مع اننا سبق لنا أن كتبنا عن هذا الموضوع قبل عدة أشهر، هنا، الا ان مقالة الأستاذ باقر الصراف تستحق النشر، وهي تصلح لأن تكون بحثاً تفصيلياً عن القضية التي تعالجها...
اِحتكار تكنولوجي غيبي وفق مزاعم مضحكة
باقر الصراف
لا يزال البعض يتناول الخرافة المتداولة بـ"اِعتبارها حقيقة"،، رغم أنها مفاهيم متكونة في خِضـَّم تضاد تام مع الحقائق العلمية وتتناقض كلياً مع التفكير المنطقي الذي يقتضي ربط العلة بالمعلول، ويقرن بصورة لا فكاك منها، السـبب بالنتيجة. على مسـتوى الحاضـر أو المستقبل. والخرافة هي نتاج المراحل الأولى من مراحل تدرج الإنسان في سلّم الحضارة، وكان يُـلجأ إليها عندما يعجز الإنسان عن تفسير الظواهر من حوله. ومع تقدم العلوم والمعارف نبذ الإنسان الخرافة كونها تتناقض مع قوانين الطبيعة والمجتمع التي تؤكد على أنَّ أي تركيبة فكرية تنجم بالضرورة عن عامل محدد من العوامل التاريخية، ويكون ذلك العامل سبباً للعامل الذي يليه، ونتيجة حتمية للعامل الذي سبقه.
وفي هذه العملية الجدلية، يكون العامل السبب، قد تماهى مع العامل النتيجة، وعليه يمكن رصد التطور البشري والتقني على الدوام، وفق آليات علمية أثبتت صحتها التجارب العملية. هذا في النطاق العام. أما الاِستثناءات فيجرى تفسيرها بعامل الصدفة أو تصادف الصدف.
وللأسف، لا زالت هناك حركات سياسية وأيديولوجية تؤمن بالخرافة وتسوقها وتربطها بتهويمات لا زمنية وغير مرئية أو حتى غير مُتصوَرة بهدف خداع جمهورها وتغييب عقولها ووضع أثمن أجزاء الجسم الإنساني وأعقد مخلوقات الله على الرف : الدماغ والعقل والفؤاد.
إن المناسبة التي فرضت التسطير النقدي لهذه المقدمة الفكرية حول معنى الخرافة وموقعها في نطاق اِستكشاف طرق ومفاهيم التفسير لبعض الظواهر القديمة والمعاصرة، إننا في هذا البحث سنناقش قضية ملموسة تتعلق برؤية دعائية محددة من بين رؤى نظام ولاية الفقيه المستندة في أغلبها إلى الخرافة.
ـ 2 ـ
من المثير للسخرية أن تتحدث وسائل الإعلام والدعاية الإيرانية عن النهضة العلمية الواسعة في إيران ولاية الفقيه، وبنفس الوقت يطلع علينا إمام الجمعة في العاصمة الإيرانية طهران بقفزة أكروباتيكية : تجاوز فيها كل معايير الزمان ومقاييس المكان، لكي يخبرنا بتطور "علمي" آخر يسود إيران، غير معهود في كل التجارب البشرية، وكذلك، غير معروف عند كل العلوم العالمية، ففي تاريخ 12/7/2012 نشرت مجلة "رسالة إيران" خبراً عن الاِرتباط العلمي والتقني وربما "الغيبي" بين الولي الفقيه علي خامنئي، من جهة، وإمام العصر الغائب المنتظر، من جهة أخرى.
وبما أنَّ الشباب والشابات يهوون اِستخدام الهواتف النقالة التي لا تحتاج إلى مكاتب الخدمات السريعة، فلماذا لا يقلدهم كلٌ من "الغائب المنتظر" و"الحاضر المقدَّس" في الاِتصال والاِرتباط بينهما، لكي لا يطلع على أسرارهما فرد من البشر المتطفلين على الخفايا والحُجُب الإيرانية! فقد ادعى إمام جمعة طهران كاظم صدّيقي أنَّ الإمام المهدي (الغائب عن الأنظار) له ارتباط مباشر مع الولي المرشد خامنئي، وان هذا الارتباط يتم أحيانا عبر الهاتف أو الموبايل، وفق الظروف.
