولاً وبكثير من اللف والدوران مكرراً فكرة واحدة مفادها ان "المنطقة كلها تنتظر من القيادة العراقية ان تقدم على اجراء تنقذ به العراق وتجنب المنطقة ويلات الحرب".
وهنا قاطعه وزير الخارجية السوري السيد فاروق الشرع، مطالباً إياه أن يفصح عما يريد قوله وان يكشف عن مبتغاه وقال له "قل لنا ماذا تريد ان تقول.. قل لنا ماذا تريد، لماذا كل هذا الكلام المبهم، ماذا تريد من هذا اللف والدوران، مالذي تريده؟"، فرد الوزير الأردني محتجا على أسلوب كلام الوزير السوري ودخل معه في ما يشبه السجال.
وقد أنهى وزير الخارجية العراقي هذا السجال بطلب الكلام من رئيس المؤتمر، وبدأ الحديث قائلا
"أخواني اصحاب السعادة، هل احتاجت دولة عربية من موريتانيا"، ورفع يده من حيث يجلس الوفد العراقي في وسط نصف الحلقة المستديرة لجلسة الوفود المنفتحة على مقعد الرئاسة، مؤشرا الى وفد موريتانيا في بداية نصف الحلقة من جهة الشمال، ثم دار يده حول نصف الحلقة الى نهايتها من جهة اليمين عند وفد الأردن، مكملاً حديثه "الى الأردن، هل احتاجت دولة عربية أو طلبت من العراق مالا ولم يكن مال العراق أمامها؟ وهل احتاجت دولة عربية أو طلبت من العراق سلاحا ولم يكن سلاح العراق أمامها؟ وهل احتاجت دولة عربية أو طلبت من العراق رجالا ولم يكن رجال العراق أمامها؟ مع ذلك، اخواني، العراق لا يطلب منكم مالا فما لديه وفير والحمد لله، ولا يطلب منكم سلاحا فسلاحه وفير والحمد لله، ولا يطلب منكم رجالا فرجاله متأهبون للدفاع عنه والحمد لله. وهو لا يطلب منكم اخواني الا شيئاً واحداً هو أن لا يأتيه ضرر منكم. وهذا ليس استنكافا، فالعراق يتشرف ويعتز بكل من يقف الى جانبه من أشقائه، الا اننا اخواني لا نسألكم الا أن لا يأتينا منكم ما يضرنا ويسيء الى أمننا وسيادتنا ومصالحنا الوطنية".
وهنا ران صمت مطبق على الحضور، ولم يتحرك سوى وزير خارجية موريتانيا الذي أومأ برأسه مؤيداً لإشارة الوزير الى دعم العراق للدول العربية، وكان يشير الى موقف لا ينساه الموريتانيون عندما تهدد خطر الغزو الأجنبي موريتانيا من الجنوب، السنغال، فاستنجدت بالعراق فغيرت السلطات العراقية مسار صفقة اسلحة روسية ضخمة تتكون من دبابات ومدرعات ومدفعية من روسيا الى موريتانيا، التي فرضت حسب ما رواه لنا دبلوماسيون عراقيون هناك، حظر التجول في العاصمة نواكشوط، لتسهيل نقل الصفقة العراقية الضخمة الى القواعد العسكرية)).
وهنا نختتم ردنا بالإشارة الى ما يثير الأسف والأسى بعد الإستغراب أن ينحدر السيد عمرو موسى الى هذا المنحدر من الكذب والتدليس والتزوير، فهذه التصريحات لا شك انها تذكرنا بما اتخذه السيد عمرو موسى من مواقف مخزية من العراق بعد تعرضه لجريمة العصر، جريمة الغزو والاحتلال والتدمير الممنهج على يد التحالف الاحتلالي الرباعي: اميركا وايران وبريطانيا والكيان الصهيوني.
فقد تبني بكل بساطة أكاذيب هذا التحالف لتبرير غزو العراق واحتلاله وتدميره، وأولها سيناريو المقابر الجماعية الذي أعدَّه عملاء ايران بإشراف أميركي بريطاني، وطرحه في إطار جامعة الدول العربية.