ونقلت مجلة "باسدار إسلام" التابعة للمدرسة الدينية في قم عن صدّيقي قوله : الإمام المهدي لا يتصل مع احد سوى مع خامنئي، وان المرشد الإيراني لم يكن يعرف الإمام المهدي في السابق، إلا أنّ الإمام المعصوم عرّف نفسه للسيد خامنئي، وقال له بالعربية : طوبى للخامنئي! حقا أنت نائبي في هذا الزمان.
والأكثر دهشـة في هذا السـياق قول صـدّيقي هذا جاء : بعد الثورة الإسلامية المزعومة، التي حدثت قبل 30 عاما، تعرفنا نحن رجال الدين والمراجع على الإمام الخامنئي الشاب، وأجمعنا[؟!] على انه الإمام المعصوم، خاصة فيما يتعلق بتعامله مع النساء، وزعم صديقي ان خامنئي يقيم كل عام مراسم خاصة تسمى «الفاطمية» يدعو فيها الإمام المهدي للمشاركة في هذه المراسم، ويضيف صديقي : منذ عدة سنوات والسيد خامنئي له «خط مباشر وساخن» مع الإمام المهدي، وان الإمام هو الذي اشرف على إفشال فتنة المعارضين قبل ثلاثة أعوام (أي عملية قتل وقمع وسجن مئات الأفراد من المظاهرات الشعبية الذي انتفضت احتجاجا على تزوير ما يسمى بالانتخابات الرئاسية في العام 2009م).
جدير بالإشارة أنَّ ما يُسمى بالشيخ صديقي يمثل جماعة تسمى «الحجتية»، وهذه الجماعة معروفة في إيران بأنها «جماعة طالبان الشيعة»، أي أنها أكثر غلواً وتطرفا من طالبان الأفغانية، كما يعلق المصدر الذي نقل الخبر.
ويؤكد مراجع دين إيرانيون، إنّ طرح مثل هذه الأكاذيب بشأن الإمام المهدي وارتباطه مع خامنئي له أسباب عدة، في مقدمتها فقدان شرعية المرشد العالمية، وان المراجع والمواطنين لا يثقون به بتاتا، وحتى أنهم صاروا ينقلون هذه الأيام كلمات مأثورة أكد عليها المرجع السابق آية الله حسين علي منتظري الذي قال : "إنّ خامنئي أوصل مرجعية الشيعة في إيران إلى السفاهة والحضيض"!
يبدو أنَّ المهمة الأساسية بل الوحيدة للإمام المهدي هي نجدة إيران ولاية الفقيه عندما تمر بالمآزق والأزمات السياسية المحرجة، إذ صرح الرئيس الإيراني نجاد، قبل سـنوات أنَّ يد المهدي هي التي تشـرف على إدارة أوضاع إيران المختلفة، وكانت طهران حينها تمر بأزمة اِقتصادية واِجتماعية، وخصوصاً في جوانب التضخم النقدي، وهو ـ أي الإمام ـ يلعب اليوم دور خرطوم المياه لإطفاء نيران الاِحتجاجات الداخلية ويقوم بإفشال "الفتن الأجنبية".
ولا نعرف الأسباب الكامنة وراء تلك المهمة المقتصرة على معالجة الأزمات الاِقتصادية والاِجتماعية والسياسية فقط!، أيكون الإمام المنتظر منحازاً للفرد المرشد "الأكبر والأوحد في إيران" ويريد أنْ يستعدي عليه أغلبية الشعوب الإيرانية؟ رغم صيحات بعضهم عليه، المقرونة باللطم على الرؤوس، ومناداتهم إليه والدموع تملأ مآقيهم : مهدي بيا... مهدي بيا : أي أيها الإمام المهدي المنتظر: مظهِر العجائب والمنقذ من النوازل، تعالَ لنجدتنا. هل عدم سماعه صيحات الاِستغاثة، والمناداة المستنجدة، تكمن في عدم اِمتلاك المستغيثين للهواتف الجوالة للاِتصال به؟!، بدلاً من الهتافات المدوية التي تصدّع الرؤوس، ربما!.