ثم سكت على منح مقعد العراق لحكومة الاحتلال الأجنبي حتى في عهد الحاكم الأمريكي بول بريمر، قبل ان تتبرقع بحكومة عميل من حملة الجنسية العراقية سابقاً، وذلك خلافاً لميثاق جامعة الدول العربية الذي ينص على قبول الدول العربية المستقلة وذات السيادة فقط وليس حكومات الاحتلال الأجنبي.
ورغم معرفته بطبيعة أوضاع العراق بعد الغزو الأجنبي، قام بزيارة للعراق الخاضع لسلطة الإحتلال الأجنبي بينما كان يرفض زيارة العراق في ظل الحكم الوطني والسيادة والاستقلال الوطني لعدة سنوات.
بل بلغ به الإنحدار والتخلي عن كل ما كان يدعيه من حصافة وتروٍ واحترامٍ لنفسه ولميثاق الجامعة العربية عندما ذهب الى النجف لمقابلة رجل الدين الإيراني، علي سيستاني، صديق دونالد رامسفيلد وبول بريمر وحليف الأحتلال الأميركي وممثل سلطة ولاية الفقيه الفارسية في العراق.
كما دلَّل على حقيقة مواقفه المعادية للقضايا القومية، بتحالفه، في سياق تهالكه على السلطة، مع احمد شفيق حليف صديق العدو الصهيوني الكبير حسني مبارك، ومع خادم الأميركان الشيطان الأخرس محمد البرادعي الذي امتنع عن قول شهادة الحق بما ينصف العراق ويرد عنه كذب وتزييف ولاة نعمته الأميركيين.
وفيما يأتي نص ما قاله السيد عمرو موسى عن الموضوع أعلاه في حديثه لجريدة الحياة .. ولعل القارىء الحصيف سيدرك أي منحدر من انعدام المصداقية وغياب احترام النفس انحدر اليه من ظلم نفسه قبل أن يظلم موقع رئاسة مصر عندما رشَّح نفسه لقيادة بلد عربي عظيم وشعب عربي كان في الصف الأول، مع أشقائه في العراق وبلاد الشام، في قيادة مسيرة النهضة الحديثة في الأٌطار العربية وقبلها مسيرة الحضارة العربية الإسلامية، وقبلهما، طبعاً، مسيرة الحضارة البشرية.
نص حديث السيد عمرو موسى عن مؤتمر القمة العربي في مدينة شرم الشيخ المصرية في 1/3/2003:
(( -تعرضت لانتقادات لرفضك مناقشة اقتراح الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان تنحى الرئيس صدّام حسين؟
*كان ذلك فى القمة العربية التى عُقدت فى شرم الشيخ، والتى سبقت الغزو الأمريكى مباشرة فى مارس 2003. كان الملك حمد بن عيسى ملك البحرين يتولى رئاسة تلك القمة.
وصل مغلف مغلق من وفد الإمارات الى ملك البحرين. تم فتح المغلف وتصفحه الملك وأعطانى إياه. قلت للسفير هشام بدر (مدير مكتبى) إن تلك الرسالة خطيرة جداً، وطلبت منه أن يُشرف شخصياً على نسخ 22 صورة فقط من تلك الرسالة وأن يحضر إلى النُّسخ الـ 22 مع الأصل. وزعت 22 نسخة من تلك الرسالة على القادة العرب فى الجلسة نفسها، بعدما أعلنت أن هناك رسالة مهمة ستوزع عليهم، وهى موجهة من سمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان إلى جلالة الملك حمد بن عيسى رئيس القمة وملك البحرين. وكان الشيخ راشد عبد الله النعيمى وزير خارجية الإمارات، وكان فى غاية النشاط، يعمل على تعبئة التأييد لرسالة الشيخ زايد، حينها ذكرت للملك أن هناك ضرورة للتشاور لاتخاذ القرار المناسب فى صدد هذا التطور المهم. كان على، باعتبارى أميناً عاماً للجامعة، أن ألفت الانتباه إلى أى تطور يحدث خلال الاجتماع، وأن أشير إلى أى رسالة مهمة توجه إلى القمة، وقد سُلِّمَت الرسالة إلى ملك البحرين، وهو سلمنى إياها فطلبت توزيعها مباشرة فور تصويرها، وهو ما تم. وطُلبت مهلة تُرفع فيها الجلسة للتشاور، أعتقد أن مصر واليمن طلباها، كان الرئيس اليمنى على عبد الله صالح فى منتهى التشوق لمعرفة ما ستنتهى إليه الأمور، وكان الرئيس مبارك محتاراً ماذا يفعل، ولكنه لم يكن رئيس الاجتماع، وبدا مرتاحاً لذلك. رُفعت الجلسة للتشاور فور التوزيع بناءً على هذا الطلب المزدوج. فوجئ العراقيون، وأصيبوا بحالة هياج لأننى قمت بتوزيع الرسالة. مصر لم تكن مستعدة لطرحها للنقاش، لأنها توقعت حدوث مشادات وانقسامات، وربما ملاكمات، والمصريون يريدون تهدئة الأوضاع فى القمة التى تعقد على أرضهم، وكذلك دول أخرى كان لديها التوجه نفسه. قلت: نحن فى حاجة إلى آراء بالنسبة إلى هذا الموضوع، لأن هناك اقتراحاً قُدِّم، فقال المصريون، وعلى ما أذكر أيضاً الليبيون، وبالتأكيد الأردنيون، إنه لن تتم مناقشة الرسالة الآن، بل سنتشاور بأمرها ثنائياً وخارج الاجتماع الرسمى، وانتهى الموضوع عند هذا الحد ولم تتم مناقشته. لكن هناك مَنْ اتهمنى بأننى السبب (فى عدم مناقشة مضمون الرسالة)، وهذا غير صحيح. كان عدد من الملوك والرؤساء غير مستعدين لمناقشة علنية لها. والحقيقة أننى شعرت بأن الموضوع خطر وحساس جداً، ولا بد أن تتكلم الدول وتعلن إن كانت مستعدة لأن تطالب صدّام بأن يتنازل ويذهب إلى الإمارات كضيف، كما كان الاقتراح الإماراتي. الحقيقة أن الحملة ضدى لم تكن مبررة، لأن الرسالة لم تكن موجهة إليّ، والبند لم يكن قد اقتُرِح، وأنا قمت بتوزيع 22 نسخة على رؤساء الوفود الـ 22 المشاركين، وأن الذى طلب عدم مناقشتها هم ملوك ورؤساء طلبوا رسمياً عدم الإصرار على المناقشة العلنية( عتب على السفير أسامة الباز المستشار السياسى للرئيس مبارك آنذاك، لأننى وزعت الرسالة، قائلاً على طريقته: «ما كنت تخفيها»، فقلت له على مسمع من الآخرين فى الأمانة العامة للجامعة: ده مش لعب يا أسامة، ودى رسالة من رئيس دولة إلى القمة، وهى لا توضع فى الأدراج. وتركته ومشيت).
-هل كان العتب عليك من الدول التى كانت ميّالة لمناقشة الموضوع فى المواقف؟
*لو كان أحد تشاور معى قبل ذلك لكنت أشرت عليه بطريقة مختلفة، وكان الحرى بهم أن يعرفوا أنهم لو تشاوروا معى مسبقاً لما كان ذلك سيعنى أننى سأنقل ذلك التشاور إلى أى كان. كنت سأشير على مَنْ اقترَحَ أنه بما أن هذا موضوع حساس جداً ونحن فى قمة علنية، فيجب أولاً أن نضع المسألة العراقية على الأجندة، وهذا ليس صعباً، فالوضع فى العراق وتطوراته كان يجب وضعه على الأجندة فى كل الأحوال، ثم يُثار هذا الوضع فى إطاره، بما فى ذلك الرسالة الإماراتية، ولكن لا تكون هى نقطة البداية، بل مناقشة الوضع فى العراق، بغرض أن ينتهى باقتراحات وحلول، منها استضافة صدام فى الإمارات. وكنت مستعداً لأن أحاجج الوفد العراقى من هذا المنطلق. لكن لم يتشاور معى أحد وفوجئت بالرسالة التى سلمنى إياها ملك البحرين فكيف لا يتم التشاور مع الأمين العام؟ وأنا -كأمين عام- أمينٌ فعلياً على كل ما يُقال لي، لأن هذا أمر يتعلق بشأن عربى مهم وحساس. هم اعتقدوا ربما أن كون الأمين العام مصرياً سينقل الأمر إلى دولته، والواقع أن هذا لم يكن أسلوبى فى العمل، وقد وزعت الرسالة، كما ذكرت، وتسلم الوفد العراقى نسخته، فكان ما كان من ثورتهم وتهديداتهم، وربما أدى هذا إلى تراجع الوفود العربية عن المناقشة الرسمية، خشية حدوث ما لا تحمد عقباه)).