ـ 3 ـ
لقد جاء الرسول الأعظم ـ ص ـ في مرحلة تاريخية متميزة عما قبلها، ومتمايزة عمّا بعدها، وطوال مسيرته الشريفة في الدعوة العربية الإسلامية في مرحلتيها السرية والعلنية، وإسهاماته المؤثرة في تجسيد مفاهيم الأمة العربية من خلال العمل التوحيدي على الصعيد اللغوي، والجغرافي بجعل مكة : الكعبة المتفردة والأساسية على حساب منطق لكل قبيلة عربية في الجزيرة والحجاز كعبتها، والوحدة الإلهية من خلال تحطيم الأصنام والجهاد والفتح كمسار تاريخي : مادي ومعنوي، يضع الأمة العربية في موقع ريادي لنشــر الرسـالة الإسـلامية. إلخ.
ومن خلال دور عصر الخلفاء الراشدين والدولة الأموية والعصور الأولى من الدولة العباسية باِعتبارها معطىً تاريخي مشترك، جرى تكريس الرؤية العربية الإسلامية في الوطن العربي الراهن، إذ لم تتمكن التطورات اللاحقة، بما فيها الحروب الداخلية والاِحتلالات الأجنبية وإقامة الأنظمة السياسية القطرية التي حاولت توطيد بناءها الثقافي واللغوي على حساب المفاهيم العربية الإسلامية، من قلب هذه الرؤية أو التأثير على مجراها التاريخي.
وكان اِحدي المميزات الأكثر إضاءة للمسار النبوي المحمدي هو تعامله مع الحقائق التاريخية ورفضه للخرافات المتوارثة بشكل مطلق خلال تلك المرحلة المفصلية بالنسبة لنشوء الأمة العربية، ولعل المثال الأكثر إفادة على هذا الصعيد هو قطيعته الكلية مع الخزعبلات المتوارثة عن الأديان والمعتقدات الأخرى، كتأجيل الشمس غيابها بناءً على دعوة أحد "القديسين" أو من أجل أحد.
فسِفر يوشع من الكتاب المقدس، الذي ينعته البعض بأنه "سِفر المجازر" كونه المثال الملموس على عقلية القسوة والقتل وسفك الدماء عند بعض أتباع الدين اليهودي،[كما يورد الباحث عبد المجيد همو في كتابه المعنون اليهودية بعد عزرا وكيف أقرت، الصـادرة طبعته الأولى في دمشق عام 2003، عن دار الأوائل، ص 61].
ومن الإصحاح العاشر من سِفر يوشع، 12/4، الذي يؤكد على التالي : "حينئذٍ كلم يشوع الرب يوم أسلم الرب الأموريين أمام بني إسرائيل وقال أمام عيون إسرائيل يا شمس دومي على وادي جبعون ويا قمر على وادي أيلون فدامت الشمس ووقف القمر حتى اِنتقم الشعب من أعدائه. أليس هذا مكتوباً في سِفر يوشع ـ فوقفت الشمس في كبد السماء ولم تعجل للغروب نحو يوم كامل. ولم يكن مثل هذا اليوم قبله ولا بعده سمع فيه الرب صوت إنسان لأنَّ الرب حارب عن إسرائيل.
ثم بعث الله بعد موت يوشع بن نون بن إفرايم وأمره بمقاتلة الجبارين فسار بنو إسرائيل بعد شهر من موت موسى إلى بلاد الشام وقد غلب عليها العماليق، فسار إليهم ملك الشام وهو السميع بن هوبر فقاتلهم يوشع يوم الجمعة قتالاً شديداً حتى غربت الشمس فدعا الله أنْ يرد عليه الشمس فردها عليه فزاد في النهار يومئذٍ فهزم الجبارين واِقتحموا عليهم يقتلونهم"، [راجع كتاب السيد خليل عبد الكريم المعنون شـدو الربابة بأحوال مجتمع الصحابة، السِـفر الثالث، الصحابة والمجتمع، إصدار دار بن سينا للنشر عام 1997، القاهرة، الطبعة الأولى، ص 221].
ومن المعلوم أنَّ أحد الباحثين يؤكد، كما ينقل الدكتور صبري جريس "أنَّ العهد القديم كتبه أشخاص مختلفون، في عصور مختلفة، وبمحتويات مختلفة". وما يهمنا في هذه الرواية المنحولة في السِفر المنحول، هو كم ونوع الخرافة البعيدة عن أية مقاييس عقلية تكمن فيها، وما تنطوي عليه من إرادة بشرية متطلعة لفرض الرغبة الذاتية على القوانين الموضوعية الأزلية. ولكن من أجل ماذا؟ ليس من أجل الخير في سبيل المصالح البشرية، بطبيعة الحال، بل من أجل القتل وسفك الدماء بحق البشر الذين يملكون حق الحياة مثلهم مثل الآخرين : كالمهاجمين القاتلين تماماً، على سبيل المثال.
قبالة هذا المثال الذي يذكره سِفر يوشع، لتلك الرواية الخرافية، ورود الرؤية المحمدية حول شروق الشمس وغروبها، وخسوف القمر وبزوغه، وهي الرؤية التي أفاض به الرسول العربي الكريم، محمد (ص) في أحلك الأزمات الذاتية التي أحاطت به، حول ظاهرتي الكسوف والخسوف اللتين تصيبان الشمس والقمر، وهما ظاهرتان تصادفَ حدوثهما يوم وفاة نجله إبراهيم، فأسرع بعض المؤمنين ممن حضروا مراسم التشييع، وشاركوا النبي الأكرم في عملية توسيد الفقيد العزيز على قلب الرسول داخل القبر... أسرعوا للقول : بأنَّ عملية كسوف الشمس قد حدثت حزناً على فلذة كبد الرسول ـ ص ـ الذي تصادف موته في ذلك اليوم، وعندما سمع الرسول تلك الأقوال التي ربما كان مبعثها دغدغة عواطف الزعيم الروحي لهم، أو ناجمة عن انبهارهم بشخصية الرسول (ص)، فرددوا تلك الخرافة، اِغتنم الرسول (ص) فرصة ذلك الحدث لكي يصوب ما تداولته أذهانهم من مزاعم مخالفة للمنطق ومناقضة للتفكير العقلي، عبر قوله ـ ص ـ :"إنَّ الشمس والقمر آيتان من آيات الله تبارك وتعالى لا تنكسفان ولا تنخسفان بسبب موت أحد"، كان ذلك قبل صيرورة التفسير العلمي لهاتين الظاهرتين هو المظهر الرئيس في التفكير البشري المعاصر.
ـ 4 ـ
ورغم قوّة المثال هذا، والظاهرة التاريخية الأخرى التي تؤكد على حتمية موت الأحياء وتكاثر البشر اللانهائي، من خلال عمليتي الولادة والموت، فإنَّ الرؤية الفارسية الصفوية ما تزال تتواصل مع موروثها التاريخي الذي يؤكد بقاء المنقذ حيا ًفي اللا زمان واللا مكان، ويتدخل في كل ما يمس الحياة الدنيوية ولم يسأل، إذاً، لماذا لم يمنع الخميني من تجرع السم يوم هزيمة قواته عسكرياً على يد صناديد الجيش العراق، على سبيل المثال؟!.