هناك تعليقان (2):
ما ضر العراق هجوم اعداءه الا مؤقتا والى حين بعون الله ولكن احزنه والمه خيانة من ادعو اخوته وبذل لهم لارعقا الغالي والنفيس . فما كان ينبغي السكوت على خيانة عمرو موسى ولا حكومات الاردن ولا حكومات مصر الذين كانوا بعيدين عن شعوبهم المحبة للعراق والعراقيين .
الأستاذ مصطفى المحترم
بوركتم على نشر هذه الإضاءات المهمّة عن واحدة من القضايا التي توضّح مستوى التآمر على العراق، وبنفس الوقت، مستوى ما تحلّت به القيادة العراقية من صبر وحكمة ودأب على مواجهة ذلك التآمر.
لدي تعليق بسيط، اذ اودّ ان نقرأ ثانية ما يقوله عمرو موسى في اللقاء، اقتبس منه الفقرة التالية:ـ
(لو كان أحد تشاور معى قبل ذلك لكنت أشرت عليه بطريقة مختلفة، وكان الحرى بهم أن يعرفوا أنهم لو تشاوروا معى مسبقاً لما كان ذلك سيعنى أننى سأنقل ذلك التشاور إلى أى كان. كنت سأشير على مَنْ اقترَحَ أنه بما أن هذا موضوع حساس جداً ونحن فى قمة علنية، فيجب أولاً أن نضع المسألة العراقية على الأجندة، وهذا ليس صعباً، فالوضع فى العراق وتطوراته كان يجب وضعه على الأجندة فى كل الأحوال، ثم يُثار هذا الوضع فى إطاره، بما فى ذلك الرسالة الإماراتية، ولكن لا تكون هى نقطة البداية، بل مناقشة الوضع فى العراق، بغرض أن ينتهى باقتراحات وحلول، منها استضافة صدام فى الإمارات. وكنت مستعداً لأن أحاجج الوفد العراقى من هذا المنطلق....)إنتهى الإقتباس. وهنا اتساءل، هل هذا هو التصرّف المطلوب من المُفترض أنه مؤتمن على العمل العربي المشترك؟ إنه كان يتمنى أن يُسخّر قدراته لعمل تآمري ضد العراق وقيادته، لكنه يتأسف لأن احداً لم يطلب منه ذلك.
لنلاحظ ما يقول: انه كان يود ان يضع قضيّة العراق على جدول الأعمال ليس لكي يناقشها القادة من زواية ان دولة عربية يتهدّدها خطر عدوان خارجي وانه يجب ان تتخذ القمّة ما يلزم من القرارات ضد هذا الخطر محذّرة في اقل تقدير من يسعى لغزو العراق، مذكرة إياه بالقوانين الدولية وبميثاق الأمم المتحدّة، وبذلك تثبت أنها حريصة على شعب العراق، كلاّ لم يكن هذا هو ما يرمي به الدبلوماسي (اللامع) عمرو موسى، لم يكن مطلقاً يفكّر بذلك على هذا النحو الطبيعي جداً، بل ان تفكيره قد انحصر في كيفية إستغلال مناقشة القضيّة العراقية لتمرير ما هو مبيّت ضد القيادة العراقية، بل ضد العراق ككل ـ فهو المستهدف من كل هذه المناورات ـ ويتبجح عمرو موسى أنه كان مسلحاً بالحجج لمناقشة الوفد العراقي! لم ينقصه إلا القول انه كان على أهبة الإستعداد لمحاججة الإعداء! ألا تبّاً لمن لمّع صورة عمرو موسى وغش المواطن العربي البسيط بها.
المشكلة ان عمرو موسى يقول ذلك بعد كل الخراب الذي حلّ في العراق، ولو كان لديه ذرّة من غيرة على العمل العربي المشترك الذي إنتهى على يديه (النظيفتين) لانسحب ـ في اقل تقدير ـ من المشهد السياسي وانزوى بعيداً عن الأنظار فيريحنا ويرتاح!
إرسال تعليق