إنَّ "صورة المُخـَلـِّص قد صبغتها الديانة الزرادشتية بصبغتها"، كما ينقل ذلك السيد عبد المجيد همو عن الأستاذ مرسيا إلياد مؤلـِّف كتاب تاريخ المعتقدات اليهودية، في كتاب السيد همو المعنون : اليهودية بعد عزرا وكيف أقـرَت، ص 176، فيما يؤكد المؤرخ الأمريكي ويل ديورانت على أنَّ "فكرة المسيح أو المسيح المنتظر موجودة في الديانة الفارسية [و] أنَّ اليهود اِستعاروها منهم في زمن النـّفي البابلي"، [المصدر السابق، ص 177]، ويؤكد باحث يهودي آخر يُسمى أوزيل إنَّ هذه الصورة الخيالية مستمدة "من المتضادات التي نراها في الديانة الزرادشتية" التي تروي إنّ الأمور ستؤول في النهاية إلى حرب كونية بين النور والحياة، "فالأسطورة الفارسية ـ باِعتراف هذا الباحث اليهودي ـ أُخذَت وأُستخدِمَت في صُنع أسطورة المسيح المنتظر لكاهن وحاكم خير"، [المصدر السابق، ص 178].
وإنَّ مآل التطورات ستكون نتائجها محكومة بمعركة هرمجدون، لذا، يضيف السيد عبد المجيد همو، "نستطيع أنْ نؤكد أنَّ هذه الفكرة قد أخذها اليهود عن زرادشت، فقد كانت هذه الفكرة عنده، وهي أنَّ كل ألف عام يظهر رجل من نسل زرادشت ليعيد للعالم صفاءه ونقاءه"، [المصدر ذاته، ص 176]، ولتطوير مفهوم هذه الخرافة جرى إقرانها بمزاعم الاِتصال الهاتفي بين خامنئي والفكرة الخرافية المسماة بالإمام الغائب الذي نعته سٍفر أشعيا، إصحاح 45، بكونه "المسيح مسيح الرب كورش المنقذ المخلـِّص"، [المصدر السابق، نفس الصفحة]، ويبدو أنه تطور نوعي في تصدير الخرافة و"إبداع" تكنولوجي غيبي سكـّته المنظومة الأيديولوجية للحجتية الفارسية الصفوية.
وبهذا الصدد يؤكد الباحث السيد عبد الزهرة اللاري الفارسي الأرومة والنشأة، والذي يطلق على نفسه اِسماً مستعارا هو أحمد الكاتب، يؤكد بعد بحثٍ معمق ودراسة مستفيضة، أنَّ فكرة... مفهوم الأمام المهدي المنتظر هي "اِفتراضاً فلسفياً وهمياً أكثر منها حقيقة تاريخية وهي تفتقر للاِستدلال النظري العقلي"، مثلما تفتقر إلى الأدلة العلمية التاريخية في مجال الشروط المهدوية كمفهوم النص الإلهي، والسلالة العلوية الحسينية، في المنظومة العامة للطرح النظري الاِثني عشري.
وأضاف السيد اللاري مؤكداً في موقعه الإلكتروني على ذلك بقوله : "كانت صـدمتي الكبرى عندما أعلن الشيخ المفيد والسيد مرتضى والنعماني والطوسي... أعلن هؤلاء عن عدم وجود دليل علمي تاريخي لديهم على ولادة (اِبن) للإمام حسن العسكري ولكن مع ذلك ينبغي الإيمان بتلك الولادة، من أجل إنقاذ نظرية الإمامة الإلهية وصيانتها من السقوط".
إذاً، نظرية الإمامة الإلهية في حقيقتها الجوهرية هي من صنع الفلاسفة المتكلمين وليس لها علاقة واقعية بأهل البيت، كما يذهب إلى ذلك اللاري، وإذا ترجمنا تلك الرؤية إلى اِستنتاجات فكرية، علينا القول أنَّ آلاف الكتب التي صدرت تتحدث عن حق الإمام المنتظر في السلطة الإلهية التي هي ألف باء الرؤية السياسية الفارسية الصفوية ومعيار المعايير لمحاكمة كل التطورات التاريخية التي شهدها التاريخ العربي الإسلامي، ناهيك عن آلاف الأرواح المقتولة والدماء المسفوحة وشلالات الدموع المدرارة هي من قبيل الاِفتراءات المقصودة على الرؤية الإمامية ومنسوبة زوراً للأئمة الأحد عشر، والتي يجري التحريض باِسمها هي من قبيل الدعوات السياسية المـُستخدمة في سبيل تنشيط خط سياسي هادف يرتبط بالدولة الإيرانية وعملها الأيديولوجي والسياسي، فكيف جرى تمرير تلك الأكذوبة الكبرى حول الاِتصال الهاتفي بين الحجة المنتظر : الإمام الغائب، والمرجع "الديني" الأعلم والمتبتل عن النساء، المرجع العالمي الأوحد علي الخامنئي، وفق مزاعم إمام جمعة طهران؟.
في أية حال، إنَّ ما يسمى بالتطور التكنولوجي الإيراني الراهن والذي يهلل له البعض، ويعده معيار المعايير لنجاح التجربة الإيرانية، وبات اليوم ينظـِّـر لها سياسياً، ينبغي له التفكير الملي والعميق، وتوسيع أفق نظرته التاريخية، وعليه تذكر التجربة الشمولية "السوفيتية" التي كان يقودها الاِتحاد الروسي، ويمعن النظر في الأسباب البنيوية التي جعلها تتهاوي رغم التطور العلمي والعسكري التي ساد نمطها على كل الصعد، ورغم اِعتمادهم النظريات العلمية في العمل والإنتاج والتفسير وأدوات الإنتاج، عبر الفلسفة المادية الجدلية، والمادية التاريخية، والتخطيط الاِقتصادي المركزي، لأنها كانت فلسفة تفتقر للعدالة الاِقتصادية والاِجتماعية بين الشعوب المكونة للاٍتحاد السوفييتي، ولاِنعدام الحريات السـياسـية، وللتناقض المروع بين النظرية العلمية، من جهة، والممارسة السياسية العملية، من جهة أخرى، التي كان ينبغي لهما أنْ ترشد وتوجه وتصحح وتثري طرفيها، ولطغيان سلطة أرادت معالجة الأزمة السياسية الوطنية العامة باللجوء إلى الأكاذيب والخرافات حول تطور المراحل الشيوعية الأولى، من قبيل دولة كل الشعب التي تـُبنى على أسسها الخاصة في ميادين التطور... إلخ.
لقد اِنهارت كل تلك التجربة يوم لم تكن لفلسفة الاِتصالات العالمية دورها الملموس في التطور، ويوم لم يكن للفضائيات الإعلامية مثل أهميتها الراهنة، ويوم لم يكن لثورات الشعوب الوجود العيني مثلما هو الحال في إيران اليوم، التي تشهد ثورات واِنتفاضات في صفوف الشعب الكردي والشعب البلوشي والشعب العربي والشعب الأذري، وحتى في صفوف التكوين الاِجتماعي الفارسي الذي يتحرك سياسياً وينتفض بين فترة وأخرى، كما أنَ الظرف السياسي العالمي غير مؤاتٍ لإيران ولاية الفقيه، الذي من بين أبرز مؤشراته تراجع الصادرات النفطية، وهو المصدر الرئيسي للدخل القومي الإيراني، بنسبة 45 % عما كانت عليه في الأعوام الماضية.
ولن تنفع قياداتها "المعصومة" وفق معايير الشعوذة والدجل اِعتماد الحيل الغيبية كاِعتماد أكاذيب الاِتصال الهاتفي بين "الإمام الغائب" : المهدي المنتظر، من ناحية، والمشعوذ الدجال : علي خامنئي، من ناحية أخرى، في إطالة عمر النظام الذي يتنافخ بشكلٍ مستمر، وتجنيبه عملية السقوط الحتمي تحت وطأة الظلم والجور والتمييز والأزمات السياسية والاِقتصادية المتتالية والمتوالية، وسلسلة العمليات المستمرة والمتواصلة لإعدام ثوار تلك الشعوب وطلائعها الناشطة والنبيلة، وليته يتعلم من تجربة محاولة الضفدعة التي تنافخت حتى تصبح مثل البقرة : فاِنفجرت.
نشر المقال هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق